الإعلامي العربي زاهي وهبي يكتب عبر “أثير” عن انحسار القراءة.. ومسؤولية الكاتب!
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
أثير – الإعلامي العربي زاهي وهبي
غالباً ما نشكو ونتذمّر من قلّة القراء في العالم العربي، ومن انصراف الناس عن الكتاب بشقيه الورقي والإلكتروني، ونلقي الملامة على أولئك الذين لا يعيرون الكتاب الأهمية الواجبة، ونبحث عن الأسباب الكامنة وراء تراجع نسبة القراءة في بلداننا العربية قياسًا بنسبتها في البلدان الأخرى لا سيما الأوروبية منها (علمًا أن التراجع يشمل العالم كله بفعل طغيان “الثقافة الاستهلاكية على كل ما عداها لكنه عندنا يتفاقم أكثر)، ونحيل الأمر إلى شيوع الأمية والجهل والبطالة، وانشغال السواد الأعظم من مواطني بلداننا بالبحث عن لقمة العيش أو عن برّ الأمان بفعل الحروب المدمرة والأزمات العاصفة الضاربة من المحيط إلى الخليج.
نشكو ونبحث ونعلّل ونلوم هذا وذاك، لكننا نادرًا ما نتطرق إلى مسؤولية الكاتب نفسه في عزوف الناس عن القراءة. طبعًا الأسباب السالفة من أمية وبطالة وهموم عيش وسلم الأولويات الذي يبدأ بضرورة البقاء على قيد الحياة قبل القراءة، وتأمين رغيف الخبز قبل الكتاب، كلها أسباب وجيهة ومنطقية ولا غبار عليها، لا سيما وأنها تتزامن مع شيوع التفاهة والسطحية في العالم أجمع، وتَصدُّر الحمقى والبلهاء لواجهة المشهد العام.
هذا الواقع المزري لا يعفي الكتّاب من مسؤولياتهم، بل على العكس تمامًا، يضاعفها ويحمّلهم أوزارًا ثقيلة. مضى زمن الكاتب القابع في برجه العاجي طالبًا من الناس أن تأتي إليه. شيوع وسائل التواصل الاجتماعي جعل كلَّ حاملٍ لجهازِ إرسالٍ ذكي يدّعي في العلم معرفةً، جاهلًا أنه علم شيئًا وغابت عنه معظم الأشياء. ومن نتائج وسائل التواصل الاجتماعي أنها أتاحت فرصة النشر لجميع مستخدميها، وأطاحت بمفهوم النخب التقليدية القادرة وحدها على التفكير والكتابة والنشر وما على المتلقي سوى الاستقبال وكفى الله المؤمنين شرّ القتال!
نظرة سريعة على ما غيّرته التكنولوجيا الحديثة في طبيعة العلاقة بين المرسل والمتلقي، وبين الكاتب والقارىء، وبعيداً من الوقوع في الشعبوية أو استجداء القرّاء، توضح لنا أن المتغيرات الهائلة والمتسارعة التي يشهدها العالم، وفي ظل العتبة الجديدة المسماة الذكاء الاصطناعي، تفرض على الكاتب شروطها وإيقاعها. إذ لا يعقل أن يبقى الكاتب في معزله أو في برجه العاجي غير منسجم مع ما يشهده الكوكب من مستجدات.
عزلة الكتابة شيء وعزلة الكاتب شيء آخر تمامًا. لحظة الكتابة تستدعي العزلة والنأي عن صخب العالم، أما لحظة الكاتب فهي جزء من لحظة العالم نفسه. وبهذا المعنى، ولأن واقع الحال على ما هو عليه، وبفعل التردي الحاصل في مجتمعاتنا المنكوبة بألف همٍّ وهمّ، علينا معشر الكتّاب التصالح مع العصر وأدواته، ومحاولة فهم أجيال الثورة الرقمية والألفية الثالثة، وعدم الاكتفاء بالتواجد الشكلي أو العابر على وسائل التواصل المتاحة. بل الانخراط في “المعمعة” الجارية، ومحاولة رفع مستوى المحتوى الذي تضخّه هذه الأدوات من دون الوقوع في فخ السطحية والاستهلاك، وهذه مهمة عسيرة وغير يسيرة، شائكة ومعقدة، لكنها ليست مستحيلة.
طوال أربعة عقود من عملي في الكتابة والنشر والصحافة والإعلام سرعان ما ألبّي أي دعوة تأتيني من جامعة أو مدرسة حتى لو كانت تلك المدرسة في قرية صغيرة نائية، مسبوقاً برغبتي العارمة في لقاء الطلاب اليافعين والشباب، ليس فقط لتقديم تجربتي إليهم، بل أيضًا لأستعيد عبرهم بعضًا من شغف البدايات وحماستها، وكي أكشط عن مفاصل أفكاري تكلَّس العمر وصدأ الأيام، لأن أسئلة أولئك الشباب من الجنسين وتعليقاتهم تُعلّمنا وتجدّد فينا الكثير من الخلايا المتبلدة.
لا أدّعي معرفةً كليّة بما يجب علينا أن نفعله ككاتب كي نشجع على متعة القراءة، لكني أؤمن أن الكاتب مسؤول عن وصل وشائج القربى مع قرائه. لأن الكتاب الذي لا يُقرأ هو تابوت الكلمة. والكلمة هي الأصل. من أسباب النكبات المتتالية التي تصيب أوطاننا أننا لا نقيم وزنًا للكلمة، ونُفاضل بين الكتاب والرغيف، علماً أن كلًا منهما حاجة وضرورة، ولا خلاص لشعب بلا كتاب (بما يرمز إليه من علِم وثقافة ومعرفة ووعي). ولأن بلادنا مأزومة تصبح المسؤولية الملقاة على عاتق الكتّاب أهمّ وأثقل. لا نستطيع الانشغال بجنس الملائكة فيما المصائب والأزمات ترخي بثقلها على الناس.
نحيا في زمن صعب، وفي خضم تحولات مصيرية تطرح أمامنا تحديات هائلة، وتساؤلات لا أجوبة حاسمة لها. يقيني الوحيد أن الكتاب هو أحد أبواب الخلاص، وأن الكاتب مسؤول عن بقائه مفتوحاً. كيف؟ بأن يبذل قصارى جهده كي يبقى الكتاب في متناول الأيدي، ويبقى شغف القراءة متقداً في النّفوس.
طبعاً لا يستطيع الكاتب وحده تحفيز الناس على القراءة، بأشكالها المختلفة ورقية وإلكترونية. هذه مسؤولية مجتمع بأكمله، من البيت إلى المدرسة والجامعة وصولًا إلى المؤسسات الرسمية والأهلية، مثلما هي مسؤولية دور النشر التي تتلكأ عن الترويج اللازم للكتاب، ولدور النشر حديث ذو شجون يأتي لاحقاً. لكن على الكاتب، في هذه المرحلة بالذات، أن يبذل الجهد اللازم للتشجيع على القراءة، وألا يأنف من الذهاب إلى القارىء ولو في أقصى الدنيا، وألا يرتبك في التعامل مع أدوات العصر، وأن يجيد التواصل مع الأجيال الناشئة على تقنيات ووسائل غير تقليدية، عِوض النقّ والتذمّر وإلقاء اللوم على الآخرين.
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
بعد اجتياح وسم “مانيش راضي” لمواقع التواصل.. تبون يهدد الشعب الجزائري
زنقة 20 ا الرباط
رد رئيس النظام العسكري الجزائري عبد المجيد تبون، أمس الثلاثاء، بلغة تهديدية على وسم انتشر في المنصات الرقمية، عنوانه “مانيش راضي”، يحمل انتقادات للأوضاع العامة في البلاد.
وقال تبون بلهجة تهديدة “سنحمي هذا البلد، الذي تسري في عروق شعبه دماء الشهداء، ولا يظُنّنَ أحد أن الجزائر يُمكن افتراسها بهاشتاغ”.
وحاول تبون في جزء من كلامه إيهام الجزائريين بأن وسم «مانيش راضي»، شعار «أجنبي المنشأ»، «تم تدبيره من طرف قوى في الخارج لضرب الاستقرار في الجزائر، بنشر اليأس وسط أبنائها».
يذكر أن منظمة العفو الدولية قالت في تقرير لها إنَّ السلطات الجزائرية تواصل قمع الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي بعد خمس سنوات من انطلاق حركة الحراك الاحتجاجية، من خلال استهداف الأصوات المعارضة الناقدة، سواء كانت من المحتجين أو الصحفيين أو أشخاص يعبّرون عن آرائهم على وسائل التواصل الاجتماعي.