السيارات ذاتية القيادة وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
بيتر سينجر -
تسي ييب فاي -
لقد سمحت الجهات التنظيمية في كاليفورنيا الشهر الماضي لشركتين تعملان على تشغيل سيارات ذاتية القيادة باستقبال الزبائن مقابل الدفع في سان فرانسيسكو. لم يكن الوضع على ما يرام في الأسبوع الأول حيث قادت إحدى السيارات نفسها فوق الخرسانة التي تم صبها حديثًا في منطقة بناء الطرق حيث توجد أقماع مرورية وعمال يرفعون الأعلام وعلقت السيارة في الخرسانة الرطبة وستقوم الشركة بدفع تكاليف إعادة رصف الطريق.
وفي حادث أكثر خطورة، تعرض راكب في سيارة ذاتية القيادة للإصابة في حادث تصادم مع سيارة إطفاء، ونتيجة لذلك، وافقت الشركة المشغلة على خفض عدد المركبات ذاتية القيادة التي تديرها في سان فرانسيسكو إلى النصف. قد يكون قرار السماح للسيارات ذاتية القيادة إيذانًا بعصر جديد من وسائل النقل أو قد يكون إيذانًا بفجر عصر غير حقيقي، وفي كلتا الحالتين، تثير المسائل المتعلقة بالسيارات ذاتية القيادة العديد من الأسئلة الأخلاقية المرتبطة بتأثير الذكاء الاصطناعي على الحياة اليومية. إن العالم الذي تكون فيه معظم المركبات ذاتية القيادة بالكامل سيكون له العديد من المزايا. تقضي معظم السيارات الخاصة وقتًا طويلا دون حركة وإذا تمكن الجميع من استدعاء سيارة ذاتية القيادة كلما لزم الأمر، فلن تكون هناك حاجة لامتلاك سيارة خاصة بهم، وبالتالي توفير الموارد. علاوة على ذلك ومن خلال الحفاظ على تدفق حركة المرور بشكل أكثر سلاسة، فإن الاستخدام واسع النطاق للسيارات ذاتية القيادة قد يوفر أيضًا الوقود والوقت. لكن السبب الأكثر أهمية لعدم الاعتماد على السائقين من البشر هو أنه قد يؤدي إلى القضاء على الأخطاء البشرية التي تسبب الكثير من الحوادث المرورية والإصابات والوفيات. (تقدر الإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة في الولايات المتحدة عدد القتلى على الطرق الأمريكية في العام الماضي بنحو 42795 شخصا). لقد أشار إيلون ماسك إلى أن تطوير مركبات ذاتية القيادة بالكامل يعد التزامًا أخلاقيًا لأنه يمكن أن يحقق «مستقبلًا خاليًا من الحوادث تقريبًا». لكن هذا المستقبل لا يزال بعيدًا بعض الشيء، وحتى الآن تعرضت سيارات تيسلا التي تصنعها شركة ماسك إلى أكثر من 700 حادث وتسببت في وفاة 17 شخصا وذلك عندما تم تشغيلها على نظام الطيار الآلي وهو وضع السائق المساعد.تدعي كلتا الشركتين اللتين تشغلان سيارات من دون سائق في سان فرانسيسكو أن سياراتهما تتعرض لعدد أقل من الاصطدامات، وخاصة الاصطدامات التي تنطوي على إصابات مقارنة بالسائقين من البشر ضمن بيئة قيادة مماثلة، ولكن صحة مثل هذه الادعاءات موضع خلاف، بسبب الشكوك حول المقارنات المتعلقة ببيئة القيادة.
ومع ذلك وحتى لو كان الجيل الأخير من المركبات ذاتية القيادة أقل أمانا من السائق البشري العادي، فمن الممكن القول إن وضعها في شوارع المدينة الآن هو أمر مبرر لأن القيام بذلك من شأنه أن ينقذ الكثير من الأرواح على المدى الطويل وبمجرد أن تصبح المركبات ذاتية القيادة متقنة، فربما نحصر قيادة السائقين من البشر بسرعات أقل أو نحظرهم تمامًا لأن الخطر الذي يشكلونه على مستخدمي الطريق الآخرين مقارنة بالخيار الأكثر أمانًا الذي توفره السيارات ذاتية القيادة، يصبح غير مقبول. وعليه فإن من غير المستغرب أن تأتي معارضة «سيارات الأجرة الآلية» من سائقي سيارات الأجرة، وهو رد فعل مألوف في مناطق أخرى حيث يهدد الذكاء الاصطناعي الناس بفقدان وظائفهم.
يقول المؤيدون: إن الذكاء الاصطناعي سيسمح لنا، من خلال تعزيز الإنتاجية، بتحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة الخاصة، لكن كلمة «لنا» لن تشمل أي شخص يفقد وظيفته بسبب الذكاء الاصطناعي ما لم تتم إعادة تدريبه على القيام بأعمال أخرى وما لم تكن الشركات مطالبة بدفع أجر معيشي لموظفيها مقابل أسبوع عمل أقصر، وهل ستكون هناك إرادة سياسية للقيام بذلك؟ وبنظرة مستقبلية دعونا نسأل ماذا لو أصبح الذكاء الاصطناعي ناجحًا جدًا لدرجة أن قلة من البشر لديهم وظائف على الإطلاق؟ هل سنكون قادرين على تطوير أغراض جديدة تحل مكان الدور الذي يلعبه العمل في إعطاء حياتنا معنى بالإضافة إلى جعلنا نشعر بالإنجاز؟ إنه من المرجح أن تكون برمجة الذكاء الاصطناعي مجالًا آخر يخضع للتنظيم، وبالعودة إلى مثال المركبات ذاتية القيادة، فإن المستهلكين في السوق غير الخاضعة للتنظيم سوف يبحثون عن السيارات التي تقلل من المخاطر التي يتعرضون لها أو يتعرض لها ركابهم وحتى لو كان ذلك يزيد بشكل كبير من المخاطر التي يتعرض لها المشاة. ومع ذلك، إذا تمت برمجة كل السيارات بهذه الطريقة، فإن عدد الأشخاص الذين يقتلون أو يصابون بسبب السيارات سيكون أعلى مما لو تمت برمجة السيارات بحيث تتبنى استراتيجيات تقليل المخاطر التي تكون محايدة بين الأشخاص الموجودين داخل السيارة والأشخاص الموجودين خارجها علمًا أن التنظيم الذي يتطلب مثل هذا الحياد هو وحده القادر على منع حصول نتيجة تشبه «مأساة العموم» المعروفة والتي بموجبها يتم تغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة. والمسألة الأكثر إثارة للدهشة والمتعلقة بالسيارات ذاتية القيادة هي أنها أقل فعالية في تحديد المشاة أصحاب البشرة الداكنة مقارنة بأصحاب البشرة الفاتحة، وبالتالي قد تصدم عددًا أكبر من المشاة أصحاب البشرة الداكنة بشكل غير متناسب. تشير إحدى الدراسات (نُشرت في عام 2019 وباستخدام أحدث تقنيات عام 2018) إلى أن هذا يرجع إلى أنه قد تم تطوير البرمجة وتدريبها في مناطق بها عدد أكبر من المشاة أصحاب البشرة الفاتحة مقارنة بأصحاب البشرة الداكنة. إذا كان الأمر كذلك، فبمجرد أن ندرك مثل هذه المشكلات، فإنه من الممكن حلها بل وينبغي علينا حلها. إحدى القضايا الأخلاقية المهمة التي غالبا ما يتم تجاهلها والمتعلقة بالمركبات ذاتية القيادة هي ما إذا كان ينبغي برمجتها لتجنب الاصطدام بالحيوانات، وإذا كان الأمر كذلك، فما هي تلك الحيوانات. إن جميع الفقاريات وبعض اللافقاريات هي كائنات واعية وعرضة للمعاناة إذا تم الاصطدام بها ولم تقتل على الفور. علاوة على ذلك وفي كثير من الأنواع يؤدي فقدان الشريك إلى شعور الحيوان بالضيق أو قد تؤدي وفاة الحيوان المعيل إلى موت الذرية جوعًا. إن كيفية تقدير حياة ومصالح جميع الكائنات الواعية هي مسألة تحتاج للمعالجة من قبل أخلاقيات الذكاء الاصطناعي.
بيتر سينجر أستاذ أخلاقيات علم الأحياء في جامعة برينستون، وهو مؤسس المنظمة غير الربحية «الحياة التي يمكنك إنقاذها».
تسي ييب فاي مساعد باحث في مجال الذكاء الاصطناعي لبيتر سينجر في مركز القيم الإنسانية بجامعة برينستون.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السیارات ذاتیة القیادة سیارات ذاتیة القیادة الذکاء الاصطناعی من البشر
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي مجرد وهم.. باحثون يكشفون السبب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في تطور جديد يعيد تقييم فعالية الذكاء الاصطناعي، أعلن باحثون بإحدى شركات التكنولوجيا العملاقة أن الذكاء الاصطناعي، وخصوصًا النماذج اللغوية الكبيرة، يُظهر سلوكًا يُوحي بالذكاء ولكنه في الواقع مجرد وهم، هذه النماذج تُظهر قدرة على الاستجابة والتفاعل مع المستخدمين، إلا أنها تفتقر إلى التفكير المنطقي الحقيقي وفهم السياق العميق.
ووفقا لموقع techxplore أن الباحثون يقولون رغم التقدم الكبير الذي حققته تطبيقات الذكاء الاصطناعي، توضح دراسة باحثي شركة التكنولوجيا أن هذه التقنيات ما زالت بعيدة عن تحقيق ذكاء حقيقي، والنماذج الحالية تعتمد على تقنيات تحليل الأنماط بدلاً من الفهم العميق أو التفكير المنطقي، مما يجعلها أداة مفيدة ولكنها ليست بديلاً عن العقل البشري، ونُشر البحث عبر منصة arXiv preprint.
نقاط البحث الأساسية:
• أجريت الدراسة على نماذج لغوية كبيرة، مثل تلك المستخدمة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي الشائعة.
• أظهرت النتائج أن هذه النماذج لا تفهم الأسئلة المطروحة فهمًا حقيقيًا، بل تعتمد على بنية الجمل والخوارزميات المكتسبة.
الفرضية الأساسية للدراسة:
افترض الباحثون أن الذكاء الحقيقي، سواء للكائنات الحية أو الآلات، يتطلب القدرة على:
1. التمييز بين المعلومات ذات الصلة وغير ذات الصلة: مثال ذلك، إذا سأل طفل والده عن عدد التفاح في حقيبة تحتوي على تفاح صغير الحجم، يمكن للعقل البشري تجاهل حجم التفاح كعامل غير ذي صلة بالإجابة.
2. إظهار التفكير المنطقي: القدرة على استخلاص الاستنتاجات الصحيحة بناءً على المعطيات المتاحة.
اختبار النماذج اللغوية الكبيرة:
• استخدم الباحثون مئات الأسئلة التي استُخدمت سابقًا لتقييم قدرة النماذج اللغوية.
• أضيفت معلومات غير ذات صلة إلى هذه الأسئلة لقياس قدرة الذكاء الاصطناعي على تجاهلها.
• النتيجة: أدى وجود معلومات زائدة إلى إرباك الذكاء الاصطناعي، مما نتج عنه إجابات خاطئة أو غير منطقية.
نتائج البحث:
1. عدم الفهم الحقيقي للسياق
النماذج اللغوية الكبيرة لا تفهم الأسئلة فهمًا عميقًا. بدلاً من ذلك، تستند إلى التعرف على الأنماط وتوليد إجابات تعتمد على البيانات السابقة.
2. إجابات مضللة
أعطت النماذج إجابات بدت صحيحة ظاهريًا، لكنها عند الفحص الدقيق تبين أنها خاطئة أو غير متسقة مع المنطق.
3. الوهم الذكي
النماذج تظهر وكأنها “تفكر” أو “تشعر”، لكنها في الواقع تعتمد على خوارزميات تعليم الآلة للتفاعل مع المستخدم، دون وجود ذكاء حقيقي أو إدراك.
أمثلة توضيحية من البحث:
• سؤال بسيط: عند طرح سؤال على الذكاء الاصطناعي يتضمن معلومات غير ضرورية، غالبًا ما يدمجها في إجابته بدلاً من تجاهلها.
• الشعور والإحساس: عند سؤال الذكاء الاصطناعي عن “شعوره” تجاه أمر معين، قد يقدم إجابات تُوحي بأنه يشعر، لكن هذه مجرد خدعة لغوية تعتمد على بيانات التدريب.
دلالات البحث:
• النتائج تعزز وجهة النظر التي ترى أن الذكاء الاصطناعي ليس “ذكاءً” حقيقيًا بالمعنى البشري، بل هو نموذج إحصائي معقد.
• تؤكد الدراسة أن الذكاء الاصطناعي الحالي غير قادر على التفكير المنطقي أو فهم السياق كما يفعل الإنسان.
التحديات المستقبلية:
• تحسين قدرة النماذج اللغوية على الفصل بين المعلومات ذات الصلة وغير ذات الصلة.
• تطوير نماذج ذكاء اصطناعي تفهم السياق بشكل أفضل وتُظهر منطقًا أقرب للإنسان.
• تقليل الاعتماد على الأنماط الإحصائية وزيادة التركيز على التفاعل الديناميكي.