شي جين بينج فرغ من النظام العالمي القائم
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
اجتمع أغلب قادة العالم الأقوياء في نيودلهي في حدث هو الأبرز دبلوماسيا هذا العام ـ أي قمة مجموعة العشرين ـ لكن الرئيس الصيني شي جين بنج لم ير الحدث جديرا بوقته، ليبعث بغيابه إشارة قوية إلى أن الصين قد فرغت من النظام العالمي القائم.
يمثل هذا الانصراف عن القمة منعطفا دراماتيكيا في سياسة الصين الخارجية. لقد كان شي يسعى فيما يبدو على مدار السنوات العديدة الماضية إلى أن يجعل الصين بديلا للغرب.
ولقد كان انفصال شي عن المؤسسة متوقعا منذ وقت طويل. فقد قام أسلافه بدمج الصين في النظام العالمي أمريكي القيادة من خلال الانضمام إلى مؤسساته التأسيسية، من قبيل البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية. وقد عمل شي ـ طوال معظم فترة ولايته على مدار العقد الماضي ـ على الاحتفاظ بقدمه على باب ذلك النظام الغربي - حتى مع تدهور علاقات الصين مع الولايات المتحدة. بل إن الصين شاركت (وإن على مضض) في جهود مجموعة العشرين للمساعدة في تخفيف عبء الديون عن البلاد المتعثرة ذات الدخول المنخفضة.
ولكن شي ـ على مدار فترة حكمه، بات يعادي النظام القائم ويعقد العزم على تغييره. فانصب تركيزه على إنشاء مؤسسات بديلة يمكن أن تقودها بكين وتسيطر عليها. فقام بتأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية لمنافسة البنك الدولي في واشنطن على سبيل المثال، وشجَّع منتديات دولية منافسة، من قبيل منظمة شنغهاي للتعاون، التي تضم بين أعضائها روسيا وإيران.
وشي على استعداد للتمسك ببعض المؤسسات الراسخة، من قبيل الأمم المتحدة، إذ يعتقد أنه قادر على إعادة توجيهها بحيث تعزز أهدافه العالمية. لكن من الواضح أن مجموعة العشرين لم تكن واحدة من تلك المؤسسات. فالنظام الشيوعي الحاكم يبعث رئيس مجلس الدولة لي تشيانج إلى القمة بدلا من شي جين بينج، وهو ما يمثل ازدراء كبيرا لاجتماع من المفترض أن يتألف من كبار القادة.
وليس غريبا أن الحكومة الصينية لم تقدم أي تفسير لغياب شي. ولكن من السهل استخلاص منطق بسيط: فمن خلال تجاهل مجموعة العشرين، يحاول شي زعزعتها. فالمنتدى مليء بشركاء الولايات المتحدة، وبالتالي فهو رافض للتلاعب أو السيطرة الصينية، وعلاوة على ذلك، فقد بذلت المجموعة جهودا لجعل إدارة الشؤون العالمية أكثر شمولا - إذ رحبت بالاتحاد الإفريقي عضوا جديدا- ومن المرجح أن يرى شي جين بينج ذلك منافسة لخططه الخاصة بكسب أتباع في الجنوب العالمي.
بدلا من مؤسسات من قبيل مجموعة العشرين، يدفع شي بمنافسين يعتقد أنه قادر على السيطرة عليهم أو على حشدهم مع عملاء ودودين. ومن مثل هذه المنتديات مجموعة بريكس للبلاد النامية التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. ولقد كان شي يضغط من أجل التوسع السريع في عضوية مجموعة بريكس، وفي قمة المجموعة التي استضافتها جوهانسبرج في أغسطس، تحقق له ما أراد. إذ دعيت ست دول إضافية للانضمام، منها ثلاث دول على الأقل (مصر وإثيوبيا وإيران) تتمتع بعلاقات سياسية واقتصادية وثيقة مع الصين. ومن خلال هذا التوسع، حسبما يرى الخبير الاقتصادي هونج كيو تران في تقرير حديث، تهدف الصين إلى «تحويل مجموعة بريكس إلى منظمة داعمة لأجندة الصين الجيوسياسية» وإلى «مكان للنشاط السياسي المناهض للولايات المتحدة».
ويخطط شي أيضا لعقد المنتدى الثالث لمبادرة الحزام والطريق في وقت لاحق من العام الحالي. ومن المتوقع أن يقوم المشاركون في هذا المخطط الصيني لإقامة البنية الأساسية في العالم - أي الدول النامية بشكل رئيسي - بإرسال وفود رفيعة المستوى إلى بكين، على غرار بعثات الهدايا والهبات التي كانت الدول الأجنبية تبعثها لتكريم الأباطرة الصينيين في القرون الماضية. وبينما يجتمع زعماء العالم الآخرون في قمة مجموعة العشرين، يستضيف شي جين بينج زيارتين رسميتين لرئيسي فنزويلا وزامبيا، وهما الدولتان المدينتان بشدة للصين.
وتأتي الجهود المبذولة لبناء كتلة منافسة في وقت يشهد في ما يبدو نأي شي بنفسه عن الغرب. فقد استقبل هو وكبار كوادره أربعة مسؤولين أمريكيين كبارا في بكين في أقل من ثلاثة أشهر، كانت آخرهم وزيرة التجارة جينا ريموندو، التي قامت بالزيارة في أواخر أغسطس. لكن بكين لم ترد بإرسال أي شخص إلى واشنطن خلال هذه الفترة. وقد يشي هذا إلى أن شي منفتح على مواصلة الانخراط مع الولايات المتحدة فقط في حال انخراط الولايات المتحدة أيضا. وها هو شي الآن يغيب عن قمة مجموعة العشرين وحتى عن مصافحة للرئيس جو بايدن، ناهيكم بإجراء المزيد من المناقشات الجوهرية.
من المرجح أن يؤدي غيابه هذا إلى نتائج عكسية. فبالغياب عن المسرح، يتنازل عنه الزعيم الصيني لبايدن، فيستطيع ممارسة نفوذه في القمة دون منافسة صينية. فسوف تتاح لبايدن فرصة كاملة للثرثرة مع زملاء شي في مجموعة بريكس، ومنهم رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا والرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، فضلا عن فاعلين رئيسيين آخرين في الجنوب العالمي، من قبيل الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو. ولقد أصدرت الولايات المتحدة والهند بالفعل بيانا مشتركا تعهدتا فيه بتعميق تعاونهما. وأشار كيرت كامبل، كبير مساعدي بايدن لشؤون السياسة الآسيوية، إلى «خيبة الأمل الكبيرة» لدى المسؤولين الهنود لعدم حضور شي، «والامتنان لحضورنا».
فالغياب عن مجموعة العشرين يشكل في المقام الأول إهانة لمضيف قمة هذا العام، رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي يحتاج شي إلى دعمه إذا كان راغبا في إعادة تشكيل مجموعة بريكس. ومما زاد الطين بلة أن هذه البادرة تتزامن مع إصدار بكين لخريطة «رسمية» جديدة للصين أثارت غضب نيودلهي - وجزء كبير من بقية آسيا - من خلال ضمها لمناطق عليها نزاعات في بحر الصين الجنوبي، وولاية أروناشال براديش الهندية برمتها، وأراض أخرى عليها نزاعات على الحدود الهندية الصينية، وجزيرة سبق أن وافق الصينيون على تقاسمها مع روسيا.
ويشير جدل الخريطة إلى أن مساعي شي القومية إلى السلطة العالمية قد تقوض مساعيه إلى تزعم كتلة جديدة ضد الغرب. وربما لهذا السبب، خلص تحليل حديث أجرته شركة كابيتال إيكونوميكس للأبحاث إلى أنه «من غير المرجح» أن تصبح مجموعة بريكس ثقلا مكافئا للولايات المتحدة وحلفائها الرئيسيين: «فليست جميع البلاد متفقة مع وجهات نظر الصين وروسيا بشأن الغرب» حسبما زعم كاتب التقرير و«من المرجح أن يعيق الافتقار إلى اتفاق مشترك بين الدول الأعضاء التقدم في العديد من المجالات ويشكل عائقا أمام ظهور مجموعة بريكس بوصفها كتلة موحدة».
يبدو أن شي ينظر إلى المستقبل باعتباره منافسة ثنائية بين الصين والولايات المتحدة. وهو مخطئ في هذا. لأن النظام العالمي الذي ينشأ الآن يضم العديد من مراكز القوة، ولكل منها أهدافه ومصالحه. ولن تكون الصين تلقائيا المستفيد الرئيسي من النظام العالمي القادم، ولن يتدفق الجنوب العالمي بالضرورة إلى رايتها في نضال متجدد مناهض للكولونيالية.
إن شي، بازدرائه مجموعة العشرين، لا يبدي فقط معارضته للغرب، بل ويبدي غطرسة في التعامل مع القوى الناشئة التي يتوقع أن تنضم إليه. ولو أن شي راغب في الفوز باللعبة الجيوسياسية الكبرى، فلا بد أن يشارك فيها. لكنه، بدلا من ذلك، ينسحب.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة النظام العالمی مجموعة العشرین مجموعة بریکس من قبیل من خلال إلى أن
إقرأ أيضاً:
السفارة الأمريكية توقع على عقد إيجار عقار في طرابلس
وقع القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة الأمريكية لدى ليبيا جيريمي برنت مع مدير مصلحة أملاك الدولة بشير قنيجيوة، على عقد إيجار عقار سيتيح الاستمرار في تطوير مبنى السفارة الجديد في طرابلس.
وبحسب ما نقل حساب السفارة الأمريكية على منصة “إكس”، فقد وصف برنت التوقيع بالخطوة الهامة نحو استئناف العمليات الدبلوماسية الأمريكية في ليبيا بشكل كامل.
وجدد القائم بالأعمال التزام الولايات المتحدة بتعزيز شراكتها مع ليبيا والشعب الليبي في جميع أنحاء البلاد.
وأضاف برنت: “كان من دواعي شرفي أن أكون برفقة بشير قنيجيوة، مدير مصلحة أملاك الدولة، للاحتفال بهذه المناسبة ولشكره على الدعم الثمين الذي قدمه المسؤولون الليبيون لجهودنا”.
يُشار إلى أن مجلس وزراء حكومة الوحدة الوطنية، وافق في وقت سابق، على تخصيص عقار ببلدية جنزور مساحته 20 ألف متر مربع لصالح سفارة الولايات المتحدة لدى ليبيا، حيث نص القرار رقم 290 لسنة 2024، على أن تكون حدود العقار الشمالية البحر الأبيض المتوسط، وجنوبا طريق معبد، وشرقا وغربا الدولة الليبية.
ووجه القرار مصلحتي أملاك الدولة والتسجيل العقاري باستكمال إجراءات التخصيص.
آخر تحديث: 20 ديسمبر 2024 - 21:55