ظل خالد محيى الدين (١٩٢٢-٢٠١٨) ينشط بفاعلية فى الحياة العامة وعلى مسرح الحياة السياسية فى مصر المعاصرة لنحو سبعين عامًا. عمل ذلك سواء كان عضوًا مؤسسًا فى حركة الضباط الأحرار، أو أحد أعضاء مجلس قيادة ثورة ٢٣ يوليو وقائدًا لسلاح الفرسان الذى شارك فى إنجاح الثورة، أو كان نائبًا فى البرلمان أو رئيسًا للفرع الإقليمى لمجلس السلام العالمى، أو أحد مؤسسى الفرع المصرى للمؤسسة العربية لحقوق الإنسان، وحتى تأسيسه وقيادته لحزب التجمع.
وأثناء أزمة مارس الشهيرة عام ١٩٥٤، كلف مجلس قيادة الثورة الذى كان يقود البلاد قيادة جماعية، خالد محيى الدين بالتعاون مع محمد نجيب الذى كان يشغل آنذاك موقع رئيس الجمهورية، بأن يشكل حكومة مدنية تهيئ البلاد لإصدار دستور الثورة الذى يحول مصر إلى جمهورية برلمانية، بحيث تشكل الثورة حزبا باسم "الحزب الجمهورى الإشتركى" وتخوض به الانتخابات النيابية. وبعد يوم واحد من إصداره، تراجع مجلس قيادة الثورة عن قراره، وألغى التكليف، فانسحب خالد محيى الدين من عضوية المجلس، بعد أن كان قد سبقه من الانسحاب منه يوسف صديق الذى لعب دورًا أساسيًا فى نجاح الثورة حين حاصر مبنى الجيش واعتقل قادته، وكان السبب وراء الإنسحابين، رفض المجلس عودة التعددية الحزبية التى تعد أساسًا لبناء الديمقراطية.
وأمام كل تلك الأدوار لم يتوقف كثيرون عن جانب مهم من جوانب رحلته السياسية، وهو خالد محيى الدين الصحفى. كانت مصر قد عرفت الصحافة اليسارية، فى أواخر الثلاثنيات من القرن العشرين، وجاء ذلك متلازمًا مع بدء ظهور التنظيمات الشيوعية المصرية بجانب نهضة حداثية، يقودها كتاب ومفكرون من دعاة الفكر الإشتراكى وقادته. وكانت تلك الصحف كما قال الدكتور رفعت السعيد فى كتبه بمثابة الوجه العلنى للتنظيم السرى، وقد تكون بديلًا عنه، ووسيلة من وسائل التنظيم والحشد والتعبئة، ومنبرًا يدافع من خلاله التنظيم السياسى عن مبادئه ويروج لها. وحين قامت ثورة يوليو، لم يكن لها تنظيم سياسى خاص بها،ولم تكن لها صحف تنطق باسمها.
بدأت ثورة يوليو ترسى دعائم حكمها، فى ظل رواسب المجتمع الملكى الذى ثارت عليه، وتحكمت فى صحافته مصالح مالية وسياسية مضادة لتوجهات الثورة. ومن هنا بدأت ثورة يوليو فى التوجه نحو إنشاء منابر صحفية تعبرعنها، فأصدرت فى الأشهر الأولى من قيامها مجلة "التحرير" التى بدأت نصف شهرية وتحولت إلى أسبوعية، وأوكلت الإشراف عليها لكل من أحمد حمروش وثروت عكاشة. وفى عام ١٩٥٣ أصدرت جريدة "الجمهورية" تحت إشراف أنور السادات. وفى عام ١٩٥٧ أوكلت الثورة إلى لطفى واكد مسئولية إصدار صحيفة "الشعب" والإشراف عليها.
وحين قفل خالد محيى الدين عائدًا إلى مصر من منفاه السويسرى، خيره الرئيس عبد الناصر بين أن يكون سفيرًا أو يصدر صحيفة مسائية لليسار، فاختار الثانية. وبالفعل صدر العدد الأول من صحيفة "المساء" التى أسسها فى أكتوبرعام ١٩٥٦، وتحت رئاسته لعبت المساء أدوارًا مهمة فى المجالات السياسية والاقتصادية والصحفية. وأصبحت منبرًا لبلورة الاتجاهات التقدمية فى مجالات الفكر والفن والإبداع المختلفة. وعرف شعر بيرم التونسى وفؤاد حداد، وغيرهم من شعراء العامية طريقه للنشر الصحفى، بعدما كان محبوسًا فى أضابير الكتب. كما تألق على صفحاتها يوسف إدريس وألفريد فرج ويوسف الشارونى وعبد الرحمن الخميسى ومحمد سيد أحمد وسعد كامل ومحمود العالم وعبد المجيد نعمان وعبد العظيم أنيس وعبد الفتاح الجمل ونبيل زكى وفيليب جلاب.
أصبحت جريدة "المساء" بما تنطوى عليه من كوكبة من ألمع الكتاب والمفكرين والمبدعين والصفحيين والمحللين السياسيين ورسامى الكاريكاتور، الذين حملوا مسئولية الصحف المصرية فيما بعد، مدرسة لصحافة الرأى، التى تعتنى بالتعدد، ويشع تأثيرها بالتنوع والاختلاف، إلى أن تدخلت التطورات السياسية فى مصر والمنطقة العربية، فأنهت تلك التجربة المهمة فى تاريخ الصحافة المصرية.
كانت الوحدة المصرية – السورية قد تحققت، وتولى عبد الكريم قاسم الحكم فى العراق، واشتد الخلاف بينه وبين "عبد الناصر" واتسعت الهوة بين الرئيس عبد الناصر وقوى اليسار الذى عارض الشروط التى قامت على أساسها الوحدة، وانتهى هذا المشهد بحملات على قوى اليسار وقيادته فى يناير ١٩٥٩، وكان بينهم بطبيعة الحال معظم هيئة تحرير جريدة "المساء". وفى ١٣ مارس من نفس العام، أقيل خالد محيى الدين من رئاسة تحرير صحيفة "المساء"، بعدما اعترض على وصف قوى اليسار فى مصر والعراق بالخونة والعملاء.
وبرغم تولى خالد محيى الدين بعدها رئاسة مجلس إدارة مؤسسة "أخبار اليوم"، ورئاسته لمجلس إدارة صحيفة "الأهالى" الناطقة بلسان حزب التجمع، ورئاسة تحريرها فى بدايات إصدارها الأول، فإن تجربة تأسيسه وإدارته لصحيفة "المساء"، تبقى هى الأكثر اكتمالًا والأكثر تأثيرًا، والأقرب إلى روح خالد محيى الدين وإلى ميوله الفكرية التى ترسو بعمق عند الشواطئ التى تعزز حريات الرأى والتعبير وتظل تجربة لم تأخذ حقها فى البحث والدراسة، وأتمنى ألا يكون ذلك التقصير لأسباب سياسية.
أمينة النقاش: كاتبة صحفية ورئيس مجلس إدارة صحيفة "الأهالى"
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: خالد محيي الدين الحياة السياسية مجلس قيادة الثورة خالد محیى الدین فى مصر
إقرأ أيضاً:
بشرى لـ«الوفد»: فيلم «آخر الخط» رحلة فانتازية عبر أسرار الخطايا السبع
«سيد الناس» صراع النفوذ والقدر فى دراما رمضان 2025أﺣﻠﻢ ﺑﺘﻘﺪﻳﻢ ﻓﻴﻠﻢ ﻋﻦ ﺧﺒﺎﻳﺎ اﻟﻮﺳﻂ اﻟﻔنىﻏﻴﺮ ﻣﺴﻤﻮح اﺳﺘﺒﺎﺣﺔ ﺧﺼﻮﺻﻴﺎت اﻟﻨﺎس.. واﻟﻘﺎﻧﻮن ﻳﺤﺎﺳﺐ اﻟﺠﻤﻴﻊالمخرج محمد سامى يجبرك على أن تعطى أفضل ما لديك
منذ دخولها عالم الفن، استطاعت الفنانة بشرى أن تترك بصمة واضحة بموهبتها المتنوعة والمميزة، اليوم، تُجسد واحدة من أبرز الشخصيات فى فيلم «آخر الخط»، الذى يُعد مزيجًا فنيًا بين الفانتازيا والتجريب، الفيلم الذى يمتد لأقل من ساعتين يأخذنا فى رحلة مثيرة عبر «الخطايا السبع»، حيث تؤدى بشرى شخصية مليئة بالغموض والتحديات، من خلال هذا العمل، تُثبت بشرى أنها قادرة على التميز فى كل الأدوار، وتؤكد أنها واحدة من الفنانات اللواتى يُمكنهن تقديم كل ما هو جديد.
لا يقتصر نشاط بشرى على السينما فقط، بل تعدى ذلك إلى العودة بقوة إلى الشاشة الرمضانية فى 2025 من خلال مسلسل «سيد الناس»، المسلسل الذى يجمعها بالنجم عمرو سعد تحت إشراف المخرج الكبير محمد سامى، يحمل فى طياته قصة مؤثرة وأداء قويًا من جميع المشاركين، خاصة بشرى التى تُطل على جمهورها بعد غياب طويل، مُظهرة جوانب جديدة من موهبتها. مع طاقم عمل ضخم يضم أحمد رزق وأحمد زاهر، وفى حوار خاص مع «الوفد» تحدثت الفنانة بشرى قائلة:
- «آخر الخط» هو فيلم فانتازى وتجريبى، ويتميز بأنه يمتد لأقل من ساعتين، كانت تجربتى فى هذا الفيلم مختلفة تمامًا عن أى تجربة سابقة، الفيلم يدفعنا للمشاركة فى الأفلام القصيرة التى أصبحت تحظى بأهمية خاصة مؤخرًا، كما أعجبتنى الفكرة بشكل كبير، وكان من الرائع أن أجد باقى الفنانين يحرصون على دعم هذا النوع من الأفلام.
ما هو دورك فى الفيلم؟- فى الفيلم، أجسد شخصية تنتمى إلى «الخطايا السبع»، كان الدور مثيرًا جدًا ويتطلب تركيزًا عاليًا، لكننى استمتعت به كثيرًا.
كيف كان التحضير لمسلسل «سيد الناس» الذى ستشاركين فيه فى رمضان 2025؟- أنا سعيدة جدًا بمشاركتى فى مسلسل «سيد الناس» مع عمرو سعد، وأيضًا بعودتى إلى دراما رمضان بعد غياب طويل منذ مشاركتى فى مسلسل «الاختيار 2»، وأنا فخورة بمشاركتى مع مخرج كبير مثل محمد سامى، ومع نجوم مثل أحمد رزق وأحمد زاهر. إن وجودى إلى جانب هؤلاء النجوم الكبار يشعرنى بالفخر والاعتزاز بنجاحاتهم.
ما رأيك فى العمل مع المخرج محمد سامى بعدما قيل إنه عصبى للغاية أثناء التصوير؟- أعتقد أنه يجب ألا يصدق الجمهور كل ما يُقال، من الطبيعى أن يكون الشخص الذى يحب عمله ويتطلب إتمامه بأعلى مستوى من الدقة شديدًا عندما يحدث خطأ، وأنا أيضًا إذا شعرت أن شخصًا ما لا يؤدى عمله كما ينبغى، أكون شديدة فى رد فعلى، لكن إذا كل شخص قام بدوره على أكمل وجه، فلا تحدث أية أزمات.
مؤخراً قررتِ مقاضاة مروجى الشائعات، رغم أنك كنتِ تتجاهلينهم سابقًا.. ما الذى دفعك لهذا القرار؟- لم تكن الشائعات تؤثر فيَّ كثيرًا من قبل، لكن ما أصبح غير مقبول هو استباحة خصوصيات الناس، لا يجوز أن يسمح لأى شخص بأن يهاجمنا دون حساب، بلدنا تحتوى على قانون يحاسب هؤلاء الأشخاص، ونحن قادرون على استخدام هذا الحق، صحيح أن الكثير من الفنانين يتجنبون هذه المشاكل، لكننى أرى أنه من حق كل فرد أن يحصل على حقوقه وأن يتمكن من مواجهة الظلم.
ما رأيك فى الاهتمام المتزايد بالأفلام القصيرة وإقامة مهرجانات دولية لها؟- الاهتمام بالفيلم القصير أصبح ضرورة حقيقية وليس مجرد رفاهية، أصبحت الأفلام القصيرة تحظى بمتابعة واسعة فى المهرجانات الدولية، وأصبحت المنصات الرقمية تتنافس لعرض الأفلام القصيرة التى تحقق نجاحًا كبيرًا، أرى أن دعم مهرجانات الأفلام القصيرة أصبح أكثر أهمية من دعم المهرجانات الكبيرة، خاصة فى الدول العربية، التى تقدم أفلامًا قصيرة لاقت إعجابًا عالميًا.
هل تعتقدين أن الأفلام القصيرة لم تأخذ حقها بعد مقارنة بالأفلام الطويلة؟- فى رأيى، الأفلام القصيرة الآن تحظى باهتمام أكبر، ومن المتوقع أن تواصل فرض نفسها، الحياة أصبحت أسرع، ونحن معتادون على مشاهدة مقاطع الفيديو القصيرة عبر منصات التواصل الاجتماعى، مما يجعل الفيلم القصير يشق طريقه ليحل محل الأفلام الطويلة فى المستقبل.
إذا قررتِ تقديم فيلم قصير، ما القضية التى قد تناقشينها؟- هناك العديد من القضايا التى أرغب فى مناقشتها، لكن إذا قررت تقديم فيلم قصير، سيكون عن خبايا الوسط الفنى، خاصة الأزمات التى نواجهها والتى لا تظهر للعلن، سأكشف بعض الحقائق التى لم يتحدث عنها أحد حتى الآن.
إذا قررتِ تقديم فيلم عن حياتك الشخصية، ماذا ستسمينه؟- إذا قدمت فيلمًا عن حياتى، أعتقد أن اسمه سيكون «يا جبل ما يهزك ريح»، هذا العنوان يعبر عن قوتى وقدرتى على التماسك فى مواجهة التحديات.
إذا قررتِ إقامة مهرجان فنى، من الفنان الذى ترغبين فى تكريمه؟- هناك العديد من الفنانين الذين يجب تكريمهم، سواء كانوا نجومًا على الشاشة أو خلف الكاميرا، هناك الحرفيون وصناع المهنة مثل حسن جاد، وعمال الديكور والإضاءة، هؤلاء الأشخاص لهم دور كبير فى نجاح الأعمال الفنية، وأتمنى أن نوليهم المزيد من الاهتمام.
ﺑﺸﺮى ﻣﻊ ﻣﺤﺮرة اﻟﻮﻓﺪ