مراوحة سياسية وعسكرية في اليمن
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
(عدن الغد) متابعات
حالة من المراوحة السياسية والعسكرية يعيشها اليمن، منذ الإعلان عن هدنة برعاية أممية في إبريل/نيسان 2022، أفضت بالبلد إلى حالة من اللاسلم واللاحرب، بالتزامن مع تهديدات للحوثيين، بين الحين والآخر، بالتصعيد العسكري.
وعلى الرغم من انتهاء الهدنة في أكتوبر/تشرين الأول 2022 من دون تمديدها مرة أخرى، إلا أن العمل بقي سارياً بها بشكل غير رسمي، مع تسجيل خروقات، تحديداً على الجبهات الداخلية.
ومنذ ذلك الحين، يتحرك المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ في أكثر من اتجاه، من أجل العمل على إحياء الهدنة، لكنه دائماً ما يصطدم بعقبات عدة.
ولم تكن زيارة غروندبرغ الأخيرة إلى اليمن، والتي شملت العاصمة المؤقتة عدن ومأرب من دون التوجه إلى صنعاء، إلا مؤشراً إضافياً على تعثر المشاورات التي يجريها، والتي تضم القوى الفاعلة في الملف اليمني، إذ سجلت له زيارات إلى الرياض وطهران ومسقط وأبوظبي.
واختتم غروندبرغ، قبل أيام، زيارة إلى أبوظبي، حيث التقى بعدد من كبار المسؤولين الإماراتيين ومجموعة من الفاعلين اليمنيين، كجزء من جهوده "المبذولة لتعزيز الحوار البنّاء مع الجهات اليمنية والإقليمية الفاعلة، لاستئناف عملية سياسية جامعة، بقيادة يمنية وبرعاية الأمم المتحدة" على حد تعبير بيان صادر عن مكتبه.
ربط الحوثيون التفاوض بمعالجة الملفات الإنسانية
كما تنخرط سلطنة عُمان في جهود الوساطة لاستئناف العملية التفاوضية، والتي يربطها الحوثيون بـ"معالجة الملفات الإنسانية"، وتحديداً ملف الرواتب للموظفين الحكوميين في مناطق خاضعة لسيطرة الجماعة، التي تمتنع عن صرفها لهم رغم الإيرادات الكبيرة التي تجبيها، وتريد أن يكون صرفها من عائدات النفط والغاز، أو أن تدفعها السعودية.
خالد بقلان: جهات إقليمية ودولية فاعلة تمنع اتخاذ القرار بحسم المعركة عسكرياً
ولم تسفر الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد من السلطنة إلى صنعاء في أغسطس/آب الماضي عن اختراق في المحادثات. كذلك ينخرط المبعوث الأميركي لليمن تيم ليندركينغ في محاولات الدفع بإطلاق عملية سياسية شاملة بوساطة الأمم المتحدة.
وفي موازاة التعثر السياسي، تغير مسار المعارك العسكرية، على مدى السنوات الماضية، ما أدى إلى تقاسم السيطرة بين طرفي النزاع. فمع بدء العمليات العسكرية، التي شنها التحالف لاستعادة الشرعية، نهاية مارس/آذار 2015، تشكلت مجاميع مسلحة للمقاومة الشعبية، عملت جنباً إلى جنب مع الألوية العسكرية التي ناصرت الشرعية، وشكلت نواة الجيش الوطني.
وخلال العمليات المسلحة في 2015 و2016، نجحت المقاومة الشعبية والجيش الوطني في تحرير المحافظات الجنوبية ومأرب والجوف وجزءاً من محافظة تعز. كما نجحت القوات التابعة للحكومة في الوصول إلى جبهة نهم في محافظة صنعاء، والتي تبعد 60 كيلومتراً عن العاصمة صنعاء.
في 2 ديسمبر/كانون الأول 2017، انشق الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح عن تحالفه مع الحوثيين، لتقوم الجماعة بإطباق الحصار عليه في منزله وسط العاصمة صنعاء، في معارك عنيفة، انتهت بمقتل صالح في 4 ديسمبر، لينتج عن ذلك تشكيل ما بات يعرف بالقوات المشتركة، والتي تألفت من ثلاثة تشكيلات، هي "حراس الجمهورية" أو "المقاومة الوطنية"، و"ألوية العمالقة"، و"الألوية التهامية"، والتي اتخذت من الساحل الغربي مقراً لها.
ضغط أممي لوقف معارك الحديدة
في 2018 نجحت القوات المشتركة في تحرير مديريات تعز الساحلية، وفي مقدمتها باب المندب والمخا، بالإضافة إلى عدد من مديريات محافظة الحديدة غربي البلاد. كما سيطرت على عدد من المناطق داخل مدينة الحديدة، حيث بات يفصلها عن السيطرة على ميناء الحديدة ثلاثة كيلومترات فقط، لتتحرك الأمم المتحدة والدول الغربية وتضغط من أجل إيقاف العمليات العسكرية، ورعاية مفاوضات بين الأطراف في السويد، أفضت إلى توقيع اتفاق استوكهولم.
ووافق طرفا النزاع على اتفاق استوكهولم، نتيجة الضغوط التي مورست عليهما. فالحوثيون كانوا تحت ضغط عسكري غير مسبوق من قبل القوات الحكومية، التي كادت أن تسيطر على موانئ الحديدة الثلاثة، الحديدة، والصليف، ورأس عيسى، وقوات الحكومة كانت تحت ضغط الأمم المتحدة والدول الغربية، وفي مقدمتها أميركا، التي طالبت بإيقاف العمليات العسكرية في الحديدة.
وفي 13 ديسمبر 2018 تم التوقيع بين الحكومة والحوثيين على اتفاق استوكهولم، أو ما يعرف باتفاق الحديدة، برعاية أممية. ونص الاتفاق على عقد هدنة في محافظة الحديدة، وانسحاب الحوثيين من مدينة الحديدة والموانئ الثلاثة في المحافظة، وانسحاب القوات الحكومية من المدينة، على أن يتم تسليم مهمة الحفاظ على الأمن في المدينة والموانئ إلى قوات خفر السواحل والأمن المحلية، التي كانت منتشرة هناك في عام 2014.
وعقب اتفاق استوكهولم تحولت القوات الحكومية من الهجوم إلى الدفاع، واستعاد الحوثيون زمام المبادرة من خلال شن هجمات في أكثر من جبهة. وأبرز المعارك، التي نجح فيها الحوثيون في السيطرة على مواقع جديدة، هي معركة السيطرة على نهم والجوف ومديريات من مأرب مطلع عام 2020، حيث قاموا بتنفيذ هجمات، هي الأعنف، على مواقع الجيش من جميع الاتجاهات، بعد نجاحهم في اختراق شبكة الاتصالات اللاسلكية الخاصة بالجيش الوطني، وإصدار أوامر وهمية إليهم بالانسحاب من مواقعهم.
واستمرت محاولات الحوثيين الهادفة للسيطرة على ما تبقى من مديريات محافظة مأرب، الغنية بالنفط والغاز، من خلال شن هجمات مكثفة، غير أنهم فشلوا في ذلك، لتأتي هذه الهجمات بالتزامن مع شبه توقف لبقية الجبهات، خاصة مع توقيع اتفاق الهدنة في إبريل 2022، والذي جاء برعاية أممية، لتدخل البلاد في حالة من اللاسلم واللاحرب.
عام ونصف العام من اللاحرب واللاسلم في اليمن
وقال الكاتب والمحلل السياسي خالد بقلان، إن "الجميع يدرك أن اليمن يعيش لأكثر من عام ونصف العام حالة من اللاحرب واللاسلم، وهذا له أسباب عدة، منها أن الملف تجاوز الإقليم - أي التحالف العربي - لأن الكثير من الجهات أو المنظمات وجدت مدخلاً للتربح من المساعدات وغيرها، ناهيك عن أن تفويت الفرص أهم سبب، لأنه كان بإمكان الشرعية حسم المعركة مبكراً، لكن الفساد وهيمنة طرف سياسي عليها، إلى جانب اتفاق استوكهولم أدى إلى منح الحوثي رئة ثالثة للتنفس".
ورأى بقلان أن "الشرعية قادرة على الحسم العسكري، خصوصاً في ظل الوضع الحالي الذي يعاني فيه الحوثيون من أزمة، وغضب شعبي واسع في مناطق نفوذهم، ومطالبات بالرواتب، وعدم قدرة على الحشد، وتغطية كافة المحاور في حال اتجهت الأمور للتصعيد". وأضاف: "أما عن جاهزية الشرعية للحسم، فإن هذا يعود لمن يقود اليوم دفّتها، إذا كان لديه قرار ذاتي، يمكننا القول إن الجاهزية في أعلى مستوياتها".
وأشار بقلان إلى أن "ما يمنع اتخاذ القرار بحسم المعركة عسكرياً هو جهات إقليمية ودولية فاعلة، ترى أن الفعل السياسي والتفاوض هو الحل، وهذه من الضغوط التي تواجهها الشرعية من قبل الأمم المتحدة وآخرين. لكن هذا لا يعني التسليم بها، ويراها الكثير من ضمن المبررات، لكن من الواضح أن الشرعية أصبحت في موقف دفاعي، وهذا يعني أن قرار الحرب والحسم ليس بيدها وحدها".
أسباب دخول اليمن مرحلة اللاسلم واللاحرب
من جهته، تطرّق المحلل العسكري العميد جمال الرباصي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى جملة أسباب تفسر الواقع الراهن، من بينها "الخلافات بين المكونات السياسية للشرعية"، إلى جانب "فشل وزارة الدفاع ورئاسة الأركان في لملمة المكونات العسكرية المختلفة"، وما أسماه "اختراق الانقلاب لرئاسة الأركان وقواتها"، فضلاً عن "طول فترة الصراع، وإنشاء قوات متنوعة الولاء للإقليم، ودخول الإقليم وصراعاته والأجندة الدولية المشبوهة، وإرهاق الطرفين المتحاربين".
واعتبر الرباصي أن "الشرعية ليست جاهزة للحسم العسكري. فمن شروط الجاهزية وحدة القيادة والسيطرة للقوات، وهذا غير متوفر بسبب تبعية القوات لقادتها ومموليها، مثلاً قوات الانتقالي، وقوات العمالقة، وقوات المقاومة الوطنية، وكذلك قوات وزارة الدفاع، وكل طرف له أجندته الخاصة".
وأشار الرباصي إلى أن "هناك مانعا محليا وإقليميا ودوليا من اتخاذ قرار الحسم العسكري". وأوضح أن "المانع المحلي أن هناك قوى لها نفوذ قوي داخل الشرعية لا ترغب في الحسم العسكري، وطرفا آخر غير مهتم، وأولوياته مختلفة عن الهم الوطني العام".
وأشار إلى أن "المانع الإقليمي أنه بعد ثماني سنوات من الفشل لا يرغب التحالف العربي في المزيد منه، وغير مستعد لتمويل معارك قادمة، ويسعى إلى حوار مع الآخر المنقلب لإبعاد دولته عن الأضرار، والتي وصلت إلى أراضيه ومصالحه الحيوية، والتخلص من الضغوط الدولية، بينما أطراف إقليمية أخرى سعيدة بما آل إليه الوضع في الميدان. وهناك أطراف دولية، لها أجندة واضحة في استمرار الوضع كما هو، وتسعى إلى تعليق المشهد اليمني، واستخدامه في أجندتها المحلية".
وبرأي الرباصي، فإن "معسكر الشرعية ممزق عسكرياً وأمنياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وقد أدى هذا إلى سخط شعبي صامت قابل للانفجار بسبب تدهور الأوضاع المعيشية للناس، والفساد والفشل في الخدمات العامة، وتدهور الأوضاع الأمنية والقضائية والصحية، وفشل مجلس القيادة الرئاسي في المهمة الأصعب، وهي توحيد القوات المسلحة تحت قيادة وزارة الدفاع ورئاسة الأركان العامة، ومناطقها العسكرية ودوائرها".
المصدر: عدن الغد
كلمات دلالية: الأمم المتحدة حالة من
إقرأ أيضاً:
انقسام أمريكى حول اليمن
تشهد الأوساط السياسية فى واشنطن حالة من الانقسام الحاد بشأن التعامل مع الأزمة اليمنية، حيث تتباين وجهات النظر بين أعضاء الكونجرس والإدارة الأمريكية حول السياسات المناسبة للتعامل مع هذا الملف المعقد. فى الوقت الذى يقترب فيه الرئيس جو بايدن من نهاية ولايته، يبدو أنه يتجنب اتخاذ قرارات حاسمة بشأن اليمن، تاركًا الملف ليكون ضمن التحديات التى سيواجهها دونالد ترامب فى حال فوزه بالرئاسة مرة أخرى. يعكس هذا الموقف تعقيد الأزمة اليمنية، التى تداخلت فيها المصالح الإقليمية والدولية، وأثارت تساؤلات حول قدرة الولايات المتحدة على لعب دور فاعل فى تحقيق الاستقرار فى المنطقة.
ففى ظل الرئيس الحالى جو بايدن، وما تتركه إدارته للرئيس ترامب هو مشكلة تزداد تعقيدا تجاه الحوثيين باليمن، فقد حاولت إدارة بايدن أن تعيد الحوثيين إلى طاولة التفاوض والتعاون، من خلال رفع اسمهم عن قائمة التنظيمات الإرهابية، وانخرط الحوثيون فى مفاوضات طويلة ومعقدة.
لكن إدارة بايدن غضبت من الحوثيين، بسبب الهجمات على الملاحة الدولية، ومتابعة عمليات التهريب من إيران وتطوير أسلحتهم، وقرر بايدن مواجهة الهجمات ثم ضرب البنى التحتية الحوثية.
وقال مسئول فى وزارة الدفاع الأمريكية إن «القوات الأمريكية العاملة فى ظل القيادة المركزية تشن هجمات فى أى وقت ممكن، حسب الفرصة المتاحة»، وشدد على أن المهمة الأساسية هى الردع وتدمير القدرات لدى الحوثيين وحماية الملاحة فى المياه الدولية، وأضاف: «إننا نفعل كل ما هو ممكن وندمر قدراتهم كلما كان ذلك ممكنا».
قال مسئول آخر، إن «هذا النوع من العمليات يشترط إرسال قوات ضخمة، وهذا ما فعلناه، كما يتطلب الوقت ليفهم الحوثيون ما نحن بصدده، كما يتطلب الأمر إرادة من قبلنا يلمسها الحوثيون»، وأضاف أن «الحوثيين لا يرون أن لدينا هذه الإرادة، ولم يشعروا بأننا تهديد وخطر حقيقى عليهم، وهم ربما يعتبرون أنهم تمكنوا من تخطى مصاعب سابقة، وأنهم سيتمكنون من تخطى ما يواجهونه الآن».
وتعد «قدرات الحوثيين»، هى إحدى الإشكاليات التى واجهت الأمريكيين، فعند بدء العمليات العسكرية لم يملك الأمريكيون معلومات استخباراتية واضحة عن كميات الأسلحة، والصواريخ والمسيرات التى بحوزة الحوثيين، وهم يعرفون أن عمليات التهريب من إيران إلى مناطق سيطرة الحوثيين كانت كثيفة وما زالت مستمرة.
وتشير تقديرات الأمريكيين إلى بعض النتائج الإيجابية مع نهاية عهد بايدن، ويعتبر المسئولون الأمريكيون أن القوات الأمريكية مع بعض الدول المشاركة نجحت فى حماية بعض السفن التى تعبر البحر الأحمر وخليج عدن، لكن التقديرات السلبية للمسئولين عددها أكبر، فهم يعتبرون أن المهمة الحالية غير قابلة للاستمرار.
فعلى الرئيس المقبل دونالد ترامب وإدارته أولاً أن يحدد مهمة القوات الأمريكية بوضوح، ولا يختلف المسئولون الحاليون فى تقديرهم للوضع عن الإدارة المقبلة، فالطرفان يعتبران أن اليمن يعانى الفوضى، وأن التهريب البرى والبحرى مستمران.
ويرى الأمريكيون أن الحكومة الحالية فى عدن ليست بنظر الأمريكيين شريكاً كاملاً من الممكن الاعتماد عليه وتجارب التعاون العسكرى السابقة بين الحكومتين لم تكن ناجحة، فيما يكشف بعض المسئولين عن أن الحكومة اليمنية تريد أن تقوم الولايات المتحدة بحملة كاملة للقضاء على الحوثيين بما فى ذلك نشر قوات برية، سيكون ترامب متردداً جداً فى شن حرب وهو لا يريد أصلاً أي حروب.