يستقبل الأقباط الأرثوذكس، غدا، رأس السنة القبطية الجديدة 1740 قبطى، وهو اليوم المعروف بـ«عيد النيروز»، الذى عرفه الأقباط منذ القرن الثالث الميلادى، ويعد امتداداً للتقويم المصرى القديم، الذى يتكون من 13 شهراً، وهو تقويم نجمى يتبع دورة نجم الشعرى اليمانية، التى تبدأ من يوم 11 سبتمبر، إلا أنه هذا العام بسبب «السنة الكبيسة»، تم ترحيل بدايته المعتادة لتكون يوم 12 سبتمبر.

وسُمى رأس السنة القبطية باسم عيد النيروز، حيث إن كلمة نيروز تعنى فى اللغة القبطية «الأنهار»، وهو موعد اكتمال موسم فيضان النيل، وتُعد بداية السنة القبطية بداية السنة الزراعية فى مصر.

وتقيم الكنائس القبطية الأرثوذكسية بهذه المناسبة قداسات فى جميع كنائس وإيبارشيات الكرازة المرقسية فى الداخل والخارج، وتصلى الكنيسة فى القداس الإلهـى بـالطقس الفرايحى من أول توت حتى 16 توت، ومن 17 تـوت إلى 19 تـوت بالطقس الفرايحى والشعانينى، احتفالاً بعيد الصليب، حسب الاعتقاد المسيحى.

البابا تواضروس: من أقدم الأعياد ومفتتح التقويم القبطى وبدأ فى 284 ميلادية وقت بدء حكم الطاغية «دقلديانوس»

وقال البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، إن عيد النيروز من أقدم الأعياد، وهو العيد الذى يتم فيه افتتاح التقويم القبطى الذى بدأ فى 284م وقت من وصفه بـ«الطاغية» دقلديانوس، أحد أباطرة الرومان، الذى قيل إن عهده كان أشد عصور الاضطهاد ضد المسيحية قسوة، حيث تم فى هذا الوقت تصفير السنة المصرية القديمة، التى كانت تحمل وقتها رقم 4525، وتزامنت مع عام 284 ميلادى، لتبدأ السنة القبطية الأولى.

ويتميز عيد النيروز بطقوسه الخاصة عند الأقباط الأرثوذكس، حيث يقبلون خلاله على أكل البلح الأحمر والجوافة، وحسب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يتم إرجاع هذين النوعين من الفاكهة إلى رموز دينية، فلون البلح «الأحمر» يرمز إلى دم «الشهداء»، وحلاوة «البلح» تُشبّهها الكنيسة بحلاوة الإيمان المستقيم، كناية عما تعنيه كلمة «الأرثوذكسية»، أما صلابة «نواة البلح»، فتشير الكنيسة إلى أنها ترمز إلى تذكر قوة الشهداء الروحية وصلابتهم وتمسّكهم بإيمانهم حتى الموت، أما الجوافة فتقول الكنيسة إن قلبها «الأبيض» يرمز إلى قلب «الشهداء»، ووجود «بذور» كثيرة داخلها، فى إشارة إلى كثرة عدد الشهداء.

وكان من عادات المصريين القدماء أن يربطوا بين طرح الأرض وأعيادهم، كما كان من عادات العيد التى اندثرت أن يذهب الأقباط إلى النيل فى ذلك اليوم للاغتسال وكانوا يرشون بيوتهم بماء النيل فى أول أيام السنة الجديدة لـ«البركة».

وفى الكتاتيب التى لم تعد موجودة كانوا يصنعون أشكالاً يسمونها نوارى ويزينونها بالصلبان وصور الملائكة والشهداء، وربما أخذ المعلم أولاده فى الكتاب إلى النيل للاغتسال والاحتفال، وظل ذلك معمولاً به إلى قُرب نهاية القرن التاسع عشر.

ويرنّم الأطفال ترنيمة تراثية تقول «يا بلح لونك أحمر زى دم غزير روى أرضنا رى.. دم غزير دم الشهداء.. يا بلح قلبك أبيض زى قلب نظيف وبيضوى ضى.. قلب نظيف قلب الشهداء.. يا بلح بذرك ناشف زى الإيمان الصلب الحى اللى كان عند الشهداء».

«يوساب»: من عادات المصريين القدماء الربط بين طرح الأرض وأعيادهم واختيار «البلح والجوافة» يرمز إلى دم الشهداء وكثرة عددهم والقلب الأبيض

وقال القس يوساب عزت، أستاذ القانون الكنسى والكتاب المقدس بالكلية الإكليريكية، إنه فى هذا العيد تنظم الكنائس المصرية الاحتفالات، ويتم فيها توزيع فاكهتى «البلح والجوافة» تيمّناً بعيد النيروز أول توت وحتى اليوم السابع عشر فيه، تذكار عيد الصليب، حسب الاعتقاد المسيحى، تكريماً وتمجيداً لشهداء الكنيسة.

وعن اختيار الفاكهتين دون غيرهما قال «عزت» إن ذلك يعود إلى أن البلح الأحمر قشرته الخارجية ترمز إلى لون الدم وترمز إلى دم الشهداء، وقلب البلح أبيض ناصع يرمز إلى نقاء قلب الشهداء، أما نواة البلح الصلبة فترمز إلى إيمان الشهداء الثابت، فلا يمكن كسر قلب النواة.

أما الجوافة فيتم اختيارها، لأن قلبها أبيض مثل الشهداء الذين سُفكت دماؤهم من أجل المسيح، وبذورها كثيرة رمزاً لعدد الشهداء الكثيرين الذين تحمّلوا الآلام.

القس دوماديوس: اختيار أول «توت» بداية للسنة المصرية لأنه يوافق اكتمال فيضان النيل موسم الخير والبركة والخصوبة

وأضاف القس دوماديوس حبيب، كاهن عام بالقاهرة، أن التقويم القبطى يُعد امتداداً للتقويم المصرى القديم الذى يُعد أقدم تقويم فى تاريخ البشرية ويحتفل به المصريون منذ آلاف السنين وحتى الآن، حيث يتبعه الفلاح المصرى فى الزراعة، ولأهمية الزراعة عند القدماء المصريين اختاروا أول توت كبداية للسنة المصرية، لأنه يوافق اكتمال موسم فيضان النيل. وهو الموسم الذى يعم فيه الخير والبركة على الجميع، وتزداد فيه خصوبة الأرض وتتضاعف المحاصيل.

و«النيروز» هو أول يوم فى السنة الزراعية الجديدة، وقد أتت لفظة نيروز من الكلمة القبطية (نى - يارؤو)، التى تعنى كلمة «الأنهار»، وذلك لأنه فى هذا الوقت من العام يكتمل موسم فيضان النيل، ولما دخل اليونانيون مصر أضافوا حرف السى للإعراب كعادتهم (مثل أنطونى وأنطونيوس)، فأصبحت نيروس، فظنّها العرب نيروز الفارسية.

ولارتباط «النيروز» بالنيل أبدلوا الراء باللام، فصارت نيلوس، ومنها اشتق العرب لفظة النيل العربية، أما عن النيروز الفارسية فتعنى اليوم الجديد (نى يعنى جديد روز أو يوم) وهو عيد الربيع عند الفُرس، ومنه جاء الخلط من العرب.

ويرجع تاريخ تقويم الشهداء المعروف بالتقويم القبطى إلى أواخر القرن الثالث الميلادى، عندما تولى دقلديانوس أمور الإمبراطورية الرومانية وكان شخصاً غير سوى فى بنيانه النفسى، والذى حكم الشرق بيد من حديد، ووجّه جهوده كلها لاستئصال المسيحية من بلاده، ووضع تخطيطاً محكماً يقوم على قتل رجال الدين المسيحيين، وهدم الكنائس، وإحراق الكتب المقدّسة، وطرد المسيحيين من الوظائف الحكومية، وإباحة دمائهم.

وحسب التاريخ الكنسى، نال القبط فى مصر من هذا الاضطهاد أعنفه، لأن دقلديانوس كان يرى أن أساس العمق الدينى المسيحى كان فى مصر، لذلك جاء بنفسه وأقسم بآلهته، أنه لن يكف عن ذبح المسيحيين بيده، حتى يصل الدم المراق من المسيحيين إلى ركبة حصانه، وقد أحصى عدد القتلى، فقيل إنه بلغ ٨٤٠ ألف شهيد.

ونظراً لما فعله هذا الإمبراطور فى المسيحيين، فقد اتخذ الأقباط عام تولى دقلديانوس الحكم، عام الشهداء الذى وافق عام 284 ميلادى، لذلك فالتاريخ القبطى ينقص عن التاريخ الميلادى ٢٨٤م سنة، وصار التاريخ القبطى، ابتداءً من هذا التاريخ يُسمى تاريخ الشهداء الأطهار.

وعرفت الكنيسة القبطية أنها كنيسة الشهداء، وقال المؤرخون إن عدد الشهداء الذين استُشهدوا من مصر فاق عدد الشهداء المسيحيين فى كل العالم وقد جرى المثل الشهير أن دم الشهداء كان هو بذار الكنيسة.

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: البابا تواضروس النيــروز السنة القبطیة عید النیروز فیضان النیل عدد الشهداء

إقرأ أيضاً:

المنظمة العربية للسياحة تدين الاعتداءات الإسرائيلية على المواقع التراثية والأثرية بلبنان

أدانت المنظمة العربية للسياحة الاعتداءات الإسرائيلية على المواقع التراثية والأثرية اللبنانية، وطالبت المجتمع الدولي بعدم السماح بفقدان التراث الثقافي اللبناني.

ودعت المنظمة في بيان لها المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع الغارات الإسرائيلية على المواقع الأثرية الرومانية في بعلبك والمناطق التراثية الأخرى، مشيرة إلى أن الحرب القائمة والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة وتداعياتها تُعرّض هذه المواقع التراثية لخطر داهم وخسائر لا يُمكن تعويضها، وتدعو الى زعزعة الأمن والاستقرار بما يتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية والدينية.

وأكد رئيس المنظمة العربية للسياحة الدكتور بندر بن فهد آل فهيد وقوف المنظمة وأسرة السياحة العربية مع جمهورية لبنان الشقيقة في المحافظة على إرثها الحضاري والتاريخي.

مقالات مشابهة

  • الكنيسة القبطية تختتم مولد "مارجرجس" بالأقصر
  • في ذكرى ميلاده.. "مارجرجس" أيقونة الإيمان والقوة في تاريخ الكنيسة
  • الكنيسة الأرثوذكسية تختتم مولد مارجرجس بالرزيقات في الأقصر.. استمر 6 أيام
  • 3 شهداء في قصف مناطق عدة بدير البلح
  • الكنيسة القبطية الأرثوذكسية: البابا تواضروس اهتم بتوظيف الوسائل الحديثة لضمان وصول" كلمة الله" إلى جميع الأجيال
  • أكلات زمان التراثية.. اصنعي العيش الدبداب على البوتاجاز من غير خميرة ولابيكنج
  • مسؤول جزائري يزور المعالم التراثية في الرستاق
  • المنظمة العربية للسياحة دانت الاعتداءات الإسرائيلية على المواقع التراثية
  • المنظمة العربية للسياحة تدين الاعتداءات الإسرائيلية على المواقع التراثية والأثرية بلبنان
  • الأنبا يوسف أسقف بوليڤيا يزور الكنيسة القبطية في إسبانيا