غزة – احتفل الغزيون قبل 18 عاما بعيد استثنائي لطالما كان حلمهم، بإخلاء المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة بعد مرور 38 سنة اغتصبت خلالها تلك المستوطنات مساحة كبيرة من القطاع وحُرم الفلسطينيون عنوة من خيراتها، ليستعيدوا أرضهم المسلوبة ويعمروها من جديد.

وبدأ جيش الاحتلال إجلاء مستوطنيه عن القطاع في 15 أغسطس/آب 2005، بأمر من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون، وخرج يوم 12 سبتمبر/أيلول من العام نفسه آخر جندي من بوابة "كيسوفيم" بحضور قائد فرقة غزة آنذاك "أفيف كوخافي".

يوضح مروان حمد رئيس بلدية مدينة الزهراء (جنوب مدينة غزة) أن توزيع المناطق ومساحاتها وخدماتها في محيط المستوطنات الإسرائيلية قبل الانسحاب من القطاع "كان يخضع لاعتبارات الاحتلال وتقديراته واحتياجاته الأمنية والاقتصادية، دون اعتبار مطلق لحياة الشعب الفلسطيني".

ويقول حمد -الذي تقع بلديته ضمن نطاق ما كانت تسمى مستوطنة نتساريم إن "فكرة تأسيس مدينة الزهراء عام 1997 نبعت من مبدأ المقاومة والمواجهة ردا على تأسيس مستوطنة جبل أبو غنيم، ولوقف التمدد الاستيطاني لنتساريم باتجاه الجنوب".

إسرائيل انسحبت من قطاع غزة عام 2005 بعد 38 عاما على احتلاله، وما زالت تمارس كل صنوف العدوان والخنق على القطاع (الأوروبية) مانع طبيعي

ويضيف -للجزيرة نت- أن إنشاء مدينة الزهراء في مكانها الحالي "منع الزحف الاستيطاني من الوصول إلى الضفة الشمالية من وادي غزة وشكّل مانعا طبيعيا وجدار حماية بين المستوطنة ومخيم النصيرات الواقع وسط القطاع".

وأنشأ الاحتلال مستوطنة نتساريم عام 1977 على مسافة 5 كيلومترات جنوب مدينة غزة بمساحة تقدّر بـ2325 دونما (الدونم يساوي ألف متر مربع)، في حين بلغ إجمالي المساحة التي كان الاحتلال يسيطر عليها لتأمين المستوطنين، نحو 4300 دونم.

ويؤكد رئيس بلدية مدينة الزهراء أن الاحتلال تعمد أن تكون المحررة جاثمة على مساحة جغرافية تمتد من شارع هارون الرشيد غربا وحتى شارع صلاح الدين الأيوبي شرقا، وهو ما مكّن الاحتلال "من قطع أوصال القطاع وإقامة الحواجز الدائمة والتحكم بشكل كامل في حركة تنقل المواطنين والمركبات من شمال القطاع وجنوبه ووسطه".

تحديات

يقول حمد إن "المنطقة لم يكن بها جامعات، وكان طلبة المنطقة الوسطى والجنوب يضطرون للدراسة في جامعات محافظة غزة، وكان وجود المستوطنة سابقا يمثل تحديا في وصول الطلبة إلى جامعاتهم، وكانت حركة مرور المواطنين والمركبات تخضع لإجراءات الاحتلال وتعقيداته دون مراعاة لاحتياجات السكان والحالات الإنسانية، وكان الاحتلال يبقي على الحواجز مغلقة لعدة أيام".

وأرجع المتحدث سوء الواقع التجاري آنذاك إلى عدم سماح الاحتلال بنمو أي مشاريع تجارية أو زراعية في محيط المنطقة، حيث كان يحرص على تجريفها لتأمين المستوطنة وإعدام مقومات الحياة في محيطها لإجبار السكان على الهجرة من محيطها.

وعن تحول أراضي المزارعين من أراضٍ وفيرة الإنتاج قبل وجود المستوطنات في القطاع إلى صحراء قاحلة بعد إنشائها، يروي المواطن أبو سالم أبو غالي -للجزيرة نت- "كنا نسير في طرق التفافية طويلة للوصول إلى أراضينا، مما يكلفنا وقتا وجهدا كثيرا، فاضطررنا أخيرا لتركها".

بدوره، يقول المواطن أبو حيدر الزهار للجزيرة نت، إن "المسافة التي يقطعها اليوم في غضون عشر دقائق كانت تستغرق 5 ساعات في فترة وجود المستوطنة".

ويتابع "عندما يكون لدينا حالة مرضية ليلا، يتوجب علينا أن نتواصل مع الإسعاف ليتواصل مع الصليب الأحمر وينسق الأخير بدوره مع الاحتلال، فلا يمكننا التنقل إلا بالتنسيق".

الاحتلال أنشأ مستوطنة نتساريم عام 1977 على مسافة 5 كيلومترات جنوب مدينة غزة (الجزيرة) واقع جديد

وبشأن واقع المستوطنة قبل الانسحاب الإسرائيلي منها وبعده، يقول مروان حمد "يوجد اليوم آلاف الدونمات التي تم استثمارها في مجال الزراعة مثل كروم العنب وأشجار الزيتون ومزارع المانجا، وغيرها من أنواع المزروعات الأخرى".

ويضيف، "تحولت الزهراء والمناطق المحيطة بالمحررة إلى منطقة جاذبة للمؤسسات والمشاريع النوعية، فأصبحت تضم جامعات ومستشفيات، ومجمع قصر العدل، ومركزا لرعاية المسنين، ومناطق ترفيهية متعددة تخدم كل سكان القطاع".

ويشير إلى أن شاطئ البحر "شهد انتعاشا سياحيا وأصبح يضم عدة استراحات شاطئية مميزة ومشاريع بحرية ممتدة على طول الساحل، حيث يعد البحر المتنفس الوحيد لسكان القطاع في فصل الصيف".

ويصف أبو غالي يوم الانسحاب الإسرائيلي، "بيوم عيد، أصبحنا نمشي ونعمر في أراضينا ونزرعها ونأكل من ثمارها".

المقاومة الفلسطينية استهدفت "نتساريم" بعمليات مباشرة بين عامي 2000 و2005 (الجزيرة) دور المقاومة

من جهة ثانية، أوضح القائد الميداني في المقاومة أبو نضال أن "نتساريم كانت كالخنجر في خاصرة غزة، بحكم موقعها الجغرافي الذي يفصل محافظة شمال قطاع غزة ومدينة غزة عن بقية محافظات القطاع وهو ما يعني فصل الكتلة السكانية في القطاع إلى نصفين".

وقال للجزيرة نت، " لجأت المقاومة في تعاملها مع المستوطنة إلى التضييق على المستوطنين وقوات الاحتلال وتشكيل ضغط ميداني ونفسي كبير عليهم".

وأشارت وثيقة صدرت عن كتائب القسام في سبتمبر/أيلول 2021 بعنوان "يوم المقاومة"، إلى أن مستوطنة نتساريم تعرضت لعمليات مباشرة للمقاومة بين عامي 2000 و2005 أسفرت عن مقتل 16 جنديا ومستوطنا وإصابة العشرات في عمليات متنوعة.

ويكشف أبو نضال عن أبرز العمليات التي شارك فيها يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول 2003 وأوصل الاستشهاديين حينها إلى بوابة "نتساريم"، "نفذنا عملية اقتحام للمستوطنة بشكل مشترك بين كتائب القسام وسرايا القدس واستشهد في العملية الشهيد سمير فودة وقُتل ثلاثة جنود إسرائيليين".

ويضيف "عندما سمعنا بخبر مقتل الجنود ونجاح العملية ودخول الاستشهاديين إلى المستوطنة -رغم كل تحصيناتها- أدركنا يومها أن الاحتلال لن يتحمل تكلفة بقائه هنا طويلا". وتابع "كانت المستوطنة هدفا دائما لنا وكنا نعتبر تحريرها على رأس الأولويات، وهي من أوائل المستوطنات التي استهدفناها بقذائف الهاون والعبوات المتفجرة وعمليات إطلاق النار والاقتحام".

يُذكر أن مستوطنة "كفار داروم" هي أول مستوطنة إسرائيلية أنشئت في قطاع غزة عام 1946 كما أُقيمت 5 مستوطنات بين عامي1967 و1977.

ثم بنى الاحتلال 16 مستوطنة بين عامي 1977 و1991، ليكون إجمالي المستوطنات في القطاع 21 مستوطنة احتلت 35%‎ من إجمالي مساحة القطاع -البالغة 360 كيلومترا مربعا- وكان يقطنها قرابة 8600 مستوطن إسرائيلي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: للجزیرة نت مدینة غزة قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

ماذا يعني وجود مراقبين أمريكيين في ممر "نتساريم" (شاهد)

أكد الكاتب الصحفي إسلام كمال، أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بشأن غزة هو بالأساس مشروع مصري متكامل تم تقديمه منذ مايو الماضي، حيث عرضته القيادة المصرية على العديد من الأطراف الدولية، منها واشنطن. 

الصحة الفلسطينية: مستشفى كمال عدوان شمالي غزة تعرض لما يشبه القنبلة النووية انتشال 170 جثمان من تحت الأنقاض في غزة الضغوط الأمريكية

وأوضح “كمال”  في لقائه مع عبيدة أمير وأحمد دياب ببرنامج «صباح البلد» المذاع عبر قناة صدى البلد، أن الضغوط الأمريكية لعبت دورًا حاسمًا في تمرير هذا الاتفاق، مشيرًا إلى زيارة مفاجئة قام بها المبعوث الأمريكي السابق ستيفن ويتكوف إلى بنيامين نتنياهو، والتي حملت رسائل ضغط قوية.

وقال إن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يواصل دعم نتنياهو بشكل غير مباشر، حيث يحرص على الترويج بأن الاتفاق هش وقابل للانهيار في أي لحظة، مما يدعم موقف نتنياهو داخليًا أمام خصومه السياسيين، خاصة مع تزايد الانقسامات داخل حكومته.

مراقبة تنفيذ الاتفاق في غزة

وأشار إلى أن تصريحات الإدارة الأمريكية حول مراقبة تنفيذ الاتفاق في غزة، مثل تواجد مراقبين في ممرات مثل "نتساريم"، تعد طمأنة للجانب الإسرائيلي أكثر من كونها خطوات عملية على الأرض، مما يعكس استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل حتى في أصعب الظروف.

جدير بالذكر أن المكتب الإعلامي للحكومة الفلسطينية في غزة، أكد أن عدد المفقودين منذ اندلاع الحرب على القطاع في أكتوبر 2023 وصل إلى ما يزيد عن 14 ألف مفقود.

وكان اتفاق الهدنة وإنهاء الحرب قد دخل حيز التنفيذ في يوم الأحد الماضي، وتُكثف السلطات الفلسطينية جهودها منذ ذلك الحين لحصر الخسائر البشرية بسبب العدوان.

وقالت وسائل إعلام فلسطينية إن الاحتلال ارتكب 10100 مجزرة راح ضحيتها 61182 شهيدا ومفقودا منذ 7 أكتوبر 2023.

وأشارت الإحصائية إلى أن 2092 عائلة فلسطينية أبادها الاحتلال ومسحها من السجل المدني بقتل الأب والأم وجميع أفراد الأسرة وراح ضحيتها 5967 شهيداً.

وتضمنت الخسائر البشرية 12316 شهيدة من النساء و1155 شهيدا من الطواقم الطبية و94 من الدفاع المدني و205 من الصحفيين

وذكرت الإحصائية أن هُناك 44 فلسطينياً استشهدوا بسبب سوء التغذية وسياسة التجويع و8 استشهدوا نتيجة البرد الشديد في خيام النازحين بينهم 7 أطفال.

كما شهدت شهور العدوان ميلاد  214 طفلا رضيعا ولدوا واستشهدوا خلال حرب الإبادة الجماعية و808 أطفال استشهدوا عمرهم أقل من عام.

وتأمل مصر مع باقي الشركاء الدوليين في رفع المُعاناة عن أهل غزة بعد وقف الحرب، وتُواصل الدولة المصرية جهودها في ملف إيصال المُساعدات الإنسانية العاجلة إلى داخل القطاع.

وتعمل السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله على التعاون مع المجتمع الدولي بهدف إعادة الحياة من جديد للقطاع.

يُعرف المفقودون في الحرب وفقاً للقانون الدولي بأنهم الأشخاص الذين انقطعت أخبارهم أثناء النزاعات المسلحة، ولا يُعرف مكانهم أو مصيرهم، سواء كانوا مدنيين أو عسكريين. يمكن أن يكونوا قد قُتلوا، أو أُسروا، أو تعرضوا للاختفاء القسري. اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 يُلزمان أطراف النزاع باتخاذ كل التدابير الممكنة لمعرفة مصير المفقودين وإبلاغ عائلاتهم، مع تسجيل بيانات القتلى والمحتجزين وإيصال المعلومات بشكلٍ دقيق.

القانون الدولي الإنساني يؤكد على ضرورة حماية حقوق المفقودين وضمان البحث عنهم واستعادة الروابط العائلية. تلعب اللجنة الدولية للصليب الأحمر دوراً محورياً في هذا السياق من خلال مساعدة الدول والمنظمات لتحديد مصير المفقودين والتخفيف من معاناة أسرهم. تُعد قضية المفقودين مسؤولية إنسانية وقانونية تتطلب تعاوناً دولياً لتحقيق العدالة وضمان إنصاف عائلاتهم المتضررة، ولضمان عدم تكرار الانتهاكات في النزاعات المستقبلية.

مقالات مشابهة

  • لبنان يؤكد ضرورة انسحاب إسرائيل من الجنوب
  • تسريبات عن تأجيل انسحاب إسرائيل من لبنان.. وحزب الله يستنفر
  • ماذا يعني وجود مراقبين أمريكيين في ممر "نتساريم" (شاهد)
  • الاحتلال يعلن العثور على مسيرة مفخخة قرب مستوطنة شمال الضفة
  • الاحتلال يعلن بس بي العثور على مسيرة مفخخة قرب مستوطنة شمال الضفة
  • خروقات مستمرة في لبنان.. ولا انسحاب لقوات الاحتلال في الوقت المحدد
  • عاجل | مصادر للجزيرة: قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مدينة أريحا وأطراف مخيم عقبة جبر شرقي الضفة الغربية
  • الجزيرة نت تكشف تفاصيل عمل معبر رفح وهذه خرائط انسحاب الاحتلال من غزة
  • "T1".. إطلاق اسم ترامب على مستوطنة قرب القدس
  • رئيس الحكومة الفلسطينية يكشف خطوات التصعيد ضد إسرائيل