الجزيرة:
2024-11-26@07:48:19 GMT

رحيل شيخ المترجمين السودانيين السر خضر سيد أحمد

تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT

رحيل شيخ المترجمين السودانيين السر خضر سيد أحمد

توفي أمس الأحد في مدينة ود مدني بولاية الجزيرة المترجم السوداني السر خضر سيد أحمد.

وكان البروفيسور والأديب السوداني علي المك قد أطلق على الأستاذ السر خضر سيد أحمد لقب "شيخ المترجمين السودانيين"، لما يتمتع به من إلمام واسع باللغتين العربية والإنجليزية، ومهارات فنية فائقة في الترجمة العكسية بين اللغتين.

ووصفه الناقد عز الدين ميرغني بأنه يتملك "موهبة عالية" و"فريدة ونادرة" في الترجمة، ذروة سنامها ترجمة الشعر القصصي وشعر التفعيلة.

كما وصفه الشاعر عالم عباس بقوله "لو كنا في عصر المأمون لكان السر خضر صنوا لابن المقفع، ولكانت لدينا روائع التراجم مثل كليلة ودمنة، عملا إبداعيا خلاقا، لا نكاد نهتم أو نعرف الأصل الذي ترجم منه، وربما كان السر خضر من الذين ترجموا لنا رباعيات الخيام، التي تبارى فيها المترجمون الحذاق من لدن الصافي النجفي وأحمد رامي وغيرهما".

إذا من السر خضر سيد أحمد الذي نتحدث عنه وعن طول باعه في الترجمة؟ وإلى أي جيل ينتمي؟ وما الأعمال الرئيسة التي أصدرها في مجال الترجمة ولم تصل إلى جمهور واسع من القارئين والباحثين؟ عندما سأله الشاعر محمد نجيب محمد علي: من أنت؟ رد السر قائلا "من أصعب الأشياء أن تتحدث عن نفسك، لذا فلندع الأشياء تقول ما تحب أن تقول، دون الرجوع إلى الذات، باختصار أنا رجل بسيط من مدينة بسيطة وجميلة، تلقيت تعليمي في مدينة ود مدني و(جامعة) الخرطوم، ثم مارست التدريس، وأثناء الحياة الطلابية والمهنية مارست الترجمة وإلى الآن.. أنا شغوف بالترجمة، ومحب لها، وألتهم الكتب التهاما".

ويبدو أن جامعة الخرطوم قد عززت فيه دافعية القراءة والترجمة، حيث حصل فيها على بكالوريوس الآداب في اللغة الإنجليزية في نهاية الستينيات من القرن العشرين، وأول عمل مترجم إلى العربية أنجزه السر في سنوات جامعة الخرطوم كان إحدى قصائد الشاعر والمسرحي الأميركي المرموق كونراد بوتر أيكن (1889-1973)، الذي اشتهر بشاعر الولايات المتحدة الأميركية في النصف الأول من عقد الخمسينيات.

وبعد حصوله على بكالوريوس الآداب في اللغة الإنجليزية، عمل السر بالمدارس الثانوية أستاذا للغة الإنجليزية، وتدرج في سلك التعليم الثانوي إلى أن بلغ رتبة موجه تربوي، واغترب لفترة قصيرة بسلطنة عمان، وأخيرا ختم حياته العملية محاضرا في اللغة الإنجليزية والترجمة بكلية ود مدني الأهلية. وفي خواتيم عمره مال إلى التصوف وأدبيات القوم، وسلك الطريقة القادرية على الشيخ الريح الشيخ عبد الباقي.

السر خضر وفن الترجمة

دار جدل قديم عن الترجمة في الأروقة الأكاديمية: هل هي علم أم فن؟ فكانت الإجابة المجمع عليها أنها تجمع بين الاثنين، فإذا نظرنا إليها من الناحية الأكاديمية فهي علم له قواعده، وأسسه، ونظرياته المرتبطة بعلم اللسانيات، ولكن مخرجات العمل المترجم تتأثر بملكات المترجم اللغوية، وثقافته الأدبية والمعرفية، وقدرته على توليد المترادفات في اللغات، ولذلك يقال إن المترجم كاتب ثانٍ للنص، لأنه يتقمص روح المؤلف، ويتوخى الدقة في نقل إحساسه الكامن وراء الألفاظ والمعاني.

ينظر السر خضر إلى فن الترجمة من هذه الزاوية، ويتجلى ذلك في حواره مع الشاعر محمد نجيب عندما سأله: هل يكون الارتكاز في الترجمة على اللغة أم على المعنى أم الإيحاء؟ فأجابه قائلا "على المعنى، الترجمة هي أساس نقل للمعنى من لغة إلى لغة أخرى، ولا بد أن يكون المترجم ملما بثقافة اللغتين". ولذلك يصف عالم عباس ترجمات السر بالترجمات الإبداعية الخلاقة، التي تتغلغل في المعنى وروحه.

وفي سؤال آخر طرحه محمد نجيب عليه: "قل لي إلى أي حد يستطيع القارئ باللغة الإنجليزية استيعاب شعر امرؤ القيس مثلا؟" فأجابه السر إجابة طريفة لكنها تحمل بعض الدلالات المهمة، مفادها "امرؤ القيس يكتب من بيئة عربية صحراوية والقارئ الإنجليزي بيئته مختلفة تماما، ذاك يقوم على الجماعة وهذا على الفردية".

ترجمات السر الفريدة

من أهم الترجمات الإنجليزية التي أصدرها السر "ديوان العودة إلى سنار"، و"ديوان السمندل يغني"، لصديقه الدكتور محمد عبد الحي. وشكلت قصيدة العودة إلى سنار الخيط الناظم لقصائد الديوان، الذي حمل اسمها، ونسجت بعدا جديدا من أبعاد أدبيات الغابة والصحراء، وكذلك السمندل الطائر البحري، الذي حلق اسما ورمزا في الديوان الذي حمل اسمه.

ترجم السر هذين الديوانين ترجمة رصينة تغلغلت فيهما مقاصد المعاني وأرواحها، كما يرى عالم عباس، كما أتقن الترجمة بمحبة صادقة لصديقه محمد عبد الحي. وعندما سأله الشاعر محمد نجيب محمد علي عن سر اختياره لترجمة ديواني الشاعر محمد عبد الحي، أجابه "أنا أحب محمد عبد الحي محبة كبيرة، وهو ليس شاعرا فقط، بل هو مفكر، وأحد أعظم المترجمين من الإنجليزية للعربية في العالم العربي، إلى جانب أنه كاتب مسرحي. وعبد الحي يكتب وفي منظوره قارئه، وهذا القارئ يتطلع إلى أشياء معينة يحبها، لا يجدها إلا عند محمد عبد الحي. العودة إلى سنار هي العودة إلى النبع، وهي مثل رواية الجذور (لمؤلفها أليكس هيلي)، التي ترجع إلى الأصول الأفريقية في الذات الإثنية، وتجاوز محمد ذلك، لأنه يتحدث عن الذات الجمعية والذات الجنسية، ويتكلم عن الوطن بكل بعده الجغرافي والإنساني، عبد الحي في العودة إلى سنار يعكس عودته هو إلى السودان، والسمندل يغني من ذات البعد من منظور ثقافي".

وفي حوار مع مجلة "سودان ناو"، سئل السر عن إعادة ترجمة ديوان العودة إلى سنار، فرد قائلا "تصدر آلة الكمان العتيقة نغمة آسرة"، أي إذا اتيحت له فرصة إعادة ترجمة ديوان العودة إلى سنار لأنتج ترجمة أبدع من الترجمة الأولى.

نشر السر خضر العديد من الترجمات الشعرية في مجلة سودان ناو، والتي أبهرت عالم عباس، ودفعته لوصف السر بالرائد الذي عرفه منذ السبعينيات، ويصف ترجمات السر خضر لقصائد شعراء معاصرين أمثال محمد عبد الحي، ومصطفى سند ومحمد المكي إبراهيم، وعبد الرحيم أبو ذكرى، والنور عثمان أبكر، بأنها كانت "في غاية الجمال والدقة، وعندما "تجد نصا ترجمه السر خضر، فاعلم أن هذا نص بديع… فالسر لا يترجم إلا الدرر، فأي نص ترجمه يتألق في ثوب من الجمال يتمنى صاحب أي نص أن لو عبر من خلال قلمه السر خضر".

وإلى جانب هؤلاء الشعراء كان السر مغرما بكتابات عيسى الحلو، فوصفه بأنه أميز المثقفين والكتاب العرب والأفارقة، وأنه يمتلك تقنيات سرد عالية، وخيالا واسعا، واسترجاعا جذابا، فضلا عن أنه كان يختار شخصياته الروائية من الحياة الواقعية، وينسج من بعض سلوكياتها وتفاعلاتها مع الحياة حبكة روائية ممتازة وآسرة. وترجم السر مجموعة قصصية للكاتب عيسى الحلو، وصفها بأنها كانت تمثل نموذجا من الروايات السودانية التي كانت تفوق نظائرها الأفريقية جودة وإبداعا.

وفي عقد التسعينيات من القرن العشرين ترجم السر مجموعة أعمال لشعراء مرموقين، أمثال محمد المهدي مجذوب، ومحمد المكي إبراهيم، ومصطفى سند، وكمال الجزولي، وعالم عباس، وفضيلي جماع، ونشرها في كتاب بعنوان "الشعر السوداني الحديث: مختارات وتقييم". ووصف الأستاذ الناقد مجذوب عيدروس مقدمة الكتاب بأنها "مقدمة ضافية عن الشعر السوداني، فيها خلاصة رؤية المترجم، وتعريفه لقارئ الإنجليزية بالمسيرة الإبداعية لشعراء السودان"، كما وصف الدكتور أحمد الصادق، أستاذ اللسانيات بجامعة الخرطوم، الترجمة "بالنصاعة والنضارة"، والنصوص المختارة بأنها قد مثلت وعيا راشدا "بالذاكرة الشعرية (السودانية، وفتوحات اللغة وكشوفاتها، وفتوقات السؤال، وقد ظل أستاذنا (السر) لما يقارب نصف قرن أمينا لمشروعه ولم يحد عنه".

السر خضر ورابطة أدباء الجزيرة

تأسست رابطة أدباء الجزيرة عام 1960، وحضر اجتماعها التأسيسي محمد عبد الحي، وفضل الله محمد، وصديق محيسي، وانضم إليهم لاحقا الزين عباس عمارة، وعبد المجيد عبد الرحمن، وعثمان جعفر النصيري، والنور عثمان أبكر. وعقدت الرابطة اجتماعها الأول في منزل عبد الحميد البوشي، الذي اختير أول رئيس للرابطة، ومحمد عبد الرحمن شيبون أمينا عاما، ومحمد عبد الحي مسؤولا ثقافيا. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت الرابطة نشطة فاعلة في مجال العمل الثقافي بود مدني. وإلى جانب دور الرابطة الثقافي والأدبي، يذكر الأستاذ صديق محيسي أن مكتبات ود مدني الخمس كانت تشكل رافدا ثقافيا.

في هذه البيئة الثقافية نشأ السر خضر، واستقام ميسم كسبه الأدبي والمعرفي. وبعد فترة من العطاء الأدبي المجتمعي احتجبت رابطة أدباء الجزيرة عن المسرح الثقافي، وحلت محلها رابطة الجزيرة للآداب والفنون عام 1973، برئاسة الأستاذ محمد الحاج محمد صالح.

هذا هو السر خضر الذي شهدت كوكبة من الأدباء والشعراء والنقاد السودانيين بتواضعه الجم، وأدبه الرفيع، وابتعاده عن الأضواء، ولذلك قال عنه عالم عباس "لو كان السر في مكان آخر غير هذا البلد، لأقيمت له التماثيل، وهيئت المؤسسات، وعسى أن يأتي اليوم الذي نكرم فيه هذا الترجمان الراهب بإنشاء دار للترجمة، تليق به وبنا، إذا كنا حقا نسعى للبر بهذا الوطن"، ويضيف عالم: "السر خضر كنز.. لكن لا كرامة لنبي في قومه، وما أقسى ذلك في هذا الزمان".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: اللغة الإنجلیزیة الشاعر محمد فی الترجمة محمد نجیب کان السر ود مدنی

إقرأ أيضاً:

وزير الثقافة: الأدب سلاحنا الذي يحمي هويتنا ويعزز صمودنا في وجه التحديات

كتب- محمد شاكر:
انطلق منذ قليل، بجامعة المنيا، حفل افتتاح المؤتمر العام لأدباء مصر في دورته السادسة والثلاثين، "دورة الكاتب الكبير جمال الغيطاني"، تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، واللواء عماد كدواني، محافظ المنيا.

ومن جانبه قال الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة: نحتفي به هذا العام تحت عنوان "أدب الانتصار والأمن الثقافي.. خمسون عاماً من العبور"، في محافظة المنيا، قلب الصعيد الزاخر بتاريخنا وتراثنا وثقافتنا.

وأضاف: إن اختيار عنوان هذا المؤتمر يؤكد على إدراكنا العميق لدور الأدب والثقافة في توثيق الإنجازات الوطنية، وترسيخ الهوية المصرية، وحماية أمننا الثقافي.. إن انتصار أكتوبر العظيم لم يكن مجرد عبور عسكري، بل كان عبوراً إلى مستقبل أفضل، وعبوراً للوجدان المصري الذي أبدع خلاله أدباؤنا وفنانونا أعمالاً خالدة شكلت وجدان الأمة ورسخت معاني الكرامة والإرادة.

وزير الثقافة: استطاع أن يجمع بين الأصالة والمعاصرة..
وتابع: إن الأدب هو سلاحنا الفكري، وهو الذي يحمي هويتنا الوطنية، ويعزز من صمودنا في وجه التحديات، ومن هنا تأتي أهمية الأمن الثقافي، الذي يضمن حماية تراثنا وحضارتنا من التشويه والاندثار.

وأكمل: في هذه الدورة التي تحمل اسم الكاتب الكبير جمال الغيطاني، نستعيد ذكرى أحد أعمدة الأدب المصري والعربي، الذي أسهم بقلمه في صياغة رؤيتنا التاريخية والحضارية، وقدم إرثاً إبداعياً سيظل ملهماً للأجيال القادمة، وكان الغيطاني سارداً ماهراً، استطاع أن يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وأن يخلط بين التاريخ والخيال، مستلهمًا الموروث السردي العربي، وكان عبقرياً في استخدامه للغة، وفي قدرته على إيصال المعنى بعمق وإحساس.

تفاصيل الافتتاح والتكريمات بمؤتمر أدباء مصر..

المؤتمر تنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، تحت عنوان "أدب الانتصار والأمن الثقافي.. خمسون عاما من العبور"، ويعقد برئاسة الفنان الدكتور أحمد نوار، والأمين العام للمؤتمر الشاعر ياسر خليل.

يتضمن حفل الافتتاح عرضا فنيا بعنوان "منيا الخصيب.. عروس النيل"، وفيلم وثائقي عن المؤتمر العام لأدباء مصر، ثم الكلمات البروتوكولية للدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، اللواء عماد كدواني محافظ المنيا، د. عصام فرحات رئيس جامعة المنيا، الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، د. أحمد نوار، رئيس المؤتمر، الشاعر ياسر خليل أمين عام المؤتمر.

اقرأ أيضًا:
ارتدوا الملابس الشتوية.. الأرصاد تكشف تفاصيل الطقس بعد موجة الأمطار

جمال شعبان يتحدث عن سبب وفاة الملحن محمد رحيم: "هذا ما حدث له في الأغلب"

عضو بـ"الغرف السياحية": الحج الاقتصادي بـ45 ألفا.. و4 تأشيرات متاحة الآن

أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة أدباء مصر

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الأخبار المتعلقة وزير الثقافة يشهد ختام الدورة الخامسة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي أخبار

مقالات مشابهة

  • الحي التجاري في صلالة.. وروائح السوق المركزي!
  • وزير الثقافة: الأدب سلاحنا الذي يحمي هويتنا ويعزز صمودنا في وجه التحديات
  • الأدب هو السلاح الفكري الذي يحمي حضارتنا من التشويه
  • وزير الثقافة:الأدب هو سلاحنا الفكري الذي يحمي هويتنا الوطنية
  • حقيقة رحيل كريستيانو رونالدو عن النصر السعودي
  • الترجمة.. جسور إماراتية بين الثقافات
  • رحيل محمد رحيم.. صدمة ودموع وتأخر صلاة الجنازة
  • مفاجآت حول رحيل محمد رحيم.. الطب الشرعي يتدخل للحسم| فيديو
  • بعد رحيل محمد رحيم.. كيف وصلت أغنيته مع شيرين عبدالوهاب للعالمية؟
  • بعد رحيل الملحن محمد رحيم.. 5 أعراض تدل على الإصابة بالذبحة الصدرية