الوعي السياسي بين أسمرا و أديس أبابا
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
عقدت كتلة الحرية و التغيير ( الديمقراطي) و معها بعض الحركات و التنظيمات الأخرى اجتماعا في العاصمة الاريترية ( اسمرا) في اليومي الماضيين، و لم يصدر المجتمعون بيانا يوضحوا فيه سبب الاجتماع في اريتريا، و هل كان الاجتماع بدعوة من الرئيس أسياس أفورقي، أم كان مقترحا من إحدى التنظيمات التي حضرت الاجتماع؟ أم هناك جهة قد حضرت للاجتماع مع القيادة الاريترية؟ و هي التي دعت القوى السياسية الأخرى؟ و إذا كان الاجتماع بدعوة من الحكومة الاريترية، لماذا لم يحضر الاجتماع أحد اعضاء الحكومة؟ أسئلة عديدة تتعلق بالاجتماع و الهدف منه و علاقته بأجندة الحرب أو أجندة ما بعد الحرب، و لماذا قررت هذه القيادات أن يكون اجتماعها خارج السودان، رغم هناك أخبار قد اشاعت أن هناك تحضيرا لاجتماع سوف يعقد بأركويت بشرق السودان.
واحدة من إشكاليات النخب السياسية الآن، و التي تقبض على مفاصل العمل السياسي، أنها في حالة من المبارزة و التباري فيما بينها، من الذي يستطيع أن يهزم الأخر بالضربة القاضية؟ إذا خرجت مجموعة من السودان تبحث عن العودة للسلطة، أو حتى عودتها للساحة السياسية، تبعتها الأخرى أيضا تبحث لها عن عواصم أخرى تسمح لها أن تعقد اجتماعات حتى لا يقال إنها تفتقد لعلاقات خارجية تسند مصالحها. هذه العقليات لا اعتقد سوف تكون جديرة أن تقدم رؤى تخرج البلاد من أزمتها. فالذين يريدون بناء الأوطان لابد أن يدرسوا المتغيرات التي تحدث في المجتمع. هذه الحرب و أفرازاتها تمثل أكبر مأساة في تاريخ السودان الحديث، و جعلت البلاد في أصعب خيارات تهدد وجودها، إذا لم تستطيع النخب السياسية أن تغير طريقة تفكيرها، لا اعتقد أن هؤلاء سوف يكونوا صالحين من أجل الوطن و المواطن، و يجب عليهم أن يراجعوا خياراتهم، و يجعلوا الرهان فقط على الشعب و ليس للنفوذ الخارجي، هذا النفوذ الخارجي وقف عاجزا أمام المتغيرات في عرب أفريقيا، ليس بسبب قوة خارجية ضد الأخرى، بل بسبب مواقف شعوب تلك البلاد أين تقف.
أن الحرب الدائرة الآن قد أدت لتحولات و تغييرات كبيرة في المجتمع و عامة الناس، و أي شخص فاعل في العمل السياسي لابد له أن يخضعها للدراسة و البحث في منظوري التعبئة و الشعار السياسي؛ و يسأل نفسه، هل الشعارات المطروحة الآن هي ذات الشعارات التي كانت قد خرجت اثناء الثورة، أم حدث فيها تغييرا، و ما هي درجة لماذا حدث التغيير و تأثيره على مستقبل العمل السياسي في البلاد؟ ما هي انعكاسات الانقلابات التي حدثت في غرب أفريقيا على الحرب في السودان؟ و أيضا ما هي نعكاساتها على الصراعات الإستراتيجية في العالم و على أفريقيا و السودان؟ الإجابة على هذه الأسئلة ضرورية، لأنها تبين مقدرات القيادات السياسة على إدارة الأزمة في المستقبل. أثبتت الفترة الانتقالية التي أصابها العرج أن القيادات السياسية عاجزة أن تقدم حلول للأزمة السودانية، و الذي حصل و أدى للحرب هو من بنات أفكار صناع القرار ما يسمى المجتمع الدولي. و هذا يقودنا للموقف الأمريكي من الحرب لماذا بدأت تغير إستراتيجيتها الأولى؟ من التجربة السابقة للتجمع الوطني الديمقراطي أن الخارج لا يقدم حلولا لصالح السودان بل يراعي مصلحته أولا و أخيرا، و يبني حلوله وفقا لمصالحه، خاصة إذا كان الصراع بين المكونات السياسية هي صراعات صفرية لا تقبل مبدأ الحوار و لا التنازلات المتبادلة من أجل الوطن و الحفاظ على وحدته. الذين يتبنون مبدأ الصراع الصفري لا اعتقد عندهم الإرادة للتحول الديمقراطي، هذه العقليات قد أصابها العقم بحكم جلوسها في فترات طويلة على القيادة إذا كانت في أحزاب طائفية أو أيديولوجية، فالذي ليس لديه الفكرة لمغادرة مقعده في الحزب إفساحا لأجيال جديدة لها لها تصورات مغايرة لا اعتقد أن يكون مفيدا في عملية التحول الديمقراطي. الأحزاب تمثل القاعدة الأساسية للديمقراطية و بناءها يبدأ من تحت و ليس من فوق. و يقول المثل فاقد الشيء لا يملكه.
السؤال الفلسفي الذي يجب أن يجيب عليه أصحاب الفكر الماركسي و اتباعهم ثقافيا؛ هل الكمبرادور هي طبقة فقط رأسمالية متحالفة مع رأس المال الأجنبي، أم أيضا تكون مجموعة من السياسيين مرتبطين بمصالح تخدم رأس المال الأجنبي؟ و لماذا يتم نعتهم بأنهم حلفاء للمصالح الغربية، و عندما تكون سياسية يتم التغافل عنها؟ و أيضا لماذا ينعت الكبرادوري و ربطه برأس المال، و لا يتم نعت خدم المنظمات الأمبريالية بذات الصفة؟ هل لآن هؤلاء أصبحوا أكبر داعمين لميزانيات الأحزاب يتم التغافل عنهم؟ السياسيون السودانيون لم يتعودوا على طرح الأسئلة الصعبة؟ و هذه تعود للمعايير المزدوجة. لذلك بدأت الأحزاب تصدر وعيا زائفا لا يتكيء على الحقائق. فالشعوب التي خرجت من عباءة التخلف و صعدت سلم النهضة و الاستقرار السياسي و الاجتماعي طرحت الأسئلة الصعبة بقوة و جاوبت عليها من خلال العديد من مؤسساتها التعليمية و مراكز الدراسات و تنظيماتها المدنية و أحزابها، و أصبحت جميعها تعمل بتناغم لخلق وعي جديد يتماشى مع المتغيرات في الداخل و الخارج. نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
//////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: لا اعتقد
إقرأ أيضاً:
التحيُّز وازدواجية المعايير في المواقف السياسية
كثير إن لم يكن معظم القرارات السياسية ترجع إلى اعتبارات المصالح لا المبادئ والأخلاق والقيم، ففي السياسة يصح ويجوز ما لا يجوز المهم أن يحقق السياسيون أهدافهم مهما كانت، لأنهم يطرحون برامجهم للجمهور ليحققوا لهم ما قد يعجز عنه الخصم المنافس .
الانتخابات تسمى اللعبة السياسية وكل لاعب يفوز يسلم له الجميع بأحقية برنامجه بقيادة بلاده، تلك المعايير التي تحتكم إليها دول العالم أصبحت مسلمات راسخة لا يمكن الخروج عنها أو تجاوزها، ولأن الفوضى هي البديل، لكن ليس معنى ذلك أنها لا تخلو من العيوب، فهناك الديمقراطية الممنوعة وهناك الديمقراطية المزيفة وهناك الديمقراطية الحقيقية .
النظام الدولي هو من يحدد نوع الديمقراطية التي تمارسها كل دولة وفقا لمصالحه، لكنه في بعض الأحيان قد يمارس الفرض والإجبار على دول بعينها، باعتبار انه الوصي على الحرية والديمقراطية خاصة إذا تعلق الأمر بالدول النامية ودول العالمين العربي والإسلامي التي قنن لها الديكتاتورية والاستبداد كخيار وحيد واستثناء الديمقراطية التي لا تخرج عن سياساته وتحقيق أهدافه .
الديمقراطية وحقوق الإنسان هما شماعة التدخل في الدول المتقدمة والمتخلفة على حد سواء وهي شعارات زائفة وخداعة في كثير من الأحيان، فمثلا أوكرانيا دولة متطورة ومن دول العالم المتقدمة، لكن باستطاعة روسيا التأثير على الانتخابات فيها لصالح من يحمي مصالح روسيا، كما حدث حينما فاز الرئيس الموالي لموسكو وهو ما لم يعجب أوروبا وأمريكا، ليتم دعم رئيس جديد يتولى السلطة يدين لأوروبا وأمريكا، مما أدى إلى تحول المواجهات إلى حرب بين الغرب –أمريكا وأوروبا من جهة- وروسيا والمتحالفين معها من جهة أخرى .
الديمقراطية وحقوق الإنسان التي لا تحقق مصالح وأهداف الاستعمار والاستعباد ليست ديمقراطية، لأن من شروطها أن يرضى عنها ولا بد من الحصول على المصالح إما بالديمقراطية أو بالحسم العسكري كخيار أكيد معد على أساس ذلك.
الديكتاتورية والأنظمة الاستبدادية التي تؤمن مصالح الاستعمار بوجهه الحديث لا يمكن المساس بها أو السماح بإسقاطها إلا إذا انعدمت الجدوى منها ومن ضمنها الأنظمة العربية والإسلامية؛ وإذا أتت الديمقراطية بمن لا يؤمن مصالح الاستعمار ويحقق أهدافه فإنه سرعان ما يتم القضاء على تلك الأنظمة واستبدالها .
في المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، كيان الاحتلال اشترط إجراء الانتخابات وكان يفضل نتيجتها المعتادة في الديمقراطيات العربية، لكن فوز حماس في قطاع غزة قلب المعادلة أمام الرأي العام المحلي والعربي والعالمي وهنا بدأت حلقات المؤامرة على غزة من الداخل والخارج، فتم فرض الحصار وإباحة غزة للاحتلال بالتعاون مع السلطة .
رئيس وزراء بريطانيا يقول: «يجب تدمير غزة حتى لا تشكل نموذجاً للنظام الإسلامي، لأن ذلك سيؤدي إلى نجاح التجربة الإسلامية؛ وان مشكلة الغرب ليست مع العرب والمسلمين وإنما مع الإسلام ذاته ومع نبي الإسلام؛ وانه يجب دعم إسرائيل مهما كان حجم الإجرام الذي تقوم به والاستفادة من دعم الأنظمة العربية التي صنعها الغرب وتدين بالولاء للاستعمار وجودا وعدما»
في أوكرانيا دولة متقدمة متطورة يدعمها الغرب بكل أنواع الدعم في مواجهة روسيا وفي غزة حركة جهادية محاصرة تعتمد على ذاتها، يحاصرها صهاينة العرب والغرب، تناضل من أجل الحرية والاستقلال، لكنها تواجه الحلف الصهيوني الصليبي ويراد القضاء عليها وإبادتها.. رئيس البعثة الطبية النرويجية إلى غزة –مادس غليبرت- لاحظ التمييز والتحيز الذي يمارسه الإجرام الصهيوني، فقال:(هناك ازدواجية معايير في الغرب تجاه غزة بالمقارنة مع أوكرانيا التي تتلقى دعما ماليا وعسكريا وسياسيا، وهذا يكشف تغلغلاً عميقاً للتمييز العنصري في الحكومات الغربية التي لا تعتبر قيمة حياة الفلسطيني بنفس قيمة حياة اليهودي أو ذوي البشرة البيضاء، ولو حصل استهداف للفرق الطبية اليهودية كما يحصل للفلسطينية، لقامت قيامة العالم)، تصريح جريء من رجل آلمه الوضع، فنطق بكلمة حق، لكن الاستعمار هو من أنشأ الكيان المحتل وسلمه الأرض الفلسطينية وهو الذي يمده بكل احتياجاته ويعمل معه على إبادة الشعب الفلسطيني وفقا لمقولتهم “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.
رغم مرور أكثر من أربعمائة وخمسين يوما، فلازالت الأنظمة والحكومات الاستعمارية القديمة والحديثة وصهاينة العرب يدعمون الكيان المحتل لإكمال ارتكاب جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، غزة بمساحتها المحدودة دمرت حتى 10 % منها لا تعد مناطق إنسانية رغم أن الإجرام الصهيوني قال إنه جعلها مناطق للعمل الإنساني لأكثر منطقة في العالم اكتظاظا بالسكان وازدحاما.
عائلات بأكملها تمت إبادتها ولم يبق منها شيء، في السجلات المدنية (1413) أسرة سقط من أفرادها (5455) شهيدا، وعائلات لم يتبق منها غير فرد واحد وعددها(3467) سقط من أفرادها (7941) شهيدا وبلغ عدد الشهداء الذين وصلوا إلى المستشفيات (45524)شهيدا بخلاف الذين لازالوا تحت الأنقاض أو لم يصلوا إلى المستشفيات التي دمرت وأحرقت، أما الجرحى فوصل عددهم إلى ما يزيد عن (108189) ومازال هناك (11200) مفقود .
بلغت نسبة الشهداء من الأطفال (17818) شهيدا ومن النساء (12287) شهيدة بما يعادل 70 % من الشهداء والبقية من العجزة والشيوخ ولم يتحرك أحد لنجدتهم أو إغاثتهم.
كما استشهد (1068) من الأطباء والطواقم الطبية ودمرت المستشفيات وأحرقت ووصل الإجرام اليهودي إلى قتل وإبادة شرطة تأمين المساعدات التي استشهد منها (728) ولم تسلم مراكز إيواء اللاجئين التي تشرف عليها الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية وغيرها، حيث تم استهداف (216) مركزا لإيواء اللاجئين.
غزة تقاتل وحدها وتواجه إجراما لا مثيل له من قبل تحالف صهاينة العرب والغرب، ووصل الأمر أن تتم الاستعانة بالقتلة والمرتزقة من كل أنحاء العالم، ففرنسا أرسلت أكثر من (4000) للقتال مع اليهود وأرسلت كل من أمريكا وبريطانيا وألمانيا ما لا يقل عن ثلاثة آلاف، والهند وإيطاليا وإثيوبيا وجنوب السودان ما لا يقل عن ألفي مقاتل، وبولندا وأوكرانيا والسلفادور وهندوراس أرسلت ما لا يقل عن ألف وخمسمائة مرتزق، والأرجنتين والمغرب وكندا والإمارات وشمال العراق “الأكراد” والأردن ومصر ما لا يقل عن خمسمائة مرتزق، وهذه الأرقام منقولة عن وزارة الحرب اليهودية، تدل على تكاتف الإجرام ضد بقعة صغيرة من العالم وهي غزة التي تجمد أطفالها من البرد واكلت الكلاب لحوم الشهداء، لأنهم لم يجدوا من يدفنهم .
فتحت الدول الأوروبية والغربية حدودها لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين النازحين من الحرب، وفي غزة تم حصارها ومنع كل الإمدادات الطبية والإنسانية وتم تزويد الكيان المحتل بأحدث وأفتك القنابل والصواريخ المحرمة دوليا.. فماذا فعلت غزة وما ذنبها؟.
الإمدادات العسكرية والاقتصادية والسياسية تذهب للكيان الإجرامي من كل مكان لارتكاب جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وسيتكفل صهاينة العرب بسداد فاتورة الحرب من ثروات الأمة العربية من أجل القضاء على المقاومة الفلسطينية، لأنهم يرونها تشكل خطرا عليهم .
سخَّروا أحدث الوسائل واستخدموا كل الإمكانيات، يريدون تحطيم المقاومة ومحور المقاومة في غزة ولبنان وسوريا واليمن وإيران وقبل ذلك دمروا العراق وأفغانستان ولازال المخطط ينفذ في السودان وليبيا والقائمة طويلة، لأن إقامة إسرائيل الكبرى لن تتحقق إلا بتدمير الدول العربية والإسلامية عسكريا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا وأخلاقيا.
غزة تباد وتدمر واليمن وسوريا ولبنان وإيران، ومع ذلك فقرارات الأمم المتحدة جعلت اليمن تحت البند السابع ووصاية وكلاء الصهاينة من صهاينة العرب، وأباحت لهم تدمير كل مقدراته ومكتسباته ومثل ذلك سوريا وقبل ذلك العراق، أما الكيان المحتل فرغم الإدانات والقرارات الصادرة ضده إلا أنه لم ينفذ منها أي قرار، لأن من يفرض القرارات ومن ينفذها عصابة إجرامية تتحكم في مصير العالم .