في قاموس مفردات حياتنا اليومية، عبارات وتشبيهات غريبة متدَاوَلة، نالت شُهْرَةً واسعةً، لا يُعرف سبب إطلاقها أو مَن يقف خلفها، حتى أصبحت نموذجًا ساخرًا، وأحيانًا لاذعًا، لتوصيف بعض حالات «الانحطاط»!
إحدى تلك العبارات ترتبط في أذهاننا بـ«يوم الحِنَّة»، المعروف في التقاليد المصرية القديمة والمعاصرة، بأنه اليوم الذي يسبق «ليلة الدُّخْلة»، وتحتفل به العروس مع أهلها وصديقاتها، ويكون مقتصِرًا فقط عليهن، دون الرجال!
في «يوم الحِنَّة» ـ خصوصًا في الريف ـ مازالت أجواء الفرح والسعادة، المصحوبة بالأغاني الشعبية، محفورة في أذهاننا، والتي لم تخلُ من السَّجع والفكاهة، مع تصفيقٍ، وترديدٍ «وقور» للسيدات على كلمات تلك الأغاني.
هذا الأمر ظل سائدًا لعقود طويلة، ليرتبط بمقولة «حِنَّة شيماء»، التي لا نعرف مَن هي، ولماذا هذا الاسم دون غيره؟.. لكن هذا المصطلح، أصبح «أيقونة» تُطلق على حالات أخرى مشابهة، في الأفراح والليالي المِلاح، والمناسبات المختلفة.
في تلك المناسبات، وعلى مدى نصف قرن ـ خصوصًا في «حِنَّة شيماء» ـ كان اللافت وجود أغانٍ كثيرة يحفظها الناس عن ظهر قلب.. وبعد أن كنا نعيش عصر «كايدة العُزَّال أنا من يومي.. أيوه آه»، أصبحنا الآن على نظام «مخاصماك، إبعد عنِّي أنا مش طايقاك»، تلك «الأغنية الراقصة»، التي ازدادت شهرة وانتشارًا، وباتت «أيقونة» لـ«موسم» حفلات التخرج بالجامعات والمدارس.
وبعيدًا عن كلمات «الأغنية» أو مستواها الفني، إلا أنها باتت مؤخرًا «الأغنية الرسمية»، لحفلات التخرج الراقصة، حيث شاهدنا فيديوهات منتشرة، تُوَثِّق ذلك، وما يصاحبها من خروج عن الوقار، جعل كثيرًا من تعليقات المتابعين، يغلب عليها الشتائم الوقحة، التي يُعَاقِب عليها القانون!
بالطبع لا نتحدث عن طلبة بعينهم، أو اسم جامعة أو كلية أو مدرسة، كما أننا لسنا في طرف المؤيِّد أو الرافض، خصوصًا أن من حق كل إنسان أن يسلك ما يراه صحيحًا، في ظل قِيَم المجتمع وسلوكياته ومعتقداته، التي بالطبع لا تقبل بأن تتحول تلك المناسبات إلى «حِنَّة شيماء»، بما تحمله من ممارسات خاطئة، وسلوكيات غير مقبولة، لا تتسق مع قداسة العلم.
نتصور أنه إذا كان من حق الطلبة تنظيم حفلاتٍ، ابتهاجًا بالتخرج، فمن الواجب أيضًا أن يكون الحفل معلوم التوقيت والضوابط، وفقَ المسموح والممنوع.. أما ترك الأمور على هذا النحو من الانفلات، فهذا أمر معيب، ولا يليق!
أخيرًا.. بما أننا لا نَدَّعي فرض الوصاية على أحد، ولا نزعم المثالية حتى نفرضها على الآخرين، فلا أقل من قيام مؤسساتنا التعليمية بمعالجة الانحرافات والانجرافات تحت دعاوى «التحضر»، كما ندعو الجميع إلى مراعاة الذوق العام، بما يحفظ للعلم قَدْره وهيْبَته.
فصل الخطاب:
يقول «جُبران خليل جُبران»: «مأساتنا أننا نتزوج ولا نُحب، نتكاثر ولا نُربي، نبني ولا نتعلم، نُصلي ولا نتقي، نعمل ولا نُتقن.. نقول ولا نَصدق».
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حفلات التخرج مخاصماك أغاني المهرجانات محمود زاهر الذوق العام ليلة الدخلة الأغاني الشعبية ة شیماء
إقرأ أيضاً: