السودان .. ضحية التحول النيوليبرالي
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
29 يوليو 2023م.. تعشينا في مطعم بشارع الحمراء ببيروت؛ وبينما نخرج منه وجدنا الدكتور محمد حسب الرسول، وهو صديق سوداني عرفته منذ حوالي عشر سنوات في المؤتمر القومي العربي. ولأن الأوضاع بالسودان ملتهبة وملحة على الذهن؛ بادرته بعد السلام والاطمئنان على حاله وأسرته بالسؤال: كيف الأوضاع معكم؟ تنهد بعمق، وأبدى قلقه من الآتي؛ أكثر من قلقه من الاقتتال ذاته، ففهمت منه أن ما يراد للسودان خطير.
-الطور الأول لمشروع الهيمنة الخارجية على السودان بالوسائل السياسية والدستورية -بعثة الأمم المتحدة إلى السودان (بعثة الوصايا والانتداب) -التطبيع خيانة الموقف والتاريخ والحقيقة -الطور الثاني لمشروع الهيمنة الخارجية على السودان بالوسائل السياسية والدستورية -الحرب كخطة بديلة للهيمنة الغربية على السودان -أهداف الحرب -الاستيطان والتطهير العرقي في السودان.. أرض الميعاد الجديدة -مَن يقف وراء الحرب -السودان من المنظور الديني الصهيوني -السودان في المنظور الاستراتيجي الصهيوني -مصالح «دولة» الكيان الصهيوني في السودان -مستقبل الحرب.
المقال.. لا يتبنى آراء الورقة؛ فهي تعبّر عن كاتبها، وإنما يستفيد منها في بناء فهم ما يحصل في السودان ومستقبله، وبالواقع؛ ليس السودان وحده؛ بل منطقتنا العربية التي تمر بأحوال متشابهة.
يذهب حسب الرسول إلى أن السودان يتعرض لمؤامرة خارجية لكي يتبنى النيوليبرالية، وقد دُفِع إليها بـ«الوسائل السياسية والدستورية» عبر الضغط الخارجي؛ خاصةً البريطاني والأمريكي والأمم المتحدة، (وقد بلغ التدخل الخارجي مرحلة فرض فيها على السودان وشعبه وثيقتان سياسية ودستورية، جعلتا فترة الانتقال حكرًا على جماعة تواليه؛ من مدنيين وعسكر، وتتبنى خطابه ومشروعه النيوليبرالي بأبعاده القيمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، علمًا أن الوثيقة الدستورية هي دستور الفترة الانتقالية، وقد حذفت منه اللغة العربية كلغة رسمية للدولة، وحذف منه تعريف السودان بكونه دولة عربية إفريقية)، (وشمل الحذف والتعديل الدروس المتعلقة بتاريخ الاستقلال الوطني كدروس مناهضة الاحتلال البريطاني، وبالضرورة عدلوا مناهج التربية الإسلامية والمسيحية لتخدم مشروع التطبيع والمشروع النيوليبرالي، الأمر الذي حمل علماء الدين الإسلامي والمسيحي على تنظيم حملة رفض واحتجاج على المقررات الجديدة)، و(بعدما أفشل المجتمع ومؤسسة الجيش خطط الغرب للسيطرة على السودان بالوسائل السياسية والدستورية، لجأ الغرب إلى الحرب كخطة بديلة).
لا أنكر قضية المؤامرة الدولية، فتركيبة السياسة ذاتها قائمة عليها، بغض النظر عن نوعها وكيفية تنفيذها. كما أن الغرب لأكثر من قرنين يحيك خيوط المؤامرات؛ سراً وعلانية، ولم يكف عنها حتى الآن، ولم يفلح في تبريرها. رغم ذلك؛ فإن ما يهمني هنا هو الخط العام الذي تتصاعد فيه الأحداث. ومهما كان الأمر؛ فإن الدول وشعوبها لا تُعذَر عن مواجهة المؤامرات، فكما يقول عمر أبو ريشة:
لا يُلام الذئبُ في عدوانه
إن يكُ الراعي عدوَّ الغنم
وعدم فهم التحولات التي تجري في العالم هو ما أوقع دول المنطقة في المأزق الذي دخلت فيه، وهي جميعها مقصودة به، وإنما الاختلاف في كيفية تعاملها معه، فبعض الدول استطاعت أن تحافظ على وجودها ونموها، بعد أن واءمت من أنظمتها مع المشروع النيوليبرالي، ولا تزال هذه الدول هشة أمام متطلباته، ولا نعلم ما يحمله المستقبل لها. بيد أن بعض الدول لم تدرك آليات التحول بسبب عقائدية أنظمتها، أو أدركته ولم تحكم التعامل معه، فأطيح بها بالثورات والانقلابات والحروب.
السودان.. مثالٌ على المراحل السياسية التي مر بها العالم خلال السبعين سنة الأخيرة. والآن؛ يراد للمنطقة الرضوخ للمشروع النيوليبرالي. والنيوليبرالية.. هي تحول الليبرالية -خاصةً الجانب الاقتصادي- من الحالة الفردية إلى مؤسسة الدولة، أي أن المجتمعات تُحمل حَملاً على النهج الليبرالي من خلال الضغط على نظام الدولة، وعلى هذا فلا بد للدولة أن تتبع «العقيدة النيوليبرالية»، وشرح هذا يطول، وما يهمنا هنا هو أن فرض الغرب للنيوليبرالية له أهداف كبرى؛ منها:
- التأكيد على الهيمنة الغربية وسيادة ثقافتها على العالم، لضمان الانتصار الحضاري والبقاء على القمة الكونية بحسب مقولة هنتجتون ، ولصنع «نهاية التاريخ» بحسب مقولة فوكوياما.
- مواصلة استغلال المنطقة؛ سواءً من الناحية الجيوسياسية لما تمثله من موقع استراتيجي عالمي، أو من الناحية الاقتصادية فهي أرض غنية بالبترول والغاز والمعادن الثمينة.
- مواجهة صعود الصين وروسيا، اللتين ترفضان الانخراط في المشروع النيوليبرالي الكوني، بل إنهما يطوران نظامهما العالمي.
- تحويل المنطقة إلى سوق استهلاكي للمنتجات الغربية؛ بدءًا من مناهج التفكير، وليس انتهاءً بالمنظومة الأخلاقية، مروراً بالسلع اليومية، وتقنية العصر الرقمي والأسلحة المتطورة.
- فرض التطبيع مع إسرائيل، بكونها من أهم أدوات تنفيذ المشروع النيوليبرالي في المنطقة، كما أنها أهم محطة استعمارية غربية.
السودان.. كاشف عن الحالة العربية وتأريخها ومآلاتها، مرَّ بالمراحل التي مرت بها المنطقة العربية. فقد كان واقعاً هو ومصر تحت نفوذ الأتراك؛ ممثلاً بمحمد علي وأبنائه. ثم حاول السودان أن يستقل بقيام الحركة المهدية (1881-1899م)، فلم تستمر طويلاً حتى وقع لارتباطه بمصر- تحت الاستعمار البريطاني. ولما جاءت مرحلة التحرر من الاستعمار استقل عام 1954م عن بريطانيا، لكن حالة التحرر التي عمت المنطقة؛ جعلته يستقل أيضاً عن مصر عام 1956م، ولم تفلح «الروح القومية» التي كان يذكيها جمال عبدالناصر في الإبقاء على وحدة تراب وادي النيل، لأسباب ترجع إلى عدم نضج التجربة الناصرية حينها، والتي لم تتمكن كذلك من الاستمرار في الوحدة بين مصر وسوريا (1958-1961م). ثم اعترت المنطقة «حالة عسكرة» تحت تأثير «عاطفة القومية العربية»، قادها بعض الضباط بانقلابات في بلدانهم، ولم تستطع أن تخرج من هذه الحالة حتى اليوم.
السودان.. لم يعرف الحكم المدني إلا فترات وجيزة: بعد الاستقلال.. وقد أطاح به انقلاب الفريق إبراهيم عبود عام 1958م. وما بين (1964-1969م)، فأسقطه الرائد جعفر نميري بانقلابه على الصادق المهدي. وخلال المدة (1986-1989م) وانتهى بانقلاب الفريق عمر البشير على المهدي أيضاً. وكان للأحزاب الشيوعية وجودها في الساحة السياسية السودانية؛ إلا أنها انتهت عملياً بسقوط الاتحاد السوفييتي عام 1989م.
عام 1989م.. وصل لحكم السودان الإخوان المسلمون بانقلاب قاده عمر البشير، استمر في السلطة حتى قيام ثورة شعبية عليه وخلعه من الحكم عام 2019م؛ نتيجة إخفاقه ودخول السودان في أزمات سياسية واقتصادية حادة وحروب متوالية. كانت تلك المرحلة نتيجة مباشرة لصعود التيار الإسلامي، الذي دعمه الغرب منذ الستينات الميلادية لمواجهة الشيوعية وإضعاف القومية العربية. إلا أن حكم الإخوان بات يشكل خطراً وعبئاً على النظام الدولي الجديد، فقد آوى القيادات المناوئة للغرب كأسامة ابن لادن وكارلوس الملقب بالثعلب، فلزم التخلص منه بعد أن أدى دوره في مواجهة الشيوعية والقومية، وتقسيم السودان.وأخيراً؛ دخل السودان مرحلة إعادة تشكيله ليتواكب مع النظام العالمي الجديد، القائم على النيوليبرالية سياسياً، والرأسمالية اقتصادياً. وما نراه اليوم في المنطقة يعبّر عن التحول العسر في حقبة «ما بعد الإسلامية»، وضحية النيوليبرالية التي تُفرَض على المنطقة بالأنظمة الدولية والآلة العسكرية الغربية، وبأيدي ساسة الدول، والشعب ضحيتها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: على السودان فی السودان
إقرأ أيضاً:
بيان من تحالف القوى المدنية لشرق السودان
تحية إلى الشعب السوداني في كل موقع، وهو يواجه بجسارة الحرب التي تستهدف فيها أرواحه وممتلكاته وارثه، وينزح بسببها عن دياره، وتقدير للشعب العظيم، وهو يسطر أروع الملاحم في التكاتف والتعاضد الإنساني بين مكوناته، والذي يستلهمه من تراثه الناصع.
ونحن في (تحالف القوى المدنية لشرق السودان) نبذل كل ما في وسعنا بالتعاون مع القوى المدنية الأخرى من أجل وقف هذه الحرب اللعينة وإنهاء معاناة الإنسان السوداني.
وتعليقا على التطورات المتسارعة في بلادنا نود توضيح ما يلي:
⭕ أولا: يضع التحالف هدف (وحدة القوى المدنية) في مقدمة أولوياته وهو ما سيسهم في وقف الحرب والتأسيس للدولة التي تعبر عن طموحات السودانيين في السلام والحرية والعيش الكريم. وقد شاركنا ضمن هذه الرؤية بفعالية وإيجابية في المجهودات كلها لتوحيد القوى المدنية بعد الحرب، والتي كان أحد أهم ثمراتها عقد المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) في مايو 2024، والذي كان حدثا أعطي إشارات إيجابية نحو المستقبل.
⭕ ثانيا: بذلت العديد من القوى السياسية ولجان المقاومة والمجتمع المدني والمهنيين كل ما في وسعها من أجل تفعيل العمل داخل (تقدم) بما يؤدي إلى تحقيق أهدافها في وقف الحرب وإنهاء المعاناة الإنسانية، ولكن هذا العمل اصطدم بعوائق خارجية معلومة وبينها زيادة التدخلات الإقليمية والنشاط التخريبي الواسع للحركة الإسلامية ورعايتها للانقسامات الاجتماعية وخطاب الكراهية وتحديات داخلية أخرى تتعلق بضعف الإمكانات اللوجستية والتحديات التي يواجهها قادة وأعضاء القوى المدنية في أماكن النزوح واللجوء التي أقاموا فيها بعد الحرب.
⭕ ثالثا: طرحت بعض مكونات تنسيقية (تقدم) منذ مايو الماضي فكرة إنشاء حكومة في مناطق سيطرة (الدعم السريع) وقد وجدت الفكرة منذ طرحها رفضا من أغلبية مكونات (تقدم) لأسباب تم النقاش حولها داخل هياكل التنسيقية. وداخل هذه الهياكل طرح ممثلي التحالف رأيهم وهو رفض الفكرة التي تخالف أهم قيم (تقدم) وهي عدم الاصطفاف وراء أحد أطراف الحرب والحفاظ على استقلالية ووحدة الكتلة المدنية التي تعبر عن قضايا الشعب السوداني، وأشرنا إلى أننا لسنا على استعداد للمشاركة في تحمل جرائم أطراف الحرب - التي كنا مع شعبنا ضحايا لها - تحت أي مسببات، وبعد كل ذلك قناعتنا أنه ليس من الحكمة أن نخرج لشعبنا بخطاب تشكيل وزارات وجهاز دولة والشعب كله ما بين نازح ولاجئ ومكلوم.
⭕ رابعا: وصل الوضع إلى طريق مسدود بعد تسعة أشهر من النقاشات الداخلية والارتباك الذي ساد الخطاب السياسي للتنسيقية، ونتيجة لذلك وبموافقة الجميع اتفقت مكونات (تقدم) على فك الارتباط بين الأغلبية غير الموافقة على الحكومة المقترحة والمجموعة المؤيدة للحكومة، وتُوُوفِق على أن تعمل كل مجموعة وحدها مع احترام الرفقة النضالية والأمل في أن نجتمع مع كل القوى الأخرى من أجل وقف الحرب.
⭕ خامسا: نؤكد أننا سنستمر في العمل مع حلفائنا من أجل بناء الجبهة المدنية التي تنحاز إلى شعبها، وتعبر عن تنوعه العريض. وسنتمسك باستقلالية القوى المدنية مهما كلفنا ذلك.
⭕ سادسا: ندعو أطراف الحرب مجددا إلى التعقل ووقف الانتهاكات الواسعة التي يمارسونها ضد الشعب السوداني وارثه. ونذكرهم أن التعقيدات الاجتماعية الداخلية وانخراط الدول الإقليمية ومساندتها لأطراف الحرب ستقف عائقا أمام قدرة أي طرف على حسم الحرب بالقوة، وأنه لا سبيل لوقف الحرب سوى الجلوس إلى الحوار.
*صالح عمار*
المتحدث باسم تحالف القوى المدنية لشرق السودان
10 فبراير 2025