مزرعة آل بونغو.. قصص الغابون المظلمة وغير المروية
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
قبل أسابيع، نشرنا في "ميدان" مقطع فيديو عن رجل الأعمال الفرنسي وتاجر الخمر الغني "بيير كاستيل"، وتناولنا أهم الرؤساء الأفارقة الذين ساعدوا هذا الأخطبوط في السيطرة على تجارة الخمر في أفريقيا مكوِّنا ثورة ضخمة، ومنهم الرئيس الغابوني السابق "عمر بونغو". لقد توفي عمر بونغو واضعا ابنه علي بونغو على كرسي الحكم حتى أيام قليلة مضت، لكن يبدو أن الأيام الطوال لتلك العائلة الحاكمة انتهت في الأخير، حيث استيقظ العالم على خبر انقلاب عسكري في الغابون مؤخرا أنهى حكم "آل بونغو" الذي استمر طيلة أكثر من نصف قرن.
"لمدة 120 سنة عاشت فرنسا والغابون علاقة صداقة متينة، ووصول الغابون للاستقلال وبسط السيادة الوطنية لن يُغيِّر من الأمر شيئا في هذه العلاقة".
(رئيس الغابون السابق ليون إمبا)
وجه شاحب مرهق، وعينان مريضتان، وجسد متعب، كانت هذه الصورة كفيلة بإخبارنا ببعض مما يعيشه الرئيس الغابوني السابق "علي بونغو" داخل مقر إقامته الجبرية في العاصمة "ليبروفيل". خرج الرئيس يوم 30 أغسطس/آب في مقطع مصور داعيا محبيه وحلفاءه إلى رفع أصوات الاحتجاج وإسماع العالم رسالته، بعد أن انتهى به الأمر معزولا بقرار من القوات المسلحة الغابونية.
لم تكن الحالة الجسدية والنفسية المتدهورة وحدها ما استرعى انتباه المتابعين والمهتمين بما يحدث في الغابون، بل اللغة المستخدمة في مقطع الفيديو أيضا. فقد تحدث الرئيس الغابوني المعزول باللغة الإنجليزية بدلا من الفرنسية وهي لغة البلاد الرسمية. وحول هذا الاختيار قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية إن اختيار علي بونغو للغة الإنجليزية أتى لتأكيد التدهور الكبير الذي عرفته العلاقات الغابونية-الفرنسية أثناء حكمه، رغم أن أباه كان ركنا ركينا في مشروع "فرانس أفريك" سيئ السمعة الذي وضعته باريس لإبقاء يدها مبسوطة على ثروات القارة الأفريقية. (1)
في زيارة له إلى باريس، أكَّد الرئيس الغابوني ليون مبا (يمين) عند لقائه بنظيره الفرنسي "شارل ديغول" أن كل غابوني ينتمي إلى وطنَيْن هُما الغابون وفرنسا. (AFP)لم يعد اليوم يشبه البارحة، فقد تغيرت أمور عديدة من الستينيات إلى يومنا هذا. لقد بدأت قصة الأمس يوم 17 أغسطس/آب 1960، تاريخ "استقلال" الغابون، حين ارتقى "ليون مبا"، الوزير الأول حينها، إلى منصب رئيس الجمهورية. وقد جاء اختيار "مبا" لهذا المنصب طبيعيا، إذ كان الرجل أحد أكثر المخلصين لفرنسا، وضمن بنفسه للفرنسيين حصة الأسد من ثروات الغابون الغني بالنفط واليورانيوم والمنغنيز. لم يكن أيٌّ من ذلك سرا من أسرار الدولة، ففي زيارة له إلى باريس عام 1961، أكَّد الرئيس الغابوني عند لقائه بنظيره الفرنسي "شارل ديغول" أن كل غابوني ينتمي إلى وطنَيْن هُما الغابون وفرنسا. لم تتنكر فرنسا لهذا الجميل العظيم، فتدخَّلت عام 1964 لصدِّ الجيش الغابوني الذي قاد انقلابا عسكريا على "ليون مبا"، مُعِيدة إياه إلى كرسي الحكم محمولا على دبابات الجيش الفرنسي الذي لم يسمح للجيش المحلي بحكم البلاد حينها. (2)
لم يخلد الرئيس الغابوني في كرسيه كما هو معلوم، فقد أنهكه المرض وتوفي عام 1967، أما الشخص الذي حلَّ مكانه وأكمل نهجه فلم يكن سوى نائبه "ألبير بيرنارد بونغو"، أو "الحاج عمر بونغو" الذي غيَّر اسمه بعد إسلامه عام 1973 وأبقى على نفوذ باريس ممتدا في البلاد، وأنشأ في الوقت نفسه واقعا سياسيا على مقاسه أصبح معه الرجل الأول والأخير، بل حوَّل البلاد نفسها إلى مزرعة عائلية تخضع مواردها لرغبات آل بونغو.
بعد وصوله إلى كرسي الحكم، توجه بونغو في أول زيارة دبلوماسية له إلى فرنسا بطبيعة الحال. وهناك التقى "جاك فوكار"، عرَّاب مشروع "فرانس أفريك"، ومستشار الجمهورية الفرنسية للشؤون الأفريقية. وفي أثناء هذه الزيارة، توجه عمر بونغو (كان يُسمى ألبير بيرناد حينها) بكلمة أكد فيها أنه أصر على أن تكون زيارته الأولى لدولة صديقة هي فرنسا، وشكر ديغول وحكومته على كل ما قدموه لسلفه "ليون مبا" في حياته وبعد وفاته بتنظيم الجنازة التي انطلقت من باريس ثم وصلت إلى الغابون. كما أكد الرئيس الغابوني أهمية المشاريع الاقتصادية التي تجمع فرنسا وبلاده. (3)
ساهمت الثروات المعدنية للغابون في امتلاء خزائن الدولة التي تعامل معها الرئيس بونغو بوصفها خزانات شخصية، وقد اتجه جزء من هذه الأموال مباشرة إلى باريس لشراء ولاء بعض الشخصيات الفرنسية، بحسب ما ذكرته مصادر دبلوماسية فرنسية أكدت أن أموال الغابون آلت في أحيان كثيرة إلى صناديق الأحزاب الفرنسية. (4) الأكثر كارثية من ذلك هو أن عمر بونغو سيَّر الشؤون المالية على نحو بالغ السوء، حتى إنه أحيانا ما توجه إلى الفرنسيين أنفسهم لطلب مساعدات اقتصادية رغم السعر المرتفع للبترول حينها.
بدا عمر بونغو (يسار) في أواخر أيامه تائها ومنعزلا، واختلف مع "صديقه" جاك شيراك، حيث رأى الأخير ضررا كبيرا في توريث بونغو الحكم لابنه علي، غير المؤهل في نظر الفرنسيين. (غيتي)لقد تمنَّى عمر بونغو (المولود عام 1935) لو أنه وُلِد قبل ذلك التاريخ حتى يكون "وزيرا فرنسيا" عندما رزحت بلاده تحت الاستعمار الفرنسي، كما قال بنفسه في يوم من الأيام (5)، ولكن الواقع قد يكون أجمل من الخيال أحيانا، إذ حافظ بونغو على منصب رئيس البلاد بعد أن حقق سلسلة من النجاحات الانتخابية الساحقة بدعم من فرنسا، التي لطالما وصفها بوطنه القديم وشريكه الحالي. ولأن القلب لا يجتمع على حب نقيضين، لم يكن الرئيس الغابوني يُكِنُّ المشاعر نفسها للمعارضة الغابونية التي أخذ يُضيِّق عليها الخناق يوما بعد يوم. ورغم ذلك، اضطر الرجل عام 1990 لفتح باب الديمقراطية قليلا بعد احتجاجات شعبية كبيرة، في وقت شهدت فيه البلاد موجة غضب متصاعدة وملحوظة تجاهه وتجاه عائلته.
بدأت الأمور تسير بطريقة سيئة لعمر بونغو على المستوى الخارجي أيضا، فمع بداية التسعينيات، تضاءلت الأهمية الإستراتيجية للغابون لدى فرنسا مع انتهاء الحرب الباردة، ورغم إصرار باريس على مواصلة إعطاء الرئيس الغابوني وضعا خاصا، فإن الرجل في أواخر أيامه بدا تائها ومنعزلا، واختلف مع "صديقه" جاك شيراك، حيث رأى الأخير ضررا كبيرا في توريث عمر بونغو الحكم لابنه علي، غير المؤهل في نظر الفرنسيين. (6)
انتهت قصة عمر بونغو الأب بوفاته يوم 8 يونيو/حزيران 2009، وقد وَصَف التلفزيون الفرنسي وفاته بأنها "نهاية رجل الوساطات الذي عرفت حياته انتقادات كبيرة بسبب علاقته مع فرنسا واتهامه بالفساد". (7) أما "نيكولا ساركوزي"، الرئيس الفرنسي حينها، فوَصَف الرئيس الغابوني بالصديق الوفي لبلاده، الذي دافع عن ألوان العلم الفرنسي لدرجة تورُّطه في قضايا منها قضية "ELF" التي أسقطت عددا من وزراء الرئيس الفرنسي الاشتراكي السابق "فرانسوا ميتران". (8)
بالروح بالدم نفديك يا.. "علي" لم يأت وصول علي بونغو لكرسي الرئاسة عبر الاستفتاء أو التعيين، بل تمَّ الأمر عن طريق انتخابات رئاسية كاملة حامت حولها الكثير من الشبهات. (غيتي)دشَّن علي بونغو "الابن" نشاطه السياسي عام 1981 عندما انضم إلى الحزب الديمقراطي الغابوني الحاكم، وبعد سنتين انتُخِب عضوا بالمكتب المركزي للحزب، ما جعله تلقائيا أحد المُعيَّنين بمكتب والده قبل أن ينضم إلى المكتب السياسي للحزب عام 1986. لاحقا، تولى بونغو حقيبة وزارة الخارجية بين عامي 1989-1991 ثم وزارة الدفاع بين عامي 1999-2009، وهي السنة التي توفي فيها والده.
لم يأتِ وصول علي بونغو لكرسي الرئاسة عبر الاستفتاء أو التعيين، بل حدث الأمر بطريقة أكثر أناقة، وهي انتخابات رئاسية كاملة حامت حولها الكثير من الشبهات. وبعد حصوله على 42% من الأصوات (النسبة الأكبر من بين بقية المرشحين في انتخابات من جولة واحدة)، خرج الرئيس الغابوني للحديث عن الصعوبة الكبيرة التي واجهها بسبب اسمه في الوصول إلى الرئاسة، رافضا نظرية أن كونه ابنا للرئيس السابق هو السبب المباشر في فوزه بالانتخابات.
في ولايته الأولى، ورغم افتقاده لنقاط القوة التي تمتع بها والده مثل الكاريزما والعلاقات الخارجية القوية، حاول علي بونغو الدخول في مشاريع كبرى بهدف تحقيق ثورة اقتصادية كافية لإخراج 30% من الغابونيين من حالة "العوز"، لكنه أخفق في ذلك، تماما كما أخفق في خلق صورة زعيم حقيقي للبلاد. بهذا الحصيلة المتواضعة، دخل الرئيس الغابوني غمار السابق الرئاسي من جديد عام 2016، غير أن الطريف هنا هو توجُّه الحملة الانتخابية التي قادها، التي حملت شعار "التغيير.. هو أنا".
لعله كان اختيارا غريبا في جرأته، لا سيَّما وهو صادر من الرجل الذي حكم أبوه البلاد بالحديد والنار طيلة عقود، قبل أن يتسلَّم منه البلاد على طبق من ذهب. ولهذا السبب لم تذكر الحملة الإعلامية لقب الرئيس العائلي "بونغو"، بل اكتفت باسمه الأول علي. (9) فاز بونغو بالانتخابات الرئاسية بفرق 5500 صوت فقط، وصرخت المعارضة مُحتجة على التزوير الذي شهدته الانتخابات بحسب دعواها، فيما تناقل الإعلام الدولي شكوكا كبيرة حول نزاهة العملية الانتخابية. من جهته، احتفل علي بونغو بإبقائه على منصبه، بعد أن أبعد جميع مقربيه الذين حامت حولهم شكوك التدخُّل المباشر في تزوير الانتخابات لصالحه. (10)
بدأت السنوات الصعبة لعلي بونغو عام 2018 بسبب جلطة دماغية أظهرته بصورة ضعيفة وهشة لم تعُد تؤهله للبقاء طويلا في الحكم. وهكذا فهم بعض العسكريين الرسالة، فحاولوا تدبير انقلاب لانتزاع الحكم في يناير/كانون الثاني 2019، لكنها كانت محاولة فاشلة أعقبتها اعتقالات واسعة بذريعة "محاربة الفساد". وفي الوقت نفسه، تمت ترقية الابن "نور الدين بونغو" مُنسقا لشؤون الرئاسة، ثم أعلن علي بونغو نيته الترشح من جديد في انتخابات 2023. وقد تمكَّن الرجل من الوصول إلى الاستحقاق الانتخابي بالفعل، وحصل على نسبة أصوات 64.27%، لكنَّ انقلابا ثانيا، ناجحا هذه المرة، تمَّ في الأخير يوم 30 أغسطس/آب 2023، أنهى حُكم عائلة بونغو ويقف بصدد القضاء على نفوذها. وعندما نقول نفوذ العائلة، فلسنا نتحدث عن عمر الأب وعلي الابن فحسب، بل عن أشخاص آخرين نافذين، أهمهم "باسكالين بونغو".
زهرة في صحراء الغابونقصة حب مثيرة تلك التي روتها "آن صوفي جان"، الكاتبة والصحفية الفرنسية في كتابها "بوب مارلي وابنة الديكتاتور"، الذي روى قصة العلاقة التي جمعت "باسكالين بونغو" مع المغني الجامايكي الشهير "بوب مارلي". لم يكن الأمر سِرًّا، فقد تحدَّثت باسكالين نفسها عن علاقة الحب هذه في فيلم وثائقي عام 2012، إذ إنها التقت بوب مارلي أثناء إقامتها طالبة في الولايات المتحدة الأميركية حينما كان عمرها 23 سنة فقط. (11) وقد عاش الثنائي قصة حب عميقة لم تُنهِها سوى وفاة بوب مارلي عام 1981. وكانت باسكالين قد عرضت على حبيبها قبل سنة من ذلك التاريخ القدوم إلى "ليبروفيل" مع فريقه لإحياء حفل موسيقي، وعلم بوب مارلي بعد ذلك أن موعد الحفل يوافق عيد ميلاد والدها عمر بونغو، الذي لم يكن يعلم بالضبط هل هو رئيس أم "ملك"، ولكنه لم يهتم كثيرا.
بعد وصول الفريق الموسيقي بأيام إلى البلد الأفريقي، صدمهم الواقع بشدة، إذ شاهدوا الفقر المُدقع، والوضع السياسي المزري لديكتاتور فاز بالانتخابات الرئاسية بنسبة 99.96%. وقد رأى بوب مارلي ورفاقه في الغابون بلدا مستقلا لكنه يعيش تحت وطأة الكولونيالية الجديدة، رغم أن الحاكم ليس أجنبيا أبيض، بل أفريقي مثل بني جلدته. وإذا ما حاولنا تخيُّل سيناريو سينمائي متكرر، فيمكننا تخيل ابنة الرئيس، الثورية المتحررة، الناقمة على تسلط أبيها، وهي لا تشاركه هوسه بالمال والسلطة. ولكن في الواقع، كانت صديقة "بوب مارلي" الثوري أبعد ما يكون عن ذلك، بل كانت أحد أبرز رموز الفساد في عائلة بونغو.
في فبراير/شباط 2019، عادت باسكالين بونغو من منفاها الاختياري بولاية كاليفورنيا الأميركية بعد أن أجبرتها الظروف على ذلك، وبدت ليبروفيل مختلفة تماما بعد وصولها، ولم يعلم أحد مكان إقامتها بالغابون حينها. لم تعُد باسكالين تجد مكانا لها في بلدها منذ وصل أخوها إلى السلطة. ففي عهد الأب، تمكَّنت من أن تذوق طعم السلطة والجاه، بل حملت ذات يوم حقيبة وزارة الخارجية تماما كأخيها في الفترة بين عامي 1991-1994، كما كانت صاحبة اليد العُليا في إدارة أموال الدولة، وخصوصا أموال النفط عبر دورها الرئيسي في إدارة شركة "توتال الغابون"، بالإضافة إلى حيازتها خزينة الشركة القابضة العائلية "دِلتا سِنيرجي" التي ضمَّت أكثر من 50 شركة ابتلعها "آل بونغو". (12)
تجاوزت سلطة ابنة الرئيس الغابوني الحدود الغابونية، ففي فرنسا، نسجت علاقات قوية ومتشعبة وصلت إلى حد دخولها في علاقات مباشرة مع المحيطين بالرئيس ساركوزي، وقد طمحت من هذا التوغل الخارجي إلى خدمة مصالح زوجها "بول تونغي" الذي كان يشغل منصب وزير الاقتصاد والمالية آنذاك، وأعرب عن رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية لمقربين منه داخل الحزب الحاكم. لكن التراتبية كانت تقضي بأن يكون الرئيس الجديد هو الابن علي، وحينها وجدت أخته نفسها أمام خيار وحيد هو دعم أخيها من أبيها الذي لم يتردَّد في إبعاد أخته بعد وصوله إلى السلطة. لقد أراد علي بونغو إرسال رسالة واضحة مفادها أنه لا يمكن الحكم بوجود "الأخت الأولى"، ومن ثمَّ أطاح بها، رغم محاولات العائلة إظهار أعضائها بمظهر ودي للعالم الخارجي. (13)
لم يخفَ على أحد أن الصورة التي حاولت باسكالين إظهارها مع الرئيس وأخيها الأصغر لم تكن حقيقية، وأن الدور الصغير المسموح لها في الغابون الجديدة لم يكن مناسبا لحجمها بصفتها أقوى نساء البلد سابقا. ولذا حزمت باسكالين أمتعتها وتوجهت إلى مدينة "بيفرلي هيلز" الأميركية، حيث تمتلك منزلا كبيرا يرافقها فيه نحو عشرين شخصا أغلبهم مقربون منها ويعيشون على نفقتها الخاصة. وقد اعتادت ابنة عمر بونغو عدم الاكتراث بالأموال في حياة أبيها، إذ إن صنبور النفط الذي صبَّ في جيبها لم ينفد، ومن ثمَّ عاشت بالنمط نفسه في أميركا، ففي سهرة واحدة مثلا، خصصتها باسكالين لمشاهدة فيلم "ستار وورز" الشهير، طلبت "الأميرة" الغابونية مثلجات وصلت قيمتها إلى نحو 4000 دولار.
مع إطالة الإقامة في الأراضي الأميركية، بدأت الموارد المالية لباسكالين في النفاد، وأخذت الفواتير تتراكم أكثر فأكثر، والديون أيضا، منها دين بمبلغ 18 ألف دولار لبائع زهور، وآخر بمبلغ 8.3 ملايين يورو لشركة طيران مقابل وضع عدد من الطائرات الخاصة في خدمتها. تباعا، بدأ بعض الدائنين بالتوجه إلى الرئاسة الغابونية للمطالبة بأموالهم، لكن علي بونغو كان حاسما ولم يدفع دولارا واحدا مقابل رفاهية أخته. ولم تجد الأخيرة بُدًّا من بيع بعض عقاراتها إذن لسداد جزء من ديونها، وسط أصوات غاضبة من داخل الأسرة بسبب نمط حياتها المُبذِّر. في مقابل ذلك، بدأت باسكالين تبحث عن تشكيل تحالفات داخل الأسرة من الناقمين على أخيها علي، أو من الذين استُبعِدوا من دائرة الأضواء، وعلى رأسهم "نادين" و"بيتي" و"غراس"، البنات اللاتي تبنّاهن عمر بونغو في حياته. (14)
فساد عائلي بعطر باريسييُعَدُّ فساد "آل بونغو" إرثا عائليا، فقد كشف موقع ويكيلكس عن وثيقة دبلوماسية صدرت عن السفيرة الأميركية في الكاميرون تتحدث عن اختلاس نحو 28 مليون يورو من "البنك المركزي لدول وسط أفريقيا" من طرف الرئيس الغابوني عمر بونغو، وهي أموال استفاد منها الرئيس الفرنسي جاك شيراك وخَلَفُهُ ساركوزي أثناء حملاتهما الانتخابية. (15) وقد تناقلت وسائل الإعلام العالمية التي شاركت في هذا التحقيق مع وكيليكس، مثل "إل باييس" الإسبانية و"نيويورك تايمز" الأميركية و"الغارديان" البريطانية و"دير شبيغل" الألمانية، هذه المعلومات، فيما امتنعت "لوموند" الفرنسية عن نشر أيٍّ منها متحججة بعدم وجود مصادر موثوقة مُقرَّبة تؤكد الأمر، ومُعتبرة أن السفارة الأميركية في "ياوندي" لا تملك الأدوات التي يُمكنها من خلالها التأكد من حدوث الاختلاس فعلا. (16)
في فرنسا، انفجرت عام 2017 فضيحة من العيار الثقيل حول كنز عقاري يبلغ 68 مليون يورو تمتلكه عائلة بونغو في فرنسا منذ عهد عمر بونغو. وأتى هذا الاكتشاف غير المفاجئ نتيجة تحقيقات بدأها القضاء الفرنسي من أجل تحديد مصادر الثروات العقارية والمالية التي امتلكها عدد من الرؤساء الأفارقة في فرنسا. (17) وقد كشف تتبُّع آثار عائلة بونغو عن حيازة الأب عمر لعدد من العقارات باسمه السابق "ألبير بيرنارد بونغو" بين عامي 1980-2008، بالإضافة إلى حيازته عقارات أخرى عبر شركات مدنية مملوكة له. وتتوجه الآن أصابع الاتهام حول الاستفادة من هذه الأملاك المشكوك في أصولها إلى 9 من أبناء بونغو، من بينهم طبعا الرئيس المعزول من طرف الجيش علي بونغو، وكذلك أخته الأشهر باسكالين بونغو.
وصلت محطة عائلة بونغو إلى النهاية عبر الانقلاب العسكري الذي أعلن "ثورة" مزعومة على الفساد الذي كانت تعيشه البلاد، وفي الوقت الذي توجهت فيه الأنظار إلى فرنسا لمعرفة ردة فعلها بعد انقلاب جديد آخر تعيشه منطقة خضعت لها حتى وقت قريب، صرَّحت "إليزابيث بورن"، رئيسة وزراء فرنسا، بأن بلادها تتابع عن كثب ما يحدث في الغابون. (18) لم يكن رد الفعل مفاجئا لسببين، أولهما أن العلاقة بين علي بونغو والإليزيه لم تكن جيدة مؤخرا مثل الأيام الخوالي، وثانيهما أن باريس تبدو مشغولة بشيء أهم من انقلاب الغابون وانقلاب النيجر والحرب الروسية-الأوكرانية هذه الأيام، فقد أعلنت مؤخرا عبر وزيرها الجديد للتعليم "غابريل عطال" عن حرب لا هوادة فيها على العباءة واللباس الفضفاض الذي تلبسه المسلمات حفاظا على قيم الجمهورية، ما يعني أن الملفات الداخلية وصعود اليمين والأزمة الاقتصادية تشغل صناع القرار في باريس عن متابعة ما يجري لحلفائهم الذين حرَّكوا الدبابات من أجلهم في يوم من الأيام. (19)
_______________________________________________
المصادر
Coup d’Etat au Gabon : la dynastie Bongo, une histoire française Au Gabon, l’histoire française de la dynastie Bongo المصدر السابق. Coup d’Etat au Gabon : la dynastie Bongo, une histoire française المصدر السابق. المصدر السابق. Au Gabon, l’histoire française de la dynastie Bongo L`affaire Elf en résumé Au Gabon, le pouvoir est une affaire de famille Gabon: how the Bongo family’s 56-year rule has hurt the country and divided the opposition Gabon : Bob Marley, le reggaeman et la fille d’Omar Bongo Gabon : les mystères de Pascaline, fille aînée d’Omar Bongo Ondimba المصدر السابق. المصدر السابق. WikiLeaks : Sarkozy, Chirac et la Françafrique de « papa » Bongo المصدر السابق. Biens mal acquis : les secrets du trésor des Bongo La France suit "avec la plus grande attention" la situation au Gabon, affirme Élisabeth Borne Abaya : le Conseil d’Etat valide l’interdiction à l’écoleالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: د الرئیس الغابونی المصدر السابق رئیس الغابون عائلة بونغو ن علی بونغو فی الغابون عمر بونغو فی فرنسا ن الرجل له إلى بعد أن لم یکن
إقرأ أيضاً:
ظهور بؤرة لسلالة شديدة العدوى من انفلونزا الطيور في تركيا
سرايا - قالت المنظمة العالمية لصحة الحيوان الاثنين، إن تركيا أبلغت عن ظهور بؤرة لسلالة فيروس إنفلونزا الطيور شديدة العدوى (إتش 5 إن1) في مزرعة للدواجن؛ وذلك لأول مرة منذ ما يزيد على عام.
وأضافت المنظمة التي تتخذ من باريس مقرا، نقلا عن بلاغ من السلطات التركية أن المرض المعروف باسم إنفلونزا الطيور تسبب في نفوق 211 من الدواجن من بين نحو 790 ألف دجاجة في مزرعة تجارية في إقليم قونية.
ويأتي اكتشاف بؤرة المرض خلال موجة موسمية لانتشار إنفلونزا الطيور في أوروبا والشرق الأوسط.
رويترز