لم يقتصر ارتباط الكنيسة الأرثوذكسية بالحضارة المصرية القديمة على التقويم السكندرى والاعتماد عليه كتقويم كنسى منذ بداية عصر الشهداء، لكن الكنيسة امتزجت بالحضارة المصرية وأعيادها؛ فقد أخذت بعض الأفكار الظاهرية للأعياد والاحتفالات الدينية فى مصر، ومظاهر الاحتفال بالأعياد فى الكنيسة مأخوذة من المصريين القدماء ظاهرياً فقط.

وما زال الارتباط بين الحضارة المصرية والكنيسة القبطية مستمراً؛ إذ تحتفل الكنيسة فى 11 سبتمبر كل عام بعيد النيروز وهو بداية السنة القبطية وبداية السنة المصرية المعروفة بالسنة الزراعية التى قسّمها المصرى القديم لثلاثة مواسم.

وقال الدكتور إبراهيم ساويرس، أستاذ اللغة القبطية بكلية الآثار - جامعة سوهاج، الحاصل على الدكتوراه فى الدراسات القبطية من جامعة ليدن بهولندا، إن الاحتفالات فى مصر القديمة متعلقة بالملك الفرعونى، حيث كان المصريون يحتفلون بعيد تجليس الملك الثلاثين ويسمى هذا العيد «حب سد» حيث يتم الاحتفال بانقضاء العام الثلاثين للملك لارتقاء العرش، ويظهر الملك على عرشه فى كامل قوته، ويعاد بناء مقاصير اليوبيل فى المعابد من الذهب والفضة والأحجار الكريمة، وتكرر الطقوس مرتين للملك حاكم الجنوب والشمال، وورث الأقباط هذا العيد من الفراعنة، حيث تحتفل الكنيسة بذكرى تجليس البطريرك فى احتفالية تتلى فيها الصلوات دون الاحتفال بالعيد الثلاثينى للبطريرك.

وأضاف لـ«الوطن»: «مصر القديمة كانت تحتفل بمواسم معينة فى السنة؛ حيث كانت السنة لدى المصرى القديم ثلاثة مواسم: الفيضان، الزراعة، الحصاد، وأهمها النيروز وهو رأس السنة الذى يتم الاحتفال به فى منتصف سبتمبر بالتزامن مع حدوث الفيضان الذى يعد موسم الزراعة»، متابعاً أن السنة القبطية مرتبطة بالسنة المصرية القديمة؛ فكان المصريون جميعاً يحتفلون برأس السنة معاً وهو 1 توت بداية موسم الزراعة عقب انتهاء فترة الفيضان وبداية الحياة المعتمدة على مياه النهر.

وأوضح أن الأقباط أخذوا الاحتفال بعيد الربيع، المعروف بعيد شم النسيم، من المصريين القدماء وجعلوه عيداً يلى عيد القيامة وبداية تفتُّح الزهور والجو الربيعى، وتم إسقاط دلالات دينية على هذا العيد، وكان المصريون القدماء يحتفلون بأعياد مرتبطة بشخصيات كبيرة عاشت وتم تقديسها كالملوك والآلهة وتم تحويلها على يد الأقباط إلى احتفالات بأعياد القديسين والملائكة، حيث احتفظت الأعياد المصرية القديمة بشكلها وغيَّرت مضمونها، مثل عيد الإله «زحل»، الذى كان المصريون القدماء يحتفلون فيه بتقديم الذبائح وتوزيع لحومها على الفقراء، وحوَّله البابا إسكندر، البطريرك الـ19 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، لعيد رئيس الملائكة ميخائيل، حسب الاعتقاد المسيحى، ثم بنى مكان «هيكل زحل» كنيسة باسم رئيس الملائكة ميخائيل، وكذلك فعل البابا ثاؤفيلس، البطريرك الـ23 للكنيسة، الذى حوَّل عيد الإله سيرابيس بفيضان النيل إلى عيد للملاك ميخائيل، الذى توزع فيه الفطائر والكعك.

وأكد أن الأمر لم يقتصر على الاحتفالات فقط، بل إن اللغة القبطية تعد آخر مراحل تطور اللغة المصرية القديمة، التى صمدت أمام الاحتلال البطلمى عام 323 ق.م - 30 ق.م، الذى جعل اللغة اليونانية هى اللغة الرسمية لمصر، حيث بقيت القبطية لغة الشعب، حتى فى ظل تبعية مصر للإمبراطورية الرومانية وسيادة اللغة اليونانية طوال أكثر من 670 عاماً خلال الفترة ما بين 30 ق.م - 641م، ودخول العرب مصر.

اللغة القبطية امتداد للمصرية القديمة.. وألحان الفرعون تحولت لتمجيد «المسيح»

وقال إن الألحان الموسيقية الكنسية تعود جذورها إلى الحضارة الفرعونية، خاصة ما يعرف بـ«كاهن المعبد» فى عهد «الفرعون»، وأدخلت إلى الكنيسة التى استبدلت الألحان التى تقال لـ«الفرعون» بالألحان التى تقال لـ«المسيح»، وصارت «الألحان القبطية» علامة مميزة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وحفظت «التراث التسبيحى» على مدى أكثر من ألفى عام، وانتقلت عبر القرون بالتواتُر بين الأجيال من خلال التقليد الشفهى، وأوجدت الكنيسة من أجل هذا المُرَتلين، وهم فى كثير من الأحيان ما يكونون من مكفوفى البصر لقدرة ذاكرتهم على اختزان هذا القدر الكبير من الألحان، التى يصل عددها إلى نحو 575 لحناً، كما كان يفعل فى عهد الفراعنة، وصار «المكفوفون» حراس اللحن الكنسى، قبل أن تظهر القواعد الموسيقية للألحان القبطية على أُسُس علمية من حيث الأوزان والضروب والمقامات والقفلات الموسيقية والتكوين السليم المتوازن للجملة الموسيقية.

وعن مظاهر الاحتفال بالأعياد؛ كانت مصر القديمة تحتفل بإطلاق البخور خلال الأعياد، وهذا ما يوجد فى التراث القبطى، حيث يتم إطلاق البخور فى الكنيسة خلال القداسات والأعياد وجميع المناسبات داخل أسوار الكنيسة، وكان المصريون القدماء يحتفلون بالمهرجانات؛ حيث يحملون التماثيل فى المراكب وتسير فى أنحاء المدينة، وهذا ما يتمثل فى الزفة فى الكنيسة، التى يحمل فيها الكهنة والشمامسة أيقونة القديس ويسيرون بها فى الكنيسة فى يوم الاحتفال بذكراه.

وكان يوجد فى مصر القديمة زيوت معينة خاصة بالاحتفالات تدهن بها التماثيل، وكذلك الأقباط يستخدمون الزيوت المقدسة فى تدشين الأيقونات وأدوات المسبح وكل ما هو مكرس للكنيسة، وكانت مظاهر الاحتفال فى مصر القديمة متشابهة مع مظاهر احتفال الأقباط ولكن ليس فى جوهرها فالجوهر مختلف تماماً أما المظهر فمتشابه، وكان المصريون يحتفلون فى القرن الـ15 باحتفالات عيد النيروز دون تفرقة بين مسلم ومسيحى حيث كان يعد عيداً قومياً.

وتأثر التراث المعمارى القبطى بالحضارة المصرية القديمة؛ وظهر ذلك فى الأديرة القبطية مثل دير الأنبا شنودة، المعروف باسم الدير الأبيض، وهذا يدل على الاندماج بين الحضارة المصرية والتراث القبطى.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: البابا تواضروس النيــروز المصریة القدیمة کان المصریون مصر القدیمة فى الکنیسة فى مصر

إقرأ أيضاً:

بالصور.. أجواء تراثية واحتفالات عائلية في ليالي القرقيعان بالخُبر

شهدت ساحة الكورنيش في مدينة الخبر انطلاق احتفالات ”القرقيعان“ التراثية، والتي نُظمت من قبل بلدية الخبر.
وتميزت ليالي القرقيعان بالخُبر بمشاركة واسعة من الأطفال الذين توافدوا مع عائلاتهم للاستمتاع بالفعاليات المتنوعة.احتفالات ”القرقيعان“ التراثيةوتأتي هذه الاحتفالات ضمن فعاليات ”غبة“ التي تنظمها البلدية، والتي تسعى من خلالها إلى إحياء الموروث الشعبي، وإشراك الأطفال في هذه المناسبة وتعزيز التواصل الاجتماعي في أجواء رمضانية مبهجة.
أخبار متعلقة مهرجان القرقيعان في صفوى.. إحياء للتراث وتعزيز للروابط الاجتماعية”القرقيعان“ تستقطب أكثر من 1100 زائر في منتزه العبير برأس تنورة .article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } أجواء تراثية واحتفالات عائلية في ليالي القرقيعان بالخُبر - اليوم أجواء تراثية واحتفالات عائلية في ليالي القرقيعان بالخُبر - اليوم أجواء تراثية واحتفالات عائلية في ليالي القرقيعان بالخُبر - اليوم var owl = $(".owl-articleMedia"); owl.owlCarousel({ nav: true, dots: false, dotClass: 'owl-page', dotsClass: 'owl-pagination', loop: true, rtl: true, autoplay: false, autoplayHoverPause: true, autoplayTimeout: 5000, navText: ["", ""], thumbs: true, thumbsPrerendered: true, responsive: { 990: { items: 1 }, 768: { items: 1 }, 0: { items: 1 } } });
وحرصت بلدية الخبر على أن تكون الاحتفالات فرصة للأطفال للمشاركة الفعالة.فعاليات القرقيعان في الخبروتضمنت توزيع الحلوى والهدايا عليهم، بالإضافة إلى الأهازيج الشعبية والفقرات الترفيهية المتنوعة التي أسعدتهم.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } ليالي القرقيعان بالخُبر - اليوم ليالي القرقيعان بالخُبر - اليوم var owl = $(".owl-articleMedia"); owl.owlCarousel({ nav: true, dots: false, dotClass: 'owl-page', dotsClass: 'owl-pagination', loop: true, rtl: true, autoplay: false, autoplayHoverPause: true, autoplayTimeout: 5000, navText: ["", ""], thumbs: true, thumbsPrerendered: true, responsive: { 990: { items: 1 }, 768: { items: 1 }, 0: { items: 1 } } });
وأكدت البلدية أن هذه الفعاليات تأتي في إطار حرصها على تعزيز الروابط الاجتماعية والاحتفاء بالتراث الشعبي الغني للمنطقة.
بالإضافة إلى إتاحة الفرصة لجميع أفراد العائلة، وخاصة الأطفال، للاستمتاع بأجواء رمضانية فريدة.

مقالات مشابهة

  • اليوم.. الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تُحيي ذكرى البابا شنودة الثالث
  • أحبه كل المصريين.. الكنيسة تحتفل بذكرى رحيل البابا شنودة
  • السفير المصري في امستردام يزور الكنيسة القبطية الأرثوذكسية
  • قصة كعك العيد من المصريين القدماء إلى الدولة الفاطمية
  • الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحتفل بأحد السامرية في الصوم الكبير لعام 2025
  • الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تستعد للاحتفال بعيد القيامة المجيد
  • الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحيي الذكرى الثالثة عشرة لرحيل البابا شنودة الثالث
  • البابا تواضروس يدعو كنائس العالم بتوحيد احتفال عيد القيامة وفق الكنيسة القبطية
  • ملتقى الأزهر: المذهب الأشعري وحده القادر على إنقاذ الأمة من نكباتها
  • بالصور.. أجواء تراثية واحتفالات عائلية في ليالي القرقيعان بالخُبر