معركة الخرطوم.. بين الحسم العسكري واتخاذ الميدان وسيلة للكسب التفاوضي
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
مع اشتداد التصعيد العسكري يدعي كل طرف تعزيز تقدمه الميداني، في المعارك التي يعتمد فيها الجيش على سلاح الطيران الحربي (الميج، الانتينوف، الساخوي ومقاتلات، جي 7، نانشينج كيو 5 الصينية، المسيرات المروحيات العسكرية).
الخرطوم: التغيير
بعد مواجهات دامية، تقترب من شهرها السادس، يشكك محللون في أن تحدث المعارك الجارية حاليا بالخرطوم، أي تغييرات أو خروقات ملموسة على خطوط التماس، ما يزيد الغموض بشأن السيناريوهات المحتملة ميدانياً .
مع اشتداد التصعيد العسكري يدعي كل طرف تعزيز تقدمه الميداني، في المعارك التي يعتمد فيها الجيش على سلاح الطيران الحربي (الميج، الانتينوف، الساخوي ومقاتلات، جي 7، نانشينج كيو 5 الصينية، المسيرات المروحيات العسكرية) إضافة إلى المدفعية والدبابات والمدرعات وغيرها، بينما ترتكز قوة الدعم السريع على المشاة، ومضادات الطائرات والمسيرات التي حصل عليها بعد اندلاع حرب 15 أبريل والصواريخ المدفعية بجانب أسلحة أخرى.
ومع غياب الإحصاء الرسمي بشأن عدد القتلى العسكريين عند كل جانب، تظهر منشورات النعي والتأبين المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي، الحجم المروع للخسائر البشرية لدى الطرفين.
جمودحسب المصادر المفتوحة فإن موازين القوى لم تتغير كثيرا منذ منتصف أبريل، ففي الوقت الذي احتفظ فيه الجيش بمناطق حيوية أبرزها مقر القيادة العامة بالخرطوم المحاصرة من قبل الدعم السريع، والكلية الحربية، وقاعدة وادي سيدنا الجوية بكرري، سلاح المهندسين بأم درمان، سلاح المدرعات بالشجرة الذي تدور حوله معارك عنيفة.
في المقابل، فشل الجيش في السيطرة على جسر شمبات الرابط بين مدينتي الخرطوم بحري وأم درمان (يستخدم في إيصال الإمدادات للدعم السريع من منطقة شرق النيل الواقعة تحت نفوذ الدعم).
وتداولت منصات التواصل، الأحد، أخباراً تفيد بقصف الجسر، مع تصاعد أعمدة دخان كثيف، وهو ما لم يتسن التأكد من صحته في ظل عجز الصحفيين في الوصول إلى مناطق الاشتباكات.
وبالمناصفة يسيطر الجيش على منافذ الدخول والخروج من العاصمة إلى ولاية نهر النيل، فيما يحكم الدعم السريع قبضته على مداخل العاصمة من ناحية الجنوب إلى ولايتي الجزيرة والنيل الأبيض، إلى جانب مطار الخرطوم الدولي ومقر الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، ومجموع اليرموك لتصنيع الأسلحة، الاحتياطي المركزي (الخرطوم) ومواقع أخرى.
31 محاولة لاختراق المدرعاتبحلول 20 أغسطس الماضي، احتدمت الاشتباكات بمنطقة سلاح المدرعات الاستراتيجي جنوبي العاصمة، وسط مزاعم متبادلة بين الجيش والدعم السريع، بإحكام السيطرة عليه.
ومؤخراً تزايدت هجمات الدعم السريع على منطقة الشجرة العسكرية، واشارت مصادر لـ(التغيير) بأن محاولات اختراق المدرعات الفاشلة من قبل الدعم، وصلت إلى 31 محاولة.
وقال مكتب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة حول الموقف العملياتي وأخر المستجدات العسكرية، إن “المليشيا جددت يوم السبت 9 سبتمبر هجومها على سلاح المدرعات، وتمكنت القوات المسلحة من دحرها وتكبيدها خسائر كبيرة في الأفراد وتدمير عدد من العربات القتالية، فيما لاذ العدو بالفرار” وفقاً للبيان.
بالمقابل نشر أفراد الدعم السريع فيديوهات قبل أسابيع قالوا إنها من داخل المدرعات، وذكر الناطق الرسمي باسم القوة شبه العسكرية في ذات الشهر، بأنهم سيطروا على عدد 101 دبابة و90 مدرعة و21 عربة قتالية.
مأساة المدنيينتعاني منطقة الشجرة (الحماداب) من نقص حاد في السلع الغذائية يكاد يلامس مرحلة العدم، جراء إغلاق المحال التجارية وقطع حركة التبادل التجاري بين سوق الشجرة وبقية أسواق العاصمة، بسبب ما تعرض له التجار من انتهاكات تمثلت في الضرب ونهب الهواتف النقالة والمال، لضمان عدم عودتهم إلى العمل، وإمداد المنطقة بالمواد التموينية مجدداً، طبقا لبيانات لجان المقاومة بالمنطقة.
كذلك تشهد المنطقة قطوعات لخدمتي المياه والكهرباء للشهر الثالث علي التوالي، وسط حجب تام لشبكة الإنترنت والاتصالات، مع شح في الخبز والإسعافات الأولية، والعقاقير بما في ذلك الأدوية المنقذة للحياة.
وتمتد مأساة الأهالي إلى صعوبات متعلقة بتخزين الدواء والغذاء في حال الحصول عليه بسبب قطوعات الكهرباء، علماً بأن جميع المستشفيات والمراكز الصحية والعيادات خارج الخدمة تماماً.
وأكدت المعلومات الواردة من هناك بسقوط القذائف عشوائيا على بيوت المواطنين منذ اليوم الأول من بدء محاولات الدعم السريع للاستيلاء على المدرعات، ما تسبب في سقوط عدد كبير من الضحايا بين مقتول ومصاب.
وقالت لجان المقاومة إن مقاتلي الدعم السريع، أجبروا أهالي (جبرة، اللاماب، يثرب) وبعضاً من مربعات الصحافة والعشرة على مغادرة منازلهم بصورة قسرية.
تقدم نوعيالمستشار السياسي للدعم السريع يوسف عزت الماهري، أكد أن قواتهم حققت تقدما كبيرا في الميدان بإحكام السيطرة التامة على سلاح المدرعات.
وقال في حديثه مع (التغيير) بعمليات جارية لملاحقة ومطاردة من وصفهم بـ(الفلول) الفارين للأحياء المجاورة للشجرة.
وكشف عن تقدم آخر نحو سلاح الذخيرة، وقال: هي مسألة وقت وتعلن الخرطوم، خالية تماما من أي وجود للفلول، على حد وصفه.
عزت الماهري: نقترب من حسم معركة الخرطوم
منشورات النعي والتأبين في مواقع التواصل الاجتماعي، توضح الخسائر البشرية المروعة لكلا الطرفين
وأشار الماهري إلى أن الدعم السريع يقوم بعمل نوعي في جميع المواقع المتبقية للجيش في أم درمان.
ونبه إلى أن هذه العمليات أسفرت عن مقتل المئات وكبدت الجيش خسائر كبيرة في العتاد العسكري .
وصف المحلل الأمني والاستراتيجي المتخصص في إدارة الأزمات، اللواء أمين إسماعيل مجذوب، ما يدور في الميدان في مناطق متفرقة بالخرطوم، بأنه عبارة عن تبادل قصف وعمليات تمشيط ومطاردة من القوات المسلحة لعناصر الدعم السريع.
وعدّ ما يتم تداوله من قبل الدعم من أخبار وفيديوهات ومعلومات وبيانات هي عبارة عن حرب إعلامية ونفسية.
وقال مجذوب لـ(التغيير): تمت مهاجمة المدرعات من قبل الدعم السريع 31 مرة، انتهت جميعها بالفشل، فيما لا تزال مقار الجيش في أم درمان وبحري صامدة، وترد على الهجمات التي تشن ضدها من وقتٍ لآخر.
ولفت إلى أن عمليات التصعيد عموما، مرتبطة بقرب انعقاد مفاوضات، والسعي للحصول على موقف عسكري تفاوضي مناسب.
لواء متقاعد: ما يتم تداوله من قبل الدعم من أخبار وفيديوهات ومعلومات وبيانات هي عبارة عن حرب إعلامية ونفسية
ويعتقد مجذوب أن الجيش يحاول كسب موقف يمكنه من المطاردة وتمشيط العاصمة المثلثة.
وعاد وذّكر بأن الحرب الحالية يصاحبها ضبابية في المعلومات ما يزيد من أهمية البيانات الصحفية، لعدم توفر وسائل إعلام تنقل ما يدور على الأرض.
ورغم ادعاءات كل طرف يري المتخصص في العلاقات السياسية دكتور كباشي البكري، أن هناك احتمال ضئيل في إحراز انتصار حاسم من قِبل أي طرف على الآخر، في ظل المعطيات الحالية.
واعتبر أن طرفي النزاع استنفدا قوتهما، وأن موازين القوى لم تتغير منذ بداية الحرب، فقط المزيد من الخسائر على كل المستويات.
الاحتمال الذي بات اكثر واقعية، في الوقت الراهن ان هذه الحرب سيطول أمدها ما لم يطرأ متغير جديد يساعد في حسم الصراع لصالح أحد طرفي القتال.
الوسومحرب الجيش والدعم السريع حرب السودان معركة المدرعات منطقة الشجرة العسكريةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: حرب الجيش والدعم السريع حرب السودان معركة المدرعات منطقة الشجرة العسكرية
إقرأ أيضاً:
قواتالدعم السريع تستهدف القصر الجمهوري في الخرطوم بالمدفعية بعيدة المدى
عواصم "أ ف ب" "العمانية": استهدفت قوات الدعم السريع اليوم القصر الجمهوري في وسط العاصمة السودانية الخرطوم بـ"قصف مدفعي بعيد المدى"، بحسب مصدر عسكري.
وقال المصدر العسكري لوكالة فرانس برس إن القصف انطلق من منطقة الصالحة جنوب أم درمان بالخرطوم الكبرى، وطال كذلك مقر وزارة المعادن في المنطقة الحكومية في العاصمة.
ولم ترد تقارير بحدوث إصابات جراء القصف.
وكانت قوات الدعم السريع قصفت السبت مقر القيادة العامة للجيش السوداني بقذائف مدفعية بعيدة المدى.
وأتى استهداف مواقع تابعة للجيش بعد أسابيع من إعلان الأخير إخراج قوات الدعم السريع من الخرطوم.
وأطلق الجيش السوداني في مارس عملية واسعة من وسط البلاد أفضت إلى استعادة السيطرة على القصر الجمهوري ومطار الخرطوم ومواقع حيوية أخرى انتهت بإعلان قائد الجيش "الخرطوم حرة".
وما زالت قوات الدعم السريع تحتفظ بمعاقلها في جنوب وغرب أم درمان التي تنطلق منها هجماتها الأخيرة على الجيش السوداني.
وتستمر الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023 متسببة في مقتل عشرات الآلاف ونزوح 13 مليون شخص ما أدى لأكبر أزمة جوع ونزوح في العالم.
حصيلة الأسابيع الماضية
قُتل 542 مدنيا على الأقلّ في ولاية شمال دارفور السودانية في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، لكن "يُرجّح أن تكون الحصيلة الفعلية أعلى من ذلك بكثير"، بحسب ما جاء الخميس في بيان لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان.
وأشار فولكر تورك في تعليقه حول الوضع في السودان حيث تتواجه قوات الدعم السريع مع الجيش السوداني في حرب مستمرّة منذ سنتين إلى أن "المأساة المتفاقمة في السودان لا تعرف أي حدود".
أصبحت ولاية شمال دارفور ساحة معركة رئيسية في الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب "حميدتي".
وأسفرت الحرب عن سقوط عشرات آلاف القتلى وعن أكثر من 13 مليون نازح ولاجئ، وأغرقت السودان البالغ عدد سكانها 50 مليون نسمة في أزمة إنسانية حادة بحسب الأمم المتحدة.
في الأسابيع الأخيرة كثّف مقاتلو قوات الدعم السريع هجماتهم على الفاشر التي تعد آخر مدينة كبرى في إقليم دارفور (غرب) ما زال الجيش يسيطر عليها.
وأشار تورك إلى هجوم شنته قوات الدعم السريع قبل ثلاثة أيام على الفاشر ومخيم أبو شوك أسفر عن مقتل 40 مدنيا على الأقل.
وقال "بهذا، يرتفع العدد المؤكد للضحايا المدنيين في شمال دارفور إلى ما لا يقل عن 542 خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة فقط، فيما يُرجّح أن تكون الحصيلة الفعلية أعلى من ذلك بكثير".
كذلك، أشار إلى "التحذير القاتم الذي أطلقته قوات الدعم السريع من -سفك الدماء- قبل معارك وشيكة مع القوات المسلحة السودانية والحركات المسلحة المرتبطة بها".
وقال "ينبغي بذل كل جهد لحماية المدنيين المحاصرين وسط ظروف مأسوية في الفاشر ومحيطها".
وسلط الضوء على "تقارير عن إعدامات ميدانية في ولاية الخرطوم" معتبرا أنها "مقلقة جدا".
وقال إن "مقاطع فيديو مروعة مُتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر 30 رجلا على الأقل بملابس مدنية يُعتقلون ويُعدمون على يد مسلحين يرتدون زي قوات الدعم السريع في الصالحة جنوب أم درمان"، مضيفا أنه في مقطع فيديو لاحق، "أقر قائد ميداني من قوات الدعم السريع بعمليات القتل".
وأضاف تورك أن هذه التسجيلات جاءت بعد "تقارير صادمة في الأسابيع الأخيرة عن إعدام ميداني لعشرات الأشخاص المتهمين بالتعاون مع قوات الدعم السريع في جنوب الخرطوم، يعتقد أن لواء البراء هو من ارتكبها"، وهو مجموعة تابعة للقوات المسلحة السودانية.
وشدد على أن "القتل المتعمد لمدني أو أي شخص لم يعد يشارك بشكل مباشر في الأعمال الحربية يُعد جريمة حرب".
وقال المفوض السامي لحقوق الإنسان إنه "نبه شخصيا قادة قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية إلى العواقب الكارثية لهذه الحرب على حقوق الإنسان".
وأضاف أن "هذه العواقب الوخيمة واقع يومي يعيشه ملايين السودانيين. لقد آن الأوان بل تأخر كثيرا، لوقف هذا النزاع".
الأغذية العالمي يحذر
حذر برنامج الأغذية العالمي من أن 638 ألف سوداني يواجهون جوعًا كارثيًّا، وهو المعدل الأعلى في العالم، جراء الحرب المشتعلة في السودان منذ عامين، مؤكدًا أن 24.6 مليون شخص يعانون جوعًا حادًّا. وقال منسق الطوارئ الإقليمي للبرنامج العالمي بالسودان إنهم "في سباق مع الزمن" مؤكدًا الحاجة الملحة إلى زيادة مخزونه الغذائي قبل أن تغمر المياه الطرق وتصبح غير سالكة، مشيرًا إلى أن حالات الجوع وتفشي الأمراض قابلة للزيادة الكبيرة خلال موسم الأمطار العام الماضي. وأضاف "نغطي حاليًّا 4 ملايين شخص، لكننا بحاجة إلى زيادة هذا العدد ليصل إلى 7 ملايين على الأقل في الأشهر المقبلة". وبيّن أن البرنامج الأممي يحتاج إلى مزيد من التمويل، وإلا سيضطر إلى تقليص الدعم في الوقت الذي يحتاج فيه البرنامج إلى زيادة حجم المساعدات. وأكد أن 10 مواقع في السودان تعاني من المجاعة، من بينها 8 مواقع شمال دارفور، بما في ذلك مخيم زمزم، وموقعان في جبال النوبة الغربية. وذكر أن هناك 17 منطقة أخرى معرضة لخطر المجاعة، بما في ذلك الخرطوم، مبينًا أن المناطق الأكثر تضررًا، يعاني فيها واحد من كل 3 أطفال من سوء التغذية الحاد متجاوزًا بذلك عتبة المجاعة وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي.