يردد السودانيون سؤالين بكثرة، أولهما: متى تنتهي الحرب؟ وثانيهما: كيف يتوقف القتال؟ والإجابة عنهما يعنيان إيجاد حل للقتال الدائر في البلاد، والذي يقترب من إكمال شهره الخامس.

وما يدعو السودانيين للتفاؤل التصريحات المتزامنة لرئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ولقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، عن قرب انتهاء الحرب.

ففي 28 أغسطس/آب الماضي، أعلن البرهان، قرب انتهاء الحرب في البلاد، وإنهاء تمرد قوات الدعم السريع، وذلك أمام حشد من قواته في قاعدة بحرية بمدينة بورتسودان (شرق).

وفي 4 سبتمبر، قال حميدتي، في تسجيل صوتي نشره عبر حسابه الرسمي في منصة “إكس”، إن “الحرب ستنتهي قريبا، ويعم السلام وتزول هذه الفتنة”.

فكلا الطرفين (الجيش والدعم السريع) مستمرين في القتال بالعاصمة الخرطوم، وعدة مدن أخرى، ويؤكدان قدرتهما على تحقيق النصر. وأحدث ظهور البرهان، في 24 أغسطس الماضي، خارج مقر قيادة الجيش وسط الخرطوم، حراكا سياسيا، خاصة بعد جولاته داخليا وخارجيا، حيث زار مصر في 29 أغسطس، ثم دولة جنوب السودان في 4 سبتمبر/أيلول الجاري.

وهذه التحركات السياسية إلى دول الجوار، تشير، بحسب متابعين، إلى أن الحل السياسي يقترب، وأن إنهاء أصبح ممكنا. ومنذ منتصف أبريل/ نيسان الماضي، يخوض الجيش وقوات “الدعم السريع”، اشتباكات لم تفلح سلسلة هدنات في إيقافها، ما خلف أكثر من 3 آلاف قتيل أغلبهم مدنيون، وأكثر من 5 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، بحسب الأمم المتحدة.

ويتبادل الجيش، و”الدعم السريع”، اتهامات بالمسؤولية عن بدء القتال وارتكاب انتهاكات خلال الهدنات المتتالية. مؤخرا، انتقل البرهان، لتناول مرحلة ما بعد الحرب، حينما تحدث عن ترتيبات الإعمار بعد الحرب.

وقال البرهان، في 2 سبتمبر الجاري، “نرحب بأي دعم من الدول الشقيقة والصديقة يصب في تطوير الوطن وإعادة الإعمار”، قاطعا بـ”عدم قبول أي إملاءات”.

ويرى الخبير الاستراتيجي اللواء المتقاعد أمين إسماعيل مجذوب، أن “تصريحات البرهان وحميدتي تدل على أن هناك تفاهمات تمت من خلال منبر جدة بالسعودية، من خلال الوساطة الأمريكية والسعودية”.

وأوضح مجذوب، في حديثه للأناضول، أن “كل المؤشرات تدل على أن هناك طرحا أمريكيا للطرفين لأجل العودة للتفاوض ووقف القتال”.

وأضاف “استمرار القتال حاليا محاولة من الطرفين لتحسين موقفهما التفاوضي قبل الجلوس على مائدة التفاوض”. وتوقع الخبير الاستراتيجي أن يتم “إيقاف الحرب عبر التفاوض، لأن الحسم العسكري يتطلب زمنا أطولا”. وأردف “المجتمع الدولي والإقليمي دوره كبير، وحاليا يقدم الجزرة للطرفين حتى يتوصلا لاتفاق وإيقاف هذه الحرب”.

وترعى السعودية والولايات المتحدة منذ 6 مايو/ أيار الماضي، محادثات بين الجيش و”الدعم السريع”، أسفرت في 11 من الشهر ذاته عن أول اتفاق في جدة بين الجانبين للالتزام بحماية المدنيين، وإعلان أكثر من هدنة، وقع خلالها خروقات وتبادل للاتهامات بين المتصارعين، ما دفع الرياض وواشنطن لتعليق المفاوضات.

يعتبر المحلل السياسي عثمان فضل الله، أن الطرفان “الجيش والدعم السريع”، حاليا في مرحلة توازن الضعف، إذ أُنهكت القوى العسكرية واستنزفت بشكل كبير، خاصة لدى الجيش.

وأضاف “فضل الله”، في حديث للأناضول، “يقفز البرهان للحديث عن ما بعد الحرب بالتزامن مع تحركاته الخارجية بحثا عن سلام يحفظ للجيش ماء وجهه”.

وتابع “الدعم السريع، قد تكون خسائره المادية أقل من الجيش لعدة اعتبارات؛ أولها طبيعة تسليحه، المتمثلة في أسلحة خفيفة إلى متوسطة، وهذه كلفتها أقل ويمكن تعويضها بسرعة، وثانيا استعانته بكتائب من المتطوعين، الذين يخوضون المعارك طمعا في الغنائم، مما مكنه من الاحتفاظ بقوته”.

ويستطرد “إلا أن استعانة الدعم السريع، بتلك القوى غير المنضبطة أدخلته؛ أولا في صراع مع المجتمعات المحلية، وجعلت منه قوى تقاتل بلا نصير شعبي، وثانيا وضعته هدفا للمنظمات الحقوقية مما جعل قيادته تشعر بأنها ستكون ملاحقة دوليا، وأضعف ذلك عزيمتها ورغبتها في الحرب”.

ويشير فضل الله، إلى أن “كلا الطرفين تغير هدفهما من النصر إلى السلام، ولكن العقبة الأساسية كيفية الوصول إليه، وبما لا يؤلب مناصري كل طرف عليه”.

وأضاف، أن “بطء سير المعارك على الأرض وانخفاض حدتها عن الأيام الأولى، نستشف منه بوضوح أن الحرب انتهت، وأن المتبقي إسدال الستار عليها عبر عملية تفاوضية تخاطب مخاوف الطرفين”.

يرى المحلل السياسي يوسف حمد، أن انتهاء صراع البنادق بين الجنرالين البرهان وحميدتي، لا يعني حل الأزمة السودانية بأي حال من الأحوال.

واستدرك حمد، في حديث للأناضول، أن “انتهاء الحرب بشكل حقيقي يعني مغادرتهما للمشهد السياسي ومركز صناعة القرار في الدولة”.

وأضاف “ما صرحا به أخيرا بخصوص الحرب قد يعني الاتفاق بينهما على تقاسم السلطة والنفوذ المالي والسياسي، وهذا مَكمَن خلافهما الذي قامت بسببه الحرب في الخرطوم”.

ولا يستبعد حمد، وقوف القوى الدولية الإقليمية مع هذا النوع من الحلول، طالما أنه يعني لها الحصول على بعض الاستقرار في المنطقة.

وكالة الأناضول

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

ماذا تبقى في جعبة الجيش السوداني والحركة الإسلامية من خيارات لتفادي خسارة الحرب؟

كتب إبراهيم سليمان
منذ استيلائهم على السلطة بقوة السلاح في يونيو 89، أصبح الجيش السوداني والحركة الإسلامية، سيان، يكملان بعضهما البعض، لتحقيق غاية واحدة، ألا وهي الاستئثار بالسلطة والثروة والحفاظ عليهما بكافة السبل وكيفما اتفق، غض النظر عن التكلفة الأخلاقية والوطنية والإنسانية. سولت لهم أنفسهم في أبريل 2023م بأنه بإمكانهم، بضربة خاطفة، تدمير قوات الدعم السريع، وإبادتها، لقطع الطريق إمام مشروع الاتفاق الإطاري، واستعادة السلطة التي انتزعت منهم في أبريل 2019م، بمساندة قهرية ومعنوية مقدرة من قوات الدعم السريع.
يبدو أن سهولة نجاح انقلابهم في يونيو 89، جعلهم يستمرؤون المغامرات، ظانين أنهم يحتكرون "الرجالة" والشهامة والإقدام، وليس بمقدور أحد أن يقف في وجوه كتائبهم المتطرفة "ودبابيهم" الأصولية، لكن أثبتت لهم الأيام أن تقديراتهم خاطئة، وليست كافة الطيور عصافير وادعة، وإنما هنالك جوارح كاسرة، لحومها أمرّ من الحنظل.
يقول المثل، من يوقد نار الفتنة، يتدفأ بها، فالجيش السوداني، الذي يحمل بندقية الحركة الإسلامية، ليرهب بها الشعب السوداني، ويستخدمها في قهر الإرادة الشعبية، امتثلاً لقرار إشعال الحرب المتخذ من قبل كتائب الإسلاميين المتعطشة لإراقة الدماء، حفاظاً على الامتيازات الخرافية لقياداتها، وتنفيذا لالتزامهم التنظيمي في الخطأ والصواب، وفي المنشط والمكره.

منذ الوهلة الأولى لاندلاع الحرب، تبيّن للجيش السوداني، والحركة الإسلامية، فضاحة خطأهم، وبدلاً عن الجنوح للسلم، والجلوس للتفاوض لتدارك ذلك الخطأ المميت، طفقوا يهربون إلى الإمام، بتجريب الخيارات المطروحة أمامهم ميدانياً، لوقف وتيرة الهزائم المتصاعدة لقواتهم على كافة الجبهات، بدأوا باستدعاء المعاشيين من القوات النظامية، والكتائب غير النظامية، والمليشيات الشعبية، ولم ينتظروا حصيلة تلك النداءات العاجلة، فاعلنوا استنفاراً شامل للمواطن السوداني، مستهدفين شباب الحركة الإسلامية، ثم عرجوا إلى شراء بنادق الحركات المسلحة، التي تتاجر في الحرب، ولما لم يجدي كافة هذه الخيارات نفعا، فتحوا مخازن الأسلحة لتسليح أي مواطن يرغب في حمل السلاح، فشلت كافة هذه الخيارات التي طرحت تحت الفرية التي اطلقوا عليها "حرب الكرامة" في وقف تقدم وتمدد قوات الدعم السريع في ولايات السودان، والولاية تلو الأخرى.
في غضون ذلك استعانوا بسلاح الجو المصري، لضرب حواضن قوات الدعم السريع في غرب السودان، في استهداف جهوي غير مسؤول، في محاولة يائسة لتركيعها وإرعاب حواضنها، وأخيراً استعانوا بالرئيس الأريتيري أسايس أفورقي، لتدريب وتسليح الأورطة الشرقية، التي تشكلت حديثاً عوضاً لفشل لما عرفت "بالمشتركة" من قوات الحركات المسلحة الدارفورية، التي تورطت في وقوفها مع الجيش، للمساعدة في عودة حزب المؤتمر الوطني لسدة الحكم. هذا بالإضافة إلى استجداء السند الروسي، والتملق للدعم الإيراني والتركي والقطري.
أمنياً مارست استخبارات الجيش السوداني، أبشع أنواع التنكيل جماعياً وفردياً على هويات المكونات المحسوبة افتراضاً على قوات الدعم السريع، فذبحوا أبرياء من الوريد إلى الوريد ذبح الخراف على الهوية، وبخروا البطون، ولاكوا الأكباد، وعقدوا محاكم التفتيش ونصلوا المشانق بالشبهات، وسمموا موارد مياه الشرف، ولم يتركوا شنيعة أو موبقة لم يرتكبوها كمحاولة يائسة لترهيب المواطن السوداني من الوقوف مع قوات الدعم السريع، ومساندتها.
شككوا في سودانية منسوبي قوات الدعم السريع، ووصفوهم بعرب الشتات، وأنهم مرتزقة، ولم يزدهم ذلك إلا إصرارا على البسالة والإقدام.
اتهموا دولة الإمارات العربية المتّحدة أنها تساند قوات الدعم السريع، وأنها تسعى لحرق السودان، وتخطط لتدمير مقدراتها، وصدعوا رؤوس عضوية مجلس الأمن بالشكاوى المتكررة والمتشنجة، مطالبين بالتحقيق في مزاعمهم السطحية، وملتمسين وصم قوات الدعم السريع بالإرهاب، وكانت حصيلتهم الدبلوماسية، عبارة صفر كبيرة. وظل الفريق البرهان، يرقع في حكومته الانقلابية غير الشرعية، المرة تلو المرة، ولكن يبدو أن الرتق قد اتسع على الراتق، وأخيراً ترك للمخابرات المصرية، اختيار وزير خارجية حكومة بورتسودان النازحة، من بين الدبلوماسيين السودانيين، فاختارت العجب العجاب، الذي يسعى بوتيرة حثيثة لإشعال حرب سودانية أثيوبية بالوكالة عن فرعون مصر!
لوحوا بالفصل وأومأوا بالانفصال، وعزموا على عقد امتحانات الشهادة السودانية مستثنين مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، ولوحوا بتغير العملة، وحظروا الحصول على جوازات السفر أو تجديدها على مكونات سودانية بعينها في كل دول العالم، وقطعوا خدمات الاتصالات وشبكات النت عن غرب السودان، واستجدوا الاحتلال المصري، لإنقاذ دولة ــ 56 التي تبقي السودان كحديقة خلفية وارفة لمصر، ولا يزال فرعون مصر، يتثاءب من هذا الطلب، ولم يكلف نفسه، مواراة تثائبه، أو أن يخفي تثاقله من هذا الخيار، الذي لا يحتمل مجرد الهظار.
ماذا تبقى في جعبتهم، ليخرجوه أملاً في حسم الحرب لصالحهم؟
لا شيء سواء استخدام السلاح الكيماوي، إن تمكنوا من الحصول عليه حصرياً، قبل تحرير الفاشر، والذي يعتبر بداية النهاية لدولةــ 56 المحتضرة، وهي مسألة وقت لا أكثر.
ebraheemsu@gmail.com
//إقلام متّحدة ــ العدد ــ 176//  

مقالات مشابهة

  • مصر تشدد على ضرورة الحل السياسي لأزمات السودان و«القرن الإفريقي»
  • المبعوث الأميركي يلتقي البرهان في أول زيارة للسودان
  • بنك السودان المركزي يقرر تجميد حسابات قوات الدعم السريع والشركات التابعة لها
  • الدعم السريع يتهم مصر ويهاجم «البرهان» و«كيكل »بشأن انتهاكات «شرق الجزيرة»
  • الدعم السريع يتهم مصر ويهاجم «البرهان »و «كيكل »بشأن انتهاكات «شرق الجزيرة»
  • سلاح إماراتي وضربات مصرية.. تعليق جديد من الدعم السريع في السودان
  • أجانب يواجهون أهوال الحرب في معتقلات الدعم السريع بالخرطوم
  • ماذا تبقى في جعبة الجيش السوداني والحركة الإسلامية من خيارات لتفادي خسارة الحرب؟
  • السودان...تجددُ الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع في الفاشر
  • السودان يختنق بجرائم ميليشيا الدعم السريع.. والملايين يكتوون بنار الحرب