علوم الطبيعة.. حقائق ثابتة أم فرضيات متغيرة؟ (6)
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
أ. د. حيدر بن أحمد اللواتي **
ذكرنا أن من أهم ضوابط النظرية العلمية أن تكون لها القدرة على تفسير الظواهر العلمية قيد البحث كما لا بُد لها أن تتنبأ بعدد من الظواهر العلمية غير المُكتشفة، لكن تاريخ العلم يكشف عن أمر آخر مهم وهو أن كثيرًا من النظريات العلمية تنجح في تفسير الظواهر العلمية، كما إنها تنجح في التنبؤ بعدد آخر من الظواهر التي تُكتشف لاحقًا، لكنها مع مرور الوقت يَثبُت خطؤها وتُستبدل بنظرية أخرى، فلماذا تفشل النظرية مع مرور الوقت؟ ولماذا يعجز العلماء عن الكشف عن خطئِها من البداية؟
إنَّ سبب فشل النظرية يعود الى ميزة مُهمة لا بُد للنظرية أن تتسم بها، وهي قدرة علماء الطبيعة على تعميم النظرية على الظواهر العلمية الجديدة التي يتم الكشف عنها مع مرور الزمن وتطور العلوم، بحيث تستطيع تلك النظرية التنبؤ بسلوك الظاهرة العلمية التي يتم الكشف عنها مستقبلًا؛ فالنظرية العلمية رُبما تنجح في تفسير الظواهر العلمية التي كانت قيد البحث والتنبؤ بسلوكها أثناء اكتشافها، لكن ذلك لا يثبت صحتها؛ بل لا بُد لها أن تنجح في تفسير الظواهر العلمية اللاحقة والتي قد يتوصل لها العلم، بحيث يتم تعميمها على كل الظواهر العلمية الأخرى الجديدة التي يكتشفها العلم لاحقًا والتي لها صلة مباشرة بالنظرية.
السبب الذي يجعل العلماء يكتشفون خطأ النظرية العلمية لاحقًا هو ظهور ظواهر طبيعية جديدة لم تكن معلومة زمن الكشف عن النظرية، ومن هنا يُعد تعميم النظرية وقدرتها على تفسير الظواهر العلمية الجديدة هو الذي يحدد صحتها، لذا لا يمكن للنظريات العلمية أن تتحول الى حقائق علمية؛ لأن العلماء ربما يكتشفون ظاهرة طبيعية جديدة ولا تنجح محاولاتهم في تعميم النظرية العلمية عليها وبذلك يكتشفون خطأ النظرية وعدم إمكانية تعميمها، ولهذا يُقال إن كل نظرية علمية يمكن إثبات خطئها مُستقبلًا!
لكنَّ البعض يقول إن قوانين نيوتن لا يمكن أن نعدها خاطئة، فما زالت هذه القوانين تُستخدم وبصورة واسعة جدًا؛ فالطائرات والسيارات ووسائل النقل الأخرى المذهلة كلها قامت بناء على هذه القوانين والتي وصفت بأنها خاطئة، فإذا كانت خاطئة، فكيف نجحنا في استخدامها في تطوير هذه التقنيات الرائعة؟
قد يعتبر البعض أن نظرية الكمّ هي في واقعها امتداد لقوانين نيوتن؛ فهي أشمل من قوانين نيوتن ويمكن تعميمها أكثر من تلك القوانين.
إلّا أن ذلك غير صحيح؛ لأن الأُسس والفرضيات التي تقوم عليها نظرية الكمّ تتعارض تمامًا مع الأُسس والفرضيات التي تقوم عليها قوانين نيوتن، لذا لا يصح أن نُعِدَّ نظرية الكمّ امتدادًا لقوانين نيوتن.
والصحيح أن العلم كما اكتشف خطأ قوانين نيوتن عند محاولة تعميمها على الجسيمات الذرية ودون الذرية، فقد اكتشف في الوقت نفسه حدود تطبيقها، ومن هنا يُمكن أن نُطبِّقها على عدد من التطبيقات لكن لا نستطيع أن نُطبِّقها على الذرَّة وعلى الأجسام التي تسير بسرعات تقارب سرعة الضوء، ولذا ما زالنا نستخدمها في هذا النوع من التطبيقات.
وإذا كان الأمر كذلك؛ فالسؤال ما زال قائمًا: لماذا نستخدم قوانين نيوتن في تصنيع هذه التقنيات المُهمة مع أنها قوانين ثبت خطؤها؟
الجواب أن العلم والبشر عمومًا يسلكون أقصر وأيسر الطرق لتحقيق أهدافهم والوصول لغاياتهم، حتى لو لم تكن تلك الطرق صحيحة تمامًا، وهذا ما يحدث هنا، فإن استخدام نظرية الكمّ في تصنيع سيارة أو طائرة، أمرٌ غاية في الصعوبة، ونحتاج الى حواسيب ضخمة وعملاقة للقيام بالحسابات اللازمة؛ بل لا يُمكننا اليوم القيام بذلك بالإمكانات الحاسوبية المتوفرة، بينما يُمكننا القيام بذلك بكل سهولة ويسر باستخدام قوانين نيوتن والتي ثبت خطؤها، لكن لأننا نعلم حدودها ومداها وسهولة استخدامها، فإننا نستخدمها ولا نلجأ الى النظرية الأكثر صحة؛ لأنها صعبة التطبيق، وستوصل الى نفس النتائج التي توصلت لها قوانين نيوتن الأسهل.
إنَّ بساطة القوانين وسهولة استخدامها تعد أحد أسرار بقائها حتى لو لم تكن صحيحة تمامًا، ويبدو أن ذلك لا يسري على قوانين الطبيعة فحسب؛ بل هذا الأمر بمثابة قانون مُهيمِن على كل القوانين والنُظُم التي توصلت إليها البشرية أيضًا؛ فالقوانين والتشريعات الصحيحة الصعبة والمعقدة لا يُكتب لها البقاء.
*******************
سلسلة من المقالات العلمية تتناول علوم الطبيعة، وتُجيب على أسئلة ما إذا كانت هذه العلوم مجموعة من الحقائق التي لا يعتريها شك ولا شبهة، أم أنها محض ظنون لا يُقر لها قرار وتتغير بتغير الزمان؟
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
10 حقائق وأسرار حول سورة ق.. هل تضعف القرين والجن؟
سورة ق من السور التي تحمل العديد من الفضائل، ويشغل البعض تساؤلًا هامًا حول ما إذا كانت هذه السورة تعالج القرين والجن وتساعد في تضعيفهما، هذا السؤال يفتح بابًا للنقاش حول الدور الذي تلعبه السور القرآنية في حماية الإنسان من التأثيرات السلبية للجن والقرين، بالإضافة إلى مكانتها الكبيرة في القرآن الكريم.
1. فضل سورة قسورة ق تتضمن فضائل عظيمة، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص على قراءتها في خطبتي الجمعة والعيدين. كان يُكتفى بقراءتها كخطب كاملة؛ لأنها تحتوي على معاني شاملة تمس جوانب الحياة كافة، من خلق الإنسان وموته إلى بعثه، وتبرز أهمية التزام المسلم بطاعة الله سبحانه وتعالى.
كما كانت السورة تشد انتباه الصحابة إلى حقيقة وجود الموت والبعث وحساب الإنسان على ما قدمت يداه.
2. تأثير سورة ق في الحياة اليوميةالسورة تعتبر من السور التي تعين المسلم في أوقات الضيق، حيث يلجأ إليها المسلم في حالته النفسية الصعبة، سواء في فترات الاضطراب أو في مواجهة الجن والقرين.
وُجد أن قراءة سورة ق بانتظام تساعد في تحصين النفس من الشرور وتقويتها ضد أي تأثيرات سلبية، بما في ذلك السحر والجن.
3. هل سورة ق تضعف القرين؟لقد ذكر بعض العلماء أن سورة ق من السور التي يُستحب قراءتها لتحصين النفس من الجن والقرين. يُقال إن قراءة سورة ق سبع مرات في الماء، ثم شربه أو استخدامه في غسيل الجسم، قد يساهم في حماية الشخص من تأثيرات الجن والسحر. ورغم أن هذه الأمور ليست مثبتة علميًا، إلا أن الكثيرين يؤمنون بتأثير هذه السورة في تقوية النفس ضد الأذى الروحي.
4. أهمية سورة ق في علاج النفسسورة ق تعتبر علاجًا نفسيًا وروحيًا، حيث تتطرق إلى مواضيع مثل الحياة والموت، والبعث، والجزاء. تذكر السورة أن الله سبحانه وتعالى هو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد، وهو أدرى بما في نفسه من وساوس أو هموم. وهذا التذكير بالقرب الإلهي يعين المؤمن على تجاوز الصعوبات النفسية ويمنحه راحة روحية.
5. سورة ق: علاج للسحر والجنتعد سورة ق من السور التي يُعتقد أنها تساهم في حماية الإنسان من السحر والجن، حيث يقال إن تلاوتها في الماء أو على الجسم تساعد في درء هذه الأضرار. يمكن تلاوتها بشكل خاص عندما يشعر الشخص بتأثيرات سلبية أو حين يتعرض لمواقف قاسية.
6. تفسير سورة قتبدأ سورة ق بالحروف المقطعة "ق" وتتناول مواضيع مثل البعث بعد الموت وعذاب المكذبين، حيث تبرز قصص الأقوام السابقة الذين كذبوا الرسل فاستحقوا العذاب. كما أنها تعرض حقيقة الموت وقيام الساعة بشكل ملموس، وتبيّن أن كل ما يمر به الإنسان في حياته هو تحت مشيئة الله.
7. سبب تسمية سورة قتم تسمية السورة بهذا الاسم نسبة إلى الحرف المقطّع "ق" الذي بدأ به كلام الله تعالى في بداية السورة. يُعتقد أن هذه الحروف تحمل رمزية خاصة لدى علماء القرآن، وقد وردت في عدد من السور الأخرى، مثل "ألم" و"كهيعص".
8. دروس من سورة ق في مواجهة الجن والقرينسورة ق تعلم المسلم الصبر والتوكل على الله في مواجهة كل ما يعكر صفو حياته، بما في ذلك الأذى الروحي أو الجسدي الناتج عن الجن أو القرين. تذكّر السورة المؤمنين بأن الله أقرب إليهم من أي شيء آخر، ويجب عليهم الاستعانة به في مواجهة جميع تحديات الحياة.
9. دور السورة في تعزيز الإيمانتعد سورة ق من السور التي تساهم في تقوية إيمان المسلم، حيث تذكره بعظمة الله وقدرته على كل شيء. قراءة السورة بانتظام تعزز من قدرة المؤمن على مواجهة المصاعب بثقة في الله، وتبعث في نفسه الاطمئنان والسكينة.
تأثير سورة ق في الحياة الروحيةفي النهاية، لا يمكن إنكار الدور الكبير الذي تلعبه سورة ق في حياة المؤمن من حيث تعزيز الإيمان وحماية النفس من الشرور. سواء كانت تعالج الجن والقرين بشكل مباشر أم لا، فإن تأثيرها الروحي والنفسي عميق ويستحق التأمل والاهتمام.
إذن، سورة ق ليست مجرد نص قرآني، بل هي مصدر للطاقة الروحية التي ترفع المؤمن، وتمنحه القوة لمواجهة تحديات الحياة اليومية.