أثير – الإعلامي العربي زاهي وهبي

غالباً ما نشكو ونتذمّر من قلّة القراء في العالم العربي، ومن انصراف الناس عن الكتاب بشقيه الورقي والإلكتروني، ونلقي الملامة على أولئك الذين لا يعيرون الكتاب الأهمية الواجبة، ونبحث عن الأسباب الكامنة وراء تراجع نسبة القراءة في بلداننا العربية قياسًا بنسبتها في البلدان الأخرى لا سيما الأوروبية منها (علمًا أن التراجع يشمل العالم كله بفعل طغيان “الثقافة الاستهلاكية على كل ما عداها لكنه عندنا يتفاقم أكثر)، ونحيل الأمر إلى شيوع الأمية والجهل والبطالة، وانشغال السواد الأعظم من مواطني بلداننا بالبحث عن لقمة العيش أو عن برّ الأمان بفعل الحروب المدمرة والأزمات العاصفة الضاربة من المحيط إلى الخليج.

نشكو ونبحث ونعلّل ونلوم هذا وذاك، لكننا نادرًا ما نتطرق إلى مسؤولية الكاتب نفسه في عزوف الناس عن القراءة. طبعًا الأسباب السالفة من أمية وبطالة وهموم عيش وسلم الأولويات الذي يبدأ بضرورة البقاء على قيد الحياة قبل القراءة، وتأمين رغيف الخبز قبل الكتاب، كلها أسباب وجيهة ومنطقية ولا غبار عليها، لا سيما وأنها تتزامن مع شيوع التفاهة والسطحية في العالم أجمع، وتَصدُّر الحمقى والبلهاء لواجهة المشهد العام.

هذا الواقع المزري لا يعفي الكتّاب من مسؤولياتهم، بل على العكس تمامًا، يضاعفها ويحمّلهم أوزارًا ثقيلة. مضى زمن الكاتب القابع في برجه العاجي طالبًا من الناس أن تأتي إليه. شيوع وسائل التواصل الاجتماعي جعل كلَّ حاملٍ لجهازِ إرسالٍ ذكي يدّعي في العلم معرفةً، جاهلًا أنه علم شيئًا وغابت عنه معظم الأشياء. ومن نتائج وسائل التواصل الاجتماعي أنها أتاحت فرصة النشر لجميع مستخدميها، وأطاحت بمفهوم النخب التقليدية القادرة وحدها على التفكير والكتابة والنشر وما على المتلقي سوى الاستقبال وكفى الله المؤمنين شرّ القتال!

نظرة سريعة على ما غيّرته التكنولوجيا الحديثة في طبيعة العلاقة بين المرسل والمتلقي، وبين الكاتب والقارىء، وبعيداً من الوقوع في الشعبوية أو استجداء القرّاء، توضح لنا أن المتغيرات الهائلة والمتسارعة التي يشهدها العالم، وفي ظل العتبة الجديدة المسماة الذكاء الاصطناعي، تفرض على الكاتب شروطها وإيقاعها. إذ لا يعقل أن يبقى الكاتب في معزله أو في برجه العاجي غير منسجم مع ما يشهده الكوكب من مستجدات.

عزلة الكتابة شيء وعزلة الكاتب شيء آخر تمامًا. لحظة الكتابة تستدعي العزلة والنأي عن صخب العالم، أما لحظة الكاتب فهي جزء من لحظة العالم نفسه. وبهذا المعنى، ولأن واقع الحال على ما هو عليه، وبفعل التردي الحاصل في مجتمعاتنا المنكوبة بألف همٍّ وهمّ، علينا معشر الكتّاب التصالح مع العصر وأدواته، ومحاولة فهم أجيال الثورة الرقمية والألفية الثالثة، وعدم الاكتفاء بالتواجد الشكلي أو العابر على وسائل التواصل المتاحة. بل الانخراط في “المعمعة” الجارية، ومحاولة رفع مستوى المحتوى الذي تضخّه هذه الأدوات من دون الوقوع في فخ السطحية والاستهلاك، وهذه مهمة عسيرة وغير يسيرة، شائكة ومعقدة، لكنها ليست مستحيلة.

طوال أربعة عقود من عملي في الكتابة والنشر والصحافة والإعلام سرعان ما ألبّي أي دعوة تأتيني من جامعة أو مدرسة حتى لو كانت تلك المدرسة في قرية صغيرة نائية، مسبوقاً برغبتي العارمة في لقاء الطلاب اليافعين والشباب، ليس فقط لتقديم تجربتي إليهم، بل أيضًا لأستعيد عبرهم بعضًا من شغف البدايات وحماستها، وكي أكشط عن مفاصل أفكاري تكلَّس العمر وصدأ الأيام، لأن أسئلة أولئك الشباب من الجنسين وتعليقاتهم تُعلّمنا وتجدّد فينا الكثير من الخلايا المتبلدة.

لا أدّعي معرفةً كليّة بما يجب علينا أن نفعله ككاتب كي نشجع على متعة القراءة، لكني أؤمن أن الكاتب مسؤول عن وصل وشائج القربى مع قرائه. لأن الكتاب الذي لا يُقرأ هو تابوت الكلمة. والكلمة هي الأصل. من أسباب النكبات المتتالية التي تصيب أوطاننا أننا لا نقيم وزنًا للكلمة، ونُفاضل بين الكتاب والرغيف، علماً أن كلًا منهما حاجة وضرورة، ولا خلاص لشعب بلا كتاب (بما يرمز إليه من علِم وثقافة ومعرفة ووعي). ولأن بلادنا مأزومة تصبح المسؤولية الملقاة على عاتق الكتّاب أهمّ وأثقل. لا نستطيع الانشغال بجنس الملائكة فيما المصائب والأزمات ترخي بثقلها على الناس.

نحيا في زمن صعب، وفي خضم تحولات مصيرية تطرح أمامنا تحديات هائلة، وتساؤلات لا أجوبة حاسمة لها. يقيني الوحيد أن الكتاب هو أحد أبواب الخلاص، وأن الكاتب مسؤول عن بقائه مفتوحاً. كيف؟ بأن يبذل قصارى جهده كي يبقى الكتاب في متناول الأيدي، ويبقى شغف القراءة متقداً في النّفوس.

طبعاً لا يستطيع الكاتب وحده تحفيز الناس على القراءة، بأشكالها المختلفة ورقية وإلكترونية. هذه مسؤولية مجتمع بأكمله، من البيت إلى المدرسة والجامعة وصولًا إلى المؤسسات الرسمية والأهلية، مثلما هي مسؤولية دور النشر التي تتلكأ عن الترويج اللازم للكتاب، ولدور النشر حديث ذو شجون يأتي لاحقاً. لكن على الكاتب، في هذه المرحلة بالذات، أن يبذل الجهد اللازم للتشجيع على القراءة، وألا يأنف من الذهاب إلى القارىء ولو في أقصى الدنيا، وألا يرتبك في التعامل مع أدوات العصر، وأن يجيد التواصل مع الأجيال الناشئة على تقنيات ووسائل غير تقليدية، عِوض النقّ والتذمّر وإلقاء اللوم على الآخرين.

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

خبير اقتصادي: “ثيرم دبي” الأول من نوعه في الشرق الاوسط

 

أكد الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحيم ابن احمد الفرحان أن المشروع الايقوني ثيرم دبي يعد الاول من نوعه في منطقة الشرق الاوسط والاطول علي مستوي العالم

مشيرا الي ان المشروع جاء تنفيذاً لتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بالارتقاء بجودة الحياة المتكاملة، وترسيخ مكانة دبي مكاناً مفضلاً للعيش والعمل على مستوى العالم.

، واضاف الفرحان ان سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، يرافقه سموّ الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الثاني لحاكم دبي، اعتمد تنفيذالمشروع الأيقوني «ثيرم دبي» بتكلفة تعادل 2مليار درهم اماراتي.

وذكر الفرحان أن المشروع يضم منتجعاً صحياً وحديقةً تفاعلية وسيتم تنفيذه في حديقة زعبيل ويتحمل تكلفة المشروع تحالف من الشركاء الماليين المحليين والدوليين، مع توقع اكتماله بحلول عام 2028.

واضاف أن ثيرم دبي يمتد على مساحة 500 ألف قدم مربعة ويصل ارتفاعه إلى 100 متر، مع قدرة استيعابية تصل إلى 1.7 مليون زائر سنوياًمما يعزز قدرة الإمارات علي المستوى الاقتصادي والسياحي.

وممن مميزات «ثيرم دبي» أنه يجمع بين عناصر الراحة والاسترخاء والترفيه والمرح العائلي والخدمات الصحية، والبيئة الطبيعيةوسيجري تنفيذه بالتعاون مع شركة عالمية رائدة في مجال الرفاهية والمتخصصة في إقامة مشاريع نوعية للمنتجعات الصحية والحدائق الفريدة.

وشدد الفرحان علي أنه سيعزز التنافسية العالمية لإمارة دبي في استقطاب الشركات العالمية الكبيرة، والاستثمار الأجنبي المباشر، بما يدعم قطاع السياحة العلاجية حيث يخدم المشروع عدداً من محاور استراتيجية جودة الحياة في دبي كقطاع الصحة، المجتمع والأسرة، الثقافة والترفيه والبيئة الطبيعية والبيئة الحضرية والبيئة الاقتصادية، كما ينعكس أثر المشروع على جميع فئات وشرائح استراتيجية جودة الحياة في دبي.
ويلفت د. الفرحان إلى تميز «ثيرم دبي» بوجود مناطق للعلاج الطبيعي وأحواض حرارية متنوعة، وطوابق مخصصة للرفاهية، ومطعم حاصل على نجمة ميشلان، إضافة إلى ثلاثة شلالات بارتفاع 18 متراً.

هذا و يضم المنتجع تجربة مائية واسعة تشمل4.500 متر مربع من أحواض السباحة الداخلية والمدرجات، وحديقة مائية داخلية تحتوي على 15 منزلقاً، إلى جانب قطع فنية تضفي طابعاً فريداً على الزائرللاستمتاع بوقته بدبي.

وأشار الفرحان الي ان المشروع سيكون به مركز ثقافي لاستضافة العروض الفنية المبتكرة حول العالم ويضم ثلاث مناطق، الأولى للأنشطة، وهي عبارة عن منطقة عائلية، تجمع بين الترفيه، والاسترخاء والأنشطة الصحية، لمختلف الفئات العمرية، والثانية للاستراحة، ستكون مخصصة للبالغين، وتضم حمامات استرخاء داخلية وخارجية ومسابح مياه معدنية وغرف بخار، وتوفر العلاجات الطبيعية القائمة على المياه الكبريتية، أما المنطقة الثالثة، فهي مخصصة للاستجمام، وتتيح لزوارها إعادة اكتشاف جمال الحياة في مجمع حراري واسع يشمل الساونا وغرف البخار المصممة بأسلوب مبتكر عالي الجودة، يرتقي يرتقي بالمكان ليكون علي أعلى مستوى من الراحة لرواده
ويقول الفرحان ان من اهم مزاياه تصميمه المبنى على جعل الطبيعة والمياه في قلب المشروع، لتوفير العناصر التي تسهم في تعزيز جودة حياة الإنسان والمجتمع.

يضم ثيرم دبي أكبر حديقة نباتية داخلية في العالم، تعزز التنوع البيولوجي الحضري والاستدامة البيئية، وتضم أكثر من 200 نوع من النباتات من مختلف دول العالم، إضافة إلى المياه الحرارية الدافئة الصافية، والساونا ومسابح المياه المعدنية العلاجيه حيث تتضمن المسابح الأمواج والمنزلقات المائية، وعلاجات السبا الفاخرة التي تجمع بين التقاليد القديمة للمسابح من مختلف أنحاء العالم مثل المسابح الرومانية والتركية، والينابيع الساخنة اليابانية، والساونا الإسكندنافية، إلى جانب إقامة مئات الأنشطة المائية والفنية وتوظيف التكنولوجيا لتوفير سياحة فريدة من نوعها للزوار.

ويؤكد د. الفرحان ان المشروع يهدف إلى توفير تجربة استثنائية وفريدة من نوعها للسكان والزوار، وتعزيز جودة الحياة، وتطوير وجهة سياحية علاجية أيقونية تُضاف للمعالم المميزة في إمارة دبي.

وأخيرا يعد ثيوم دبي نقلة سياحية وحضارية تمثل إضافة جيدة للإمارات وتجذب الملايين حول العالم وتعزز مكانة الدولة اقتصاديا وسياحيا خاصة ان تصميم هذه الوجهات جاء لتعزيز الصحة الجسدية، والاجتماعية، والنفسية، حيث توفر بيئات تساعد الأفراد والمجتمعات على التواصل مع الطبيعة، ومع أنفسهم، ومع الآخرين، انطلاقاً من رؤيتها بأن جودة الحياة يجب أن تكون متاحة للجميع


مقالات مشابهة

  • شقيق ياسمين عبدالعزيز يكتب وصيته ويطلب عدم إقامة عزاء له
  • وستبقى “غزة” عصّية على ترامب
  • الاتحاد البرلماني العربي يستنكر “التصريحات العنصرية” التي تدعو إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة
  • الكاتب مايكل يوسف يحقق نجاحا بمعرض الكتاب 2025 برواية إيمونت
  • إبراهيم عثمان يكتب: غزوة مروي كدليل براءة للميليشيا!
  • الملتقى العربي لناشري كتب الأطفال ينظم دورة تدريبية متقدمة للناشرين
  • “الدوما” الروسي: وكالة USAID الأمريكية شبكة إجرامية موّلت الإرهاب والمخدرات
  • خبير اقتصادي: “ثيرم دبي” الأول من نوعه في الشرق الاوسط
  • برعاية ذياب بن محمد بن زايد.. “قمة الحكومات” تستضيف النسخة الرابعة من الاجتماع العربي للقيادات الشابة
  • تحديات صناعة الكتب في الوطن العربي