بيتر سينجر -

تسي ييب فاي -

لقد سمحت الجهات التنظيمية في كاليفورنيا الشهر الماضي لشركتين تعملان على تشغيل سيارات ذاتية القيادة باستقبال الزبائن مقابل الدفع في سان فرانسيسكو. لم يكن الوضع على ما يرام في الأسبوع الأول حيث قادت إحدى السيارات نفسها فوق الخرسانة التي تم صبها حديثًا في منطقة بناء الطرق حيث توجد أقماع مرورية وعمال يرفعون الأعلام وعلقت السيارة في الخرسانة الرطبة وستقوم الشركة بدفع تكاليف إعادة رصف الطريق.

وفي حادث أكثر خطورة، تعرض راكب في سيارة ذاتية القيادة للإصابة في حادث تصادم مع سيارة إطفاء، ونتيجة لذلك، وافقت الشركة المشغلة على خفض عدد المركبات ذاتية القيادة التي تديرها في سان فرانسيسكو إلى النصف. قد يكون قرار السماح للسيارات ذاتية القيادة إيذانًا بعصر جديد من وسائل النقل أو قد يكون إيذانًا بفجر عصر غير حقيقي، وفي كلتا الحالتين، تثير المسائل المتعلقة بالسيارات ذاتية القيادة العديد من الأسئلة الأخلاقية المرتبطة بتأثير الذكاء الاصطناعي على الحياة اليومية. إن العالم الذي تكون فيه معظم المركبات ذاتية القيادة بالكامل سيكون له العديد من المزايا. تقضي معظم السيارات الخاصة وقتًا طويلا دون حركة وإذا تمكن الجميع من استدعاء سيارة ذاتية القيادة كلما لزم الأمر، فلن تكون هناك حاجة لامتلاك سيارة خاصة بهم، وبالتالي توفير الموارد. علاوة على ذلك ومن خلال الحفاظ على تدفق حركة المرور بشكل أكثر سلاسة، فإن الاستخدام واسع النطاق للسيارات ذاتية القيادة قد يوفر أيضًا الوقود والوقت. لكن السبب الأكثر أهمية لعدم الاعتماد على السائقين من البشر هو أنه قد يؤدي إلى القضاء على الأخطاء البشرية التي تسبب الكثير من الحوادث المرورية والإصابات والوفيات. (تقدر الإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة في الولايات المتحدة عدد القتلى على الطرق الأمريكية في العام الماضي بنحو 42795 شخصا). لقد أشار إيلون ماسك إلى أن تطوير مركبات ذاتية القيادة بالكامل يعد التزامًا أخلاقيًا لأنه يمكن أن يحقق «مستقبلًا خاليًا من الحوادث تقريبًا». لكن هذا المستقبل لا يزال بعيدًا بعض الشيء، وحتى الآن تعرضت سيارات تيسلا التي تصنعها شركة ماسك إلى أكثر من 700 حادث وتسببت في وفاة 17 شخصا وذلك عندما تم تشغيلها على نظام الطيار الآلي وهو وضع السائق المساعد.تدعي كلتا الشركتين اللتين تشغلان سيارات من دون سائق في سان فرانسيسكو أن سياراتهما تتعرض لعدد أقل من الاصطدامات، وخاصة الاصطدامات التي تنطوي على إصابات مقارنة بالسائقين من البشر ضمن بيئة قيادة مماثلة، ولكن صحة مثل هذه الادعاءات موضع خلاف، بسبب الشكوك حول المقارنات المتعلقة ببيئة القيادة.

ومع ذلك وحتى لو كان الجيل الأخير من المركبات ذاتية القيادة أقل أمانا من السائق البشري العادي، فمن الممكن القول إن وضعها في شوارع المدينة الآن هو أمر مبرر لأن القيام بذلك من شأنه أن ينقذ الكثير من الأرواح على المدى الطويل وبمجرد أن تصبح المركبات ذاتية القيادة متقنة، فربما نحصر قيادة السائقين من البشر بسرعات أقل أو نحظرهم تمامًا لأن الخطر الذي يشكلونه على مستخدمي الطريق الآخرين مقارنة بالخيار الأكثر أمانًا الذي توفره السيارات ذاتية القيادة، يصبح غير مقبول. وعليه فإن من غير المستغرب أن تأتي معارضة «سيارات الأجرة الآلية» من سائقي سيارات الأجرة، وهو رد فعل مألوف في مناطق أخرى حيث يهدد الذكاء الاصطناعي الناس بفقدان وظائفهم.

يقول المؤيدون: إن الذكاء الاصطناعي سيسمح لنا، من خلال تعزيز الإنتاجية، بتحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة الخاصة، لكن كلمة «لنا» لن تشمل أي شخص يفقد وظيفته بسبب الذكاء الاصطناعي ما لم تتم إعادة تدريبه على القيام بأعمال أخرى وما لم تكن الشركات مطالبة بدفع أجر معيشي لموظفيها مقابل أسبوع عمل أقصر، وهل ستكون هناك إرادة سياسية للقيام بذلك؟ وبنظرة مستقبلية دعونا نسأل ماذا لو أصبح الذكاء الاصطناعي ناجحًا جدًا لدرجة أن قلة من البشر لديهم وظائف على الإطلاق؟ هل سنكون قادرين على تطوير أغراض جديدة تحل مكان الدور الذي يلعبه العمل في إعطاء حياتنا معنى بالإضافة إلى جعلنا نشعر بالإنجاز؟ إنه من المرجح أن تكون برمجة الذكاء الاصطناعي مجالًا آخر يخضع للتنظيم، وبالعودة إلى مثال المركبات ذاتية القيادة، فإن المستهلكين في السوق غير الخاضعة للتنظيم سوف يبحثون عن السيارات التي تقلل من المخاطر التي يتعرضون لها أو يتعرض لها ركابهم وحتى لو كان ذلك يزيد بشكل كبير من المخاطر التي يتعرض لها المشاة. ومع ذلك، إذا تمت برمجة كل السيارات بهذه الطريقة، فإن عدد الأشخاص الذين يقتلون أو يصابون بسبب السيارات سيكون أعلى مما لو تمت برمجة السيارات بحيث تتبنى استراتيجيات تقليل المخاطر التي تكون محايدة بين الأشخاص الموجودين داخل السيارة والأشخاص الموجودين خارجها علمًا أن التنظيم الذي يتطلب مثل هذا الحياد هو وحده القادر على منع حصول نتيجة تشبه «مأساة العموم» المعروفة والتي بموجبها يتم تغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة. والمسألة الأكثر إثارة للدهشة والمتعلقة بالسيارات ذاتية القيادة هي أنها أقل فعالية في تحديد المشاة أصحاب البشرة الداكنة مقارنة بأصحاب البشرة الفاتحة، وبالتالي قد تصدم عددًا أكبر من المشاة أصحاب البشرة الداكنة بشكل غير متناسب. تشير إحدى الدراسات (نُشرت في عام 2019 وباستخدام أحدث تقنيات عام 2018) إلى أن هذا يرجع إلى أنه قد تم تطوير البرمجة وتدريبها في مناطق بها عدد أكبر من المشاة أصحاب البشرة الفاتحة مقارنة بأصحاب البشرة الداكنة. إذا كان الأمر كذلك، فبمجرد أن ندرك مثل هذه المشكلات، فإنه من الممكن حلها بل وينبغي علينا حلها. إحدى القضايا الأخلاقية المهمة التي غالبا ما يتم تجاهلها والمتعلقة بالمركبات ذاتية القيادة هي ما إذا كان ينبغي برمجتها لتجنب الاصطدام بالحيوانات، وإذا كان الأمر كذلك، فما هي تلك الحيوانات. إن جميع الفقاريات وبعض اللافقاريات هي كائنات واعية وعرضة للمعاناة إذا تم الاصطدام بها ولم تقتل على الفور. علاوة على ذلك وفي كثير من الأنواع يؤدي فقدان الشريك إلى شعور الحيوان بالضيق أو قد تؤدي وفاة الحيوان المعيل إلى موت الذرية جوعًا. إن كيفية تقدير حياة ومصالح جميع الكائنات الواعية هي مسألة تحتاج للمعالجة من قبل أخلاقيات الذكاء الاصطناعي.

بيتر سينجر أستاذ أخلاقيات علم الأحياء في جامعة برينستون، وهو مؤسس المنظمة غير الربحية «الحياة التي يمكنك إنقاذها».

تسي ييب فاي مساعد باحث في مجال الذكاء الاصطناعي لبيتر سينجر في مركز القيم الإنسانية بجامعة برينستون.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السیارات ذاتیة القیادة سیارات ذاتیة القیادة الذکاء الاصطناعی من البشر

إقرأ أيضاً:

خمسة اتجاهات تدفع ثورة مساعدي الذكاء الاصطناعي في المنطقة

 

الشرق الأوسط هو مهندس نشط لمستقبل الذكاء الاصطناعي. تستثمر الإمارات بشكل كبير في البنية التحتية لتقنية المعلومات وتعمل على إدخال تعليم الذكاء الاصطناعي في المدارس. هذه الجهود تمهد الطريق للذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية، لتقنيات تفهم اللغات المحلية، وتحترم الفروق الثقافية، وتندمج بسلاسة في الحياة اليومية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك المساعدون الذكيين، الذين تطوروا ليصبحوا رفقاء موثوقين يساعدون الأشخاص في إدارة العمل والتعليم والروتين اليومي بكفاءة متزايدة.

في هذا التحليل، يستعرض رامي أبو عرجة، المدير الأول للتسويق والابتكار في ياسمينة، مجموعة يانغو، خمسة اتجاهات رئيسية ترسم ملامح تبنّي مساعدي الذكاء الاصطناعي في المنطقة، وتكشف كيف تمهّد هذه الاتجاهات الطريق نحو مستقبل أكثر ترابطاً وتطوراً.

1. الراحة والوعي المتنامي بالتقنيات المتطورة والذكاء الاصطناعي
مع تزايد دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية، أصبح المستهلكون أكثر راحةً وكفاءةً في استخدام الأجهزة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي. يواصل الاهتمام بأجهزة المنازل الذكية المتصلة التزايد بصورة مطردة في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، حيث يخطط ما يقارب عن 90% من السكان لشراء جهاز واحد على الأقل في العام المقبل.

يُهيئ هذا الوعي المتنامي لدى المستهلكين بالذكاء الاصطناعي بيئة تعليمية داعمة، ويُسرّع من اعتماد مساعدي الذكاء الاصطناعي في مكبرات الصوت الذكية. على سبيل المثال، أصبح بإمكان المعلمين الآن استخدام مساعدي الذكاء الاصطناعي للترجمة من العربية إلى الإنجليزية، وشرح مواضيع مُعقدة، من التاريخ إلى تقنية البلوك تشين، والسرد القصص التفاعلية، مما يقدّم تجارب تعليمية أكثر تشويقاً وإلهاماً.

2. مكبرات الصوت الذكية كوحدة متكاملة
تتزايد أهمية مساعدي الذكاء الاصطناعي كواجهة رئيسية للتفاعل مع مكبرات الصوت الذكية، مما حوّلها من مجرّد أجهزة بسيطة تعمل بالصوت إلى أدوات متعددة الاستخدامات تدعم الروتين اليومي للمستخدمين. على سبيل المثال، تتيح “ياسمينة” من يانغو للمستخدمين أداء مجموعة واسعة من المهام عبر الأوامر الصوتية، بدءً من التحقق من حالة الطقس، مروراً بالتذكير بالمهام والمواعيد وتشغيل الموسيقى، إلى الاطلاع على آخر الأخبار والتحكم في غيرها من الأجهزة المتصلة المتواجدة في المنزل.

لا يتطلّب هذا التفاعل السلس استخدام اليدين على الإطلاق، مما يُبسط الحياة اليومية، ويجعل مكبرات الصوت الذكية امتداداً عملياً للمنزل. ومع استمرار هذه الأجهزة في دمج المزيد من المهام وتنفيذها، تزداد فوائدها، مما يؤثر بشكل مباشر على معدلات اعتمادها، ويساهم بدمج مساعدات الذكاء الاصطناعي في نسيج الحياة العصرية.

3. المبادرات الحكومية والسياسات الداعمة
كان لحكومات المنطقة دورٌ محوري في تعزيز تبني الذكاء الاصطناعي من خلال إطلاق العديد من المبادرات الاستراتيجية الفاعلة. تهدف استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031 إلى تعزيز ريادة دولة الإمارات عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي، وتحقيق قيمة اقتصادية بقيمة 335 مليار درهم إماراتي من خلال المبادرات المدعومة بالذكاء الاصطناعي. في هذا الإطار، تعمل دولة الإمارات العربية المتحدة على توسيع نطاق تعليم الذكاء الاصطناعي في جميع مدارسها الحكومية (من الروضة إلى الصف الثاني عشر)، بهدف بناء أسس قوي للمهارات الرقمية للطلاب وتعزيز إلمامهم بالذكاء الاصطناعي منذ الصغر. علاوة على ذلك، صرّح الاستراتيجيون أن 20% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي لدولة الإمارات العربية المتحدة سيُستمد من الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2031.

تعزز هذه السياسات في رفع الوعي بالذكاء الاصطناعي، مع خلق بيئة داعمة لانتشار تقنياته، بما في ذلك مكبرات الصوت الذكية. توجه حكومات المنطقة الدعوة للخبراء وشركات الذكاء الاصطناعي العالميين للمساعدة في تطوير الخدمات العامة، مُؤكدة بذلك التزامها بدمج الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات.

4. التطورات في مشهد معالجة اللغة الطبيعية والذكاء الاصطناعي المحلي
لقد أدى تطوير التقنيات المتقدمة لفهم الكلام البشري إلى تحسين فعالية المساعدين الذكيين بشكل كبير. على سبيل المثال، يُجيد مساعد يانغو “ياسمينة” اللغتين العربية والإنجليزية، مما يتيح تواصلًا سلسًا مع المستخدمين في المنطقة، ويعتمد ذلك على نموذج YangoAI التوليدي، الذي تم تدريبه وصقله مع التركيز على اللغات والثقافة المحلية، مما يمكّنه من تقديم استجابات دقيقة وواعية بالسياق.

صُمم نموذج “YangoAI” لتلبية الاحتياجات المحلية، كما يساهم بتمكين “ياسمينة” من تقديم توصيات عملية بشأن الأنشطة اليومية ودعم المهام ثنائية اللغة مثل الترجمة وإنشاء المحتوى، وحتى توجيه الطلاب في واجباتهم المدرسية. تُعد هذه القدرات التي تتمتع بها “ياسمينة” حيوية ومهمة في مجتمع متعدد اللغات.

5. الأهمية الثقافية لمساعدي الذكاء الاصطناعي
يلاقي مساعدو الذكاء الاصطناعي القادرون على إنجاز المهام بسلاسة وتقديم محتوى ملائم ثقافياً صدىً أكبر لدى المستخدمين. على سبيل المثال، تقدّم “ياسمينة” من يانغو تلاوات للقرآن الكريم، و التذكير بأوقات الصلاة، وآخر الأخبار المحلية، و تواريخ التقويم الهجري الدقيقة، مما يُعزز من ارتباط المستخدمين بممارساتهم الثقافية والدينية. يُلبي هذا التوافق الثقافي احتياجات المستخدمين في المنطقة، ويُسرّع من اعتماد مساعدي الذكاء الاصطناعي.

الخلاصة

شهدت مساعدات الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط من كونها مجرد اتجاه حديث إلى ضرورة أساسية في المنازل ومعلماً تكنولوجياً لا غنى عنه لتحسين جودة الحياة. من خلال الدمج بين الاستثمار في البنية التحتية، التعليم، ابتكارات الذكاء الاصطناعي التي تُراعي الثقافات المختلفة والسياسات الداعمة، تنجح المنطقة في مواكبة الاتجاهات العالمية والمساهمة في تشكيلها. هذا التقارب الملهم بين التكنولوجيا والثقافة والحوكمة إشارة واضحة إلى مستقبل أكثر ترابطاً وتمكيناً للمدن والمجتمعات في جميع أنحاء الخليج.


مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي يكتشف مسببات الأمراض
  • خمسة اتجاهات تدفع ثورة مساعدي الذكاء الاصطناعي في المنطقة
  • OpenAI تستكشف الذكاء الاصطناعي لتوليد الموسيقى
  • الذكاء الاصطناعي يحل لغزًا يتعلق بمرض كرون
  • الصين تكشف سلاحها الجديد: مركبة قتالية ذاتية بقيادة الذكاء الاصطناعي
  • كم عدد السيارات التي يسمح للمواطن باستيرادها خلال السنة؟.. توضيح من الزكاة والجمارك
  • انطلاق قمة الرائدات 2025 تحت شعار «القيادة التي تُحدث فرقًا» برعاية السيدة بسمة بنت فخري آل سعيد
  • خريطة صادمة .. صحة الأمريكيين في خطر بسبب الذكاء الاصطناعي
  • الوظائف في عصر الذكاء الاصطناعي
  • القيادة التي لا تسمع.. لا تتعلّم!