لجريدة عمان:
2025-01-05@13:03:39 GMT

زلزال مراكش مصابنا جميعا

تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT

مراكش تلك المدينة التّأريخيّة الّتي أنجبت العديد من النّجباء والأدباء والفقهاء، وكانت يوما ما عاصمة للمغرب في عهد المرابطين، وهي إحدى المدن الشّهيرة دينيّا وتأريخيّا وسياحيّا في الذّاكرة والواقع المغاربيّ، ومن المدن المهمّة على المستوى الإنسانيّ والعربيّ عموما، تميزت بمآثرها التّأريخيّة، وبحدائقها وأسواقها وأبوابها، وهي المدينة العلميّة والدّينيّة بعد فاس بالمغرب، وفي أوقات تأريخيّة تفوقت عليها.

هذه المدينة بجمال أهلها، وهدوء قاطنيها، وعراقة ماضيها، هي حاضرة في الذّاكرة العربيّة ولا تزال، إلّا أنّ ما حدث ليلة الجمعة الماضية في الحادية عشرة مساء بتوقيت المغرب، من زلزال تجاوزت درجته 6.8 درجة، وقد سكن النّاس في ليلتهم، وفي يوم عيدهم الأسبوعيّ، ليذهب ضحية الزّلزال أكثر من ألفي شخص، وأكثر من ألفي مصاب أيضا، من الأطفال والنّساء والشّيوخ والشّباب، والعديد منهم ما زال تحت الأنقاض.

هذا الخبر المؤلم علينا جميعا، هو فاجعة إنسانيّة مؤلمة، وهو يواجه تمظهرات الطّبيعة من زلازل وبراكين وأعاصير وفيضانات، ولانعدام العدل الاجتماعيّ كثيرا ما يكون ضحيّتها الطّبقات الدّنيا والفقيرة، بسبب السّكنات العشوائيّة والبدائيّة، والّتي تتأثر لأقل هزة أرضيّة، وما زال الملايين من سكان الوطن العربيّ خصوصا، وفي الدّول الكثيفة بالسّكان في العالم كالهند، والدّول الفقيرة كبنجلاديش، يواجهون قسوة الطّبيعة، وآلاف من البشر يشردون ويفارقون الحياة في العالم، لارتفاع العدالة في المجتمعات الإنسانيّة.

ومع هذا كلّه؛ أيّ مصاب في المجتمع الإنسانيّ مصاب الجميع، لا يفرح أحد أو يتفكه لمصاب أحد ما، في أيّ بقعة من العالم، كما أنّ أيّ تطوّر واستقرار وفرح إنسانيّ في أيّ بقعة من العالم يفرح الجميع، بعيدا عن الاختلافات الدّينيّة والسّياسيّة والعرقيّة؛ لأنّ الإنسان بماهيّته لا يختلف عن الآخر، فنحن نفرح ونحزن لاشتراكنا في الماهيّة ذاتها، وجميعنا أبناء الأرض جميعا، متساوون في حقّ التّنعم بالحياة، والاستفادة من خيراتها، واستثمار سننها وطبيعتها، كما أننا متساوون أيضا في التّضامن والتّعاون الإنسانيّ في مواجهة تحدّيات الطّبيعة، ومواجهة مصاعبها وشدائدها ونكباتها.

لهذا ما حدث من زلزال في مراكش بالمغرب هي فاجعة إنسانيّة، وليست مغربيّة أو عربيّة فقط، فأبناؤهم أبناؤنا، ونساؤهم نساؤنا، وشيوخهم آباؤنا، وشبابهم إخواننا، وما تعيشه مراكش اليوم خصوصا، والمغرب عموما، من هذا المصاب؛ نعيشه نحن أيضا، وهذا الألم سيبقى محفورا في ذاكرتنا، لولا الأمل الّذي أودعه الله في النّفوس البشريّة، لتتغلب على عواطفها، وتصبر في مصابها، وتقوم من بعد شدّتها، لتعود الحياة إلى مجاريها وطبيعتها، وهذه طبيعة الإنسان وهو يواجه قسوة الحياة، لطالما عايش شدائد الطّبيعة وقسوتها؛ إلّا أنّه استطاع أن يتكيّف ويتعايش معها، بل ويستثمرها لصالحه، ويكشف سبل مواجهتها، ليخفّف من آثارها وأضرارها.

ومع هذا لعل قضايا الزّلازل من أصعب القضايا الطّبيعيّة والجغرافيّة، ومع محاولة العلم للتّنبؤ قبل وقوعها، إلّا أنّ حركة الصّفائح الأرضيّة ما زالت معقدة، وليس من السّهولة في مناطق جغرافيّة كالمغرب حدوث التّنبؤ بها مسبقا، ولهذا جغرافيّة المغرب ليست من الجغرافيّات الّتي تكرّر حدوث الزّلازل فيها، إلّا أنّ حدوثها في المغرب آثاره وخيمة لبساطة البناء، خصوصا في العشوائيّات والمناطق الفقيرة، كما حدث في عام 1960م،

ومع كون الشّدائد والمصائب على فجاعتها تعطي دروسا للمستقبل؛ فهذا ما نرجوه للمجتمع الإنسانيّ عموما، والعربيّ خصوصا، أن يلتفتوا إلى الاهتمام بقضايا الكوارث الطّبيعيّة، وخصوصا الزّلازل، وأن يلتفت إليها، ودراسة ما يمكن تفاديه ولو قل في القدرة التّحمليّة للبناء، وفي مواجهة العشوائيّات، وتحقيق التّضامن الإنسانيّ في ذلك، ودعم البحوث العلميّة المعنيّة بقضايا الطّبيعة وسننها وكوارثها.

وما رأيناه من تضامن عربيّ ودوليّ، على مستوى الحكومات والشّعوب، بعد السّماع بهذا الخبر المؤلم، ومنها سلطنة عمان مثلا، فكانت أوامر خاصّة من لدن جلالة السلطان بإرسال فرق إنقاذ، ومساعدات إغاثيّة وعلاجيّة عاجلة؛ هو تجسيد واضح لهذه اللّحمة الإنسانيّة والعربيّة الواحدة، فالمغرب له مكانته قديما وحديثا في قلب أيّ عربيّ كان، وهو البوابة إلى العالم الحضاريّ الآخر، والمخلص يُعرف في الشّدة كما يُعرف في الرّخاء.

إنّ المغرب اليوم بحاجة إلى من يقف معه ليس لعجز فيه، فهو قويّ بذاته، ولكن المرء قوي بإخوانه، فهو بحاجة خصوصا فيما يتعلّق بفرق الإنقاذ، وخصوصا المساعدات الإنسانيّة العاجلة، ليتجاوز هذه المحنة إلى منحة، والشّدّة إلى يسر، فهو مرحلة وقت لتعود المياه إلى أفضل ممّا كانت، ويتعلّم الإنسان من هذه المصائب والشّدائد كيف يواجه مشاق الحياة ونكباتها.

صحيح أنّ الأرواح الّتي فارقتنا لا تعوّض، راجين من الله لهم الرّحمة والمغفرة، وللمصابين الشّفاء العاجل، وللمغرب ومراكش خالص العزاء والمواساة، ثمّ صحيح أنّ المجتمع الإنساني والمغربي عموما، والمراكشيّ خصوصا، سيعاني من ذاكرة مؤلمة، وهذا لا يمكن سدّه وغلق ذاكرته بكلمات ومسكنات، ولكن يبقى الإنسان قويّا في شدائده، ومترابطا عند مصابه، ومتقبلا لقدره، ليتعامل مع واقعه بعقلانيّة، وينظر إلى مستقبله بكل أمل وتفاؤل.

وإذا نظرنا إلى واقعنا العربيّ، ومع أنّ الكوارث الطّبيعيّة على شدّتها، وضخامة آثارها؛ إلّا أنّها قليلة لا تقارن بما يصنعه الإنسان من دمار فيها، بسبب الحروب والاستبداد، وارتفاع العدالة الاجتماعيّة، وعدم تحقّق المساواة في الذّات الإنسانيّة الواحدة، وما زالت العديد من الدّول العربيّة تتوالى في نكساتها، من القتل والفقر والمجاعة والتّشريد في الأرض، فبلاد الشّام على عراقتها؛ إلّا أنّ غالبها اليوم بين فقر وتشريد وحروب، من سوريّا وفلسطين ولبنان، ثمّ اليمن السّعيد بعدما فقد سعادته فأصبح اليمن الحزين، وكانت قبله العراق، وفرحنا أنّها بدأت تتعافى شيئا فشيئا، وتبعها السّودان، وما يحدث فيه الآن من صراعات أهليّة لا يرضي أحدا، وكذا الحال في ليبيا، مع المعاناة الاقتصاديّة كما في مصر وتونس، فهذه كوارث نحن نصنعها لا تقارن بكوارث الطّبيعة.

إننا في الوطن العربيّ بحاجة إلى شيء من التّعقل والإحياء، فمن العقل أن ندرك أننا أمّة واحدة في المجتمع الإنسانيّ الكبير، وما أقوله ليس تعصّبا، إلّا أننا كواقع إنسانيّ من أعظم أمم الأرض من حيث الماضي والتّأريخ، فهنا كانت الحضارات الأولى، كحضارة وادي النّيل، وحضارة وادي الرّافدين، وما نتج عنها من سومر وكلدان ومجان ودلمون وغيرها، وفي هذه المنطقة كانت رسالة موسى وعيسى ومحمّد، وهنا جميع المقدّسات في الأديان الإبراهيميّة، وفي المنطقة أكبر تعدّديّة عرقيّة ولغويّة ودينيّة ومذهبيّة وثقافيّة، وهنا أكثر خيرات الأرض من المعادن والزّروع والأنهار والبحار، كما نملك طاقات عقليّة يستفيد منها العالم الآخر أكثر من عالمهم، وما زالت تهاجر بسبب الاستبداد والصّراع والحروب، ولو تعقّلت هذه الأمّة العربيّة كما تعقلت غيرها من أمم الأرض، وأدركت أنّ دولها القطريّة مجرد دول إجرائيّة، وأنّ قوّتها في قوميّتها وأمتها الواحدة؛ لكانت اليوم من أعظم أمم الأرض، ولأكل أهلها من فوقهم وتحتهم ببركات وحدتها وتماسكها، ولكنها أبت إلّا كثرة الحديث والخطابات، فصرنا أوهن من بيت العنكبوت.

والتّعقل لا يقتصر عند الخطابات، بل لابدّ من إحياء، يبدأ بإحياء الإنسان ذاته، من حيث العدالة المعرفيّة والعلميّة والصّحيّة والماديّة الشّهوانيّة، ومن حيث إحياء الأرض، وتنمية الاقتصاد، وفتح أكبر درجات الإبداع والاختراع، ومواجهة الحروب والتّشريد والفقر والمرض والجهل والجوع، وتجاوز الانغلاقات والأيديولوجيّات الدّينيّة والسّياسيّة والعرقيّة والمناطقيّة والقبليّة والشّعوبيّة، إلى الماهيّة الإنسانيّة الواحدة، حينها نفكر بالإحياء بدل الفساد والدّمار، ومنها ندخل بحق في مرحلة الحضارة، فلسنا أضعف من الصّين، ولا أوهن من الهند، ولا أجبن من فارس، ولا أقلّ قدرات عقليّة من الغرب، ولكننا رضينا بالحدّ الأدنى، وطمعنا بالّذي هو أدنى عن الّذي هو خير.

لا أريد الحديث حول هذا، في وقت تعاني في مراكش والمغرب من هذا المصاب الجلل، ولكنّها فرصة أيضا لمراجعة الذّات، فجميل أن نكون أمّة واحدة في الشّدّة، إلّا أنّ الأجمل أن نكون أمّة واحدة في الرّخاء، وحسن أن نكون يدا واحدة في مواجهة آثار كوارث الطّبيعة، إلّا أنّه من الحسن أن نكون يدا واحدة في مواجهة الكوارث الّتي نصنعها نحن البشر بأيدينا، كما أنّها حالية إنسانيّة واجبة في التّعاون في إنقاذ من بقي من هذه الكوارث الطّبيعيّة، إلّا أنّه يجب إنسانيّا أيضا التّعاون المستمر في تحقيق العدالة والأمن الغذائيّ والإبداعيّ والنّفسيّ للجميع في أيّ وقت ومكان، فرحم الله ضحايا زلزال مراكش، ومنّ على من نجا بالصّحة والعافية، وأمدّ أهليهم والمغرب والوطن العربيّ والإنسانيّ بالصّبر والرّضا والتّعاون والبناء.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الإنسانی ة فی مواجهة واحدة فی إل ا أن ه العربی ة إنسانی ة أن نکون

إقرأ أيضاً:

لماذا تجاهل العراق الجانب الإنساني في قضية تسليم الخالدي؟

2 يناير، 2025

بغداد/المسلة:  أثار تسليم العراق للمعارض الكويتي سلمان الخالدي إلى الكويت موجة واسعة من الغضب الشعبي والنقاشات الحادة، حيث اعتبر البعض الخطوة تعسفية وغير مدروسة، متسائلين عن مدى الالتزام بالجوانب الإنسانية والسياسية في مثل هذه القضايا الحساسة.

الخالدي، الذي كان قد اراد اللجوء في العراق، كان يأمل في أن يجد ملاذًا آمنًا بعيدًا عن الملاحقات القضائية الكويتية، إلا أن القرار العراقي أثار حفيظة العديد من الناشطين والسياسيين الذين رأوا أن التسليم تم دون مراعاة كافية للظروف المحيطة.

تحليل قانوني معقد

وفي هذا السياق، صرح الخبير القانوني علي التميمي بأن العراق، وفقًا للقوانين الدولية والمحلية، قد يكون موقفه سليمًا قانونيًا، حيث أشار إلى أن تسليم المطلوبين الجنائيين يتماشى مع اتفاقيات دولية، مثل اتفاقية الإنتربول لعام 1956. وأكد أن الخالدي ليس لاجئًا سياسيًا أو إنسانيًا وفق التصنيفات المعترف بها، بل مطلوب جنائيًا بأحكام قضائية صدرت بحقه قبل لجوئه إلى العراق.

التميمي أوضح أن الاتفاقيات الدولية المتعلقة باللجوء، مثل اتفاقية عام 1951، تحظر تسليم اللاجئين السياسيين، لكنها لا تشمل المطلوبين في قضايا جنائية. وأضاف أن القانون العراقي رقم 51 لسنة 1971 يمنع تسليم اللاجئ السياسي إلا في حالات استثنائية، وهو ما لا ينطبق على حالة الخالدي وفق المعطيات القانونية.

وعلى الرغم من التبريرات القانونية، يرى منتقدو الخطوة أن الجانب الإنساني والسياسي كان يستوجب التروي وإجراء تحقيق معمق في ملف الخالدي قبل اتخاذ قرار التسليم. واعتبروا أن الإسراع في تسليمه قد يعكس ضغوطًا سياسية أو اتفاقات غير معلنة بين البلدين.

من جانب آخر، تصاعدت مطالبات داخلية بمراجعة سياسات العراق في التعامل مع اللاجئين والمعارضين السياسيين، لضمان التوازن بين الالتزامات الدولية والاعتبارات الإنسانية والوطنية.

تساؤلات شعبية وانتقادات واسعة

وعبر العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن استيائهم من القرار، حيث كتب أحدهم: “لماذا نمنح الأمان للاجئ ثم نسلمه؟ أين المصداقية؟”. بينما قال آخر: “إذا كان مذنبًا، لماذا لم يتم محاكمته داخل العراق؟ لماذا اللجوء إلى التسليم السريع؟”.

واعتبر ناشطون ان ما حدث، يخدش مصداقية الشعارات التي ترفع في العراق، سيما وان المعارض الكويتي زار المراقد الدينية المقدسة في كربلاء والنجف، وكان يعتقد انه سيجد فيها الأمن والأمان.

هذه القضية تسلط الضوء على تعقيدات التعامل مع ملفات اللجوء السياسي والإنساني في العراق، بين الالتزامات القانونية والدوافع السياسية، ما يفتح الباب أمام نقاشات أوسع حول ممارسات الدولة في هذا المجال ومدى التزامها بحقوق الإنسان.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

مقالات مشابهة

  • جمعية حقوق الإنسان بجهة مراكش تدين اعتقال منسق تنسيقية متضرري الزلزال
  • طائرة بريطانية تعود أدراجها بعد ساعة من الإقلاع صوب مراكش
  • تعليق ناري من مصطفى بكري عن تدهور الوضع الإنساني في غزة
  • “أوتشا”: الموقف الإنساني في قطاع غزة لا زال كارثيا
  • والي مراكش يدعو إلى احترام آجال انتهاء أشغال كأس أفريقيا
  • فرنسا تضخ 2 مليار يورو في مشروع خط القطار فائق السرعة القنيطرة مراكش
  • والي جهة مراكش آسفي يترأس اجتماعاً لمتابعة تقدم أشغال إعادة تهيئة ملعب مراكش الكبير استعداداً للمنافسات الدولية
  • إطلاق حملات مبتكرة لتعزيز العمل الإنساني في ماراثون دبي 2025
  • لماذا تجاهل العراق الجانب الإنساني في قضية تسليم الخالدي؟
  • lموسم سياحي استثنائي.. مراكش تسجل أكثر من 10 ملايين ليلة فندقية في 2024