لجريدة عمان:
2025-04-23@04:36:20 GMT

الوجه الآخر للسكين

تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT

كانت طريقته في حمل سكّينه مدهشة لطفلة في سنواتها الست؛ إذ كان يودع السكّين في غمد جلدي بني اللون فصَّله خصيصا لها، ثم يُدخلها بغمدها ما بين رقبته ودشداشته من الخلف. حارت الطفلة كثيرا في ثبات السكّين هناك من دون أن تسقط! وراحت تتخيّل دشداشته بجيب -ولا شك- يبدأ من فتحة الرقبة مباشرة كي تستقرّ السكّين فيه.

أطلق عليها اسم «سمّ الموت» لحدّة نصلها الذي ما كانت بسببه تعجز عن قطع شيء مهما بدا قطعه مستحيلا، أو هذا ما راج عنها من حكايات كان مصدرها الأساس الاسم الذي اشتهرت به. لازمته السكّين طوال عمره من دون أن تفارقه حتى في ساعات نومه، بل كان يخرجها من مخبئها خلف رقبته ويضعها إلى جواره قبل أن ينام، ولم يكن أحد ليتجرأ على استخدام سكّينه بدلا منه، ولا التفكير في استعارتها منه فضلا عن سرقتها، فقد بدا أن اسمها لم يكن قاطعا وحسب، وإنما كان تميمة ترهب من يفكر فيها بسوء.

كان يكفي أن تكون «سمّ الموت» موجودة في البيت القديم ليحسّ أفراده بالأمان، وكان كافيا أن يحملها معه ليكون آمنا من الدوابّ وهوامش الليل. وإذا نزلت بأحدهم نازلة يكفي أن يسأل عن «سمّ الموت» وصاحبها ليدرك الحاضرون أن أمرا جللا قد حدث يستدعي استخدام الأيقونة التي اقترنت به.

أما هو فقد كان، بخلاف سكّينه، رجلا وادعا ومسالما وكثير التبسّم قليل الكلام، لا سيما إذا كان محدّثه لا يضطرّه للكلام. ولكن حركته وهو يستلّ سكّينه من خلف رقبته إذا ما دعت الحاجة لا تختلف عن فارس يستلّ سيفه، فيظهر فجأة صاحب «سمّ الموت» كما يليق بسكّين دارت حولها الأساطير.

لم تكن «سمّ الموت» أداة شرٍّ بعد كل شيء، فهي لم تفعل أكثر من قطع ما لا ينقطع -أو هكذا كنا نظن- أو قتل دابة أو هامشة أو أفعى بضربة واحدة لا ثانية لها، حتى أوشكنا على الاعتقاد بأنها تعرف هدفها وتراه، حتى لو صُوّبت نحو الهدف الخطأ فإنها قادرة على تغيير مسارها تجاه هدفها الذي تعرفه. ولكن ما يغفله الكبار قصدا أو عمدا أنها كانت تجلب لنا الفرح نحن الصغار، فبها حصلتُ على كثير من الدمى الخشبية التي ينحتها لي بسكّينه هذه، فقد نحت لي مرة حصانا خشبيا وفارسا وسيما وضعه على ظهر الحصان، وأحاط رقبة الحصان بخطام من الخوص الرفيع المسفوف، ووصله بيد الفارس الراكب على ظهره. كنت سعيدة بالهدية المنحوتة بعناية رغم أنها لم تكلّفه وقتا طويلا. كان يكفي أن يجلس الطفل منا إلى جواره أسفل شجرة الليمون الكبيرة في حوش بيته حتى يبادر إلى إخراج سكّينه بحركة الفرسان تلك وينحت دمية له بـ«سمّ الموت»، كما يحدث كثيرًا أن يقطع بها جريد النخل في مزرعته التي تحيط بالبيت، ويجدله ليصنع منه قفرانًا وأشكالًا لا نهائية من الجِمال والقطط والأواني الخوصية الصغيرة. كان رقيقا وفنانا، ولكن أحدا لم يُعر اهتماما لما كان يصنعه من أشكال بالغة الدقة والرهافة عدانا نحن الصغار، كانوا جميعا مشغولين بالوجه الآخر للسكّين.

ولكن حارسته الأمينة «سمّ الموت» لم تستطع أن تحلّ مشكلة استطالة طريقه من البيت إلى المزرعة التي اشتراها على بعد خمسة كيلومترات. مسافة كان يقطعها بادئ الأمر في عشر دقائق فقط، تساعده في ذلك نحافته وخفة وزنه وسرعة ساقيه، ولكن الأمر مع الوقت بدأ يسير بشكل لم يعهده من عرفوه، حتى وصلت المدة التي يقضيها بين البيت والمزرعة ساعتين بتمامهما وكمالهما. يتأخر في كل يوم عن البيت مدة أطول عن اليوم الذي قبله، حتى أجهده المرض وأقعده عن الذهاب إلى المزرعة التي نمت فيها الحشائش الزائدة فزاحمت «جلب» القت «البرسيم». لمدة طويلة لم يكن مقتنعا أن ما به يحتاج إلى طبيب أو مستشفى، فقد تجلّد وتحامل على نفسه حتى بلغ الغاية التي لا رجوع منها. في سرير المستشفى كان لا ينفك يسأل عن «سمّ الموت» التي أزالها الأطباء من خلف رقبته، ولكن سرعان ما تعاوده الطمأنينة عندما يجدها إلى جواره؛ وكأنها الشيء الوحيد الذي يجعل البقاء ممكنا في مكان لا يطيقه.

أما موته فيشبه النهايات المفتوحة التي تأتي بأكثر من صيغة محتملة، وأولى تلك الصياغات كانت محض إشاعة لم تفعل أكثر من تأخير المحتوم يومين أو ثلاثة من دون أن تغيّر في تفاصيله كثيرا، ولكنها مهلة كانت كافية لأمّي التي بكت في المرة الأولى لاعتقادها أن أباها قد غادر الحياة قبل أن تصل إلى المستشفى، وعندما وجدته ما يزال يتنفّس تنفّست هي معه، وقرّرت ألا تتركه أبدا، وأنها ستقيم إلى جوار سريره حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا.

في الصيغة الثانية- قبل أن يجيء الموت صدقا- طلب منها جرعة ماء، فسقته حتى ارتوى، وأسلم الرّوح بين يديها. بكت موته للمرة الثانية ولكنّها كانت راضية هذه المرة. أما «سمّ الموت» فلم يعد يتذكّرها أحد، فقد كانت موجودة بوجوده هو، وعندما غادر غادرتها أساطيرها، وزهد فيها وارثوها، وعادت سكّينا أقصى ما تستطيعه أن تقطع تفّاحة أو حبّة مانجا.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الفيصل: صلاح يناسب الدوري السعودي.. ولكن لم نفاوضه

البلاد- جدة
نفى الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل وزير الرياضة، في حديث لسموه- على هامش حضوره فعاليات سباق جائزة السعودية الكبرى فورمولا 1 بحلبة كورنيش جدة، التي اختتمت مساء الأحد- ما تردد خلال الفترة الماضية، عن ارتباط محمد صلاح الدولي المصري وهداف ليفربول، بالانتقال إلى أحد أندية دوري روشن السعودي. فعلى مدار أشهر طويلة تناولت تقارير إعلامية سعودية وعالمية إمكانية رحيل محمد صلاح إلى الدوري السعودي، وارتبط اسمه بأكثر من ناد؛ أبرزها الاتحاد والهلال، قبل أن يجدد قائد المنتخب المصري وهداف الدوري الإنجليزي عقده مع نادي ليفربول. وقال الفيصل:” صلاح لم يكن محل تفاوض؛ كي ينضم لأحد الأندية، لكنه يناسب الدوري السعودي، من حيث كونه لاعبًا عربيًا مسلمًا”.
وأضاف:” صلاح نجم كبير، ويناسب هوية الكرة السعودية، لكنه اتخذ قرارًا بتجديد عقده مع ناديه، وأعتقد أن ارتباط اسمه بالانتقال للدوري السعودي، لم يرتق إلى وجود مفاوضات.. لكن هذا أمر جيد على أية حال”. وأضاف:” الآن نلاحظ ونتابع أن أي لاعب يريد تجديد عقده مع ناديه، يتم ربط اسمه بالدوري السعودي، لكن 90% من هذه الأنباء ليست صحيحة”. وشدد الفيصل:” لدينا إستراتيجية واضحة في التعاقد مع اللاعبين، رغم أن البعض يرشح العديد من الأسماء للانتقال إلى الدوري السعودي”.

 

وأردف:” إذا نظرت إلى فترة التعاقدات الأخيرة، ستجد أننا نضم لاعبين صغارًا، يإمكانهم تطوير شكل المنافسة في الدوري”. حيث نجحت أندية الدوري السعودي هذا الموسم في جلب عدد من اللاعبين أعمارهم السنية 25 عامًا فأقل؛ مثل موسى ديابي وأوناي هيرنانديز وماريو ميتاي في الاتحاد، وجون دوران وويسلي في النصر، وجابري فيجا في الأهلي وكايو سيزار في الهلال. واختتم الفيصل:” لست متأكدًا إذا كنتم تتابعون الدوري السعودي هذا الموسم، فالتنافس بين أندية المربع الذهبي على أشده”.

مقالات مشابهة

  • تراجع محتمل.. ترامب: الرسوم الجمركية على الصين ستنخفض ولكن..
  • جاب من الآخر.. إعلامي لبناني يوضح حقيقة الفيديو المنتشر للنجمة نادين نسيب نجيم
  • وكالة ناسا.. السماء تبتسم يوم الجمعة
  • وزير الاقتصاد والصناعة يصدر قراراً بتشكيل ثلاث إدارات عامة ضمن الوزارة بدل الوزارات التي كانت قائمة قبل الدمج
  • حزب الله: العودة محسوبة ولكنّها حاصلة
  • الفيصل: صلاح يناسب الدوري السعودي.. ولكن لم نفاوضه
  • عبد الساتر في قداس عيد الفصح: مدعوون إلى أن لا نصمت أو نبرر الإبادات الجماعية والتجويع
  • ‏الأردن يرحب بالتوافق الذي توصّلت إليه واشنطن وطهران خلال الجولة الثانية من المباحثات التي عُقِدَت في العاصمة الإيطالية روما
  • اسمه بوتين ولكن لا علاقة له بسيد الكرملين... مطعم في إسبانيا يحتفل بعيده الـ 300
  • الهواري: إعمال الفكر فريضةٌ ولكن لا ينبغي أن يصطدم بالثَّوابت