«ليس التقويم وحده».. روابط وثيقة بين أعياد واحتفالات المصريين القدماء والتراث القبطي
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
لم يقتصر ارتباط الكنيسة الأرثوذكسية بالحضارة المصرية القديمة على التقويم السكندرى والاعتماد عليه كتقويم كنسى منذ بداية عصر الشهداء، لكن الكنيسة امتزجت بالحضارة المصرية وأعيادها؛ فقد أخذت بعض الأفكار الظاهرية للأعياد والاحتفالات الدينية فى مصر، ومظاهر الاحتفال بالأعياد فى الكنيسة مأخوذة من المصريين القدماء ظاهرياً فقط.
وقال الدكتور إبراهيم ساويرس، أستاذ اللغة القبطية بكلية الآثار - جامعة سوهاج، الحاصل على الدكتوراه فى الدراسات القبطية من جامعة ليدن بهولندا، إن الاحتفالات فى مصر القديمة متعلقة بالملك الفرعونى، حيث كان المصريون يحتفلون بعيد تجليس الملك الثلاثين ويسمى هذا العيد «حب سد» حيث يتم الاحتفال بانقضاء العام الثلاثين للملك لارتقاء العرش، ويظهر الملك على عرشه فى كامل قوته، ويعاد بناء مقاصير اليوبيل فى المعابد من الذهب والفضة والأحجار الكريمة، وتكرر الطقوس مرتين للملك حاكم الجنوب والشمال، وورث الأقباط هذا العيد من الفراعنة، حيث تحتفل الكنيسة بذكرى تجليس البطريرك فى احتفالية تتلى فيها الصلوات دون الاحتفال بالعيد الثلاثينى للبطريرك.
وأضاف لـ«الوطن»: «مصر القديمة كانت تحتفل بمواسم معينة فى السنة؛ حيث كانت السنة لدى المصرى القديم ثلاثة مواسم: الفيضان، الزراعة، الحصاد، وأهمها النيروز وهو رأس السنة الذى يتم الاحتفال به فى منتصف سبتمبر بالتزامن مع حدوث الفيضان الذى يعد موسم الزراعة»، متابعاً أن السنة القبطية مرتبطة بالسنة المصرية القديمة؛ فكان المصريون جميعاً يحتفلون برأس السنة معاً وهو 1 توت بداية موسم الزراعة عقب انتهاء فترة الفيضان وبداية الحياة المعتمدة على مياه النهر.
وأوضح أن الأقباط أخذوا الاحتفال بعيد الربيع، المعروف بعيد شم النسيم، من المصريين القدماء وجعلوه عيداً يلى عيد القيامة وبداية تفتُّح الزهور والجو الربيعى، وتم إسقاط دلالات دينية على هذا العيد، وكان المصريون القدماء يحتفلون بأعياد مرتبطة بشخصيات كبيرة عاشت وتم تقديسها كالملوك والآلهة وتم تحويلها على يد الأقباط إلى احتفالات بأعياد القديسين والملائكة، حيث احتفظت الأعياد المصرية القديمة بشكلها وغيَّرت مضمونها، مثل عيد الإله «زحل»، الذى كان المصريون القدماء يحتفلون فيه بتقديم الذبائح وتوزيع لحومها على الفقراء، وحوَّله البابا إسكندر، البطريرك الـ19 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، لعيد رئيس الملائكة ميخائيل، حسب الاعتقاد المسيحى، ثم بنى مكان «هيكل زحل» كنيسة باسم رئيس الملائكة ميخائيل، وكذلك فعل البابا ثاؤفيلس، البطريرك الـ23 للكنيسة، الذى حوَّل عيد الإله سيرابيس بفيضان النيل إلى عيد للملاك ميخائيل، الذى توزع فيه الفطائر والكعك.
وأكد أن الأمر لم يقتصر على الاحتفالات فقط، بل إن اللغة القبطية تعد آخر مراحل تطور اللغة المصرية القديمة، التى صمدت أمام الاحتلال البطلمى عام 323 ق.م - 30 ق.م، الذى جعل اللغة اليونانية هى اللغة الرسمية لمصر، حيث بقيت القبطية لغة الشعب، حتى فى ظل تبعية مصر للإمبراطورية الرومانية وسيادة اللغة اليونانية طوال أكثر من 670 عاماً خلال الفترة ما بين 30 ق.م - 641م، ودخول العرب مصر.
اللغة القبطية امتداد للمصرية القديمة.. وألحان الفرعون تحولت لتمجيد «المسيح»وقال إن الألحان الموسيقية الكنسية تعود جذورها إلى الحضارة الفرعونية، خاصة ما يعرف بـ«كاهن المعبد» فى عهد «الفرعون»، وأدخلت إلى الكنيسة التى استبدلت الألحان التى تقال لـ«الفرعون» بالألحان التى تقال لـ«المسيح»، وصارت «الألحان القبطية» علامة مميزة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وحفظت «التراث التسبيحى» على مدى أكثر من ألفى عام، وانتقلت عبر القرون بالتواتُر بين الأجيال من خلال التقليد الشفهى، وأوجدت الكنيسة من أجل هذا المُرَتلين، وهم فى كثير من الأحيان ما يكونون من مكفوفى البصر لقدرة ذاكرتهم على اختزان هذا القدر الكبير من الألحان، التى يصل عددها إلى نحو 575 لحناً، كما كان يفعل فى عهد الفراعنة، وصار «المكفوفون» حراس اللحن الكنسى، قبل أن تظهر القواعد الموسيقية للألحان القبطية على أُسُس علمية من حيث الأوزان والضروب والمقامات والقفلات الموسيقية والتكوين السليم المتوازن للجملة الموسيقية.
وعن مظاهر الاحتفال بالأعياد؛ كانت مصر القديمة تحتفل بإطلاق البخور خلال الأعياد، وهذا ما يوجد فى التراث القبطى، حيث يتم إطلاق البخور فى الكنيسة خلال القداسات والأعياد وجميع المناسبات داخل أسوار الكنيسة، وكان المصريون القدماء يحتفلون بالمهرجانات؛ حيث يحملون التماثيل فى المراكب وتسير فى أنحاء المدينة، وهذا ما يتمثل فى الزفة فى الكنيسة، التى يحمل فيها الكهنة والشمامسة أيقونة القديس ويسيرون بها فى الكنيسة فى يوم الاحتفال بذكراه.
وكان يوجد فى مصر القديمة زيوت معينة خاصة بالاحتفالات تدهن بها التماثيل، وكذلك الأقباط يستخدمون الزيوت المقدسة فى تدشين الأيقونات وأدوات المسبح وكل ما هو مكرس للكنيسة، وكانت مظاهر الاحتفال فى مصر القديمة متشابهة مع مظاهر احتفال الأقباط ولكن ليس فى جوهرها فالجوهر مختلف تماماً أما المظهر فمتشابه، وكان المصريون يحتفلون فى القرن الـ15 باحتفالات عيد النيروز دون تفرقة بين مسلم ومسيحى حيث كان يعد عيداً قومياً.
وتأثر التراث المعمارى القبطى بالحضارة المصرية القديمة؛ وظهر ذلك فى الأديرة القبطية مثل دير الأنبا شنودة، المعروف باسم الدير الأبيض، وهذا يدل على الاندماج بين الحضارة المصرية والتراث القبطى.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: البابا تواضروس النيــروز المصریة القدیمة کان المصریون مصر القدیمة فى الکنیسة فى مصر
إقرأ أيضاً:
تخريج الدفعة الثانية من مركز "رئيس المتوحدين" للغة القبطية بإيبارشية أبو قرقاص
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شهدت قاعة "بيت مارمينا العجائبي" للمؤتمرات بقرية "منهري"، بمحافظة المنيا، احتفالية مميزة بمناسبة تخريج الدفعة الثانية من مركز "بي أرشي ماندريتيس"؛ لدراسة اللغة القبطية بإيبارشية "أبو قرقاص" وتوابعها، بحضور الأنبا فيلوباتير، أسقف الإيبارشية، وسط أجواء من الفخر والاعتزاز بالجهود المبذولة لتعزيز اللغة القبطية، التي تمثل جزءًا هامًا من التراث الروحي للكنيسة القبطية.
وتخرج هذا العام 24 طالبًا وطالبة، بعد عامين من الدراسة المكثفة التي شملت تعلم قواعد اللغة القبطية، المحادثات، المحفوظات، وتحليل النصوص الكنسية والكتابية، بالإضافة إلى دراسة تاريخ اللغة القبطية.
كما شهد الحفل حضور 100 طالب وطالبة من الفرقتين الأولى والثانية، حيث تم تكريم أوائل الطلبة من كلا الفرقتين، وفي لفتة تقديرية، تم توزيع هدايا على أساتذة المركز وخدامه وخادماته، إلى جانب تكريم الطلاب الفائزين بمشاريع التخرج المتميزة.