702 مليون ريال فائض مالي بالميزانية العامة للدولة.. والإيرادات تتراجع 10%
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
توجيه الفائض لإدارة المحفظة الإقراضية وتعزيز الإنفاق الاجتماعي -
491 مليون ريال حجم المصروفات الإنمائية للوزارات والوحدات المدنية بنسبة صرف 55% -
إنجاز 95% من مستهدفات المرحلة التجريبية الأولى لمشروع «حساب الخزينة الموحد» -
180 مليون ريال إجمالي الصرف على بنود دعم المنتجات النفطية -
حققت الميزانية العامة للدولة فائضا ماليا بلغ نحو 702 مليون ريال عماني بنهاية يوليو عام 2023م، مقارنة بتسجيل فائض بلغ 1,019 مليار ريال عماني في الفترة ذاتها من عام 2022م، وأكدت نشرة الأداء المالي الصادرة عن وزارة المالية أن الحكومة تلتزم بتوجيه الإيرادات العامة الإضافية نحو خفض الدين العام، وإدارة المحفظة الإقراضية، وزيادة الإنفاق الاجتماعي، بهدف تعزيز النمو الاقتصادي.
وتراجعت الإيرادات العامة للدولة إلى 7,183 مليار ريال عماني بنهاية يوليو الماضي وبنسبة 10%، مقارنة بتسجيل 8 مليارات ريال في الفترة ذاتها من عام 2022م.
ويعزى الانخفاض في الإيرادات العامة للدولة إلى انخفاض صافي إيرادات النفط بنحو 3%، مسجلا 3,714 مليار ريال عماني، مقارنة بتحصيل 3,827 مليار ريال عماني بنهاية يوليو 2022م، كما بلغ متوسط سعر النفط المحقق بنهاية يوليو 2023م نحو (83) دولارا أمريكيا للبرميل، في حين بلغ متوسط الإنتاج نحو 1,058 مليون برميل يوميا.
وأظهرت نشرة الأداء المالي الصادرة عن وزارة المالية انخفاض صافي إيرادات الغاز إلى 1,329 مليار ريال عماني وبنسبة 35% بنهاية يونيو 2023م، مقارنة بتحصيل 2,056 مليار ريال عماني بنهاية يوليو 2022م، ويعزى هذا التراجع إلى تغيير منهجية تحصيل إيرادات الغاز بحسب النظام المالي لشركة الغاز المتكاملة، والقائم على توريد صافي إيرادات الغاز بعد خصم مصروفات شراء ونقل الغاز.
وارتفعت الإيرادات الجارية المحصلة حتى نهاية يوليو الماضي إلى 2,132 مليار ريال عماني، بنسبة 1%، مقارنة بتحصيل 2,107 مليار ريال عماني في الفترة ذاتها من عام 2022م.
وأشارت النشرة إلى انخفاض الإنفاق العام بمقدار 503 ملايين ريال ليسجل بنهاية يوليو الماضي 6,481 مليار ريال عماني، وبنسبة تراجع بلغت 7% عن الإنفاق الفعلي للفترة ذاتها من عام 2022م، وتمثلت أوجه الإنفاق في المصروفات الجارية، التي بلغت 4,836 مليار ريال عماني، منخفضة بنحو 594 مليون ريال عماني وبنسبة 11% مقارنة بنحو 5,430 مليار ريال عماني خلال الفترة ذاتها من عام 2022م، فيما بلغت المصروفات الإنمائية للوزارات والوحدات المدنية حتى نهاية يوليو عام 2023م نحو 491 مليون ريال عماني، بنسبة صرف بلغت 55% من إجمالي السيولة الإنمائية المخصصة لعام 2023م والبالغة 900 مليون ريال عماني.
وبلغ إجمالي المساهمات والنفقات الأخرى حتى نهاية يوليو عام 2023م نحو 854 مليون ريال عماني، وقد بلغ إجمالي الصرف على بنود دعم المنتجات النفطية وبند دعم قطاعات أخرى نحو 180 و11 مليون ريال عماني على التوالي، كما بلغ التحويل لبند مخصص سداد الديون نحو 233 مليون ريال عماني.
وقالت وزارة المالية إن نتائج تطبيق المرحلة التجريبية الأولى لمشروع «حساب الخزينة الموحد» أسهمت في تحصيل 37% من الإيرادات العامة للدولة وحصر 90% من الحسابات البنكية للجهات الحكومية وإنجاز 95% من مستهدفات هذه المرحلة، حيث تم تطبيق المشروع بالمرحلة التجريبية الأولى على جهاز الضرائب ووزارة العمل، ويجري تطبيق المرحلة التجريبية الثانية منه على وزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم وشرطة عُمان السلطانية، وسيتم خلال المرحلة الثالثة للمشروع تعميمه على كافة الوحدات والجهات الحكومية تباعا.
ويهدف مشروع «حساب الخزينة الموحد» لإيجاد منهجية مركزية لإدارة كافة الحسابات البنكية الحكومية وإدارة السيولة النقدية بكفاءة وتحسين جودة ودقة التقارير المالية والاستغلال الأمثل للأرصدة الحكومية وتقليل الدَّين العام.
وبيّنت الوزارة أن بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات تشير إلى ارتفاع القيمة المضافة للأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 4.6% بالأسعار الثابتة، كما ارتفعت القيمة المضافة للأنشطة النفطية بنحو 3.5% بنهاية الربع الأول من عام 2023م مقارنة بنهاية الفترة المماثلة من عام 2022م.
وأشارت وزارة المالية إلى تقرير التوقعات الاقتصادية الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والذي بدوره أكد أن الاقتصاد العالمي بدأ بالتحسن، إلا أن هذا التعافي سيظل ضعيفا. وأشارت المنظمة إلى اعتدال نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي من (33%) في عام 2022م إلى (2.7%) في عام 2023م، ليعقبه ارتفاع إلى (2.9%) في عام 2024م.
ووفقا لتقرير توقعات الطاقة قصيرة الأجل الصادر عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في أغسطس 2023م، من المتوقع أن يبلغ متوسط سعر خام برنت الفوري في أغسطس نحو 85 دولارا أمريكيا للبرميل. كما تتوقع الوكالة ارتفاع إنتاج النفط العالمي في عام 2024م مع توقعات هبوط أسعار النفط الخام بدءًا من الربع الثاني من عام 2024م.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الإیرادات العامة ملیار ریال عمانی ملیون ریال عمانی العامة للدولة وزارة المالیة عام 2023م فی عام
إقرأ أيضاً:
ضريبة الدخل... إصلاح مالي بخطى مدروسة وثقة متبادلة
خالد بن حمد الرواحي
ضريبة تبدأ في 2028 على أصحاب الدخول المرتفعة... نقلة مالية تُثير نقاشًا وطنيًا حول العدالة والمساءلة والقدرة الشرائية.
في سياق التحولات الاقتصادية التي تشهدها البلاد، تبرز ضريبة الدخل كخطوة إصلاحية جديدة تحمل بين طياتها أبعادًا مالية واجتماعية عميقة. وفي سابقة تُعدّ الأولى من نوعها خليجيًا، تمضي السلطنة نحو بناء قاعدة إيرادية أكثر توازنًا واستدامة، تُقلّص الاعتماد على النفط، وتُعيد رسم العلاقة بين المواطن والمالية العامة على أسس من الشفافية والتكافؤ. هذا التوجه لا يأتي بمعزل عن الرؤية الوطنية، بل يُترجم مستهدفات رؤية "عُمان 2040" إلى واقع عملي، قائم على التنويع، والعدالة، والاستثمار في المستقبل.
وبحسب ما أعلنته الحكومة، فإن الضريبة ستُطبَّق فقط على الأفراد الذين تتجاوز دخولهم السنوية 42 ألف ريال عماني؛ ما يعني أنها ستطال شريحة صغيرة من المجتمع لا تتجاوز 1%. ويُجسِّد ذلك حرص الحكومة على حماية الطبقات المتوسطة ومحدودي الدخل، مع توجيه العبء المالي تدريجيًا، وبطريقة تراعي مبادئ العدالة والتدرج.
تُحتسب الضريبة وفق النماذج الأولية على الجزء الذي يتجاوز الحدَّ المعفى من الدخل، وليس على كامل الدخل السنوي. فالشخص الذي يبلغ دخله السنوي 50 ألف ريال عماني، على سبيل المثال، لا تُفرض عليه الضريبة على كامل المبلغ، بل فقط على ما يزيد 42 ألف ريال عماني. وتُقدَّر النسبة المبدئية بـ 5% على هذا الجزء الزائد، أي ما يعادل نحو 400 ريال سنويًا فقط. ويُعدّ هذا التأثير محدودًا نسبيًا، ويُظهر بوضوح الطبيعة التصاعدية والعادلة للنظام.
وقد أثار هذا التوجّه -كما هو متوقّع- تفاعلًا مجتمعيًا واسعًا، ليس اعتراضًا على القرار، بل رغبةً في فهم أبعاده واستيعاب تطلّعاته. فالمواطن، حين يُسهم في دعم الاقتصاد الوطني، ينظر بعين الأمل إلى ثمار هذا الإصلاح، ويتطلّع إلى أن تنعكس آثاره في جودة الخدمات، وتكافؤ الفرص، وتعزيز البنية الأساسية.
لكن يبقى السؤال الذي يشغل أذهان الكثيرين: كيف سيتعامل السوق مع هذا التحوّل؟
ومع أن الضريبة موجّهة لفئة محددة من ذوي الدخول المرتفعة، إلا أن بعض المخاوف المجتمعية بدأت تلوح في الأفق، خصوصًا من احتمال انعكاس هذه الضريبة على أسعار السلع والخدمات التي تقدّمها هذه الفئة، لكون عدد كبير منها يعمل في قطاعات تجارية ومهنية حرّة. ويتساءل البعض عمّا إذا كانت التكلفة الجديدة قد تُحمَّل -ولو جزئيًا- على المستهلك النهائي، عبر زيادة في الأسعار أو تعديل في الرسوم.
هذا الاحتمال قد يؤدي -وإن بشكل غير مباشر- إلى تآكل القدرة الشرائية لشرائح أوسع من المجتمع. وتنبع هذه المخاوف ليس من نية مسبقة، بل من طبيعة السوق وآلية التوازن بين التكاليف والعائدات. لذا، فإن الأمر يستدعي يقظة تنظيمية، وتواصلًا شفافًا يطمئن الجميع.
وتُعد ضريبة الدخل من الأدوات المعمول بها عالميًا لدعم استقرار المالية العامة، وتهيئة البيئة لاقتصاد أكثر تنوعًا ومتانة. السلطنة، باعتمادها هذا المسار، تقدِّم نموذجًا مغايرًا في المنطقة، حيث تضع الشفافية، والتدرج، والعدالة في قلب الإصلاح، وتربط بين الإيرادات الضريبية والمسؤولية المشتركة في تحقيق التوازن المالي. وتجربتها توازي ما قامت به دول أخرى سبقتها في الإصلاحات الضريبية، حيث ربطت بين الإيراد الضريبي وتحسين جودة المرافق العامة؛ مما عزز ثقة المواطن.
وتُشير بعض التقديرات التحليلية إلى أن ضريبة الدخل قد تمثّل مساهمة تصاعدية في تنمية الإيرادات غير النفطية، خاصةً إذا ما اقترنت بإجراءات موازية تعزّز الانضباط المالي وترفع كفاءة الإنفاق الحكومي على المدى المتوسط.
ومن الطبيعي أن تبرز تساؤلات مجتمعية في مثل هذه التحوّلات، من قبيل: كيف سيتم توظيف هذه العوائد؟ وما الضمانات التي تحول دون توسّع نطاق الضريبة مستقبلًا؟ وتُعد هذه الأسئلة جزءًا من حوار صحي بين الحكومة والمجتمع، يُعزّز الوعي المالي ويُعمّق الإحساس بالمشاركة الوطنية.
ويواكب هذا التوجّه عددٌ من المبادرات الحكومية التي تهدف إلى ترشيد الإنفاق، ورفع كفاءة تخصيص الموارد، من خلال تحسين أداء الخدمات العامة وتفعيل أدوات الرقابة المالية. كل ذلك يُعزّز شعور المواطن بأن الضريبة ليست أداة تحصيل فحسب، بل جزء من منظومة إصلاح شاملة.
وفي قلب هذا الإصلاح، تكمن الحاجة إلى ربط الإيرادات العامة بجودة حياة الناس. فالمواطن لا يرفض المساهمة، لكنه يتطلّع أن يرى أثر مساهمته في مدرسته، وشارعه، ومستشفاه، ومرافق حياته اليومية؛ فكل فاتورة يدفعها يجب أن يكون لها مقابل ملموس، يُشعره بأنه شريك حقيقي في التنمية.
الخطوات الإصلاحية في المالية العامة لا تهدف إلى فرض أعباء، بل إلى بناء أسس مستدامة للازدهار. وهي تنطلق من مبدأ تعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات، وهي ثقة لا تُبنى دفعة واحدة، بل تنمو حين تكون السياسات واضحة، وتُدار بشفافية، وتُوظّف الموارد بما يُحدث أثرًا ملموسًا في حياة الناس. وهذا ما تعمل عليه الحكومة بخطى واعية، تُفضي إلى بناء عقد اقتصادي جديد بين الدولة والمجتمع.
لقد أظهرت السلطنة خلال السنوات الأخيرة قدرة لافتة على اتخاذ قرارات استراتيجية في لحظات دقيقة، وهي تمضي اليوم نحو نموذج مالي أكثر استقرارًا وشمولية. وإذا كان التحدي كبيرًا، فإن الرؤية أوضح، والخطى واثقة، والشراكة المجتمعية -متى ما جرى تعزيزها- كفيلة بأن تجعل من هذه الضريبة أداة توازن، لا مصدر قلق.
فالضريبة، رغم كونها أداة مالية في ظاهرها، تمثّل أيضًا مقياسًا لارتقاء العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبداية لثقافة وطنية تقوم على الشراكة، والعدالة، والمساءلة. وكلما ترسخت هذه الشراكة القائمة على الصراحة والإنصاف، كلما اقتربنا من اقتصاد لا يزدهر فقط بالأرقام، بل يزدهر بثقة المواطن، وعدالة الدولة، واستدامة الغد.