70 عاما على ميلاد «مُعلِّم القراءة».. صدقة جارية على روح ناشره
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
ربما لا يصدق أحد أنه مرت 70 عامًا على ميلاد أول طبعة من «مُعلِّم القراءة»، الذي طالما سمعنا عنه ورددنا معا نشيده الأشهر «قطتي صغيرة واسمها نميرة»، وتعلمنا منه حروفنا الأولى، وتدربنا على نطق علامات الترقيم والكلمات، وكان له الفضل في محو أمية العديد من الكبار في مختلف أنحاء الجمهورية، ولا يزال يواصل مهمته بنجاح رغم التطور التكنولوجي وتنوع أشكال التعلُّم.
اشتهر الكتيب منذ إصداره في عام 1954 للمؤلف عطية محمد، بدعم ناشره الراحل عبدالعزيز قتلان، صاحب مكتبة العزيزية بالفجالة، الذي أوصى أولاده بأن يكون «مُعلِّم القراءة» صدقة جارية على روحه لا تنقطع، يُطبع بشكل مستمر ويُوزع على المحتاجين، وتُباع نسخته بـ10 جنيهات فقط، بحسب ابنه أيمن عبد العزيز.
أجزاء معلم القراءةيحكي «أيمن» أنهم أصحاب حقوق الطبع والملكية الفكرية والعلامة التجارية للكتيب، التي اشتهر بها منذ صدوره، تتوسط الشمس غلافه ويقف أمامها طفلان ولد وبنت يقرآن الكتاب بأجزائه: «الكتاب فضل يصدر منه 6 أجزاء لحد السبعينات وخليناهم جزأين بس؛ واحد لتعليم اللغة العربية وآخر للإملاء»، مشيرًا إلى أن هناك كتابا للحساب، ويعد «المُعلِّم» أسهل طريقة لتعليم الأطفال ومحو الأمية.
ظهور معلم القراءة في السينما والدراماوزارة التربية والتعليم استعانت بالكتاب في مناهج الحضانة وسنوات التعليم الأولى، حسب رواية «أيمن»، ونال الكتيب شهرة واسعة، إذ ظهر في العديد من الأعمال السينمائية والدرامية منها فيلم «الأيدي الناعمة» حين كان يتعلم منه الفنان أحمد مظهر، الذي جسَّد شخصية البرنس الذي لا يجيد القراءة والكتابة، وكانت تعلمه الفنانة صباح من «مُعلِّم القراءة»، وظهر أيضا في فيلم «اللمبي» والفنان محمد سعد يردد نشيد قطتي صغيرة، وأخيرًا مسلسل «جراند أوتيل».
يظل الكتيب الذي كُتب في الخمسينات هو أيقونة التعلُّم والتعرُّف على اللغة العربية ونطق حروفها وكلماتها وتشكيلها بمختلف حركاتها: «أبويا موصينا عليه ويبقى في إيد كل حد عايز يتعلم القراية واللىيبيتعلم منه بيعرف يقرأ القرآن»، يُطبع الكتيب في كل عام مع اقتراب الموسم الدراسي، يوزع في جميع المحافظات بعد طباعته بمطبعة المكتبة: «سعره بدأ بـ5 قروش لحد ما وصل دلوقتى 10 جنيهات، وده يعتبر سعر رخيص» يقولها «أيمن»، مؤكدا أنه يحتفل هذا العام بمرور 70 عامًا على إصدار الكتاب الذي تتوارثه الأجيال للمحافظة على وصية الجد.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الفجالة الكتب المدرسية الأدوات المدرسية م القراءة
إقرأ أيضاً:
بين أيمن ناصر صندوقة وليث شبيلات: طريق الإصلاح
يتميز الأردن بقدرة فريدة على إدارة العلاقة الداخلية مع المعارضة عبر استراتيجيات ناعمة تجنبت التصعيد العنيف، فقد نجح النظام في احتواء المعارضة من خلال سياسة تقليم الأظافر، التي عملت على تقليص تأثير المعارضة دون القضاء عليها. هذا النهج ساهم في تعزيز الاستقرار الداخلي، حيث لم تشهد البلاد صدامات كبرى كما حدث في دول أخرى بالمنطقة. سر نجاح هذا الأسلوب يكمن في القدرة على تفكيك المعارضة إلى أفراد أو مجموعات صغيرة بدلا من مواجهتها ككتلة موحدة، وتعظيم جوانب الفرقة والخلاف بينها، وإعطائها مساحة ضيقة للعمل بسقف محدد لا يسمح بتجاوزه، مما أبقى الأمور تحت السيطرة.
ليث شبيلات: المعارضة الفردية وشجاعة النقد
لطالما كان ليث شبيلات رمزا للمعارضة الفردية في الأردن، إذ شكلت شخصيته القوية وصراحته في النقد حالة فريدة في الساحة السياسية. بروز ليث لم يكن وليد اللحظة، بل ساهم فيه إرثه العشائري الأبوي -والده الرئيس السابق للديوان الملكي- الذي وفّر له أرضية قوية، إضافة إلى شجاعته في مواجهة السلطة ونقد إدارتها بحدة. لكن على الرغم من قوته وتأثيره، ظلت معارضته تفتقر إلى العمل المنظم أو تقديم حلول عملية، مما جعلها أقرب إلى حالة صوتية تُسمع أكثر مما تُطبق.
تأتي تجربة أيمن ناصر صندوقة كنموذج مختلف للمعارضة في الأردن. فرغم تشابهه مع ليث في القوة والحجة وجراءة الطرح وعدم الرضوخ للسقوف المحددة، إلا أن أيمن انتهج نهجا أكثر تنظيما، عمل من خلال حزب سياسي -حزب الشراكة والإنقاذ وكان أمين سره قبل حل الحزب العام الماضي- وسعى إلى تقديم برامج إصلاحية واضحة بدلا من الاكتفاء بالنقد فقط
أيمن صندوقة: نقد بناء وعمل منظم
في المقابل، تأتي تجربة أيمن ناصر صندوقة كنموذج مختلف للمعارضة في الأردن. فرغم تشابهه مع ليث في القوة والحجة وجراءة الطرح وعدم الرضوخ للسقوف المحددة، إلا أن أيمن انتهج نهجا أكثر تنظيما، عمل من خلال حزب سياسي -حزب الشراكة والإنقاذ وكان أمين سره قبل حل الحزب العام الماضي- وسعى إلى تقديم برامج إصلاحية واضحة بدلا من الاكتفاء بالنقد فقط.
وقد تميز أيمن بالحركة السريعة والتواصل الدائم وكثرة الزيارات الميدانية والتفاني لحشد أكبر تأييد شعبي للإصلاح السياسي والإداري، وتميز نقده بالموضوعية، حيث إنه يقدم خطابا عاقلا بعيدا عن الغوغائية ودغدغة العواطف، ويطرح نقدا سياسيا بنّاء وهادفا وبرامج إصلاحية حقيقية، وقد نشر الحزب رؤية إصلاحية متقدمة وعززها ببرنامج عملي حاول أيمن ورفاقه جمع المعارضة عليه.
كما أن أيمن لم يكن صداميا مع أحد -عكس ليث- فكان شعاره دائما نتعاون فيما نتفق عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، حتى أنه مارس هذا الأسلوب في المجال الأكاديمي، حيث إنه معلم رياضيات وأحد مؤلفي المناهج الأردنية في الرياضيات وله إسهامات بارزة في ذلك، ومع ذلك قدم رؤى نقدية للمناهج الجديدة، مشددا على السلبيات والإيجابيات على حد سواء. هذا المنهج غير العدمي جعل معارضته بنّاءة وساعية لحلول واقعية.
مع ذلك، لم يتمتع أيمن بالدعم العشائري أو الإرث العائلي الذي ساهم في بروز ليث، وهو ما قلل من تأثيره السياسي وجعله معتمدا على قوة حجته وجهوده الشخصية فقط، حيث إن البعد العشائري لا يزال عاملا رئيسيا في المشهد السياسي الأردني، مما يصعب الطريق أمام الشخصيات المستقلة.
التحديات والسجن: صوت لا يُحتمل
أيمن صندوقة، رغم إيمانه العميق بالعمل السلمي السياسي وتحت مظلة الدستور، إلا أن النظام الأردني لم يستطع احتمال صوته العالي وصراحته الجريئة. ففي الوقت الذي اختار فيه أيمن الحوار والعمل المنظم كوسيلة للتغيير، واصل النظام التعامل معه كتهديد، وآخر فصول المواجهة كانت توجيه تهمة "محاولة قلب نظام الحكم" له، وهي تهمة جاءت على خلفية رسالة أرسلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي يخاطب فيها الملك مباشرة، محملا إياه المسؤولية كقائد أعلى للبلاد بضرورة التحرك الجاد لإيقاف المجازر في غزة. نتيجة لذلك، حُكم عليه بالسجن خمس سنوات.
هذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها أيمن السجن، فقد سبق أن اعتقل مرات عديدة، مما يعكس صعوبة المشهد السياسي في الأردن، حيث يصبح التعبير الصريح والنقد البنّاء خطرا على صاحبه، حتى لو التزم بالإطار السلمي والقانوني.
ضريبة الإصلاح
أيمن صندوقة يدفع، مع قلة قليلة من أمثاله، ضريبة المطالبة بالإصلاحات السياسية والإدارية الحقيقية، لكنه يقوم بذلك بروح من المسؤولية الذاتية التي لا تنتظر مقابلا. أيمن مقتنع بأن ما يفعله هو واجب شخصي تجاه وطنه، ولا يمتنّ على أحد بذلك، بل يراه مساهمة طبيعية في مسيرة الإصلاح التي تحتاج إلى جهود الجميع.
الأردن اليوم يقف على مفترق طرق، حيث الأوضاع الداخلية تزداد تأزما، في ظل وعود إصلاحية تتكرر دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ على أرض الواقع
الأردن اليوم يقف على مفترق طرق، حيث الأوضاع الداخلية تزداد تأزما، في ظل وعود إصلاحية تتكرر دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ على أرض الواقع. الإدارة الأردنية تبدو ضعيفة وغير قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والمخططات الخارجية التي تهدد استقرار البلاد ومستقبلها.
في هذا المشهد المعقد، يشكل أيمن صندوقة وأمثاله من الشخصيات المعارضة الواعية والملتزمة بالعمل السلمي البنّاء ضمانة حقيقية لإحداث التغيير المطلوب؛ معارضة قوية ونقد بناء وبرامج إصلاحية واقعية هي السبيل الوحيد لتمتين الجبهة الداخلية، ومواجهة التحديات الإقليمية والدولية.
الإصلاح الحقيقي ليس خيارا ترفيا، بل ضرورة وجودية للأردن، والحفاظ على أمثال أيمن صندوقة كصوت وطني حر، بدلا من محاربته، هو الطريق لإعادة بناء الثقة بين الشعب والدولة، ولإطلاق مسيرة إصلاح تعزز استقرار البلاد وقوتها في مواجهة المستقبل.