لجريدة عمان:
2025-04-18@00:45:50 GMT

شي جين بينج فرغ من النظام العالمي القائم

تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT

اجتمع أغلب قادة العالم الأقوياء في نيودلهي في حدث هو الأبرز دبلوماسيا هذا العام ـ أي قمة مجموعة العشرين ـ لكن الرئيس الصيني شي جين بنج لم ير الحدث جديرا بوقته، ليبعث بغيابه إشارة قوية إلى أن الصين قد فرغت من النظام العالمي القائم.

يمثل هذا الانصراف عن القمة منعطفا دراماتيكيا في سياسة الصين الخارجية. لقد كان شي يسعى فيما يبدو على مدار السنوات العديدة الماضية إلى أن يجعل الصين بديلا للغرب.

وهو الآن يعمل على وضع بلاده في موضع الخصم الكامل، المستعد لتوحيد كتلته ضد الولايات المتحدة وشركائها والمؤسسات الدولية المدعومة منها.

ولقد كان انفصال شي عن المؤسسة متوقعا منذ وقت طويل. فقد قام أسلافه بدمج الصين في النظام العالمي أمريكي القيادة من خلال الانضمام إلى مؤسساته التأسيسية، من قبيل البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية. وقد عمل شي ـ طوال معظم فترة ولايته على مدار العقد الماضي ـ على الاحتفاظ بقدمه على باب ذلك النظام الغربي - حتى مع تدهور علاقات الصين مع الولايات المتحدة. بل إن الصين شاركت (وإن على مضض) في جهود مجموعة العشرين للمساعدة في تخفيف عبء الديون عن البلاد المتعثرة ذات الدخول المنخفضة.

ولكن شي ـ على مدار فترة حكمه، بات يعادي النظام القائم ويعقد العزم على تغييره. فانصب تركيزه على إنشاء مؤسسات بديلة يمكن أن تقودها بكين وتسيطر عليها. فقام بتأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية لمنافسة البنك الدولي في واشنطن على سبيل المثال، وشجَّع منتديات دولية منافسة، من قبيل منظمة شنغهاي للتعاون، التي تضم بين أعضائها روسيا وإيران.

وشي على استعداد للتمسك ببعض المؤسسات الراسخة، من قبيل الأمم المتحدة، إذ يعتقد أنه قادر على إعادة توجيهها بحيث تعزز أهدافه العالمية. لكن من الواضح أن مجموعة العشرين لم تكن واحدة من تلك المؤسسات. فالنظام الشيوعي الحاكم يبعث رئيس مجلس الدولة لي تشيانج إلى القمة بدلا من شي جين بينج، وهو ما يمثل ازدراء كبيرا لاجتماع من المفترض أن يتألف من كبار القادة.

وليس غريبا أن الحكومة الصينية لم تقدم أي تفسير لغياب شي. ولكن من السهل استخلاص منطق بسيط: فمن خلال تجاهل مجموعة العشرين، يحاول شي زعزعتها. فالمنتدى مليء بشركاء الولايات المتحدة، وبالتالي فهو رافض للتلاعب أو السيطرة الصينية، وعلاوة على ذلك، فقد بذلت المجموعة جهودا لجعل إدارة الشؤون العالمية أكثر شمولا - إذ رحبت بالاتحاد الإفريقي عضوا جديدا- ومن المرجح أن يرى شي جين بينج ذلك منافسة لخططه الخاصة بكسب أتباع في الجنوب العالمي.

بدلا من مؤسسات من قبيل مجموعة العشرين، يدفع شي بمنافسين يعتقد أنه قادر على السيطرة عليهم أو على حشدهم مع عملاء ودودين. ومن مثل هذه المنتديات مجموعة بريكس للبلاد النامية التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. ولقد كان شي يضغط من أجل التوسع السريع في عضوية مجموعة بريكس، وفي قمة المجموعة التي استضافتها جوهانسبرج في أغسطس، تحقق له ما أراد. إذ دعيت ست دول إضافية للانضمام، منها ثلاث دول على الأقل (مصر وإثيوبيا وإيران) تتمتع بعلاقات سياسية واقتصادية وثيقة مع الصين. ومن خلال هذا التوسع، حسبما يرى الخبير الاقتصادي هونج كيو تران في تقرير حديث، تهدف الصين إلى «تحويل مجموعة بريكس إلى منظمة داعمة لأجندة الصين الجيوسياسية» وإلى «مكان للنشاط السياسي المناهض للولايات المتحدة».

ويخطط شي أيضا لعقد المنتدى الثالث لمبادرة الحزام والطريق في وقت لاحق من العام الحالي. ومن المتوقع أن يقوم المشاركون في هذا المخطط الصيني لإقامة البنية الأساسية في العالم - أي الدول النامية بشكل رئيسي - بإرسال وفود رفيعة المستوى إلى بكين، على غرار بعثات الهدايا والهبات التي كانت الدول الأجنبية تبعثها لتكريم الأباطرة الصينيين في القرون الماضية. وبينما يجتمع زعماء العالم الآخرون في قمة مجموعة العشرين، يستضيف شي جين بينج زيارتين رسميتين لرئيسي فنزويلا وزامبيا، وهما الدولتان المدينتان بشدة للصين.

وتأتي الجهود المبذولة لبناء كتلة منافسة في وقت يشهد في ما يبدو نأي شي بنفسه عن الغرب. فقد استقبل هو وكبار كوادره أربعة مسؤولين أمريكيين كبارا في بكين في أقل من ثلاثة أشهر، كانت آخرهم وزيرة التجارة جينا ريموندو، التي قامت بالزيارة في أواخر أغسطس. لكن بكين لم ترد بإرسال أي شخص إلى واشنطن خلال هذه الفترة. وقد يشي هذا إلى أن شي منفتح على مواصلة الانخراط مع الولايات المتحدة فقط في حال انخراط الولايات المتحدة أيضا. وها هو شي الآن يغيب عن قمة مجموعة العشرين وحتى عن مصافحة للرئيس جو بايدن، ناهيكم بإجراء المزيد من المناقشات الجوهرية.

من المرجح أن يؤدي غيابه هذا إلى نتائج عكسية. فبالغياب عن المسرح، يتنازل عنه الزعيم الصيني لبايدن، فيستطيع ممارسة نفوذه في القمة دون منافسة صينية. فسوف تتاح لبايدن فرصة كاملة للثرثرة مع زملاء شي في مجموعة بريكس، ومنهم رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا والرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، فضلا عن فاعلين رئيسيين آخرين في الجنوب العالمي، من قبيل الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو. ولقد أصدرت الولايات المتحدة والهند بالفعل بيانا مشتركا تعهدتا فيه بتعميق تعاونهما. وأشار كيرت كامبل، كبير مساعدي بايدن لشؤون السياسة الآسيوية، إلى «خيبة الأمل الكبيرة» لدى المسؤولين الهنود لعدم حضور شي، «والامتنان لحضورنا».

فالغياب عن مجموعة العشرين يشكل في المقام الأول إهانة لمضيف قمة هذا العام، رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي يحتاج شي إلى دعمه إذا كان راغبا في إعادة تشكيل مجموعة بريكس. ومما زاد الطين بلة أن هذه البادرة تتزامن مع إصدار بكين لخريطة «رسمية» جديدة للصين أثارت غضب نيودلهي - وجزء كبير من بقية آسيا - من خلال ضمها لمناطق عليها نزاعات في بحر الصين الجنوبي، وولاية أروناشال براديش الهندية برمتها، وأراض أخرى عليها نزاعات على الحدود الهندية الصينية، وجزيرة سبق أن وافق الصينيون على تقاسمها مع روسيا.

ويشير جدل الخريطة إلى أن مساعي شي القومية إلى السلطة العالمية قد تقوض مساعيه إلى تزعم كتلة جديدة ضد الغرب. وربما لهذا السبب، خلص تحليل حديث أجرته شركة كابيتال إيكونوميكس للأبحاث إلى أنه «من غير المرجح» أن تصبح مجموعة بريكس ثقلا مكافئا للولايات المتحدة وحلفائها الرئيسيين: «فليست جميع البلاد متفقة مع وجهات نظر الصين وروسيا بشأن الغرب» حسبما زعم كاتب التقرير و«من المرجح أن يعيق الافتقار إلى اتفاق مشترك بين الدول الأعضاء التقدم في العديد من المجالات ويشكل عائقا أمام ظهور مجموعة بريكس بوصفها كتلة موحدة».

يبدو أن شي ينظر إلى المستقبل باعتباره منافسة ثنائية بين الصين والولايات المتحدة. وهو مخطئ في هذا. لأن النظام العالمي الذي ينشأ الآن يضم العديد من مراكز القوة، ولكل منها أهدافه ومصالحه. ولن تكون الصين تلقائيا المستفيد الرئيسي من النظام العالمي القادم، ولن يتدفق الجنوب العالمي بالضرورة إلى رايتها في نضال متجدد مناهض للكولونيالية.

إن شي، بازدرائه مجموعة العشرين، لا يبدي فقط معارضته للغرب، بل ويبدي غطرسة في التعامل مع القوى الناشئة التي يتوقع أن تنضم إليه. ولو أن شي راغب في الفوز باللعبة الجيوسياسية الكبرى، فلا بد أن يشارك فيها. لكنه، بدلا من ذلك، ينسحب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة النظام العالمی مجموعة العشرین مجموعة بریکس من قبیل من خلال إلى أن

إقرأ أيضاً:

مجموعة السبع تندد بهجمات ميليشيات الدعم السريع ضد المدنيين في السودان

أصدر وزراء خارجية مجموعة السبع مساء أمس الثلاثاء بيانًا دعوا فيه إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في السودان، وأدانوا هجمات ميليشيات الدعم السريع.

ذكرى اندلاع الحرب في السودان

وقال وزراء خارجية "السبع" في بيان مشترك "نحن، وزراء خارجية مجموعة السبع (كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية)، والممثل السامي للاتحاد الأوروبي، ندين بشدة استمرار الصراع والفظائع والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في السودان، في الوقت الذي يُحيي فيه العالم ذكرى مرور عامين على بدء الحرب المدمرة بين القوات المسلحة السودانية وميليشيات الدعم السريع".

اليونيسف: 15 مليون طفل في السودان بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانيةالأمم المتحدة: نزوح 12 مليون لاجئ من السودان و30 مليون يفتقدون الدعم الإنساني

وأضاف البيان أنه "نتيجةً مباشرة لأعمال القوات المسلحة السودانية والدعم السريع، يعاني شعب السودان، وخاصة النساء والأطفال، من أكبر أزمات النزوح والأزمات الإنسانية في العالم، واستمرار الفظائع، بما في ذلك العنف الجنسي واسع النطاق المرتبط بالنزاعات، والهجمات ذات الدوافع العرقية، وعمليات القتل الانتقامية، يجب وضع حدٍّ لهذه الأعمال فورًا".

هجمات الدعم السريع في الفاشر

وأدانت مجموعة السبع بشدة هجمات ميليشيات الدعم السريع في الفاشر ومحيطها على مخيمي زمزم وأبو شوك للنازحين داخليًا، والتي تسببت في سقوط العديد من الضحايا، بمن فيهم العاملون في المجال الإنساني، مطالبة بحماية المدنيين والسماح لهم بالمرور الآمن.

المجاعة في السودان

وأشار البيان إلى أنه مع استمرار انتشار المجاعة في السودان، يشعر أعضاء مجموعة الدول السبع بالقلق إزاء التقارير التي تفيد باستخدام تجويع المدنيين كأسلوب حرب، ويؤكدون مجددًا أن مثل هذه الأعمال محظورة بموجب القانون الإنساني الدولي.

نقيب الصحفيين السودانيين: مقتل 28 صحفيا منذ اندلاع الحرب في السودانالإمارات تدعو للوقف الفوري وغير المشروط لإطلاق النار في السودان

ودعا البيان الأطراف المتحاربة إلى الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي والتزاماتها بموجب إعلان جدة، والتي تشمل المسؤولية الحاسمة عن التمييز في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين، وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية.

معابر السودان

وطالب جميع أطراف النزاع إلى رفع العوائق أمام تقديم المساعدة الإنسانية الفعالة عبر خطوط التماس، وتوفير ضمانات السلامة والأمن للجهات الإنسانية المحلية والدولية، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية عبر جميع المعابر الحدودية إلى السودان، بما في ذلك جنوب السودان وتشاد. 

وتابع "نُدرك الدور الهام لغرف الطوارئ في توفير الحماية للمدنيين، وندعو إلى حمايتهم كما ندعو جميع الأطراف إلى الامتناع عن شنّ هجمات على البنية التحتية الحيوية التي يعتمد عليها المدنيون، بما في ذلك السدود وأنظمة الاتصالات".

حرب السودان تدخل عامها الثالث.. جرائم حرب في دارفور وانهيار شامل بالشمالمدير الصحة العالمية: عامان من الصراع تسببا في تجويع الملايين بالسودان

ودعا بيان مجموعة السبع إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، وحثّ كلاً من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على الانخراط بشكل هادف في مفاوضات جادة وبناءة، ويجب على جميع الجهات الخارجية الفاعلة وقف أي دعم من شأنه أن يزيد من تأجيج الصراع، وذلك وفقاً لإعلان المبادئ المُعتمد في المؤتمر الإنساني الدولي للسودان ودول الجوار في باريس عام ٢٠٢٤، وحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على دارفور.

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تدين قصف مستشفى المعمداني
  • الرئيس الصيني: الحروب التجارية تقوض نظام التجارة وتدمر الاقتصاد العالمي
  • الرئيس الصيني: الحروب التجارية تقوض نظام التجارة المتعدد الأطراف وتعطل النظام الاقتصادي العالمي
  • كاتب أميركي: هكذا يمكن لقوة عظمى مارقة أن تعيد تشكيل النظام العالمي
  • مجموعة السبع تدعو إلى وقف فوري للحرب في السودان
  • "مجموعة أوكيو" تعزز التعاون العُماني- الهولندي المشترك لتحفيز التحوّل العالمي في مجال الطاقة
  • أسامة ربيع: أزمة البحر الأحمر كشفت أهمية قناة السويس في النظام التجاري العالمي
  • الإمارات تُفرج عن رجل أعمال سوري بعد ست سنوات من اعتقاله..عاد مع الشرع
  • مجموعة السبع تندد بهجمات ميليشيات الدعم السريع ضد المدنيين في السودان
  • إيران والولايات المتحدة: تحت ظلال الردع وإعادة تشكيل النظام الدولي