لجريدة عمان:
2025-03-16@10:58:18 GMT

شي جين بينج فرغ من النظام العالمي القائم

تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT

اجتمع أغلب قادة العالم الأقوياء في نيودلهي في حدث هو الأبرز دبلوماسيا هذا العام ـ أي قمة مجموعة العشرين ـ لكن الرئيس الصيني شي جين بنج لم ير الحدث جديرا بوقته، ليبعث بغيابه إشارة قوية إلى أن الصين قد فرغت من النظام العالمي القائم.

يمثل هذا الانصراف عن القمة منعطفا دراماتيكيا في سياسة الصين الخارجية. لقد كان شي يسعى فيما يبدو على مدار السنوات العديدة الماضية إلى أن يجعل الصين بديلا للغرب.

وهو الآن يعمل على وضع بلاده في موضع الخصم الكامل، المستعد لتوحيد كتلته ضد الولايات المتحدة وشركائها والمؤسسات الدولية المدعومة منها.

ولقد كان انفصال شي عن المؤسسة متوقعا منذ وقت طويل. فقد قام أسلافه بدمج الصين في النظام العالمي أمريكي القيادة من خلال الانضمام إلى مؤسساته التأسيسية، من قبيل البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية. وقد عمل شي ـ طوال معظم فترة ولايته على مدار العقد الماضي ـ على الاحتفاظ بقدمه على باب ذلك النظام الغربي - حتى مع تدهور علاقات الصين مع الولايات المتحدة. بل إن الصين شاركت (وإن على مضض) في جهود مجموعة العشرين للمساعدة في تخفيف عبء الديون عن البلاد المتعثرة ذات الدخول المنخفضة.

ولكن شي ـ على مدار فترة حكمه، بات يعادي النظام القائم ويعقد العزم على تغييره. فانصب تركيزه على إنشاء مؤسسات بديلة يمكن أن تقودها بكين وتسيطر عليها. فقام بتأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية لمنافسة البنك الدولي في واشنطن على سبيل المثال، وشجَّع منتديات دولية منافسة، من قبيل منظمة شنغهاي للتعاون، التي تضم بين أعضائها روسيا وإيران.

وشي على استعداد للتمسك ببعض المؤسسات الراسخة، من قبيل الأمم المتحدة، إذ يعتقد أنه قادر على إعادة توجيهها بحيث تعزز أهدافه العالمية. لكن من الواضح أن مجموعة العشرين لم تكن واحدة من تلك المؤسسات. فالنظام الشيوعي الحاكم يبعث رئيس مجلس الدولة لي تشيانج إلى القمة بدلا من شي جين بينج، وهو ما يمثل ازدراء كبيرا لاجتماع من المفترض أن يتألف من كبار القادة.

وليس غريبا أن الحكومة الصينية لم تقدم أي تفسير لغياب شي. ولكن من السهل استخلاص منطق بسيط: فمن خلال تجاهل مجموعة العشرين، يحاول شي زعزعتها. فالمنتدى مليء بشركاء الولايات المتحدة، وبالتالي فهو رافض للتلاعب أو السيطرة الصينية، وعلاوة على ذلك، فقد بذلت المجموعة جهودا لجعل إدارة الشؤون العالمية أكثر شمولا - إذ رحبت بالاتحاد الإفريقي عضوا جديدا- ومن المرجح أن يرى شي جين بينج ذلك منافسة لخططه الخاصة بكسب أتباع في الجنوب العالمي.

بدلا من مؤسسات من قبيل مجموعة العشرين، يدفع شي بمنافسين يعتقد أنه قادر على السيطرة عليهم أو على حشدهم مع عملاء ودودين. ومن مثل هذه المنتديات مجموعة بريكس للبلاد النامية التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. ولقد كان شي يضغط من أجل التوسع السريع في عضوية مجموعة بريكس، وفي قمة المجموعة التي استضافتها جوهانسبرج في أغسطس، تحقق له ما أراد. إذ دعيت ست دول إضافية للانضمام، منها ثلاث دول على الأقل (مصر وإثيوبيا وإيران) تتمتع بعلاقات سياسية واقتصادية وثيقة مع الصين. ومن خلال هذا التوسع، حسبما يرى الخبير الاقتصادي هونج كيو تران في تقرير حديث، تهدف الصين إلى «تحويل مجموعة بريكس إلى منظمة داعمة لأجندة الصين الجيوسياسية» وإلى «مكان للنشاط السياسي المناهض للولايات المتحدة».

ويخطط شي أيضا لعقد المنتدى الثالث لمبادرة الحزام والطريق في وقت لاحق من العام الحالي. ومن المتوقع أن يقوم المشاركون في هذا المخطط الصيني لإقامة البنية الأساسية في العالم - أي الدول النامية بشكل رئيسي - بإرسال وفود رفيعة المستوى إلى بكين، على غرار بعثات الهدايا والهبات التي كانت الدول الأجنبية تبعثها لتكريم الأباطرة الصينيين في القرون الماضية. وبينما يجتمع زعماء العالم الآخرون في قمة مجموعة العشرين، يستضيف شي جين بينج زيارتين رسميتين لرئيسي فنزويلا وزامبيا، وهما الدولتان المدينتان بشدة للصين.

وتأتي الجهود المبذولة لبناء كتلة منافسة في وقت يشهد في ما يبدو نأي شي بنفسه عن الغرب. فقد استقبل هو وكبار كوادره أربعة مسؤولين أمريكيين كبارا في بكين في أقل من ثلاثة أشهر، كانت آخرهم وزيرة التجارة جينا ريموندو، التي قامت بالزيارة في أواخر أغسطس. لكن بكين لم ترد بإرسال أي شخص إلى واشنطن خلال هذه الفترة. وقد يشي هذا إلى أن شي منفتح على مواصلة الانخراط مع الولايات المتحدة فقط في حال انخراط الولايات المتحدة أيضا. وها هو شي الآن يغيب عن قمة مجموعة العشرين وحتى عن مصافحة للرئيس جو بايدن، ناهيكم بإجراء المزيد من المناقشات الجوهرية.

من المرجح أن يؤدي غيابه هذا إلى نتائج عكسية. فبالغياب عن المسرح، يتنازل عنه الزعيم الصيني لبايدن، فيستطيع ممارسة نفوذه في القمة دون منافسة صينية. فسوف تتاح لبايدن فرصة كاملة للثرثرة مع زملاء شي في مجموعة بريكس، ومنهم رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا والرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، فضلا عن فاعلين رئيسيين آخرين في الجنوب العالمي، من قبيل الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو. ولقد أصدرت الولايات المتحدة والهند بالفعل بيانا مشتركا تعهدتا فيه بتعميق تعاونهما. وأشار كيرت كامبل، كبير مساعدي بايدن لشؤون السياسة الآسيوية، إلى «خيبة الأمل الكبيرة» لدى المسؤولين الهنود لعدم حضور شي، «والامتنان لحضورنا».

فالغياب عن مجموعة العشرين يشكل في المقام الأول إهانة لمضيف قمة هذا العام، رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي يحتاج شي إلى دعمه إذا كان راغبا في إعادة تشكيل مجموعة بريكس. ومما زاد الطين بلة أن هذه البادرة تتزامن مع إصدار بكين لخريطة «رسمية» جديدة للصين أثارت غضب نيودلهي - وجزء كبير من بقية آسيا - من خلال ضمها لمناطق عليها نزاعات في بحر الصين الجنوبي، وولاية أروناشال براديش الهندية برمتها، وأراض أخرى عليها نزاعات على الحدود الهندية الصينية، وجزيرة سبق أن وافق الصينيون على تقاسمها مع روسيا.

ويشير جدل الخريطة إلى أن مساعي شي القومية إلى السلطة العالمية قد تقوض مساعيه إلى تزعم كتلة جديدة ضد الغرب. وربما لهذا السبب، خلص تحليل حديث أجرته شركة كابيتال إيكونوميكس للأبحاث إلى أنه «من غير المرجح» أن تصبح مجموعة بريكس ثقلا مكافئا للولايات المتحدة وحلفائها الرئيسيين: «فليست جميع البلاد متفقة مع وجهات نظر الصين وروسيا بشأن الغرب» حسبما زعم كاتب التقرير و«من المرجح أن يعيق الافتقار إلى اتفاق مشترك بين الدول الأعضاء التقدم في العديد من المجالات ويشكل عائقا أمام ظهور مجموعة بريكس بوصفها كتلة موحدة».

يبدو أن شي ينظر إلى المستقبل باعتباره منافسة ثنائية بين الصين والولايات المتحدة. وهو مخطئ في هذا. لأن النظام العالمي الذي ينشأ الآن يضم العديد من مراكز القوة، ولكل منها أهدافه ومصالحه. ولن تكون الصين تلقائيا المستفيد الرئيسي من النظام العالمي القادم، ولن يتدفق الجنوب العالمي بالضرورة إلى رايتها في نضال متجدد مناهض للكولونيالية.

إن شي، بازدرائه مجموعة العشرين، لا يبدي فقط معارضته للغرب، بل ويبدي غطرسة في التعامل مع القوى الناشئة التي يتوقع أن تنضم إليه. ولو أن شي راغب في الفوز باللعبة الجيوسياسية الكبرى، فلا بد أن يشارك فيها. لكنه، بدلا من ذلك، ينسحب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة النظام العالمی مجموعة العشرین مجموعة بریکس من قبیل من خلال إلى أن

إقرأ أيضاً:

انقسام في مجموعة السبع حول البيان الختامي

قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس أمس الخميس إنها متفائلة بشأن اتفاق وزراء خارجية مجموعة السبع على بيان مشترك، لكنها حذرت من أن هناك ليلة طويلة من المحادثات وأن بعض النقاط لا تزال بحاجة إلى جهد، في وقت أدى النهج التصالحي للرئيس الأميركي  دونالد ترامب تجاه موسكو إلى انقسام نادي الديمقراطيات الغنية.

وقالت كالاس لرويترز على هامش اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع في كندا "إذا لم نتمكن من التوصل إلى اتفاق بشأن البيان الختامي، فهذا يدل على الانقسام. إنه ليس في مصلحة أي من أعضاء مجموعة السبع"، مضيفة أن هناك صياغة جيدة بشأن أوكرانيا حتى الآن، وتأمل أن تبقى كذلك.

وتشعر دول المجموعة التي تضم بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة بقلق منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض وتقاربه مع روسيا وفرضه رسوما تجارية على حلفاء ومنافسين على حد سواء.

                          جولي ( يسار) التقت روبيو دون أن يردا على الصحفيين  (الفرنسية) اجتماع كندي أميركي

وقبل الاجتماع، التقت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي على انفراد مع نظيرها الأميركي ماركو روبيو، وهو أبرز مسؤول في إدارة ترامب يزور كندا منذ عودة الرئيس الجمهوري الى البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني.

وتصافح روبيو وجولي وجلسا إلى جنب وخلفهما أعلام أميركية وكندية. ولم يردا على أسئلة الصحافيين.

وعبرت جولي في الافتتاح الرسمي للاجتماع الوزاري لمجموعة السبع عن أملها في إيجاد سبل تمكّن القوى من مواصلة دعم أوكرانيا في مواجهة ما وصفته بالعدوان الروسي غير المشروع.

إعلان

وقالت "نريد جميعا أن نرى سلاما عادلا ودائما في أوكرانيا".

من ناحيته قال روبيو إنه يريد أن تتجنب مجموعة السبع اللغة "العدائية" تجاه روسيا، معتبرا أن من شأن ذلك أن يعيق الدبلوماسية التي يمكن أن تنهي الحرب التي أودت بعشرات الآلاف من الأشخاص.

ومنذ تسلم ترامب السلطة من سلفه جو بايدن باتت التصريحات الأميركية كثيرا ما تشير إلى "النزاع الروسي الأوكراني" وليس "غزو" روسيا لجارتها في 2022 كما اصطُلح على تسميته.

كما أثار ترامب صدمة لدى حلفائه ودفع بالأوروبيين لتسريع الحديث عن مستقبل دفاعي من دون واشنطن، بعدما وبّخ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي لعدم إظهار "الامتنان" للولايات المتحدة وعلّق مساعدات حيوية لكييف.

ووصل روبيو إلى كندا قادما من مدينة جدة السعودية حيث التقى مسؤولين أوكرانيين وافقوا على مقترح هدنة لمدة 30 يوما مع روسيا.

وفيما وافقت كييف قبل يومين على الاقتراح الأميركي، قال روبيو "ننتظر جميعا بفارغ الصبر رد" روسيا مؤكدا أن "الكرة الآن في ملعبها".

وأعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخميس عن تأييده بشكل عام لوقف لإطلاق النار، لكنه أشار إلى أنه يريد مناقشة الأمر مع ترامب، مؤكدا وجود أسئلة "جدية" لا تزال عالقة.

             كالاس: إذا أرادت روسيا إنهاء هذه الحرب، بإمكانها التوقف عن قصف أوكرانيا (الفرنسية) خلاف على البيان

وأفاد دبلوماسيون عن تباين بين الولايات المتحدة والدول الست بشأن البيان الختامي، لكن المجموعة تبحث في إيجاد صياغة يمكن أن تحقق الإجماع مثل تأييد اقتراح وقف إطلاق النار.

وحذرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك من أن "السلام في أوروبا لن يأتي إلا من خلال الصلابة".

وقالت على هامش محادثات مجموعة السبع "ما فائدة وقف إطلاق نار يؤدي بعد ذلك إلى مزيد من المعاناة والدمار والحرب في أوروبا، بعد عامين أو أربعة؟".

إعلان

وقالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس لشبكة "سي إن إن" من موقع الاجتماع "أريد التأكيد، حقا، أنه إذا أرادت روسيا إنهاء هذه الحرب، بإمكانها التوقف عن قصف أوكرانيا وهذه الحرب ستنتهي".

وبينما كان روبيو في كندا، جدد ترامب مواقفه المثيرة للجدل بحق أوتاوا. وقال للصحافيين في واشنطن إن كندا "تصلح فقط كولاية" إضافية أميركية.

أضاف "سيكون هذا البلد الأروع في العالم. اذا نظرتم الى الخريطة، ترون أنهم رسموا خطا مصطنعا بين كندا والولايات المتحدة".

 التجارة في كل اجتماع

وجاء الاجتماع الوزاري لمجموعة السبع بموازاة بدء واشنطن الأربعاء فرض رسوم بنسبة 25% على واردات الصلب والألومنيوم، ما استدعى ردا فوريا من أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة.

وسارع الاتحاد الأوروبي وكندا للكشف عن رسوم مضادة بقيمة مليارات الدولارات، فيما أكدت فرنسا أنها "مصممة على الرد" بعد تهديد ترامب بفرض ضريبة بنسبة 200 بالمئة على واردات النبيذ والشمبانيا وغيرها من المشروبات الكحولية.

وقالت جولي إنها تعتزم إثارة قضية الرسوم الجمركية في "كل اجتماع" لمجموعة السبع.

أما كالاس فاعتبرت أن الصين التي صنفها ترامب على أنها المنافس الأول للولايات المتحدة، قد استفادت من الحرب التجارية التي تشنها واشنطن على حلفائها.

وأضافت في مقابلة مع "سي ان ان" أن بكين "بالتأكيد تستفيد من هذا الأمر. لذلك لا يوجد رابحون"، مضيفة "في النهاية، ينتهي الأمر بالمستهلكين بدفع المزيد".

مقالات مشابهة

  • بيان «مجموعة السبع» يُغفل عبارة «الصين الواحدة».. وبكين ترد!
  • غطرسة وتحيز..الصين ترفض بيان مجموعة السبع
  • دول مجموعة الـ7 تلغي "الصين الواحدة" من بيانها الختامي
  • النمو في الصين لا يكفي لإخراج الاقتصاد العالمي من دائرة التباطؤ
  • جون بولتون: الصين تمثل عائقا كبيرا أمام النظام التجاري العالمي
  • انقسام في مجموعة السبع حول البيان الختامي
  • الصين تؤكد دعمها لليمن لتحقيق الاستقرار والتنمية
  • أبرز الفئات التي شملها قرار الداخلية السورية إلغاء بلاغات منع السفر
  • كحيلان: تم إلغاء المحاكم الاستثنائية التي سببت الآلام والمعاناة للشعب في زمن النظام البائد
  • بعد العشرين من آذار.. منخفض جوي يغير مشهد الطقس في العراق