احتفال فرعوني اكتسب مسحة قبطية وارتبط بالدورة الزراعية والفلكلور الشعبي
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
علاقة خاصة تلك التى ربطت عيد النيروز، أو رأس السنة القبطية، بالدورة الزراعية عند الفلاح المصرى، لأنه فى الأصل كان احتفالاً فرعونياً ولكنه اكتسب مسحة قبطية، وارتبطت شهور تلك السنة القبطية فى الفلكلور الشعبى بالقطاع الزراعى.
وكلمة النيروز تعنى فى اللغة القبطية الأنهار، حيث تتزامن بداية السنة القبطية مع موعد اكتمال فيضان النيل، وقسم المصريون القدماء السنة الزراعية إلى 3 فصول كبرى، وقسموا السنة القبطية إلى ثلاثة عشر شهراً، كما دخلت شهور التقويم القبطى إلى الفلكلور الشعبى، فهو تقويم فرعونى اكتسب مسحة دينية مسيحية، وتم التعبير عنه بأمثال شعبية باللغة العربية.
قال ماجد كامل، الباحث فى الشأن القبطى، إن الأصل اللغوى لكلمة نيروز يفسره رأيان؛ الأول يُرجعه إلى أصل فارسى ومعناه «اليوم الجديد» باللغة الفارسية، أما الآخر فيُرجعه إلى أصل قبطى؛ فكلمة «نياروو» معناها أنهار باللغة القبطية؛ ولما كان هذا هو موسم الاحتفال باكتمال فيضان نهر النيل، نظم المصرى القديم هذا الاحتفال كرمز لوفاء النيل؛ وعندما دخل اليونانيون مصر أضافوا إليها حرف السين علامة اسم الفاعل فى اللغة اليونانية، فأصبحت «نياروو - س» وحُرفت مع الزمن إلى النيروز.
وأشار «كامل» إلى أن المصرى القديم هو الذى وضع هذا التقويم، وكان ذلك فى عام 4241 قبل الميلاد، عندما لاحظوا ظاهرة الشروق الاحتراقى لنجم الشعرى اليمانية والمعروف فى اللغة اليونانية باسم «سيروس SIRIUS» قبل شروق الشمس مرة كل عام، وكان المصريون يسمونه «سبدت» وهو ألمع نجم فى السماء، ويبعد نحو 8 سنوات ونصف سنة ضوئية عن الأرض، وقد قسموا السنة إلى 3 فصول كبيرة هى: الفيضان (آخت)، البذر والزرع (برت)، الحصاد (شمو).
وأوضح أنه جرى تقسيم السنة إلى 12 شهراً؛ كل شهر ثلاثون يوماً، وأضاف المصريون المدة الباقية وهى 5 أيام وربع اليوم وجعلوها شهراً بذاته سموه بالشهر الصغير أو (النسىء)، وبذلك أصبحت السنة القبطية 365 يوماً فى السنوات البسيطة، و366 يوماً فى السنوات الكبيسة، وعندما جاءت المسيحية إلى مصر فى عام 61 ميلادياً تقريباً، ومع حلول عصر الشهداء، أراد الأقباط أن يخلدوا ذكرى دمائهم، فاتخذوا من تاريخ اعتلاء دقلديانوس عرش الإمبراطورية الرومانية، وهو 284 ميلادياً؛ بداية التقويم لعصر الشهداء، واستمرت مصر فى اتباع هذا التقويم كتقويم رسمى للدولة حتى ألغاه الخديو إسماعيل عام 1875 ميلادياً، وكان يقابله عام 1539 للشهداء، واستبدله بالتقويم الميلادى الذى ما زال متبعاً حتى الآن كتقويم رسمى للدولة.
«المقريزى» صنّفه من مواسم لهو المصريين وكانت تتعطل فيه الأسواق وتُفرّق فيه الكسوة والفاكهة على رجال الدولة وعائلاتهمولقد كتب العلامة المقريزى عن احتفالات هذا العيد بشىء من التفصيل فى موسوعته، فقال عنه: «هو أول السنة القبطية بمصر، وهو أول يوم من (توت)، ويتم فيه إشعال النيران، وكان من مواسم لهو المصريين قديماً وحديثاً، وكانت تتعطل فيه الأسواق وتُفرَّق فيه الكسوة لرجال الدولة وأولادهم ونسائهم وحوائج النيروز من فاكهة الموسم البطيخ والرمان والموز والبلح.. وكثيراً ما كان الخليفة يتدخل فيُصدر أمره بمنع إيقاد النيران ليلة النيروز وصب الماء فى نهاره عندما يزيد الأمر عن حده فيأخذ من يخالف ليُحبسوا وآخرون، فيطاف بهم على الجمال لجرسهم أى «فضحهم»).
ودخلت السنة القبطية وشهورها إلى الفلكلور الشعبى المصرى بالعديد من الأمثال الشعبية فى هذه الشهور القبطية. يقول أشرف أيوب، الباحث فى التراث الشعبى: «الأمثال الشعبية حافظت على قيم وعادات وتقاليد المصريين من الاندثار، كما جاءت الأمثال الشعبية القبطية معبّرة عن الحالة الوجدانية للمصريين ومرتبطة بخبراتهم الحياتية لتترك لنا ميراثاً نتغنى به فى حاضرنا، وتجلى هذا فى الأمثال الشعبية المرتبطة بالشهور القبطية، حيث نجد من أمثال شهر توت «سبتمبر - أكتوبر» (لا خير فى زاد بييجى مشحوط، ولا نيل بييجى فى توت)».
وأوضح: «مشحوط معناه مرتفع الثمن، ومن المعروف أن الفيضان يأتى فى شهر مسرى أى قبل توت وبعدها يبدأ فى النقصان، وتبدأ زراعة المحاصيل الشتوية، أما إذا تأخر الفيضان وأتى فى توت فيفوت على الفلاح زراعة المحاصيل ولا يكون الخير فيه وأيضاً (توت يقول للحر موت)، أى تنكسر موجة الحر».
وهناك أيضاً «توت إروى ولا تفوت» أى الفلاح الذى لا يستطيع أن يروى أرضه فى ذلك الشهر لا يستفيد من زراعتها، بابة ويقع فى الفترة من 11 أكتوبر إلى 10 نوفمبر، ويقال عنه فى التراث «بابة خش واقفل البوابة» اتقاء للبرد فى هذا الشهر، وقيل أيضاً «إن صح زرع بابة يغلب النهابة، وإن خاب زرع بابة ما يجبش ولا لبابة» أى إن كثرة المحصول فى بابة مربحة مهما نُهب منه.
هاتور ويقع فى الفترة من 11 نوفمبر إلى 9 ديسمبر «هاتور أبوالدهب المنثور» وقيل أيضاً «إن فاتك زرع هاتور اصبر لما السنة تدور»، فهو الشهر الأمثل لزراعة القمح، وبرمهات يمتد فى الفترة من 10 مارس إلى 8 أبريل، ويقال فيه «برمهات روح الغيط وهات»، إذ يقع موسم الحصاد، وفى هذه الفترة أيضاً يكون موسم تفريخ البيض، وغالباً ما يقع فيه أيضاً الصوم الكبير عند الأقباط، وهم لا يأكلون البيض فيه، لذلك قال المثل «عاش القبطى ومات، ولا كلش البيض فى برمهات».
برمودة من الشهور المرتبطة بموسم الزراعة، حيث يقال عنه فى الفلكلور الشعبى «برمودة دق العمودة»، أى دق سنابل القمح بعد نضجها، وكذلك شهر أبيب ويقع فى الفترة من 8 يوليو إلى 9 أغسطس، ويقال عنه: «أبيب فيه العنب يطيب» وأيضاً «أبيب مية النيل فيه تريب»، وأيضاً «اللى ياكل الملوخية فى أبيب يجيب لبطنه طبيب»، فالملوخية غير مستحبة فى الموسم الحار، لذلك فالذى يأكلها يمرض ونحضر له الطبيب، وشهر مسرى، ويقع فى الفترة من 7 أغسطس لـ5 سبتمبر، ويقال عنه «مسرى تجرى فيه كل ترعة عسرة»، حيث يزداد فيه الفيضان فيغمر كل أرض مصر.
ويقول القلقشندى فى كتابه «صبح الأعشى فى صناعة الإنشا» على لسان أحد الرحالة: «عرفت أكثر المعمور من الأرض، فلم أرَ مثل ما بمصر من ماء طوبة ولبن أمشير وخروب برمهات وورد برمودة ونبق بشنس وتين بؤونة وعسل أبيب وعنب مسرى ورطب توت ورمان بابة وموز هاتور وسمك كيهك».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: البابا تواضروس النيــروز السنة القبطیة
إقرأ أيضاً:
الكنيسة القبطية تشلح كاهن بحلوان بعد ثبوت مخالفاته
أصدرت إيبارشية حلوان بيانًا بشلح وعزل الكاهن أرميا ناير زاخر، الكاهن بكنيسة العذراء القديسة مريم والأنبا أثناسيوس بمنطقة 15 مايو، وذلك نتيجة خروجه عن رسالته الكهنوتية. جاء القرار بعد مراجعات وتحقيقات دقيقة أجرتها إيبارشية حلوان والمعصرة برئاسة الأنبا ميخائيل، أسقف الإيبارشية، حيث تم عودة الكاهن إلى اسمه العلماني بيشوي ناير زاخر حنا.
وقال الباحث القبطي واصف ماجد إن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هي مؤسسة روحية تحكمها قوانين وتعاليم مستمدة من الكتاب المقدس وتقليد الآباء القديسين، وأن قانون شلح أو تجريد الكاهن هو إجراء كنسي صارم يتخذ ضد الكهنة الذين يثبت ارتكابهم لخطايا جسيمة تمثل انتهاكًا لقواعد الإيمان وأمانة الخدمة الكهنوتية. وأوضح أن هذا الإجراء يهدف إلى الحفاظ على قداسة الكنيسة ومنع التشويش بين الشعب المؤمن.
وذكر أن الخطايا التي تؤدي إلى شلح الكاهن تشمل الزنا أو الفساد الأخلاقي، التجديف والهرطقة على الإيمان، التصرفات المسيئة مثل السرقة والخيانة المالية، والعصيان أو التمرد على رؤسائه في الكنيسة.
وتابع أن الإجراءات الكنسية المتبعة تتضمن التحقيق مع الكاهن المتهم تحت إشراف الأسقف والمجلس الإكليريكي، والتأكد من التهمة بأدلة قاطعة، ثم اتخاذ القرار بناءً على التحقيقات، مع إعلان القرار أمام الشعب إذا تطلب الأمر. كما أوضح أن شلح الكاهن يؤدي إلى فقدانه لعمله ونعمة الكهنوت، والعزل المجتمعي، لكنه يبقى موضع رحمة الكنيسة إذا تاب وطلب التوبة.
وفيما يتعلق بالقضية الخاصة بالكاهن أرميا ناير زاخر، قال الأنبا ميخائيل، أسقف حلوان والمعصرة، إنه تم تقديم شكوى ضد الكاهن في سبتمبر 2024، وتم عرض الأمر على قداسة البابا تواضروس الثاني. وقد تم تشكيل لجنة للتحقيق مع الكاهن، حيث أُثبتت بعض الأخطاء التي اعترف بها الكاهن بينما أنكر أخرى رغم ثبوتها بالأدلة. وبعد استكمال التحقيقات، صدر قرار بوقفه عن ممارسة أعمال الكهنوت لحين استكمال التحقيقات، ليتم في النهاية اتخاذ قرار بشلح وعزل الكاهن.
من جانبه، انتقد الكاتب جرجس بشرى سرعة القرار الصادر ضد القس أرميا ناير زاخر، مؤكدًا أنه لم يُراعَ فيه التدرج في العقوبات أو الرحمة، مشيرًا إلى أن هذا القرار يعتبر الأبرز في عهد البابا تواضروس فيما يتعلق بمحاكمة كهنة. كما أشار إلى وجود ازدواجية في محاكمات كهنة آخرين لم يتعرضوا لنفس العقوبات.
وجاء في بيان الكنيسة أنه بناءً على قرار البابا تواضروس الثاني، تم شلح وعزل القس أرميا ناير زاخر، مع العودة إلى اسمه العلماني، وطُلب منه اللجوء إلى أب اعتراف ليرشده في الطريق الروحي الصحيح وتقديم توبة صادقة. كما ناشدت الكنيسة الشعب بالتركيز على الصلاة والصوم خلال شهر كيهك المبارك، مع التأكيد على أهمية إرشاد الروح القدس في اتخاذ القرارات.