رمال الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المتحركة
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
لا سكون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا جمود في التحالفات الإقليمية والدولية لحكوماتها، لا حدود لتقلبات المزاج العام للشعوب بين تفاؤل شامل بالمستقبل ويأس من قادم الأيام.
نحن سكان منطقة لا تعرف الهدوء. حين تخف وطأة العنف الأهلي في بلدان كسوريا وليبيا وتتراجع حدة المواجهات العسكرية والحرب بالوكالة في اليمن، تنفجر الأوضاع في السودان الذي تستعر به حرب أهلية تفرض مصائر التهجير على الملايين من مواطنيه وتلحق دمارا واسعا بالممتلكات العامة والخاصة وتقلل من فرص الانتقال الديمقراطي الذي كان مناط أمل الناس قبل سنوات قليلة.
نحن سكان منطقة تختلف خطوط شعوبها من ثروات الأرض والموارد البشرية، منطقة تواجه تحديات تنموية وبيئية بالغة، منطقة تهاجمها بين الحين والآخر كوارث طبيعية مدمرة لا قبل لشعوبها وحكوماتها بالتحامل الذاتي معها.
تتراكم الثروة في بلدان الخليج التي تعمل حكوماتها منذ عقود وباستراتيجيات مختلفة على توظيف عوائد الوفرة النفطية لتحقيق التنمية المستدامة ورفع معدلات التنوع الاقتصادي والرفاهة الاجتماعية، بينما تعاني البلدان غير المصدرة للنفط والغاز الطبيعي من تراكم الديون الخارجية والداخلية ومن ارتفاع نسب الفقر والبطالة والتهميش الاجتماعي، ومن ضغوط الأزمات الاقتصادية العالمية التي تحد من المردود الإيجابي لجهود تنموية حقيقية في قطاعات الطاقة المتجددة والإنتاج الصناعي والزراعي الأخضر.
وفي المنطقة الممتدة بين الخليج والمغرب، تشتد قسوة التحديات التنموية والبيئية التي تصدم الشعوب والحكومات تارة بزيادات سكانية لا تتناسب لا مع محدودية النمو الاقتصادي ولا مع المتاح من فرص عمل وخدمات أساسية في قطاعات التعليم والصحة والضمان الاجتماعي، وتارة بتداعيات التغيرات المناخية المتمثلة في ارتفاع مطرد في درجات الحرارة وتراجع مطرد في الموارد المائية وتكاثر مطرد أيضا للحوادث المناخية الحادة كالسيول والأعاصير والتي تحمل قطاعات الإنتاج الزراعي والصناعي أثمانا باهظة وتهوي بقدراتها على الوفاء باحتياجات الناس وتعمق من ثم من هشاشة المجموعات السكانية الفقيرة وغير القادرة والمقيمة في المناطق الأشد تأثرا بالتغيرات المناخية (كالمناطق الساحلية وسفوح الجبال والأقاليم شبه الصحراوية المعتمدة معيشيا وزراعيا على مياه الأمطار).
نحن أمام تناقض صادم بين شعوب ذات أغلبيات شبابية متفائلة بالحاضر والمستقبل في الخليج وشعوب ذات أغلبيات شبابية تبحث عن سبل للهجرة
وحين توضع التحديات التنموية والبيئية على منحنى واحد مع الانعكاسات السلبية للأزمات العالمية كجائحة كورونا والحرب الروسية – الأوكرانية، تكتمل ملامح مشهد غياب الأمن الإنساني والبيئي والغذائي عن الأغلبية الساحقة من شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وكأن كل هذا مصحوب بضعف أداء الحكومات في مواقع مختلفة ومحدودية التزامها بقيم الشفافية والرشادة لا تكفي، فتهاجمنا الكوارث الطبيعية المدمرة بين الحين والآخر كما في زلزال تركيا وسوريا بدايات العام الحالي وزلزال المغرب قبل أيام ولا تدع للشعوب من باب للنجاة غير الدعاء وللحكومات من باب للفعل غير طلب المساعدات الخارجية العاجلة.
ولكوننا نعيش في منطقة لا سكون فيها وتتسع بها بعيدا عن الخليج الفجوة بين الواقع المعاش بأزماته وتحدياته وبين الآمال المشروعة للمواطنات والمواطنين، فإن الحركية الدائمة أضحت أيضا الصفة المميزة لأداء العديد من الحكومات التي تبحث إقليميا ودوليا عن تحالفات تمكنها من تحقيق قدر من التنمية المستدامة وشيء من التكيّف مع التغيرات البيئية والسيطرة على أضرارها.
هي، إذا، حركية في مجال السياسة الإقليمية والدولية وليس في مجال السياسات الداخلية التي لا يريد بشأنها العدد الأكبر من حكومات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وبعد عقد الانتفاضات الشعبية غير خليط من الاستقرار والإصلاح التدريجي الذي لا يطرق أبواب تداول السلطة أو إعادة اقتسام الثروة.
فقط في سياق الحركية الإقليمية والدولية هذه يمكن أن تدرك الأبعاد الكاملة لترحيب بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بتنامي دور الصين الاقتصادي والتجاري والسياسي وتدريجيا الأمني والدبلوماسي وبصعودها كمنافس للولايات المتحدة الأمريكية وللاتحاد الأوروبي وبتنسيقها في بعض قضايا وشؤون المنطقة مع روسيا.
فقط في سياقها أيضا يمكن أن تفهم الأهمية الكبرى لانضمام إيران والإمارات والسعودية ومصر إلى تجمع «بريكس» كأعضاء كاملين اعتبارا من 2024 وبما تؤشر عليه عضوية تجمع يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا فيما خص الرغبة الإيرانية في تهميش الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، والتوجه الإماراتي والسعودي إلى الانفتاح على تحالفات اقتصادية وتجارية ونقدية متنوعة تقلل من تبعية البلدين للولايات المتحدة والغرب والدولار كعملة عالمية، والسعي المصري إلى التفاوض الجماعي باسم القارة الإفريقية ودول الجنوب العالمي لتسوية ديون الجنوب المتراكمة ومن داخلها الديون المصرية والحصول على عوائد تنموية حقيقية والتوسع في برامج مبادلة الاقتصاد الأخضر ونقل التكنولوجيا.
أما عن تقلبات المزاج العام لشعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تدلل عليها استطلاعات الرأي العام التي يجريها «البارومتر العربي» بانتظام، فحدث ولا حرج. نحن أمام تناقض صادم بين شعوب ذات أغلبيات شبابية متفائلة بالحاضر والمستقبل في الخليج وشعوب ذات أغلبيات شبابية تبحث عن سبل للهجرة (شرعية أو غير شرعية) بعيدا عن أوطانها.
تقلبات المزاج العام هذه، والتي تعبر عنها اليوم الإبداعات الموسيقية للشباب العربي (خاصة الراب) يتواكب معها طرح علني في الفضاء العام الذي تصيغه شبكات التواصل الاجتماعي لأسباب التفاؤل هنا والقنوط هناك على نحو يصنع، بعيدا عن السياسة ووسائل الإعلام التقليدية، حالة من حرية التفكير والتعبير وكسر المحرمات تستحق المتابعة في عموم المنطقة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الشرق الأوسط الخليج التنمية تقلبات الخليج الشرق الأوسط التنمية تقلبات اقتصاد دولي سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشرق الأوسط وشمال
إقرأ أيضاً:
القصيبي وأزمات الشرق الأوسط
القصيبي وأزمات الشرق الأوسط
بادئ ذي بدء، أعتقد أن أغلب الناس يعرفون من هو غازي القصيبي الشاعر، والأديب، والدبلوماسي، والوزير السعودي فكل هذه الصفات مارسها القصيبي بكفاءة نادرة من شخص تنقل بين أكثر من وزارة تخصصية وأكثر من سفارة.
ولديه الكثير من المؤلفات في الإدارة وفي الشعر وهناك روايات تحولت لان تكون مسلسل تلفزيوني ومنها رواية “شقة الحرية” كما أن كتابه “الحياة في الإدارة” يحكي فيها تجربته في العمل الحكومي وكيف أنه استطاع أن يتغلب على الكثير من التحديات الإدارية والتغلب على الصراعات الفكرية مع الذين يرفضون التغيير. ومع أنه توفي عام 2010 إلا أنه تزال كتبه مرجعاً للكثيرين ممن عشقوا العمل الإداري أو الشعر بل هناك من يرون فيه أنه أستاذ لهم مع أنهم لم يلتقوا به.
تلاميذ غازي القصيبي ممن أعرف بعضهم، تجدهم يرددون جملة باتت شهيرة عندما تأتي سيرته “القصيبي أستاذي الذي لم يدرسني” ويكاد أنهم يعرفون كل كتبه ويحتفظون بنسخ منها وعليك الحذر أن تبدي نقداً أو وجهة نظر فيما كتبه القصيبي، وهم لديهم كل الحق فهو يجمع الأستاذية بين الدراسة والعمل.
ومنذ أيام والناس مهتمة بالوضع السوري منذ سقوط نظام بشار الأسد بتاريخ 8 ديسمبر الجاري؛ في محاولة لفهم ما حدث والذي كان مفاجئاً للجميع على الأقل لأنه النظام الوحيد الذي استطاع أن يتجاوز أحداث ما كان يعرف بـ”الربيع العربي” قبل ما يزيد من عقد ومحاولة تقييم مستقبل سوريا الدولة المليئة بتفاصيل ديموغرافية ودينية وطائفية وتحيطها دول كل لديه مطامعه الخاصة فيه وهي مطامع ليست جديدة وإنما الفرصة الآن مواتية لهم وهو ما دفع بالدول العربية لأن تبدي قلقها وترفض التدخلات الإسرائيلية والتركية في الوضع السوري(ففي زحمة هذا النقاش) جاء غازي القصيبي من أحد تلاميذه النجباء ولكن هذه المرة في كتابه “الوزير المرفق” الذي يشرح فيه أن هناك مهام تأخذ الوزير من دوامة العمل الروتيني اليومي أبرز هذه المهام مرافقة الملك وولي العهد، في هذا الكتاب سرد القصيبي مجموعة من الأحداث جمعته برؤساء دول العالم منهم الرئيس جيمي كارتر.
فقد نقل القصيبي عن جيمي كارتر أنه كان على إطلاع واسع بمشكلة الشرق الأوسط (فلسطين) التي نراها اليوم بأنها “أم المشاكل” في هذا الإقليم فالكل تدخل فيها، وكل الأزمات والخلافات في الإقليم والعالم تمر من خلالها، والأحداث التي نعيشها اليوم في سوريا هي أحد إفرازات أحداث السابع من أكتوبر2023 المرتبطة بها والحديث اليوم أبعد من سوريا إلى تغيير الشرق الأوسط بأكمله.
حضور غازي القصيبي المتوفي في 2010 ولكن وجود تلاميذه وكأنه حاضر في وقتنا كان في تعليقه علة الرئيس الأمريكي في السبعينيات وبداية الثمانينات القرن الماضي حيث قال القصيبي: “لو كانت القدرة على حل مشاكل عويصة مرتبطة بالمعرفة وحدها لكان الرئيس جيمي كارتر هو من حل مشكلة الشرق الأوسط”، ما يعني أن الأمر يحتاج إلى جملة من العوامل.
المذهل في الأمر كله، رغم مغادرة غازي القصيبي عن دنياينا إلا أن ما يزال على مستوى متألق من الأحداث التي نعيشها بكتبه وشعره وتاريخه.