الأنبا مكاريوس أسقف المنيا يكتب: عيد الشهداء
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
فى عيد النيروز نتأمل: كيف استخفَّ الملايين بالتعذيب والسجن والموت، وكيف تسابق أفراد الشعب من جميع الأعمار والأجناس والثقافات والطبقات الاجتماعية إلى الاستشهاد، وكيف تحولت جماعات المقبوض عليهم للمحاكمة قبل القتل إلى مواكب انتصار، فكانوا يرتدون أفخر الثياب وترتفع أصواتهم بالتهليل والترانيم وهم فى طريقهم إلى الاستشهاد لأنهم ماضون إلى العُرس السمائى.
كيف كانوا يرون ما لم يره مضطهدوهم، كانوا يرون السماء مفتوحة والمجد الذى ينتظرهم، وكيف أمكن للرجال بل والنساء والأطفال أن يبهروا الحكام بشهادتهم عن المسيح بقوة ومنطق أدهشهم، ورضاهم عن طيب خاطر أن يموتوا على اسم المسيح، بل وكيف تحول الاستشهاد إلى شهوة عند الغالبية، فتسابق الجميع إليه، حتى حاولت الكنيسة تقنين الاستشهاد، لتطلب من أولادها ألَّا يبادروا بالذهاب إلى الحاكم وإنما يجاهرون بإيمانهم بشجاعة متى سألوهم، ولكن ومع ذلك فإن الأكثرين كانت رغبتهم هى نوال إكليل الشهادة.
وكيف أبهر المسيحيون الحكام بثباتهم، وكيف كلما أمعن الولاة فى تعذيب المسيحيين زادوا إصراراً على التمسُّك بالمسيح، حتى اعترف أحدهم وهو يوليانوس الجاحد: «لقد غلبتنى أيها الجليلى!»، وكيف أسهم استشهاد الكثيرين فى إيمان ما لا يُحصى عددهم من الكثرة. انظروا إلى مواكب تمجيد الشهداء اليوم، وانظروا إلى تزاحم الشعب وهتاف التسبيح وزغاريد النساء، والتقاطر على مقصورات رفاتهم. انظروا كيف كان الشهيد يصلى قبل قتله من أجل قاتليه.
انظروا كيف أن النار والسيف والسحل والعصر وتقطيع الأعضاء لم يرهب المشاهدين، بل دفعهم أن يتخذوا دورهم فى طابور الاستشهاد. انظروا كيف أن تعذيب الزوجة والأبناء وقتلهم لم يُثنِ الآباء والأمهات عن المُضى قُدماً فى تسجيل شهادتهم عن المسيح بالدم، وكيف احتملوا التعذيب النفسى والتشهير والإساءة لبناتهم بكل الطرق ولم يبيعوا قضية إيمانهم.
لقد كانت عبارة ختام تحقيقات الحاكم، هى: «كُتِبت قضيته وأُمِر بقطع رأسه»، فصارت العبارة نفسها هى ختم مسيحيته وحبه للمسيح ولوحة الشرف وعنوان ثبات الإيمان. نعم لقد تألموا كثيراً، لا سيما حين يصر الحاكم على التفنُّن فى طرق التعذيب وإطالة أمده. لقد كان التفسير اليائس للحاكم لثبات المسيحيين حتى الموت هو أن «يسوع المصلوب هو ساحر» استطاع أن يسلب ويسبى عقول الشهداء، بل لقد أُصيب الكثير من الحكام بالذعر والجنون حين وجدوا الأطفال يجيبون بحكمة ومنطق يفوق الوصف، حتى لقد كان بعض من الحكام يضعفون لدقائق ويتمنون العفو عن المسيحى ولكنهم مضطرون للحكم عليهم لأنها أوامر رؤسائهم، تماماً مثلما حدث مع بيلاطس البنطى الذى تمنى إطلاق سراح المسيح ولكنه خاف من ملكه.
بل كم من مرة ألحَّ الشهيد على الحاكم بأن يمضى قدماً فى قتله لأنه يود أن يلتقى المسيح، وكم من مرة عرض الحاكم على البعض العفو عنهم فرفضوا أمام ذهوله، وكم من حاكم بالتالى آمن بسبب مشاعر الشهداء وشجاعتهم ومنطقهم، وانضم هو نفسه إلى طابور الشهداء.
إننا نُعيِّد لهم لأن لهم الفضل فى تسليم الإيمان، والشجاعة فى الشهادة للمسيح، فقد انتشرت المسيحية أقوى ما انتشرت بالاستشهاد. ونُعيِّد لهم لأنهم انتصروا على الألم الجسدى والإغراء والتهديد، وأعطوا أغلى ما يمكن أن يعطيه إنسان وهو حياته الأرضية، حباً بالمسيح الذى سفك دمه عنه. ونُعيِّد لهم لأنهم صاروا شفعاء لنا، ونُعيِّد لهم لأننا نفخر بأن أجدادنا كانوا شجعان وكانوا سمائيين واحتقروا أباطيل العالم.
لقد أصبحت ساحة الشهداء الشهيرة فى روما «الكولوزيوم» اليوم أعظم مزار فى الكرة الأرضية بعد الأراضى المقدسة، هكذا تحول تذكار الاستشهاد إلى واحد من أبهج الأعياد المسيحية طقساً وروحاً وشعبية. ولعل أجمل ما نختتم به هذه الكلمات هو ما ورد عن الشهيد أبوفام الأوسيمى، الذى ودَّع والديه وأصدقاءه ولبس حلة بهيَّة وذهب ومَنْطَق نفسه بمنطقة من ذهب وركب حصاناً، وكان يقول: «هذا هو يوم عُرْسِى الحقيقى، هذا هو يوم فرحى وسرورى بلقاء ملكى وإلهى سيدى يسوع المسيح».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: البابا تواضروس النيــروز
إقرأ أيضاً:
برلمان كوريا الجنوبية يعزل القائم بأعمال الرئيس.. والحزب الحاكم يلجأ للمحكمة الدستورية
صوّت البرلمان الكوري الجنوبي، اليوم الجمعة، لصالح عزل هان دوك-سو، الذي يشغل منصب القائم بأعمال رئيس البلاد يون سوك يول، وذلك بعد أقل من أسبوعين من إيقافه عن العمل بسبب فرضه الأحكام العرفية لفترة وجيزة.
وجرت عملية التصويت وسط احتجاجات صاخبة من نواب الحزب الحاكم الذين راحوا يغنون ويرفعون قبضاتهم تعبيرا عن الغضب.
وقال هان في بيان بعد التصويت إنه يتقبل النتيجة، وأردف قائلا: "أحترم قرار البرلمان، ولتجنب المزيد من الفوضى والضبابية، سأعلق مهامي وفقا للقوانين ذات الصلة".
وأضاف أنه سينتظر قرار المحكمة الدستورية بعد مراجعة اقتراح العزل.
وقال رئيس الجمعية الوطنية وو ون-شيك "أعلن أن مذكرة عزل رئيس الوزراء هان داك-سو قد أقرت. ومن أصل 192 نائبا شاركوا في التصويت، أيد 192 مذكرة العزل".
وهي المرة الأولى التي يُقال فيها رئيس بالإنابة بعد عزل الرئيس الأصيل في كوريا الجنوبية. وسيصبح وزير المال شوي سانغ-موك رئيس البلاد بالوكالة.
وقال حزب سلطة الشعب الحاكم، الذي اعترض على تحرك المعارضة لعزل هان، إنه قدم التماسا للمحكمة الدستورية.
وبموجب القانون، يتولى وزير المالية تشوي سانج-موك منصب القائم بأعمال الرئيس. وقال متحدث باسمه إن موك من المقرر أن يتحدث إلى قائد الجيش ويجري مشاورات مع وزير الخارجية والقائم بأعمال وزير الدفاع.
وقرر الحزب الديمقراطي المعارض، الذي يسيطر على البرلمان، عزل هان لعدم تعيينه على الفور ثلاثة قضاة لشغل المناصب الشاغرة في المحكمة الدستورية.
وقال هان الخميس إنه لن يعين القضاة الثلاثة حتى تتفق الأحزاب السياسية على التعيينات لأنه يعتقد أن قيامه بذلك بدون توافق سياسي سيضر بالنظام الدستوري.
ونشأ خلاف بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة وبعض خبراء الدستور حول ما إذا كانت الأغلبية البسيطة هي المطلوبة لعزل هان أم أن الأمر يحتاج إلى ثلثي الأصوات.
إلا أن رئيس البرلمان وو وون-شيك المنتمي للحزب الديمقراطي قال إن مجرد الأغلبية البسيطة تكفي لعزل هان.
جلسة دستورية
وكان هان داك-سو وهو موظف رفيع المستوى يبلغ الخامسة والسبعين يؤكد أن وضعه كرئيس بالوكالة لا يخوله القيام بتعيينات مهمة. وهو يشترط أن تكون التعيينات في المحكمة الدستورية موضع اتفاق بين حزب سلطة الشعب الحاكم وأحزاب المعارضة.
ورغم شغور مقاعد عدة فيها، تعقد المحكمة الدستورية الجمعة جلسة أولى حول عزل الرئيس يون سوك-يول.
وفي حال عدم تعيين قضاة في المقاعد الثلاثة الشاغرة قبل نهاية الإجراءات، على القضاة الستة في المحكمة أن يتخذوا القرار بالأجماع حول عزل يون نهائيا من الرئاسة. وفي حال صوّت قاض واحد من الستة ضد قرار العزل سيتولى يون مهامه الرئاسية مجددا.
وقال زعيم كتلة نواب الحزب الديموقراطي في البرلمان بارك شان-داي إن رفض هان تعيين قضاة جدد يثبت "أنه لا يملك الإرادة ولا المؤهلات لاحترام الدستور".
وفتح تحقيق بحق الرئيس المعزول البالغ 64 عاما بشبهة "التمرد" وهي جريمة يواجه فيها المتهم احتمال الحكم عليه بالاعدام.
واستدعى مكتب التحقيق حول الفساد حتى الآن الرئيس المعزول مرتين لاستجوابه حول أحداث 3-4 كانون الأول/ديسمبر التي أحدثت صدمة في البلاد. إلا أن يون رفض تلبية الاستدعاء في المرتين.
ووجه المحققون الخميس إليه استدعاء ثالثا لجلسة تعقد صباح الأحد.