صحيفة التغيير السودانية:
2025-04-29@03:31:24 GMT

العدل والمساواة: الانقسام مهنتي

تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT

العدل والمساواة: الانقسام مهنتي

عبد الله علي إبراهيم

وقع خلال الأسابيع الماضية انقسام مؤسف في “حركة العدل والمساواة” ذات المنشأ الدرافوري، فخرج رموز تاريخيون لها من أهل السابقة فيها على رئيسها جبريل إبراهيم الذي خلف أخاه خليل إبراهيم على زعامتها منذ 2012 بعد اغتياله في 2011.

وخرج ضمن هذه المجموعة من الأبكار سليمان صندل أمينها السياسي وأمين الترتيبات الأمنية، والمفاوض الرئيس عن الحركة أحمد تقد وأمين تنظيم الحركة في ولاية كردفان آدم حسن حسابو ونائب الأمين للتنظيم والإدارة محمد حسن شرف، فاجتمعوا كفاحاً في مؤتمر استثنائي في أديس أبابا في الـ 30 من أغسطس (آب) الماضي وخلعوا جبريل عن الرئاسة وولوها لصندل.

ليس الانشقاق طارئاً على العدل والمساواة ولا الحركة المنافسة لها وهي حركة تحرير السودان، ففي 2020 أحصت قائمة على الشبكة 84 حركة متولدة من الحركتين أو مستقلة، فتجد اسم الحركة الأم على القائمة مستردفاً بمثل “القيادة التصحيحية” أو “جناح السلام” أو حتى “أصحاب الحق الأصل”، وكان نصيب العدل والمساواة من هذا التشظي الأميبي 13 حركة.
وعرض ياسر محجوب الحسين لبعض انشقاقاتها البارزة، فخرجت عليها في مارس (آذار) 2004 جماعة باسم الحركة الوطنية للإصلاح والتنمية، وما لبثت هذه أن انقسمت في 2006 لتخرج منها جماعة باسم حركة العدل والمساواة جناح السلام، وتفرقت هي الأخرى بخروج جماعة منها باسم حركة العدل والمساواة الديمقراطية في 2007، ومن رحم العدل والمساواة خرجت أيضاً مجموعة خريطة الطريق بقيادة أحد أبرز قادتها وهو إدريس بحر أبو قردة الذي تصالح مع نظام الإنقاذ بعد مؤتمر الدوحة للسلام في 2011.

كما تكون فصيل آخر تحت اسم حركة العدل والمساواة التصحيحية عام 2011، وخرج منه في نهاية 2012 فصيل محمد أبشر الذي سنعرض لمتاعبه مع التنظيم الأم قريباً، وكذلك خرجت من العدل والمساواة حركة تحرير السودان- الإرادة الحرة، وترافق مع ذلك خروج جماعات عرقية أو إثنية ضيقاً بغلبة قيادات الزغاوة، وفرع الكوبي منهم على الأخص، على الحركة وتمرداً على قولهم عن اضطهادهم فيها، فكادرها من شعب الميدوب الذين يقطنون شمال دارفور هم أبرز من خرج على الحركة من هذا الباب، بل خرج عليها من الزغاوة أنفسهم من لم ينتسب للكوبي ونفر من شعب الفور وجماعات من عرب دارفور.

رد رئيس تحرير جريدة “التيار” عثمان ميرغني انقسام جناح صندل في العدل والمساواة وغيرها من حركات دارفور المسلحة إلى عادة “الخروج على التنظيم” بتنظيم آخر حلاً لما ينشأ من خلاف بين كوادره، فقال إن هذه الحركات خلت من آليات إدارة الخلاف، إذ تطوي الجماعة التي اعتقدت في غير ما ترى القيادة خيامها وترحل وتسمى هذه الهجرة عن موضع الشقاق في أدبيات السودان بـ”القنجرة” وهي عن ضعف الحيلة والعقل في العربية الفصيحة، وأكثر قرى السودان مما تكون نتيجة مثل هذه الخصومة بين الأهل، فتغضب جماعة على أهلها فتترحل عنها إلى أرض الله الواسعة.

ولم تكن كل تلك “القنجرات” من حركة العدل والمساواة هينة لما صحبها من عنف بدني وفكري على المغادرين، فتعرض كادر الميدوب لما عرف بـ”المحاكمات الصورية” من قبل قيادة العدل والمساواة فأزهدتهم فيها، وخضب العنف، بل الدم، خصومة جناح محمد أبشر لقيادة العدل والمساواة، إذ كان محمد أبشر اختار الصلح مع نظام الإنقاذ في 2013 على خلاف موقف الحركة، وخرجت وفود من جناحه تذيع خبر صلحها مع الحكومة وعائده على الدارفوريين، فوقع أبشر وأركو ضحية، ذراعه اليمنى، قتيلين في كمين غامض عند حدود السودان وتشاد، وامتد أصبع الاتهام للعدل والمساواة بالطبع وتقوى الاتهام بعد اعتقال الحركة لنحو 30 من جناح أبشر أبرزهم إبراهيم موسى زريبة والطيب خميس، وفجر أسرهم حملة للتضامن معهم واسعة تدخلت فيها بريطانيا لأن أحد الأسرى حمل جوازاً بريطانياً.

نفى جناح صندل من جهته أن يكون ما قاموا به انشقاقاً، فاجتمعوا في مؤتمرهم الاستثنائي، في قولهم، لأن جبريل، المنتهية ولايته الثانية على الحركة في 2020، يحول دون عقد مؤتمرها العام ويطمع في ولاية ثالثة لا يسمح بها دستورها، وردّ جناح جبريل على هذه الحجة بأن أمر المؤتمر الاستثنائي ليس مرسلاً، فثمة قواعد في نظم الحركة تحكم الدعوة إليه.

تركز النزاع المعلن بين الجناحين في اختلاف موقفيهما حيال الحرب الدائرة في السودان، فتفجر الخلاف في قول جناح صندل بسبب جنوح جبريل لجانب الجيش في الحرب ضارباً بعرض الحائط موقف الحركة بأن تقف على الحياد لا إلى هذا ولا إلى ذاك، وهو مأخذ يصب في سياق تظلمهم العام من انفراد جبريل بالقرار في الحركة. ومن وقائع هذا الانفراد اشتراكه في انقلاب الـ25 من أكتوبر 2021 الذي أطاح الحكومة الانتقالية لقوى الحرية والتغيير، وردوا هذا إلى أن جبريل لا يزال شديد الارتباط بالحركة الإسلامية. وكانت شرارة هذا الخلاف تطايرت أول ما تطايرت عند فصل جبريل لقادة الانقسام لأنهم اجتمعوا في تشاد بعبدالرحيم دقلو، نائب قائد قوات “الدعم السريع”، في يونيو (حزيران) الماضي وامتنعوا عن تقديم تقرير عن ملابسات الاجتماع والمبحوث فيه بعد طلب جبريل هذا منهم، ويصر جناح صندل أن ذلك الاجتماع لم يحدث.
نظر الصحافي والمشارك في التفاوض الباكر في الشأن الدارفوري محمد محمد خير والإعلامي محمد الأسباط إلى بواعث خلافهما في ما وراء ما يتحجج به طرفا نزاع العدل والمساواة. فقالا إن دوافع هذه النجوم الزاهرة في العدل والمساواة ربما كانت في أنهم لم يحظوا بالرتبة الرفيعة بعد اتفاق جوبا للسلام (أكتوبر 2020) التي استحقوها بعد هذه الخدمة الطويلة للحركة. فقال الأسباط إن عدداً من المنشقين منوا أنفسهم بمناصب سياسية في حكومة ما بعد اتفاق جوبا التي حثت الوظائف حثواً للحركات الموقعة على هذا الاتفاق. وفهم الأسباط أن شكواهم من احتكار جبريل للقرار من سدة الرئاسة من زاوية استبعادهم عن ثمار الاتفاق. وهذا ربما ما عنوه بتحميلهم جبريل مسؤولية إبعاد قيادات تاريخية للحركة للاستئثار بالمكاسب التي تحققت بفضل الاتفاق، ومنح السلطة لبعض المقربين منه.

وبالطبع لا يستغرب المرء مثل هذا التظلم من أي طاقم قيادي في أي حركة جاءتها الوظيفة العامة ضمن أشياء أخرى بعد نضال طويل. ولا يستغربه المرء، بخاصة في حركات دارفور المسلحة. فسفر العدل والمساواة الأسود المسمى “الكتاب الأسود” الذي نشرته في 1999 تمهيداً لقيامها حاشد بدقائق مذهلة عن اختلال تقسيم الوظيفة العامة تحت نظام الإنقاذ وكل نظم ما بعد 56 التي سبقته في الخرطوم حشداً غلب به الشاغل بهذه الوظيفة على كل شاغل درافوري آخر. فأحصوا الوظائف العامة وجاؤوا بأسماء شاغليها من أبناء النيل الأوسط (الجلابة) وولاياتهم لبيان حظ دارفور المبخوس منها. ولخليل إبراهيم، مؤسس العدل والمساواة الذي كان ضمن الحلقة التي حررت الكتاب، رأي باهر عنه فقال إنه دوى كالصاعقة في أذن نظام الإنقاذ وذاع ذيوعاً استثنائياً من بعد الكتب السماوية.

ولا يستغرب أمر التظلم من فوت الوظيفة كما رأينا في حالة دارفور لأن الشهوة لهذه الوظيفة غلبت في ملابسات الحرب الأهلية المتطاولة حتى اصطنع لها ألكس دي وال، الباحث المخضرم في الشأن السوداني، مصطلح “السوق السياسية”، ولن تجد تعريفاً لهذه السوق أفضل مما جاء عند يوسف عزت الماهري في مايو (أيار) 2008 قبل أن يصبح مستشار “الدعم السريع” في يومنا هذا، فكان الماهري استاء من تفرق الحركات المسلحة في غيبة مشروع جامع لها فلا يفرط بعضها في سانحة مفاوضة نظام الإنقاذ في توقيتها المناسب وعقد الصفقة الرابحة لها معه. وغالباً ما كانت الوظيفة العامة مبلغ علمها وحظها. فقال الماهري إن نظام الإنقاذ نجح في تحويل حركات دارفور من حركات ثورية مقاتلة إلى حركات مطلبية تنتهي بانتهاء العرض (بالوظيفة ثم أشياء أخرى لا تحدث). وقال بليغاً إن حركات دارفور ستبقى “معزومة على موائد وليمتها” إذا لم تتواثق عند مشروع وعزيمة وإرادة.

سنأخذ برأي جماعة صندل من أن الموقف من الحرب هي عقدة خلافهم مع رئيسهم، وهذا السبب مستغرب أكثر ربما لا من حركة هي عضو مؤسس في الحرب السودانية منذ 2000 فحسب، بل هي مما ينتظر الناس منها إرادة متماسكة، بغض النظر عن الطرف الذي انحازت إليه أو حيدت نفسها عنه، في حرب تدور في إقليمها. وضحايا هذه الحرب الأشد وبالاً هم القوم الأفارقة مثل المساليت الذين خرجت الحركة لإحقاق حقهم في سودان ما بعد 56، وذاق المساليت الأمرين من الجنجويد و”الدعم السريع” شفق عليهم العالم منها طوال العقدين الماضيين وفي يومنا الراهن. فكيف يثور خلاف حول حرب كهذه حتى يتسع على الراتق بين مسلحين، الحرب مهنتهم وقضيتهم. ووضع عثمان ميرغني يده على السبب في هذا الخلاف السدى في العدل والمساواة بقوله إن السياسة فيها لم تستقل بكيان عن الحرب لتأتمر الأخيرة بأمرها. فلم يكد يستقيل خليل إبراهيم من وظيفته القيادية في نظام الإنقاذ في 1999 حتى شرع مباشرة في إعداد الجيش العسكري لحركته المناهضة للإنقاذ. فلم يعرض له أبداً إن كان سبيله الرحب إلى هدفه هو المقاومة السلمية بحزب سياسي لا جيش التحرير. وقال كاتب آخر في تفسير انحجاب خليل عن التفكير في غير الحرب سبيلاً لقضيته أن ذلك راجع إلى خلفيته في الحركة الإسلامية وجهادها في جنوب السودان الذي ينعقد فيه الإيمان بالقتال.

كان أمليكار كابرال الذي قاد حرب العصابات ضد البرتغاليين في غينيا بيساو في الستينيات سبق إلى التحذير من مثل خليل، أن يتحولوا من سياسيين مسلحين إلى عصب مسلحة، ودارفور اليوم تحتاج إلى السياسة بأكثر من الحرب خاضتها أو حادت عنها، وإلى وحدة الإرادة لا التفرق.

الوسومعبدالله علي إبراهيم

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: عبدالله علي إبراهيم حرکة العدل والمساواة حرکات دارفور

إقرأ أيضاً:

حرب الوكالة: السودان والإمارات.. هل تغير «دولة ممزقة» تاريخ الحروب؟

 

لعقود طويلة، كانت حروب الوكالة ـ ولا تزال ـ حيزاً غامضاً تتحرك فيه الدول لتحقيق أهدافها الاستراتيجية من دون الانخراط المباشر في أعمال عسكرية واسعة النطاق.

التغيير ــ وكالات

لكن هذا الحيز الرمادي ـ ثمة احتمالات ولو ضعيفة ـ قد يتقلّص، إذ تعيد دعوى قضائية جديدة النقاش حول إمكانية تجريم المشاركة ـ ولو عن بُعد ـ في جرائم الحرب.

السودان ضد الإمارات

يقاضي السودان دولة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية بتهمة تأجيج نزاع داخلي، من دون أن تنشر الدولة الخليجية قواتها على الأراضي السودانية.

يزعم السودان أن الإمارات متواطئة ـ بتقديم دعم مالي وسياسي وعسكري ـ في “إبادة جماعية” ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع بحق قبيلة المساليت في غرب دارفور، نوفمبر 2023.

القضية “غير مسبوقة في نطاق القانون الدولي”، يقول لموقع “الحرة” عبدالخالق الشايب، وهو مستشار قانوني وباحث في جامعة هارفارد.

وإذا قضت المحكمة لصالح السودان، فيسكون الحكم ـ بدوره ـ “سابقة قانونية” تُحمّل فيها دولة المسؤولية القانونية عن حرب بالوكالة، خاضتها عن بُعد.

وسيوفر الحكم أساسا لمساءلة الدول عن حروب الوكالة، وإعادة تقييم مبدأ عدم التدخل في سياق الحروب غير المباشرة.

يقول خبراء قانون لموقع “الحرة”، إن قضية السودان ـ إذا نجحت ـ ستؤدي إلى إعادة النظر في أدق التحفظات المتعلقة بالمادة التاسعة من اتفاقية الإبادة الجماعية، خصوصا عندما تكون هناك ادعاءات بارتكاب إبادة جماعية.

وقد تفقد الدول ـ نتيجة لذلك ـ القدرة على حماية نفسها من اختصاص المحكمة في مثل هذه القضايا.

ومن تداعيات القضية ـ إذا قررت محكمة العدل الدولية البت فيها ـ إعادة تفسير اتفاقية الإبادة الجماعية لتشمل حالات التورط غير المباشر أو التواطؤ في جرائم الحرب.

حروب الوكالة

في حديث مع موقع “الحرة”، تقول ريبيكا هاملتون، أستاذة القانون الدولي في الجامعة الأميركية في واشنطن، إن مفهوم الحرب بالوكالة يتبدى عندما تتصرف دولة كراع وتدعم طرفا آخر في ارتكاب أفعال خاطئة.

ورغم أن حروب الوكالة تبدو ظاهرة حديثة، فلها تاريخ طويل ومعقّد.

تُعرّف بأنها صراعات تقوم فيها قوة كبرى ـ عالمية أو إقليمية ـ بتحريض طرف معين أو دعمه أو توجيهه، بينما تظل هي بعيدة، أو منخرطة بشكل محدود في القتال على الأرض.

تختلف حروب الوكالة عن الحروب التقليدية في أن الأخيرة تتحمل فيها الدول العبء الأكبر في القتال الفعلي، وعن التحالفات التي تساهم فيها القوى الكبرى والصغرى حسب قدراتها.

وتُعرف حروب الوكالة أيضا بأنها تدخّل طرف ثالث في حرب قائمة. وتشير الموسوعة البريطانية إلى أن الأطراف الثالثة لا تشارك في القتال المباشر بشكل كبير، ما يتيح لها المنافسة على النفوذ والموارد باستخدام المساعدات العسكرية والتدريب والدعم الاقتصادي والعمليات العسكرية المحدودة من خلال وكلاء.

من الإمبراطورية البيزنطية إلى سوريا

يعود تاريخ الحروب بالوكالة إلى عصور قديمة، فقد استخدمت الإمبراطورية البيزنطية استراتيجيات لإشعال النزاعات بين الجماعات المتنافسة في الدول المجاورة، ودعمت الأقوى بينها.

وخلال الحرب العالمية الأولى، دعمت بريطانيا وفرنسا الثورة العربية ضد الدولة العثمانية بطريقة مشابهة. وكانت الحرب الأهلية الإسبانية ساحة صراع بالوكالة بين الجمهوريين المدعومين من الاتحاد السوفيتي والقوميين المدعومين من ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية.

وخلال الحرب الباردة، أصبحت الحروب بالوكالة وسيلة مقبولة للتنافس على النفوذ العالمي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، تجنبا لاحتمال نشوب حرب نووية كارثية.

ومن أبرز الأمثلة: الحرب الكورية، حرب فيتنام، الغزو السوفيتي لأفغانستان، والحرب الأهلية في أنغولا. استمرت هذه الحروب حتى القرن الحادي والعشرين. وتُعد الحرب في اليمن مثالا واضحا لحروب الوكالة، حيث تدعم إيران الحوثيين بينما تدعم السعودية وحلفاؤها الحكومة اليمنية.

وأظهر الصراع في سورية قبل سقوط نظام بشار الأسد مثالا صارخا لحروب الوكالة في عصرنا، من خلال تدخل روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا دعما لفصائل مختلفة.

قضية السودان ضد الإمارات قد تدفع دولا أخرى إلى التفكير باللجوء إلى محكمة العدل الدولية في دعاوى مماثلة، ولكن!

الإبادة الجماعية؟

لا تتعلق دعوى السودان بحروب الوكالة تحديدا، يؤكد الخبراء، بل تستند إلى اتفاقية “منع جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبة المتورطين فيها”.

تدّعي الخرطوم أن ميليشيات الدعم السريع ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بينها القتل الجماعي، والاغتصاب، والتهجير القسري للسكان غير العرب، وتزعم أن تلك الجرائم ما كانت لتحدث لولا الدعم الإماراتي، بما في ذلك شحنات الأسلحة عبر مطار أمجاراس في تشاد.

“يحاول السودان أن يثبت دور دولة أخرى غير المباشر في ارتكاب قوات عسكرية أو ميلشيا تحارب في السودان إبادة جماعية”، يقول الخبيرة عبدالخالق الشايب.

“أساس القضية،” يضيف، “المادة التاسعة من اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”.

رغم أن كلّا من الخرطوم وأبوظبي من الموقعين على الاتفاقية، تعتقد هاملتون أن من غير المحتمل أن يتم البت في هذه القضية، إذ إن “محكمة العدل الدولية تفتقر إلى الاختصاص القضائي للنظر فيها”.

“عند توقيعها على اتفاقية الإبادة الجماعية،” تتابع هاميلتون، “أكدت الإمارات أنها لم تمنح محكمة العدل الدولية السلطة للفصل في النزاعات التي قد تنشأ بينها وبين دول أخرى بشأن هذه الاتفاقية”.

ويلفت ناصر أمين، وهو محام مختص بالقضايا الدولية، إلى أن النزاع القائم في السودان يُعتبر وفقا لأحكام القانون الدولي الإنساني نزاعا مسلحا داخليا، إلى أن تثبت الخرطوم بأن هناك تدخلا من إحدى الدول لصالح أحد أطراف النزاع داخليا”.

“وهذا يحكمه بروتوكول ملحق باتفاقيات جنيف أو بالقانون الدولي الإنساني المذكور في المادة 3 من البروتوكول الثاني لاتفاقيات جنيف المنعقدة عام 1929،” يضيف.

تنص المادة الثالثة على أن أحكام هذه الاتفاقية لا تسمح لأي دولة أن تتدخل في الشأن الداخلي لأي دولة أخرى أو أن تمارس أي أعمال داعمة لأي فصيل متنازع أو متصارع.

“على السودان أن يثبت أمام محكمة العدل الدولية أن هناك خرقا حدث للمادة 3 من البروتوكول”، يوضح.

لم يرد المركز الإعلامي، لسفارة الإمارات في واشنطن، على طلب للتعليق بعثه موقع “الحرة” عبر البريد الإلكتروني.

نقاط القوة والضعف

وتقول ربيكا هاملتون “من المؤسف” أنه من غير المحتمل أن تُرفع هذه القضية، حيث إن محكمة العدل الدولية تفتقر إلى الاختصاص القضائي للنظر فيها.

ويشير الباحث القانوني، عبدالخالق الشايب، إلى أن قضية السودان ضد الإمارات “يبقى التعامل معها متعلقا بوكالات الأمم المتحدة أو مجلس الأمن تحديدا”.

لكن هاملتون تقول إن هناك مجموعة من القوانين الدولية التي تحظر حروب الوكالة، لكن “التحدي الحقيقي يكمن في كيفية إنفاذ هذه القوانين”.

“سابقة”.. حتى لو تعثرت؟

أن تتعثر قضية السودان ضد الإمارات ـ بسبب الاختصاص القضائي ـ أمر وارد، لكنها تبقى، وفق خبراء في القانون، “ذات دلالة رمزية كبيرة”.

“بغض النظر عن نتيجتها،” تقول أستاذة القانون الدولي ربيكا هاملتون، لموقع “الحرة”، “تمثل القضية محاولة جريئة من دولة ممزقة بالصراعات لتوسيع مفهوم المساءلة عن ممارسات الحرب الحديثة”.

وحتى إن رفضت محكمة العدل الدولية النظر في الدعوى، فإن القضية تضيّق الحيز الرمادي الفاصل بين المسؤولية المباشرة والمسؤولية غير المباشرة عن جرائم الحرب.

في تصريحات لموقع “JUST SECURITY”، يشير خبراء قانون إلى أن صدور حكم لصالح السودان ـ حتى وإن كان ذلك غير مرجح ـ قد يؤدي إلى إعادة تقييم شاملة للمعايير القانونية الدولية المتعلقة بتواطؤ الدول وتدخلها.

قبول الدعوى قد يدفع القانون الدولي إلى مواجهة التكلفة الحقيقية لحروب الوكالة الحديثة — سواء خيضت بجنود على الأرض، أو من خلال دعم مالي وعسكري عن بُعد.

الحرة – واشنطن

الوسومالإمارات الجيش السودان حرب الوكالة قوات الدعم السريع

مقالات مشابهة

  • ينبغي التشديد على الفصل بين وزارة المالية وحركة العدل والمساواة
  • ماهي علاقة د. جبريل ابراهيم كـ “حركة مسلحة” بولاية الجزيرة؟
  • مواصلة في ألاعيبها السياسية ونهمها في السلطة تريد حركة العدل والمساواة الإيحاء (..)
  • عن عُهْر المحايدين .. لوبيات الوزارة وروافع الحركة والقبيلة
  • جبريل إبراهيم وزير المالية هل يمثل الحكومة ورجل قومي ام يمثل حركة العدل والمساواة..؟
  • العدل والمساواة تنفي اعتذار منسوب إلى دكتور جبريل رئيس الحركة
  • العدل والمساواة تعلن عن موقف حاسم تجاه دمج قواتها في الجيش السوداني وتحذر من حملة أعداء
  • حرب الوكالة: السودان والإمارات.. هل تغير «دولة ممزقة» تاريخ الحروب؟
  • عاجل - وفد من حركة حماس يصل القاهرة لبحث إنهاء الحرب وتبادل الأسرى
  • الحركة الإسلامية السودانية… المأزق والغنيمة