سودانايل:
2024-07-06@07:30:50 GMT

إثيوبيا.. الملء الجائر والجار الحائر

تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT

د. محمد عبد الحميد/ أستاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية

كلما أقدمت إثيوبيا على ملء سدها المنشأ على أرض بني شنقول السودانية، كلما إقتربت من هدفها الأساسي وهو السيطرة على مياه النيل الأزرق والتحكم في منبعه، وجلعت السودان ومصر يقتربان من حافة التسليم بالأمر الواقع حال الإنتهاء من إنتصاب السد واستوائه منشأة كاملة التصرف والتصاريف.


كان ملء إثيوبيا للسد هذا الموسم 2023م هو الأكثر توفيقاً بالنسبة لها رغم شح الأمطار الواردة، وهذا ما عبر عنه رئيس الوزراء الإثيوبي أبي احمد بحبور طاغي في تغريدة له عبر منصة إكس بقوله :(إنه لمن دواعي سروري أن أعلن الانتهاء بنجاح من عملية الملء الرابع والأخير لسد النهضة) فقد أقبلت على الملء ولم يصك أذنيها تلك الصرخات اليائسة التي كان يطلقها السودان على لسان وزير الري السابق والتي كان يقول فيها :(إن إحجام إثيوبيا عن مد السودان بالبيانات لا يُمكّنه من التحكم في خزاناته الواقعة في أسفل السد. وأنه لا يعرف الوارد الذي ستطلقه إثيوبيا أو ستخزنه). غابت حتى هذه الصرخة الواهنة على وقع أصوات البنادق والمدافع التي تمزق فضاءات الخرطوم وتلفعها بالأسى وفرط الحيرة فيما يجري من إحتراب.. وأجبرت حكومتها المركزية عن الإزورار عن مركزها وبذلك لم تعد تلك الصرخة المجروحة تأن بالشكوى من جدول أعمال الملء... فقد أقدمت أثيوبيا على الملء الرابع لا تلوي على أحد.
و بغض النظر عما يمكن أن تخلفه عملية الملء من أضرار، فقد تمكنت أثيوبيا هذا العام ووفقاً لإستراتيجيتها من حجب الفيضان الذي ظل ينتظم السودان عبر القرون لأول مرة في تاريخه، وأخذت مزارعي الجروف الحيرة فيما جرى للنيل، فلم يجدوا إلا أخباراً تتسرب على وقع أصداء واهنة بإرادةٍ أكثر وهناً وخوراً من أن إثيوبيا قد أقبلت على تحقيق مصالحها دونما اعتبار لما قد يترتب على ذلك من مخاطر. ودونما اعتبار لما تم التعاهد عليه في إتفاق مبادئ الخرطوم للعام 2015م. ولعل في خطوة إثيوبيا الأخيرة ما يُمكِن أن يُعد جرس إنذار (ثاني) بعد ذلك الذي دقّ في كل العام 2020م وترددت أصداؤه في كارثة ماحقة أغرقت ولايات النيل الأزرق والجزيرة والخرطوم ونهر النيل حيث أن المياه التي وردت من إثيوبيا لم يتم التحكم فيها فأضطرب نظام تشغيل السدود السودانية فأحدث ذلك الفيضان المشهور.. وبذلك تكاملت أمام أعين الملأ في السودان الآن المستوى الكارثي لهذا السد في حالتي زيادة الوارد من الأمطار وقلتها.. وفوق ذلك كله قلة حيلة الحكومة السودانية وحيرتها إزاء
هذه المخاطر المحدقة والتي تُعد الي الآن في طور المقدمات لكارثة حقيقية تُنذر إما بغرق السودان النيلي، أو تعطيشه بعد أن تتحكم أثيوبيا في منبع النيل عقب الانتهاء من تشييد السد. فمن منظور علم الحد من مخاطر الكوارث انتقل مؤشر تقييم مخاطر السد من حالة الاحتمالية Probability لمخاطر كارثية Catastrophic فبحسب هذا التقييم يجب أن ينتفض أهل السودان من حالة السُبات التي يغطون فيها غطيط أهل الكهف، ليقظة تامة ليتداركوا ما سيتبقى لهم من سودان ما بعد الحرب.
وقد تكاملت الأثافي الثلاثة عندما تفاجأ أهل السودان والمتابعين لقضية السد بوجود وفد سوداني حضر مفاوضات القاهرة في 27 يوليو 2023م ولم يعلم أحد أن صوتا ما ظهر لهذا الوفد عكس تلك المأساة من غياب الفيضان فقد تناقلت الأخبار فقط أن المفاوضات قد ضمت الجانب السوداني أما ماذا طرح الوفد وما هي استراتيجية تفاوضه وهل اعترض على سلوك إثيوبيا على الإقبال على الملء الجائر الذي قامت به هذا الموسم، فذلك ما لم يتردد في الإعلام لأنه في الغالب لم يتردد صداه في قاعة المفاوضات.
د.محمد عبد الحميد  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

مصر ومؤتمر الأزمة السودانية.. 5 تحديات ملحّة تدفع للتحرك الفوري

تستضيف القاهرة ابتداء من اليوم ولمدة يومين مؤتمرًا يحضره مشاركون من كافة القوى السياسية المدنية الفاعلة على الساحة السودانية؛ لمناقشة سبل حلّ الأزمة الراهنة وإيقاف الحرب المستعرة منذ 14 شهرًا بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وتشكل التعقيدات القبلية والإثنية واحدة من التحديات الكبرى أمام المؤتمر، حيث سعى البعض خلال جولات المعارك إلى إذكاء الانقسام على أسس قومية أو ثقافية لصالح هذا الفريق أو ذاك.

كما يزيد من التحديات وجود العديد من التعقيدات الإقليمية والدولية التي تحيط بالمشهد السوداني، فبعض الأطراف تأتي إلى المؤتمر متسلّحة بدعم دول أو منظمات أو غير ذلك، ما يقتضي حساسية في إدارة الحوار، سعيًا لإيقاف تلك الحرب التي كلفت السودان أكثر من 15 ألف قتيل، و11 مليون نازح، و1.8 مليون لاجئ فروا إلى دول الجوار، وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين، إضافة إلى خسائر مادية تقدر بنحو 100 مليار دولار؛ بسبب دمار البنى الاقتصادية والاجتماعية ومؤسسات العمل والتشغيل والإنتاج.

مصر ستسعى بكل جهد لإنجاح المؤتمر، ليس فقط لكونها الداعية له، بل لأنها أيضًا أكثر البلدان تأثرًا بالأزمة السودانية، ومصالحها مع السودان متداخلة بشكل كبير، والنجاح يعني إغلاق أحد الجراح المفتوحة على حدودها.

فعلى سبيل المثال، يمثل الصراع في السودان فرصة لإثيوبيا التي يمثل مشروع السد فيها خطرًا على الأمن المائي في مصر والسودان، ولكن ها هي الحرب تشغل كلًا من مصر والسودان عن خطوات إثيوبيا لاستكمال بناء السد وملء خزاناته، وهو في الأصل قنبلة موقوتة لوقوعه فوق الأخدود الأفريقي العظيم، المعرض للتشقق والنشاط الزلزالي. كما تأثرت مصر بأزمة اللاجئين، فعدد اللاجئين فيها وصل إلى 9 ملايين، أكثر من نصفهم من السودانيين، بعضهم موجود قبل الأزمة الحالية. وهؤلاء جميعًا يشكلون عبئًا ضخمًا على كاهل الموازنة العامة المصرية، إذ يستفيدون من كافة الخدمات والدعم الذي تقدمه الحكومة دون أن يدفعوا الضرائب التي يدفعها المصريون. ثم هناك مشكلة "الإرهاب" التي تزداد استفحالًا مع تفاقم المشكلات الداخلية في الدول المجاورة، فقد واجهته عند حدودها الغربية بين عامي 2015-2020، ثم عند حدودها الجنوبية بعد سقوط نظام البشير في أبريل/نيسان 2019. وتخشى مصر مع تدهور الوضع بفعل الحرب من عودة تنظيم الدولة بكل قوة إلى هذا البلد المجاور، ما يؤثر على استقرارها الداخلي. وتكتمل المخاوف المصرية بإضافة البعد الإقليمي، فقد رأينا كيف حثت إيران جماعة أنصار الله "الحوثيين" في اليمن للانضمام إلى حرب غزة، مما أثر على قناة السويس. وقد طلب الجيش السوداني من إيران إمداده بالطائرات المسيرة لاستخدامها ضد قوات الدعم السريع، وستسعى إيران إلى الحصول على مقابل لذلك. وقد شهدنا مطلع العام محاولات إثيوبيا لخلق موطئ قدم لها على البحر الأحمر عبر أرض الصومال، وكل هذا يضرّ بأمن مصر، وهو ناتج بلا شك عن ضعف السودان.

تنظيم مصر للمؤتمر في ظل تلك الأوضاع، وفي ظل التركيبة المتشعبة للحضور من الداخل والخارج ليس أمرًا سهلًا، إذ إن إرضاء جميع الفرقاء ومَن وراءهم، وإقناعهم بالمشاركة يمثل ذلك تحديًا كبيرًا.

وزارة الخارجية السودانية، على سبيل المثال، رأت في الدعوة المصرية عملًا إيجابيًا بشرط الاعتراف بالحكومة الشرعية القائمة، والحفاظ على المؤسسات، وخاصة الجيش. كما ألمحت إلى أهمية حضور المقاومة الشعبية، وهي مجموعة شبه عسكرية تقاتل إلى جانب الجيش في مواجهة قوات الدعم السريع، عقب سيطرة الأخيرة على ولاية الجزيرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

الخارجية السودانية كانت أيضًا قد أكدت أنها لن تقبل مشاركة أي من الدول التي ترعى وتسلح قوات الدعم السريع، بما في ذلك دول الجوار التي تسهل نقل الأسلحة عبر تشاد، ومن ثم إلى دارفور. كما تعارض مشاركة أي منظمات إقليمية أو دولية التزمت الصمت عن إدانة جرائم "الدعم السريع"، أو الدول التي أصبحت قواعد لنشاطات "الدعم السريع" السياسية والدعائية. كما اشترطت إعادة عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، وتصحيح موقف الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، الذي تعتبره انتهاكًا لسيادة السودان، وذلك قبل أن يسمح لأي من المنظمتين بالمشاركة في المؤتمر.

وفي كل الأحوال، الأرجح أن تتمكن القاهرة رغم كل الصعاب من تنظيم المؤتمر بشكل جيد، فقد سبق أن استضافت أكثر من فعالية للحوار بين الفرقاء منذ اندلاع الحرب، فقد جمعت دول جوار السودان في مؤتمر في يوليو/تموز من العام الماضي، واستضافت لقاءين لقوى الحرية والتغيير التي تصدرت المشهد السياسي قبل اندلاع الصراع المسلح، واستضافت وفد تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) برئاسة عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السوداني السابق.

ولكن يبقى السؤال: هل لدى مصر أجندة لإدارة المؤتمر أو لوضع إطار للتباحث؟

والإجابة أن الأولويات المصرية، هي التالية:

1- البحث عن آلية لدفع الأطراف المتحاربة لوقف إطلاق النار، والبدء في مفاوضات جادة للوصول إلى وقف فوري ومستدام لإطلاق النار.ِ

2- مطالبة الأطراف السودانية بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية عبر ممرات آمنة إلى المناطق الأكثر احتياجًا داخل السودان، ووضع آليات لحماية قوافل المساعدات وموظفي الإغاثة.

3- عودة النازحين إلى مدنهم وقراهم واللاجئين إلى وطنهم.

4- تشكيل لجان عمل فرعية تمثل الأطراف السودانية، بمشاركة القوى السياسية والمدنية، وممثلي المرأة والشباب للبدء في عملية سياسية شاملة تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني في الأمن والرخاء والاستقرار والديمقراطية.

5- السعي لتوحيد منصات الوساطات الإقليمية والدولية، لضمان أن يكون عملها مفيدًا وغير متضارب.

سنرى في الأيام القادمة ما تخبئ الأقدار للجهود المصرية ولمستقبل الأزمة السودانية، في هذه الفرصة التي قد تكون الأخيرة للخروج من ظلام النفق الطويل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • مصر ومؤتمر الأزمة السودانية.. 5 تحديات ملحّة تدفع للتحرك الفوري
  • السودان الذى كان
  • السودان: رسائل إلى المجتمعين في القاهرة
  • مدينة سنجة السودانية.. مدينة المروج والمراعي والصوفية والتنوع العرقي
  • رئيس وزراء إثيوبيا: لا ننوي حل خلافاتنا الحدودية مع السودان بالعنف
  • 25 نازحا سودانيا فروا من الحرب فغرقوا في النيل الأزرق
  • الأصول التاريخية للجنسية السودانية
  • مؤتمر القاهرة.. تحرك حثيث لرأب الصدع في السودان
  • نفوذ مصر المحدود وتحديات مؤتمر القوى المدنية السودانية
  • إقليم النيل الأزرق يستقبل 700 ألف نازح والحاكم يؤكد الاستقرار الأمني