يروج الحوثة لأكذوبة انتصارهم على أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات أو كما يقال على 17 دولة.. بل ويعتبرون ذلك معجزة وتأييدا سماويا لعبدالملك الحوثي وأبناء عمومته كونهم كما يصفون انفسهم أحفاد الرسول عليه الصلاة والسلام!
عندما كان هناك توجه حقيقي لكسر الحوثي، تم تحرير مساحات واسعة في الشمال والجنوب والوسط خلال فترة وجيزة ووصلت القوات الشرعية إلى أبواب العاصمة ثم أوقفوها بالقرب من نقيل بن غيلان بذريعة المشاورات، حينها كان الحوثي في أضعف مراحله.

تلا ذلك إيقاف تحرير الحديدة بعدما كانت القوات قد سيطرت على مناطق شاسعة خلال أيام حتى وصلت إلى أبوب الميناء. وقد أوقفت عملية تحرير الحديدة بذريعة الوضع الإنساني ليتم توقيع ما سمي باتفاقية ستوكهولم. بعدها توقفت "معارك التحرير" عمليا، وتحول الحوثي من الدفاع إلى الهجوم وعاد إلى بعض المناطق أمام حاجة القوات الحكومية إلى توفر الأسلحة النوعية والذخيرة الكافية التي يمكن من خلالها إكمال عملية التحرير منفردة وتلك رغبة الدول العظمى التي رفعت شعار (فشل الحل العسكري أو استحالة الحسم العسكري). وبالمناسبة، الدول العظمى هي نفسها التي يدعي الحوثي أنه انتصر عليها.
الحوثي لم ينتصر على 17 دولة كما يردد الحمقى.. بل تم الحفاظ عليه ليبقى اليمن في حالة اللاسلم واللاحرب بما يساعد على ابتزاز دول شبه الجزيرة العربية، والسيطرة على الممرات البحرية.
بمعنى، ثمة من يريد إبقاء اليمن مجزءًا وغير مستقر، ولن يجدوا غير الحوثي كمرتزق يحقق لهم هذه الغاية. فالحوثية لا يمكن أن تنجح في الحكم، لكنها تستطيع أن تطيل حالة الفوضى والخراب. هي تتحكم ولا تحكم، وثمة فرق بين الحكم والتحكم. فللحكم أصوله وضوابطه وشروطه، وهذه العصابة لا تجيد إلا التعطيل وصناعة الفوضى وترديد الشعارات والأكاذيب. وقد مرت حوالي تسع سنوات عجاف بالرغم من أن هذه العصابة قد سطت على الدولة ومؤسساتها وامكانياتها وتمكنت من التحكم بأهم الكفاءات في العاصمة لكنها فشلت في توفير أبسط احتياجات المواطن، بعكس الحكومة اليمنية التي بدأت في عدن المدمرة بسبب عدوان الحوثي عليها فضلا عن كون هذه المدينة لم تكن مؤهلة لتكون عاصمة اليمن.. فلا بنية تحتيته ولا مؤسسات ولا كوادر مؤهلة. مع ذلك نجحت الحكومة في توفير كثير من احتياجات المواطنين مقارنة بعجز الحوثيين، وظلت تصرف المرتبات رغم الفوضى الناتجة عن الحرب.
وبالعودة إلى أكذوبة انتصار الحوثي، يتساءل البعض: نحن نعلم أن الحوثي ليس قويا وليس له جمهور..
المؤتمري لا يريد الحوثي..
الإصلاحي لا يريد الحوثي..
الاشتراكي لا يريد الحوثي..
الناصري لا يريد الحوثي..
السلفي لا يريد الحوثي..
المستقل لا يريد الحوثي..
العلماني لا يريد الحوثي..
الشمالي لا يريد الحوثي..
الجنوبي لا يريد الحوثي..
الفقراء لا يريدون الحوثي..
الأغنياء لا يريدون الحوثي..
لا يصطف مع الحوثة إلا ممن ينتمون إلى السلالة وبعض الانتهازيين والفاسدين ممن يبحثون عن المصالح، وهؤلاء قليلون جدا، إلى جانب بعض الجهلة. أما أغلب اليمنيين وإن صرخوا: الموت للبطيخ.. فهم يكرهون الحوثي، لكنهم يفعلون ذلك اتقاءً لشره وقبحه، وليحصلوا على أبسط احتياجاتهم بعدما اعتمد سياسة التجويع سيرا على نهج أجداده الأئمة.

إذا كان الأمر كذلك.. ما الذي حدث؟ كيف بقت العصابة حتى اليوم؟

ثمة جملة من الأسباب المتعلقة باليمن واليمنيين، وأسباب أخرى لها علاقة بعوامل وتفاصيل إقليمية ودولية ربما نتحدث عنها مستقبلا. لكن كانت سياسة "خنق الرهائن" الحوثية من أهم الوسائل التي مكنتهم من البقاء.. حيث حولوا اليمنيين لديهم إلى رهائن، ومن خلالهم تمكنوا من ابتزاز الحكومة اليمنية والتحالف العربي وهو ما ساعد في صمودهم كجماعة إرهابية.
نجحت العصابة في إبقاء سيطرتها حتى الآن باستخدام وسائل غير شريفة على رأسها تحويل اليمنيين -في أماكن تواجدها- إلى مجموعة من الرهائن الجياع لتضغط من خلالهم على الحكومة اليمنية ودول التحالف والإقليم لتنفيذ مطالبها.
تماما.. كما تفعل عصابة مسلحة اقتحمت مصرفا، وحولت الموظفين والمعاملين فيه رغم كثرتهم إلى رهائن، وهددت بتفجير المكان وتدمير كل شيء أو على الأقل قتل الرهائن لتضغط على الجيش والأمن خارج مبنى البنك ليوفر لهم ما يريدونه من مال ووسائل نقل تمكنهم من الهروب بالأموال التي سرقوها، أو تنفيذ بعض المطالب الأخرى خارج المصرف. حينها تضطر القوات خارج المبنى -رغم مشروعيتها وقانونيتها وقوتها وإمكانياتها الضخمة- للخضوع لمطالب العصابة التي لا يتجاوز أفرادها عدد أصابع اليد، حرصا على الرهائن. مثل هذه الحادثة تكررت كثيرا.
هذا ما حدث بالضبط في اليمن..
المسألة ليست قوة ولا تأييدا إلهيا كما يروج الحوثي وأصحابه، بل عوامل إقليمية ودولية إضافة لخسة سلالية ضحّت بحقوق ومصالح اليمنيين كشعب لتصمد هي كجماعة عرقية كونها لا تشعر أصلا بالانتماء لليمن، ولا تهتم بدماء اليمنيين "فالحجر من القاع والدم من رأس القبيلي" كما يقول أجداد الحوثيين.
هذه الخسة الإمامية لا توجد في أي جماعة أو كيان أو قبيلة أو منطقة يمنية، ولهذا تجد كل الأطراف اليمنية منذ 2004 تقدم تنازلات تلو التنازلات من أجل إنهاء الحرب إلا الحوثيين، لديهم استعداد بالتضحية بملايين اليمنيين كي يبقوا سيطرتهم على السلطة والثروات.
عصابة الحوثي ليست قوية أو مؤيدة بالمعجزات كما يروج الحمقى، لكنها تصمد كجماعة عرقية عنصرية لأنها على استعداد أن تضحي بملايين اليمنيين من أجل وهمها التاريخي (الحق العرقي في الحكم والثروة)؛ ولقد استطاعت البقاء حتى اليوم بسبب تنازلات الأطراف اليمنية حرصا على الرهائن لدى الحوثي، بغض النظر كانت هذه التنازلات لصالح الناس أم لم تنجح في التقليل من المعاناة.
الحوثي ليس قويا حتى يتمكن من الانتصار في المعارك العسكرية الحقيقية، وقد بقي حتى اليوم لأنه استخدم وسائل خسيسة ومارس التضليل والكذب والخداع وحول اليمنيين إلى مجرد وقود ودروع لتستمر سيطرة سلالته على الثروة والحكم. وسبق وأشار الشهيد محمد محمود الزبيري في كتابه "المنطلقات النظرية في فكر الثورة اليمنية" إلى أن الإمامة تخسر دائما في المعارك العسكرية الحقيقية، وتستمد قوتها وصمودها من خداع اليمنيين وتضليلهم، حيث قال: "إذا استعرضنا تاريخ الإمام يحيى والإمام أحمد وجدنا أن من أسرار قوتهما ونفوذهما وبقائهما في الحكم مقدرتهما الهائلة على التمثيل والخداع واللعب بعواطف اليمنيين والسخرية بعقولهم، لا السجون ولا السيوف ولا الخناجر" ص 24 و25.
الحوثي لم ينتصر في الحرب، لكنه نجح الحوثي في حصار وقنص أطفال تعز وقصف المدنيين في مأرب.. نجح في اغتيال الشهيد محمد العليبي في صنعاء والشهيد حمدي عبدالرازق (المكحل) في إب. نجح الحوثي في سجن المومري وعلاو وحجر والمصباحي واسكاتهم.. نجح الحوثي في نهب إذاعة مجلي الصمدي والاعتداء عليه أمام أنظار اليمنيين.. هذه نجاحات الحوثي، وهي انجازات لا تشرف أي جماعة أو عصابة في العالم. لكن عناصر السلالة تتفاخر بهذا الإنجازات وهذا "الصموط الأسطوري" وفي الحقيقية هو "الكذب الأسطوري".. "النهب الإسطوري".. "التضليل الأسطوري".. "الخيانة الأسطورية".
خلاصة القول: الحوثي لم ينتصر على الشرعية والتحالف، بل نجح مؤقتا في البقاء كورم خبيث يخنق الشعب اليمني، ويفاقم معاناته، ويشده إلى الخلف. ومع كل نجاح من هذا النوع، هو يقدم نفسه ككتلة سوداء مختلفة عن الجسد اليمني ويعزل ويحاصر نفسه، وسيأتي اليوم الذي يتحول إلى مجرد ذكرى ملعونة في التاريخ اليمني بإذن الله تعالى تماما كما أسلافهم الذين لم يستقر لهم الحكم في اليمن أبدا.

المصدر: المشهد اليمني

كلمات دلالية: الحوثی فی

إقرأ أيضاً:

مؤمن الجندي يكتب: سر البقاء على القمة

هناك سر غامض يربط البدايات بالنهايات، كأن الزمن يهمس لنا أن الرحلة ليست إلا انعكاسًا لخطواتنا عليها.. كم من نجمة تألقت لحظة ثم خبت، وكم من شعلة اشتعلت لكنها أبت أن تنطفئ، لأن صاحبها أدرك أن التوهج ليس هدية تُمنح، بل عهدٌ يُحفظ، إن النجاح، في جوهره، ليس نقطة وصول! بل دائرة مفتوحة لا تكتمل إلا بالاستمرارية، والاستمرارية ليست رفاهية يختارها البعض، بل هي قانون كوني يفرض نفسه على كل من أراد أن يُخلّد اسمه في ذاكرة الزمن.

مؤمن الجندي يكتب: رسالة إلى فاطمة مؤمن الجندي يكتب: إعدام حصان مؤمن الجندي يكتب: البنطلون في وزارة الهوى مؤمن الجندي يكتب: وصفة للفوضى

في أعماق كل نجاح يلمع كبريق نجم في سماء الليل، هناك حكاية خفية عن الاستمرارية.. هي تلك الشعلة التي تأبى أن تنطفئ مهما عصف بها الزمان، الاستمرارية ليست مجرد عمل يتكرر، بل هي لغة الحياة التي تتجدد مع كل محاولة، وصبر يتسلل إلى روح الإنسان ليعيد تشكيلها بعد كل سقوط.

الاستمرارية نبض الحياة وسر الخلود

عندما نبحث عن صورة حية للاستمرارية، تطل علينا حكاية محمد صلاح.. الفتى الذي غادر قريته الصغيرة في نجريج إلى ملاعب العالم الكبرى، لم يكن ليصل إلى ما هو عليه اليوم لو لم يكن يحمل في قلبه بذرة الاستمرارية “وتعني هنا الكثير، من تدريبات لثقافة لتطوير الذات للعمل الشاق والاستغناء، الخ"، لم تكن موهبة صلاح وحدها كافية، بل كان إيمانه بأن كل إنجاز هو محطة عبور نحو تحدٍ جديد.. أما وأنت تقرأ هذه الكلمات الآن جاء دورك لتكتب قصتك باستمراريتك، وكن متيقنًا من وصولك، ولكن عليك بالبقاء على القمة.

في الملاعب الأوروبية، حيث تشرق شمس المجد وتختبرها عواصف المنافسة، برز صلاح كنجم لا يخفت بريقه، نجاحه لم يكن لحظة عابرة، بل كان رحلة مليئة بالعمل والصبر.. ومع كل هدف يسجله وكل إنجاز يحققه، كان يعود ليبدأ من جديد، كأنه يعلن للعالم أن النجوم لا تتوقف عن السطوع، بل تتجدد لتظل حاضرة في سماء الإبداع.

في النهاية، قصة محمد صلاح رغم كونها لا تتعدى مسيرة لاعب كرة قدم ناجح، إلا أنني أرى أنها ليست إلا امتدادًا لمعجزة أكبر يعيشها الإنسان.. هي تذكير بأن النجاح لا يُقاس بما نحققه، بل بما نستمر في الحفاظ عليه! في عالم يمضي سريعًا، حيث اللحظات تذبل قبل أن تُزهر، تظل الاستمرارية هي الطريق الوحيد لتجاوز حدود الزمان والمكان، ولتحقيق الخلود في ذاكرة الحياة.. فالخلود ليس في الوصول بل في الثبات على القمة.

للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا

مقالات مشابهة

  • مؤمن الجندي يكتب: سر البقاء على القمة
  • فيديو.. إسرائيل تقصف أهدافاً لوجستية للميليشيات الحوثية
  • الأولمبية العراقية تحث الجماهير على البقاء في الكويت
  • لابيد: نتنياهو لا يريد التوصل إلى صفقة تبادل للأسرى
  • صحف عبرية تفضح نتنياهو: لا يريد وقفًا للقتال بل حكما عسكريا لغزة
  • "ماذا يريد الله منا؟" للكاتب أحمد طه يشارك بمعرض القاهرة للكتاب
  • الصفقة المنتظرة: نتنياهو يريد ولا يريد
  • الكويت تنتصر على الامارات بفوز تاريخي في خليجي 26
  • المليشيات الحوثية تعتدي على أحد التجار بمحافظة إب
  • صنعاء تحت وطأة الجبايات الحوثية: إغلاق المحلات وسط كساد غير مسبوق