شهادات للجزيرة نت.. نتساريم بعد 18 عاما على انسحاب إسرائيل من غزة
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
غزة – احتفل الغزيون قبل 18 عاما بعيد استثنائي لطالما كان حلمهم، بإخلاء المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة بعد مرور 38 سنة اغتصبت خلالها تلك المستوطنات مساحة كبيرة من القطاع وحُرم الفلسطينيون عنوة من خيراتها، ليستعيدوا أرضهم المسلوبة ويعمروها من جديد.
وبدأ جيش الاحتلال إجلاء مستوطنيه عن القطاع في 15 أغسطس/آب 2005، بأمر من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون، وخرج يوم 12 سبتمبر/أيلول من العام نفسه آخر جندي من بوابة "كيسوفيم" بحضور قائد فرقة غزة آنذاك "أفيف كوخافي".
يوضح مروان حمد رئيس بلدية مدينة الزهراء (جنوب مدينة غزة) أن توزيع المناطق ومساحاتها وخدماتها في محيط المستوطنات الإسرائيلية قبل الانسحاب من القطاع "كان يخضع لاعتبارات الاحتلال وتقديراته واحتياجاته الأمنية والاقتصادية، دون اعتبار مطلق لحياة الشعب الفلسطيني".
ويقول حمد -الذي تقع بلديته ضمن نطاق ما كانت تسمى مستوطنة نتساريم إن "فكرة تأسيس مدينة الزهراء عام 1997 نبعت من مبدأ المقاومة والمواجهة ردا على تأسيس مستوطنة جبل أبو غنيم، ولوقف التمدد الاستيطاني لنتساريم باتجاه الجنوب".
ويضيف -للجزيرة نت- أن إنشاء مدينة الزهراء في مكانها الحالي "منع الزحف الاستيطاني من الوصول إلى الضفة الشمالية من وادي غزة وشكّل مانعا طبيعيا وجدار حماية بين المستوطنة ومخيم النصيرات الواقع وسط القطاع".
وأنشأ الاحتلال مستوطنة نتساريم عام 1977 على مسافة 5 كيلومترات جنوب مدينة غزة بمساحة تقدّر بـ2325 دونما (الدونم يساوي ألف متر مربع)، في حين بلغ إجمالي المساحة التي كان الاحتلال يسيطر عليها لتأمين المستوطنين، نحو 4300 دونم.
ويؤكد رئيس بلدية مدينة الزهراء أن الاحتلال تعمد أن تكون المحررة جاثمة على مساحة جغرافية تمتد من شارع هارون الرشيد غربا وحتى شارع صلاح الدين الأيوبي شرقا، وهو ما مكّن الاحتلال "من قطع أوصال القطاع وإقامة الحواجز الدائمة والتحكم بشكل كامل في حركة تنقل المواطنين والمركبات من شمال القطاع وجنوبه ووسطه".
تحدياتيقول حمد إن "المنطقة لم يكن بها جامعات، وكان طلبة المنطقة الوسطى والجنوب يضطرون للدراسة في جامعات محافظة غزة، وكان وجود المستوطنة سابقا يمثل تحديا في وصول الطلبة إلى جامعاتهم، وكانت حركة مرور المواطنين والمركبات تخضع لإجراءات الاحتلال وتعقيداته دون مراعاة لاحتياجات السكان والحالات الإنسانية، وكان الاحتلال يبقي على الحواجز مغلقة لعدة أيام".
وأرجع المتحدث سوء الواقع التجاري آنذاك إلى عدم سماح الاحتلال بنمو أي مشاريع تجارية أو زراعية في محيط المنطقة، حيث كان يحرص على تجريفها لتأمين المستوطنة وإعدام مقومات الحياة في محيطها لإجبار السكان على الهجرة من محيطها.
وعن تحول أراضي المزارعين من أراضٍ وفيرة الإنتاج قبل وجود المستوطنات في القطاع إلى صحراء قاحلة بعد إنشائها، يروي المواطن أبو سالم أبو غالي -للجزيرة نت- "كنا نسير في طرق التفافية طويلة للوصول إلى أراضينا، مما يكلفنا وقتا وجهدا كثيرا، فاضطررنا أخيرا لتركها".
بدوره، يقول المواطن أبو حيدر الزهار للجزيرة نت، إن "المسافة التي يقطعها اليوم في غضون عشر دقائق كانت تستغرق 5 ساعات في فترة وجود المستوطنة".
ويتابع "عندما يكون لدينا حالة مرضية ليلا، يتوجب علينا أن نتواصل مع الإسعاف ليتواصل مع الصليب الأحمر وينسق الأخير بدوره مع الاحتلال، فلا يمكننا التنقل إلا بالتنسيق".
وبشأن واقع المستوطنة قبل الانسحاب الإسرائيلي منها وبعده، يقول مروان حمد "يوجد اليوم آلاف الدونمات التي تم استثمارها في مجال الزراعة مثل كروم العنب وأشجار الزيتون ومزارع المانجا، وغيرها من أنواع المزروعات الأخرى".
ويضيف، "تحولت الزهراء والمناطق المحيطة بالمحررة إلى منطقة جاذبة للمؤسسات والمشاريع النوعية، فأصبحت تضم جامعات ومستشفيات، ومجمع قصر العدل، ومركزا لرعاية المسنين، ومناطق ترفيهية متعددة تخدم كل سكان القطاع".
ويشير إلى أن شاطئ البحر "شهد انتعاشا سياحيا وأصبح يضم عدة استراحات شاطئية مميزة ومشاريع بحرية ممتدة على طول الساحل، حيث يعد البحر المتنفس الوحيد لسكان القطاع في فصل الصيف".
ويصف أبو غالي يوم الانسحاب الإسرائيلي، "بيوم عيد، أصبحنا نمشي ونعمر في أراضينا ونزرعها ونأكل من ثمارها".
من جهة ثانية، أوضح القائد الميداني في المقاومة أبو نضال أن "نتساريم كانت كالخنجر في خاصرة غزة، بحكم موقعها الجغرافي الذي يفصل محافظة شمال قطاع غزة ومدينة غزة عن بقية محافظات القطاع وهو ما يعني فصل الكتلة السكانية في القطاع إلى نصفين".
وقال للجزيرة نت، " لجأت المقاومة في تعاملها مع المستوطنة إلى التضييق على المستوطنين وقوات الاحتلال وتشكيل ضغط ميداني ونفسي كبير عليهم".
وأشارت وثيقة صدرت عن كتائب القسام في سبتمبر/أيلول 2021 بعنوان "يوم المقاومة"، إلى أن مستوطنة نتساريم تعرضت لعمليات مباشرة للمقاومة بين عامي 2000 و2005 أسفرت عن مقتل 16 جنديا ومستوطنا وإصابة العشرات في عمليات متنوعة.
ويكشف أبو نضال عن أبرز العمليات التي شارك فيها يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول 2003 وأوصل الاستشهاديين حينها إلى بوابة "نتساريم"، "نفذنا عملية اقتحام للمستوطنة بشكل مشترك بين كتائب القسام وسرايا القدس واستشهد في العملية الشهيد سمير فودة وقُتل ثلاثة جنود إسرائيليين".
ويضيف "عندما سمعنا بخبر مقتل الجنود ونجاح العملية ودخول الاستشهاديين إلى المستوطنة -رغم كل تحصيناتها- أدركنا يومها أن الاحتلال لن يتحمل تكلفة بقائه هنا طويلا". وتابع "كانت المستوطنة هدفا دائما لنا وكنا نعتبر تحريرها على رأس الأولويات، وهي من أوائل المستوطنات التي استهدفناها بقذائف الهاون والعبوات المتفجرة وعمليات إطلاق النار والاقتحام".
يُذكر أن مستوطنة "كفار داروم" هي أول مستوطنة إسرائيلية أنشئت في قطاع غزة عام 1946 كما أُقيمت 5 مستوطنات بين عامي1967 و1977.
ثم بنى الاحتلال 16 مستوطنة بين عامي 1977 و1991، ليكون إجمالي المستوطنات في القطاع 21 مستوطنة احتلت 35% من إجمالي مساحة القطاع -البالغة 360 كيلومترا مربعا- وكان يقطنها قرابة 8600 مستوطن إسرائيلي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: للجزیرة نت مدینة غزة قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
اكتشاف أقدم أداة موسيقية من النحاس في سلطنة عُمان
مسقط - العُمانية
اكتشف قسم الآثار في جامعة السُّلطان قابوس وبإشراف من وزارة التراث والسياحة أثناء أعمال التنقيب الأثري في موقع /دهوى 7/ الذي يقع على أطراف وادي السخن بولاية صحم في محافظة شمال الباطنة زوجًا من الصنجات المكتملة والمصنوعة من النحاس (الصنج هو أداة موسيقية نحاسية).
وقد دلت الشواهد الأثرية المنتشرة بكثافة على السطح على أن الموقع يمثل إحدى مستوطنات ثقافة محلية ازدهرت في المنطقة خلال الفترة الواقعة بين 2700-2000 قبل الميلاد، وبعد انقضاء أكثر من 4000 سنة خلت على طمرها واخفائها من قبل السكان الأوائل في شبه الجزيرة العُمانية، كشفت أعمال التنقيبات الأثرية عنها لأول مرة، وكشفت عن أسرار ثقافية ومعتقدات دينية طواها الزمان لآلاف السنين.
ونقبت البعثة الأثرية من قسم الآثار في عدد من مباني المستوطنة لتؤكد النتائج على أن الموقع كان مزدهرًا جدًا، وأن سكانه اعتمدوا بشكلٍ كبير في اقتصادهم المعيشي على تعدين النحاس، إضافةً إلى الزراعة، خاصةً النخيل، وتربية الماشية، وقد دلت الكميات الكبيرة جدًا من الفخار المستورد من بلاد السند، الذي عثر عليه داخل المستوطنة على أن سكان الموقع كانت تربطهم علاقات تجارية وثيقة مع حضارة "هارابا" التي كانت مزدهرة هناك.
ومن ضمن المباني الأربعة التي تم التنقيب بها في الموقع كان هناك مبنى صغير منعزل، يتربع على قمة هضبة مرتفعة ومطلة على باقي مباني المستوطنة الواقعة في المنطقة السلفية من المستوطنة.
وكشفت التنقيبات الأثرية عن المخطط العام للمبنى، الذي يتكون من غرفة مستطيلة الشكل لها مدخل صغير في جدارها الشرقي يتم الوصول له عبر عتبة مستطيلة تمتد على طول الجدار الشرقي للمبنى، وقد عثر داخل المبنى على مجموعة من المرافق المعمارية، أهمها طاولة حجرية صغيرة، تقع مقابل المدخل مبنية من حجارة رقيقة، قطعت بعناية، مغطاة بطبقة من البلاستر صفراء اللون.
وتشير المرفقات المعمارية إلى أن المبنى استعمل مبنى دينيًّا وهو يعد أحد أقدم المعابد المكتشفة حتى الآن، وقد دلت التنقيبات الأثرية أن المبنى شهد مرحلتين رئيسيتين من الاستخدام: مرحلة مبكرة وأخرى متأخرة، فبعد فترة من الاستخدام تم عمل أرضية جديدة للمبنى وضعت تحتها طبقة من الطين.
وتعد الصنجات التي عثر عليها في هذا المعبد الأقدم على الإطلاق على مستوى شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام في حين عثر على أدلة مشابهة لها، وربما مزامنة لها في مدينة موهنجدارو في وادي السند، باكستان حالياً، تعود إلى الألف الثالثة قبل الميلاد وهناك أيضا أدلة تشير إلى استخدام الصنجات في الحضارة السومرية في مدينة أور في جنوب بلاد الرافدين.
كما تشير الأدلة الأثرية إلى أن تقاليد استخدم الصنجات كآلة موسيقية كانت مرتبطة بشكلٍ رئيس بالطقوس الدينية، إذ كانت تستخدم في الترانيم الخاصة التي تقام أثناء ممارسة الطقوس المختلفة منذ الألف الثالثة قبل الميلاد وهذا مؤشرٌ على أن المجتمعات التي عاشت في سلطنة عُمان كانت تربطها علاقات وثيقة مع الحضارات الكبيرة ليس فقط على المستوى التجاري وإنما على المستوى الديني والفكري.
وقد أكدت نتائج التحليل الجيوكيميائي للصنجات من موقع /دهوى/على أنها مصنوعة من نحاس محلي ربما جلب من منطقة بالقرب من مسقط، ويعد هذا الاكتشاف مهمًا ليس فقط بسبب ندرة هذه القطع الأثرية، بل أيضًا بسبب المعلومات التي تقدمها عن التأثيرات الثقافية والتفاعلات التي كانت موجودة بين الحضارات البعيدة.
يذكر أنه تم نشر نتائج هذا الاكتشاف حديثا في مجلة انتيكويتي (Antiquity) في المملكة المتحدة، حيث لاقى هذا الاكتشاف اهتماما كبيرا من المجلات العلمية العالمية.