أكادير، الشلف، بومرداس وتونس... مدن مغاربية اهتزت بعنف تحت قوة زلازل مرعبة
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
إعداد: طاهر هاني إعلان اقرأ المزيد
الزلزال الذي ضرب كل من تركيا وسوريا (شمال شرق الحوض الغربي للبحر المتوسط) في شهر فبراير/شباط الماضي مخلفا أكثر من 50 ألف قتيل لا يجب أن ينسينا بأن حتى الدول التي تقع بجنوب البحر المتوسط، وبالتحديد في شمال أفريقيا معرضة هي الأخرى لمثل هذه الكوارث الطبيعية القاتلة. فحسب المختصين، هذه المنطقة هي أيضا منطقة زلزالية وتشهد تداخل الصفيحات التكتونية فيما بينها، ما يؤدي إلى وقوع هزات أرضية عنيفة.
يعتبر الزلزال الذي ضرب مدينة أكادير الساحلية بالمغرب من بين أعنف الزلازل التي عرفها هذا البلد. وقع ذلك ليلة 29 فبراير/شباط 1960 وتسبب في وفاة ما بين 10 إلى 15 ألف شخص، مخلفا دمارا هائلا في المدينة وضواحيها. هذا الزلزال الذي بلغت قوته 5.7 على سلم ريختر، رافقه تسونامي عنيف دمر سواحل المدينة والأحياء القريبة، ما أدى إلى تدمير حوالي 60 بالمئة من المباني والبنى التحتية للمدينة. فيما وصلت قيمة الأضرار إلى حوالي 120 مليون دولار وفق مجلة "نظرة العالم" التابعة للمدرسة الكندية للسياسة التطبيقية.
طفلة تضررت جراء الزلزال قرب مدينة مراكش في المغرب تنتظر المساعدة. 10 أيلول/سبتمبر2023. © أسوشيتد برسهذه الأخيرة قيمت حجم الخسائر بحوالي 120 مليون دولار. وفور وقوع الزلزال، قدمت كل من الولايات المتحدة وإسبانيا وفرنسا المساعدات الأولية، فيما قرر الملك محمد الخامس بناء مدينة جديدة قرب القديمة لمنع انتشار الأمراض من جهة ولمراعاة تقنيات البناء المقاومة للزلازل. وفي الخطاب الذي ألقاه الملك بمناسبة هذا الحادث الأليم، قال العاهل المغربي: "بحزن عميق ومملوء بالألم، نتحدث إليكم في هذه الكارثة الكبرى التي ضربت بلادنا. الكلمات عاجزة عن التعبير عن الكارثة. الساعة ليست للخطابات لأن أولئك الذي قدر لهم ونجوا من الزلزال ينتظرون المساعدة والتضامن وليس البكاء والنوح".
زلزال الحسيمة الأول في 1994 والثاني في 2004تقع مدينة الحسيمة في نصف الشريط الساحلي في المغرب. وهي مدينة سياحية بامتياز تعرضت إلى أول زلزال في 1994 بلغت حدته 6 درجات على سلم ريختر. ولحسن الحظ لم يتسبب في مقتل العديد من الناس إلا شخصين فيما تم جرح العشرات. لكن زلزال 2004 كان أقوى وأعنف وتسبب في مقتل حوالي 600 شخص وجرح العشرات. فيما ترك ما يقارب 15 ألف شخص بدون مأوى. بلغت قوة الزلزال 6.3 درجة على مقياس ريختر. وفي مقال خصصته جريدة "لوموند" الفرنسية لهذا الزلزال، كتب الصحافي نقلا عن مواطن مغربي: "لقد اهتزت الأرض عدة مرات. كنا نشعر بأن الأرض ستبلعنا في أي وقت". ومن بين البلدات التي تأثرت كثيرا بالهزات الأرضية، يمكن ذكر مدينة إمزورن بسبب هشاشة مبانيها وموقعها الجغرافي الجبلي الوعر. زلازل أخرى ضربت المغرب في العام 1731 بمدينة أكادير وفي 1909 بمدينة تطوان خلفت أكثر من مئة قتيل.
الجزائر أكتوبر/تشرين الأول 1980: زلزال عنيف يضرب مدينة "الأصنام" وسط الجزائر ويدمرها بالكاملتعرضت الجزائر هي الأخرى إلى سلسلة من الزلازل العنيفة التي خلفت عدة ضحايا. على غرار زلزال هز مدينة "الشلف" وسط البلاد حيث خلف 2633 قتيلا ودمر المدينة بالكامل فيما بقي عشرات الآلاف بدون مأوى. وبلغت شدة الزلزال 7.2 درجة على سلم ريختر، فيما كانت الهزة قوية جدا إلى درجة أن سكان مدينة وهران التي تبعد أكثر من 200 كيلومتر شعروا بها. وترك زلزال "الأصنام" أثرا كبيرا في نفوس الجزائريين عامة وسكان المدينة بشكل خاص إذ عاشوا تقريبا 20 عاما داخل منازل خشبية مجهزة بدون أن تتمكن الدولة الجزائرية من إسكانهم في شقق عادية. وتنديدا بظروف المعيشة، خرج الضحايا في مظاهرات شعبية عام 2008 للمطالبة بمساكن لائقة.
امرأة تقف أمام منزلها الذي دمره الزلزال الذي ضرب مدينة "الأصنام" الجزائرية في 1980 والتي تم تغيير اسمها إلى مدينة "الشلف" 12 أكتوبر/تشرين الأول 1980. © أ ف ب
نفس المدينة تعرضت إلى زلزال أولي بشدة 4.5 على سلم ريختر في العام 1945. كانت المدينة آنذاك تسمى بـ"أورليون فيل" من قبل الفرنسيين (الأقدام السود) الذين كانوا يعيشون بكثرة في هذه المدينة نظرا للمساحات الزراعية الشاسعة التي تتمتع بها. وغداة هذا الزلزال، غيرت السلطات الجزائرية اسم هذه المدينة من "الأصنام" إلى مدينة الشلف كنية لوادي الشلف الذي يجري قربها.
21 مايو/أيار 2003: زلزال شدته 6.8 درجات يضرب مدينة بومرداس قرب الجزائر العاصمةخلف هذا الزلزال العنيف 2270 قتيلا وأكثر من 10 آلاف جريح، فيما مست الهزات الأرضية العديد من المدن الصغيرة المجاورة لبومرداس كمدينة قورصو والثنية وحتى الجزائر العاصمة التي تبعد عن بومرداس بحوالي 60 كيلومترا.
سكان مدينة بومرداس قرب الجزائر العاصمة رفقة رجال انقاذ يبحثون عن ناجين من تحت الأنقاض. 25 مايو/أيار 2003 AFP - PHILIPPE DESMAZES
خلّف الزلزال أكثر من 200 ألف شخص بدون مأوى. الحكومة الجزائرية خصصت لهم آنذاك منازل خشبية مجهزة. ورغم إعادة بناء المرافق العامة في هذه المدينة، إلا أن بعض الآثار لا تزال ظاهرة للعيان في المدينة. ومست الهزات الارتدادية لهذا الزلزال مناطق في منطقة القبائل بأعالي جبال جرجرة إذ ظهرت شروخ في جدران العديد من المنازل.
تونسبالرغم من أن تونس ليست معرضة لمخاطر الزلازل مقارنة مع الجزائر والمغرب، إلا أنها ليست بمنأى عن وقوع هزات أرضية مميتة كالتي وقعت في العام 1758 عندما ضرب زلزال عنيف بدرجة 6.2 على سلم ريختر العاصمة تونس، مخلفا خسائر بشرية ومادية. في 1970، زلزال آخر ضرب بلدة شواط بغرب العاصمة وكانت شدته 5.6 درجة على مقياس ريختر. ثم في صفاقس الساحلية في 1989 بلغت حدته 6.2 درجة.
طاهر هاني
المصدر: فرانس24
كلمات دلالية: زلزال المغرب كاس العالم للروغبي مجموعة العشرين ريبورتاج المغرب زلزال المغرب كوارث طبيعية للمزيد تونس الجزائر زلزال على سلم ریختر الزلزال الذی هذا الزلزال ضرب مدینة أکثر من
إقرأ أيضاً:
معرض الكتاب يسلط الضوء على العلاقات الثقافية بين مصر وتونس والسعودية.. صور
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في قلب معرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث يلتقي الفكر بالحوار، شهد الصالون الثقافي ندوة متميزة تناولت العلاقات الثقافية بين مصر وتونس والسعودية، وهي علاقات تمتد لعقود طويلة، قائمة على تبادل الفكر والفن والأدب. لم تكن هذه الروابط وليدة اللحظة، بل هي امتداد لتاريخ حافل من التفاعل الثقافي الذي شكّل الهوية العربية ورسّخ الوعي المشترك بين شعوب المنطقة.
مصر، التي طالما كانت منارة للفكر والإبداع، لم تبخل يوماً بعطائها الثقافي، فامتدت تأثيراتها إلى تونس والمملكة العربية السعودية،في حين أثرى المبدعون التونسيون والسعوديون المشهد الثقافي العربي بإسهاماتهم المتنوعة.
وفي ظل هذا التداخل العميق، تأتي فعاليات مثل معرض القاهرة الدولي للكتاب لتعزز هذا التقارب، من خلال ندوات وحوارات تجمع المفكرين والمثقفين من مختلف البلدان.
بدأت الجلسة بمداخلة الدكتورة فاطمة الأخضر، الأستاذة الجامعية بكلية الآداب في تونس، التي استعرضت التأثير اللغوي والثقافي العربي في تونس.
وأوضحت أن القيروان، تلك المدينة العريقة، لم تكن مجرد عاصمة سياسية، بل كانت منارة علمية وثقافية، نافست بغداد والبصرة في ازدهارها خلال القرن العاشر الميلادي، وجذبت طلاب العلم من مختلف بقاع العالم لدراسة الطب، الفلك، والعلوم الإنسانية.
لم تقتصر مساهمات تونس على حدودها، بل امتدت إلى مصر والمغرب، حيث انتقلت كتب "بيت الحكمة" إلى القاهرة في العصر الفاطمي، كما ساهمت جامعة القرويين في فاس، التي أسستها القيروانية فاطمة الفهرية، في تعزيز النهضة العلمية في المغرب العربي.
وتطرقت الدكتورة فاطمة إلى أسماء بارزة من الفلاسفة والعلماء الذين خرجوا من القيروان، مؤكدة أن تونس لم تكن فقط مركزًا ثقافيًا، بل محطة رئيسية في نقل العلوم والمعارف إلى بقية أنحاء العالم الإسلامي.
من تونس إلى السعودية، حيث سلطت الدكتورة آمنة بوخمسين، مديرة المعهد العالي "يعقلون"، الضوء على التحولات الثقافية التي شهدتها المملكة.
وأوضحت أن الثقافة السعودية لم تكن وليدة اليوم، بل تمتد جذورها إلى آلاف السنين، إذ كانت المملكة مهدًا لكبار العلماء والمفكرين منذ العصور الإسلامية المبكرة.
لكن المشهد الثقافي في السعودية شهد قفزة نوعية في العصر الحديث، مع إطلاق مشاريع ضخمة لدعم الفنون، الفلسفة، والموسيقى.
وأشارت الدكتورة آمنة إلى معهدها "يعقلون"، الذي يُعد أول مؤسسة سعودية متخصصة في تدريس الفلسفة والموسيقى والفنون، كدليل على التوجه الجديد الذي تتبناه المملكة نحو الثقافة والفكر الحر.
تطرقت أيضًا إلى المجالس الثقافية في الأحساء، التي ظلت لسنوات طويلة منابر للحوار والتبادل الثقافي، مؤكدة أن السعودية تشهد نهضة ثقافية غير مسبوقة، تتجلى في مشاريع مثل رؤية 2030، التي تسعى إلى تعزيز الفنون والآداب وحفظ التراث الوطني.
وخلال النقاش، طرح الناقد د. حسام نايل تساؤلًا حول دور التيار النسوي في الثقافة السعودية، لتوضح الدكتورة آمنة أن الحركات النسوية نشأت في بدايتها للمطالبة بحقوق لم تكن متاحة، لكن اليوم، بعد حصول المرأة السعودية على كافة حقوقها، أصبح مفهوم النسوية بحاجة إلى إعادة تعريف، مؤكدة أنه لا يوجد فرق جوهري بين الأدب الذي يكتبه الرجال أو النساء، فالمهم هو قيمة النص وليس جنس كاتبه.
أما المؤرخ السعودي الدكتور منصور الدعجاني، عضو اتحاد المؤرخين العرب بالقاهرة، فقد تناول الجذور الثقافية للمملكة العربية السعودية، مشيرًا إلى أن الخط العربي نشأ في المدينة المنورة تحت اسم "الخط المدني"، قبل أن يتطور لاحقًا إلى "الخط الكوفي" في العصر العباسي.
كما تحدث عن الرحلات العلمية من بلاد المغرب العربي، وتحديدًا تونس، التي ساهمت في تعزيز التبادل الثقافي بين المشرق والمغرب، مؤكدًا أن السعودية لم تكتفِ بالحفاظ على تراثها، بل تسعى اليوم لتوثيقه عالميًا. وأشار إلى أن وزارة الثقافة السعودية، التي تأسست عام 2018، أطلقت خططًا طموحة لتسجيل 9000 موقع تراثي ضمن هيئة التراث الوطنية، مما يعكس التزام المملكة بالحفاظ على هويتها الثقافية.
اختتمت الندوة بتأكيد المشاركين على أن التواصل الثقافي بين الدول العربية، ولا سيما بين تونس والسعودية، يمثل نموذجًا حقيقيًا لقدرة الثقافة على توحيد الشعوب. فالثقافة ليست مجرد كتب ومؤلفات، بل هي جسور تمتد عبر الزمن، تعبر الحدود الجغرافية، وتخلق فضاءً مشتركًا للحوار والإبداع.
وسط عالم سريع التغير، تبقى الثقافة العربية بمختلف تنوعاتها قادرة على مد الجسور بين الشعوب، ومثل هذه الندوات ليست إلا خطوة جديدة نحو مستقبل أكثر إشراقًا للحوار الثقافي العربي.