ما دلالة زيارة ولي العهد السعودي لسلطنة عمان وهل تعجل بالحلول في اليمن؟ (تحليل)
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
وصل ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان إلى سلطنة عمان، وذلك للمرة الثانية، منذ تولي كلا الزعيمين زمام الأمور في بلدانهم.
ووصفت وكالتا الأنباء العمانية والسعودية الزيارة بالخاصة، واكتفتا بالإشارة إلى أن الأمير السعودي الذي يعد الحاكم الفعلي للسعودية سيلتقي سلطان عمان هيثم بن طارق، دون مزيد من التفاصيل، حول طبيعة الزيارة، أو مدتها.
وسبق زيارة الأمير السعودي لمسقط تواصل هاتفي بين رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي المقيم في عدن، ووزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز، الذي يتولى ملف اليمن، ناقش فيه الطرفان الشراكة الاستراتيجية، ومستجدات الأوضاع في اليمن، وفقا لوكالة الأنباء اليمنية سبأ، التي قالت إن وزير الدفاع السعودي أكد حرص المملكة الدائم على دعم كافة الجهود للتوصل إلى حل سياسي شامل في اليمن.
وعقب هذا التواصل ترأس العليمي اجتماعا باللجنة الأمنية العليا في عدن، للمرة الأولى، بحضور كل من وزير الدفاع رئيس اللجنة الأمنية العليا الفريق الركن محسن الداعري، وأعضاء اللجنة، وزير الداخلية اللواء الركن إبراهيم حيدان، ورؤساء أجهزة الأمن السياسي، والقومي، وهيئة الاستخبارات العسكرية والاستطلاع الحربي، ومسؤولي الأجهزة المعنية المشمولة بجدول اجتماع اللجنة، وبحضور وزير الدولة محافظ محافظة عدن احمد لملس، ووكيل وزارة الداخلية اللواء محمد المحمودي، ومدير شرطة عدن اللواء الركن مطهر الشعيبي.
الاجتماع وفقا للوكالة الحكومية "سبأ" ناقش عددا من الملفات والموضوعات الأمنية والعسكرية، والتطورات الأخيرة التي شهدتها عدن، وغلب عليه مناقشة قضايا أمنية، وخرج بتشديد الأهمية على مواجهة التهديدات العابرة للحدود بالتنسيق مع الحلفاء الاقليميين، والشركاء الدوليين.
من الخفوت إلى النشاط
وتأتي الزيارة في ظل عودة الدفء للعلاقة بين البلدين الجارين، بعد خفوتها خلال الفترة الماضية، جراء عدم دخول السلطنة في تحالف الرياض العسكري الذي تقوده منذ مارس 2015م في حربها باليمن، إضافة للأزمة الخليجية الأخيرة، ومقاطعة السعودية لقطر، وربما كان لفتور علاقة السعودية بالإمارات مؤخرا حافزا إضافيا لتعزيز العلاقة بين البلدين.
وظلت سلطنة عمان في موقف الحياد من الحرب التي دخلتها السعودية في اليمن، معتبرة أن الحوار هو المدخل الحقيقي لحل النزاع القائم في اليمن، رغم تضررها من الأحداث التي شهدتها محافظة المهرة اليمنية المجاورة للسلطنة، بعد وصول قوات سعودية للمحافظة الشرقية لليمن، في نوفمبر من العام 2018م، وهو الوضع الذي أثار رفضا شعبيا مناوئا للسعودية، وأدى لتأزم العلاقة بين الرياض ومسقط.
غير أن سلطنة عمان انطلاقا من موقفها المتحفظ على العمل العسكري المباشر في ملفات المنطقة، بشكل عام، واليمن بشكل خاص، حولها لوجهة دبلوماسية نشطة، للجهود الأممية، والأوروبية، والأمريكية، والخليجية، واستضافت العديد من اللقاءات، والمباحثات، المتصلة بالوضع في اليمن.
وازدادت أهمية الدور العماني مع تواجد قيادات من جماعة الحوثي في العاصمة العمانية مسقط، وهو ما منحها فرصة للتواصل مع الأطراف الخارجية، واستقبال العديد من الوفود داخل السلطنة، وأسفرت تلك اللقاءات والزيارات عن تقريب وجهات النظر، والتمهيد لمفاوضات بين الحوثيين، وبقية الأطراف الخارجية.
مخرجات الدور العماني
هذا الدور الذي اضطلعت به مسقط تطور بشكل متصاعد، لتحضر السلطنة بشكل مباشر في ملف اليمن، وتتحول لدور الوسيط الميسر للمفاوضات، خاصة بين السعودية وجماعة الحوثي، وأرسلت السلطنة عدة وفود من مسؤوليها للعاصمة صنعاء للقاء قيادات جماعة الحوثي، ونقل وجهات النظر، والتمهيد للتقارب بين الحوثيين والجانب السعودي، ووصل الأمر ذروته بزيارة السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر إلى صنعاء ولقائه قيادات في جماعة الحوثي في العاشر من أبريل هذا العام.
الجهود العمانية، والوساطة التي تولتها مسقط طوال الفترة الماضية، أسفرت عن توقيع العديد من هدن السلام، واتخاذ جملة من الخطوات في سبيل تعزيز الثقة بين الحوثيين والسعودية، كفتح مطار صنعاء، وتوقف المواجهات العسكرية، وبدء نقاشات أخرى حول مرتبات موظفي الدولة، وغيرها من القضايا التي وجدت بعضها طريقها للنور، فيما لاتزال أخرى محل نقاش مفتوح.
مسقط نافذة الرياض
لذلك مثلت سلطنة عمان نافذة مهمة للسعودية على ملف اليمن، وقابلتها الرياض بالثقة، ونشطت العلاقة بين الدولتين بشكل أوسع، بحثا عن حلول للوضع في اليمن، الذي ترى الرياض أن الوقت بات ملائما لحسمه، خاصة مع رغبة بن سلمان إغلاق ملف الحرب في اليمن، وجنوحه نحو تصفير الخلافات في المنطقة، وهو ما تمثل بإعادة العلاقة مع إيران، المتهمة بدعم جماعة الحوثي، والانفتاح على العراق، وسوريا، ولا يخفى هنا أهمية الدور الأمريكي الضاغط لإنجاز سلام حقيقي في اليمن، قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة.
هذه النافذة تبدو اليوم أكثر أهمية بالنسبة للسعودية، التي تؤمل من السلطنة المرتبطة بعلاقة إيجابية مع قيادات جماعة الحوثي لعب دور محوري في التعجيل بخطوات إنهاء الحرب، والوصول لصيغة سلام في اليمن، وهي صيغة لاتزال مجهولة التفاصيل، وغير واضحة في معالمها، وبنودها، لكن يمكن القول بشكل مجمل أنها تأتي بعد وجود أرضية مهيئة للبناء عليها، كلقاء السفير السعودي بالحوثيين في صنعاء، بتنسيق عماني، والزيارات المتتالية للجانب العماني لصنعاء، وفوق هذا كله التغيير الكلي الذي أحدثته الرياض في رأس الدولة اليمنية، عندما أطاحت بالرئيس السابق عبدربه منصور هادي، واستبداله بمجلس قيادة مكون من رئيس، وسبعة أعضاء، وكانت المهمة الرئيسية لهذا المجلس وفقا لإعلان نقل السلطة في السابع من أبريل 2022م بأن يتولى التفاوض مع (أنصار الله) الحوثيين لوقف إطلاق نار دائم في كافة أنحاء الجمهورية والجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي نهائي وشامل يتضمن مرحلة انتقالية تنقل اليمن من حالة الحرب إلى حالة السلام.
زيارات تعكس العلاقات
وفقا للزيارات المتبادلة بين السلطنة والمملكة في عهد كلا الحاكمين، فإن زيارة ولي العهد السعودي لمسقط حاليا هي الثانية من نوعها في العامين الأخيرين، وسبق لبن سلمان زيارتها في السابع من ديسمبر 2021م، ومثلت تلك الزيارة بداية التلاقي السعودي العماني، وكانت مسقط المحطة الأولى لبن سلمان في جولته الخليجية، وغلب على تلك الزيارة الطابع الاقتصادي، من خلال توقيع الدولتين سلسلة اتفاقيات اقتصادية تعزز الشراكة بينهما، ومنح خلالها سلطان عمان الأمير السعودي وسام عمان المدني من الدرجة الأولى تعبيرا عن عمق العلاقة بين البلدين.
وفي المقابل كانت الرياض الوجهة الأولى في زيارة السلطان هيثم بن طارق منذ توليه الحكم في السلطنة، ووصلها في الـ11 من يوليو 2021م، والتقى خلالها الملك السعودي، ومسؤولين سعوديين، بينهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
اليمن الحاضر الأبرز
وبما أن العلاقة بين الدولتين متينة، ومتجذرة في مختلف جوانبها، فإن اليمن يبدو الأكثر حضورا في هذه الزيارة لبن سلمان، والأعلى أهمية، على غيره من الملفات المشتركة، ولقاء زعيمي الدولتين يشير إلى أهمية الزيارة نفسها، وحساسية الملفات التي ستناقشها وتحسمها، ومدى مستوى المباحثات التي ستجرى، والنتائج التي ستتمخض عنها.
يشير هذا أيضا إلى مدى جدية الجانب السعودي في حسم ملف اليمن، وكيف أصبح هما رئيسيا لولي العهد السعودي، الذي يقود بنفسه التحركات في هذا المضمار، ولا يستبعد أن تمهد هذه الزيارة لزيارات أخرى متبادلة بين قيادة الدولتين، للتعجيل بخطوات أكثر نحو السلام في اليمن، بما في ذلك لقاءات بين الجانب السعودي وجماعة الحوثي، سوى في مسقط حاليا، أو في الرياض لاحقا.
إن الزيارة التي يصفها البعض بالمفاجئة، تعد إيذانا بمرحلة جديدة في تطورات الوضع باليمن، خصوصا أن كلا الدولتين تمتلكان المؤهلات لتشكيل واقع جديد، فالرياض ترغب في إنهاء الحرب، ومسقط لديها القدرة على التحرك كوسيط لتقريب وجهات النظر.
هذا المشهد إذا سار وفقا للقراءات الأولية فمن شأنه أن يسهم فعلا في الدفع بجهود السلام في اليمن، خاصة أن الوضع في اليمن ظل متأثرا بالعامل الخارجي المؤجج للأحداث، وبأدوار الدول الخارجية المتصلة به، أكثر من الصراع البيني بين الفرقاء اليمنيين.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: هيثم بن طارق محمد بن سلمان سلطنة عمان السعودية الحرب في اليمن ولی العهد السعودی جماعة الحوثی العلاقة بین سلطنة عمان ملف الیمن فی الیمن بن سلمان
إقرأ أيضاً:
22 نوفمبر خلال 9 أعوام.. أكثر من 20 شهيدًا وجريحًا في جرائم حرب لغارات العدوان السعودي الأمريكي على اليمن
يمانيون../ واصل العدوانُ السعوديُّ الأمريكي، في مثل هذا اليوم 22 نوفمبر خلال عامي، 2015م، 2016م، و2021م، ارتكابَ جرائم الحرب والإبادة الجماعية، والتهجير والتشريد لعشرات الأسر، من منازلها، بغاراته الوحشية، وقنابله العنقودية المحرمة دولياً وقصف مدفعية وصواريخ مرتزقته على الأحياء السكنية، وتجمعات النازحين، والمزارع والممتلكات، في صعدة والحديدة، وإب.
أسفرت عن 5 شهداء بينهم جنين، وأكثر من 15 جريحاً، بينهم نساء وأطفال، وتدمير عدد من المنازل، ومضاعفة معاناة أهالي وأسر الضحايا، ومشاهد مأساوية يندى لها جبين الإنسانية.
وفيما يلي أبرز التفاصيل:
22نوفمبر 2015..9 شهداء وجرحى بينهم أطفال بغارات العدوان على منزل الشيخ رشاد الشبيبي بإب:
في مثل هذا اليوم 22 نوفمبر 2015م، أضاف العدوان السعودي الأمريكي، جريمة حرب وإبادة جماعية إلى سجل جرائمه بحق الإنسانية في اليمن، مستهدفا منزل الشيخ رشاد الشبيبي في مديرية حبيش بمحافظة إب، بغارته الوحشية، التي أسفرت عن محو أسرة بأكملها في لمح البصر، ثلاثة أرواح بريئة، بينهم أطفال، ارتقت إلى بارئها، فيما جرح ستة آخرون بجروح بليغة، ليرسموا لوحة مأساوية لا تُنسى، وبصمة عار في جبين الأعداء.
داخل المنزل المستهدف، كانت حياة أسرة الشبيبي تسري ببساطة، حتى حولّت الغارات، جدران المنزل البيضاء وسقوفه المنقوشة، واعمدته ولبناته، إلى كومة دمار، بداخلها أشلاء ممزقة وطفولة موءودة، وصرخات أرواح خافته، ودخان وغبار متصاعد وألسنة لهب تنشب، ورائحة الموت والبارود، ومشاعر وأحلام دمرت.
محتويات المنزل من الملابس والمواد الغذائية والمنزلية، وألعاب الأطفال ودفاترهم وحقائبهم وعلب الألوان، مبعثرة بين الأنقاض، وشاهد على فرحة ضاعت وطفولة قُتلت، وأسرة مزقت، صرخات الأمهات الحائرات اختلطت بأنين الجرحى، في مشهد يدمي القلوب ويستفز الضمير الإنساني.
لم تكن هذه الغارات مجرد هجوم عسكري، بل كانت جريمة حرب بكل المقاييس، استهدفت المدنيين العزل في بيوتهم، وخلفت وراءها جروحاً غائراً لا تندمل في نفوس ملايين اليمنيين، فكيف لأطفال أبرياء أن يدفعوا ثمن عدوان يريد احتلال أرضهم ونهب مقدرات شعبهم وإبادة أهالهم معهم، فيما هم غير مدركين لما يدور من حولهم.
تلك الليلة، لم تعد مجرد ليلة، بل أصبحت ذكرى مؤلمة محفورة في ذاكرة الأهالي، وستظل تلاحقهم طويلاً، فمن سيرد لأولئك الأطفال ضحكاتهم، ومن سيجبر قلوب الأمهات الحزينة؟
يقول الناجين من أبناء الشبيبي وهو فوق أنقاض منزله: “استهداف العدوان لمنزل الوالد لا يزيدنا إلا قوة وبأس وصمود ، ونقول للمرتزقة أن التأريخ لن يرحم”.
إنها قصة إنسانية مؤثرة، تفضح وحشية العدوان وتكشف عن حجم المعاناة التي يعيشها الشعب اليمني جراء استمراره، فهل ستظل صرخات الضحايا صامتة؟ وهل ستبقى الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين دون عقاب؟ بل لا بد أن يأتي يوم ينال فيه المجرمون عقابهم، ويحاسب فيه كل من تسبب في هذه المأساة الإنسانية، ويفرض الشعب اليمني شروطه، ويأخذ العدل بقوته وصموده.
22نوفمبر 2016.. عدداً من الجرحى في جريمتي حرب لغارات وعنقوديات العدوان على صعدة:
وفي 22 نوفمبر، تشرين الثاني، 2016م، ارتكب العدوان السعودي الأمريكي جريمتي حرب جديدتين، بحق المدنيين والأعيان المدنية، في محافظة صعدة، بغارات طيرانه الوحشي وصواريخها المدمرة وقنابلها العنقودية المحرمة دولياً، استهدفت بشكل مباشر منازل المواطنين بمنطقة قحزة طرف المدينة، والطريق العام الرابط بين منطقة مران ومديرية حيدان.
قحزة: 5 جرحى بعنقوديات محرمة دولياً
الجريمة الأولى، بغارات عنقودية استهدفت منازل المواطنين بمنطقة قحزة، أسفرت عن عن 5 جرحى مدنيين، وترويع الأهالي، وتقييد حركتهم أمام العنقوديات الملقاة على أسطح منازلهم ومزارعهم وممراتهم وطرقاتهم ومراعي مواشيهم، في جريمة مركبة تغتال حياة الأبرياء، بشكل مفاجئ.
يقول أحد الأهالي وهو يلقي من يديه قالب حديدي عملاق لقنبلة عنقودية أفرغت من محتوياتها: “هذا ما أطلقته طائرات العدوان على منازل وممتلكات المواطنين في منطقة قحزة، تضرر منها كثير من المواطنين، فهل المدنيين أهداف عسكرية يستهدفون بأسلحة محرمة دولياً، إذا كان بينهم رجولة ونخوة بيننا وبينهم الحدود، اما استهداف الأطفال والنساء فهذا جبن، توزعت القنابل على مسافة كم وجرح منها 5، و8 سيارات، والكثير من القنابل لا تزال مزروعة في الأرض”.
أثناء رصد الأضرار يعاود طيران العدوان ليستهدف منازل النازحين في المنطقة، ويقول محافظ المحافظة محمد جابر عوض: “في كل يوم وكل لحظة يضرب العدوان المدنيين، وهذه المنطقة التي نزح إليها المواطنين من ارجاء محافظة صعدة، لكن هيهات للعدو ولن يوهن من عزائم الرجال الذين سيردون عليه بالنقاء في الجبهات الحدودية وسيكون الرد مزلزل عن كل قطرة دم تسفك ومنزل يدمر”.
كما يقول أحد المواطنين: “سلمان الجبان يهرب من الجبهات ويرجع يقاتلنا في الحارات، وداخل المنازل نساء وأطفال، والله لا نقاتله ونذيقه الموت الزعاف من بنادقنا في الجبهات، والآن ها هو الضرب مستمر من منتصف الليل بصواريخ عنقودية”.
حيدان: غارات تقطع شريان الحياة وعدداً من الجرحى
وفي الجريمة الثانية، أستهدف طيران العدوان شريان الحياة في المنطقة الرابطة بين مران وحيدان، أسفرت عن توقف حركة المرور، وحرمان آلاف الأسر من الوصول إلى مناطقها، وقراها، ودخول المواد الغذائية إليها، وتمكنها من اسعاف الجرحى والمرضى، ما ضاعف معانتهم المعيشية.
يقول أحد المواطنين: “كنا محملين حجار على القلاب، وما سمعنا غير الضربة، وابتعدنا من المكان وعاود الطيران واستهدف القلاب، وكنا 6 عمال جرح بعضنا بشظايا”.
تعتبر هذه الجرائم انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتندرج تحت بند جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم المركبة. فاستخدام القنابل العنقودية ضد المدنيين والأعيان المدنية يعتبر جريمة حرب، كما أن استهداف الطرقات والمناطق السكنية بشكل عشوائي يمثل انتهاكاً صارخاً لمبدأ التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية.
تتسبب هذه الجرائم في معاناة إنسانية هائلة للمدنيين في صعدة، حيث يعيشون في ظل الخوف والرعب من الغارات والقصف المستمر، ويتعرضون للتشريد والنزوح، ويفتقرون إلى أبسط الخدمات الأساسية، كما أن القنابل العنقودية تشكل تهديداً مستمراً لحياة المدنيين، حيث تبقى هذه القنابل غير منفجرة في الأرض لسنوات عديدة، وتنفجر عند لمسها ما يتسبب في شهداء وجرحى وجرائم إضافية مروعة.
إن ما يحدث في صعدة وسائر المحافظات اليمنية هو جريمة ضد الإنسانية يجب ألا تمر دون عقاب، وتدعوا العالم أن يقف صامداً في وجه هذه الجرائم، وأن يعمل على تحقيق العدالة والسلام في اليمن، وتحمل المجتمع الدولي والأمم المتحدة مسؤولية ازدواجية المعايير الإنسانية والقانونية والحقوقية والمتاجرة بمعاناة الشعب اليمني لتحقيق أجندة القوى المهيمنة عليها، على حساب استدامة معاناة المدنيين، وأسر وذوي الضحايا.
22نوفمبر..3شهداء وجرحى بينهم أم وجنينيها بقصف مدفعية مرتزقة العدوان على منزل المواطن شريان بالحديدة:
وفي الثاني والعشرين من نوفمبر 2021م، ارتكب مرتزقة العدوان السعودي الإماراتي والأمريكي، جريمة حرب هزت وجدان الضمير العالمي، باستهداف منزل المواطن عبدا لله شريان، بقرية المرير مديرية حيس، بقذائف صاروخية ومدفعية، أسفرت عن استشهاد رجل وجنين في بطن أمه وجرحها بجروح خطيرة، في مشهد مأساوي يدمي القلوب، ودمار واسع في المنزل، ونفوق المواشي، واضرار في ممتلكات الأهالي وترويعهم، وموجة من النزوح والتشرد والحرمان نحو المجهول، ومضاعفة المعاناة، وتخويف النساء والأطفال.
قبل القصف كانت أسرة شريان تعيش حياته المعتادة بسعادة وأمان واستقرار وطمأنينة، تنتظر الأيام القليلة لقدوم مولودها الجديد، وعند اجتماع الأسرة لتناول وجبة الغداء، قصف مرتزقة العدوان المنزل، بقذائف المدفعية، التي حولت حياة الساكنين إلى مشهد دمار وشظايا ودماء وجراحات وارواح بريئة تزهق دون ذنب، وصرخات وبكاء ودموع، وتوافد الأهالي لرفع النقاض وانتشال الجثث وأخارج الجرحى.
أيام الحمل كانت تمر بروتينها الممل فيما عبدالله وسميرة يتخيرون أسم طفلهم القادم، وآملهم ومستقبلهم، الأم تحيك ملابسه بيدها وتجمع على ظهر إبرة الخياط الألوان الوردية والحمراء والخضراء والبيضاء وكل أطياف البراءة والشوق، وترسم على قميصه أسمه وأسم والده واسمها في قلب واحد ، وتنقش كوفيته التي ستقيه من البرد لتضع في مقدمتها عبارات تقيه العين والحسد ، وتجهز البخور ، في ما عبدالله يجهز المصاريف المالية، ويشتري اللعب ويتخيل كل يوم أبنه الصغير وهو يلعب في حديقة المنزل ، وكيف سيكون مستواه في الدراسة، وما سيكون في المستقبل ، وأحلام بريئة كأحلام كل أب حنون ينتظر ولادة لحظات يدعى بين القوم بأبو فلان ، ولا بفلان ، لكن العدوان وأد كل هذه الأحلام قبل ولادتها.
“كان عبدالله يراقب زوجته وهي تحيك ملابساً صغيرة لطفلهما المنتظر. ابتسامة عريضة رسمت على وجهه وهو يتخيل ابنه يرتدي هذه الملابس الملونة، كان يحلم بأن يعلمه كل ما يعرفه، وأن يجعله رجلاً صالحاً، أما سميرة، فكانت تلمس بطنها بحنان، وتتحدث إلى جنينها بصوت هادئ، كانت تتمنى أن يكبر في كنف أسرة سعيدة، وأن يحقق كل أحلامه، ولكن العدوان شاء أن تتحول هذه الأحلام إلى رماد، في لحظة واحدة.”
“كانت سميرة تجلس بجانب جسد زوجها الجريح على الأرض، تراقب أنفاسه الأخيرة، دمعات ساخنة تسيل على وجنتيها، وهي تتذكر اللحظات الجميلة التي جمعتهما، كانت تحلم بأن يشكلا معًا أسرة سعيدة، وأن يربيا طفلهما معًا، لكن العدوان كان له رأي آخر، أمسكت بيديه الباردتين، وهمست في أذنه، لا تفارقنا يا عبدالله أنتظر انا بخير الجنين سيعيش ثم انهارت باكية على صدره الدامي
. الأم سميرة ترى زوجها عبد الله أمام نظرها وهو ممزق مضرج بالدماء وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة يوصيها بأن تهتم بالجنين، فتحاول ان تتحرك صوابه لتحتضنه وتضمد جراجه دون ان تعلم انها جرحيه فتشعر بجنينها يسقط إلى جوراها ويقع فوق الأحذية صارخاَ بعدد أصوات فارق بعدها الحياة على الفور، وفي لحظات لحق به والده شهيداً، لتظل الأم وحيدة في هذا العالم.
وفي لحظاته الأخيرة، أوصى الأب الشهيد زوجته الجريحة بالاعتناء بجنينهما، في مشهد مؤثر يبرز عمق العلاقة الأسرية وقسوة الفراق المفاجئ.
الجنين المنتظر لم يكمل حياته ببطن أمة، بل طالته يد الغدر قبل ان يخرج إلى الأرض رضيعاً، بل خرج جنيناً صارخاً مرمياً على الأحذية، وبجواره جثمان والده الذي فارقت روحه جسده وهو يوصي أمه الجريحة بالحفاظ عليه، ما زاد من وحشية الجريمة، التي حركت دماء الرجال وهزت الجبال من تحت اقدامهم.
صورة الأم وهي تحمل على نعش، وجهها شاحب، عيناها دامعتان، ودموعها تختلط بدم جنينيها، مشهد يبعث الرعب في القلوب، كما هي صورة الجنين الصغير مرمي على الأرض، بجواره بقايا الطعام، شاهدة على بشاعة الجريمة ووحشية القتلة.
هذه الجريمة البشعة أحدثت صدمة كبيرة في المجتمع المحلي، وأثارت موجة من الغضب والاستنكار، توجه حينها وكيل أول محافظة الحديدة إلى المستشفى لزيارة الجريحة، مقدماً لها الدعم المعنوي والمادي، ومؤكداً على ضرورة توثيق هذه الجرائم وتقديم مرتكبيها للعدالة.
جرائم العدوان في مثل هذا اليوم واحدة من آلاف الجرائم المرتكبة بحق الشعب اليمني، وغيرها الآلاف من الجرائم الغير موثقة، على مدى 9 أعوام، تتطلب من العالم التحرك الجدي لوقف العدوان ورفع الحصار وتقديم مجرمي الحرب للعدالة.