العولمة ووحدة مجموعة العشرين
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
تشو شيوان **
اختُتمت أعمال قمة مجموعة العشرين، التي استضافتها الهند قبل أيام، وحضر القمة من الجانب الصيني رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ؛ الذي حثَّ مجموعة العشرين على المضي قدمًا في العولمة الاقتصادية، وذلك خلال كلمته أمام الجلسة الأولى من أعمال القمة التي احتضنتها مدينة نيودلهي.
لي تشيانغ أضاف أنه يتعين على أعضاء مجموعة العشرين التمسك بالطموح الأصلي المتمثل في الوحدة والتعاون والعمل من أجل السلام والتنمية، داعيًا إلى العمل كشركاء من أجل تعزيز الانتعاش الاقتصادي العالمي والتعاون والتنمية المستدامة.
وواجهت مجموعة العشرين خلال الفترة الماضية انقسامات عديدة وتحديدًا بشأن الحرب في أوكرانيا؛ إذ تسعى بلدان الغرب إلى الحصول على تنديد قوي من المجموعة تجاه حرب روسيا وتضمينه في الإعلان الختامي للقمة، بينما تطالب بلدان أخرى المجموعةَ، بالتركيز على القضايا الاقتصادية الأوسع نطاقًا، إضافة لموضوع المناخ الذي لم تتَّحد الرؤى حوله حتى الآن، ويرى فيه بعض الدول خلافًا مع الآخر، ولهذا جاءت توصيات الصين ومطالبها بدلًا من الانقسام والتشتت أن يكون التعاون والعمل المشترك هو الحل المستقبلي للمجموعة ودولها.
إنَّ التنمية الاقتصادية هي أهم ما يحتاج له العالم خلال هذه الفترة الحرجة، ولا يمكن التغافل عن المشاكل الاقتصادية التي تواجه العديد من دول العالم من ركود اقتصادي ومشاكل في توافر مصادر الطاقة؛ ولهذا تجد الصين أن مجموعة العشرين يجب أن تركِّز على التنمية الاقتصادية لتحسين الظروف المعيشية لسكان العالم، وتوجيه دفة العمل المشترك نحو التعاون الاقتصادي؛ لما لهذا من تأثير مباشر على حياة الناس وانعكاساته على مختلف القضايا الأخرى بما فيها السياسية.
وإذا أراد العالم الخروج من الأزمات الاقتصادية، فيجب تعزيز العولمة الاقتصادية، والحفاظ بشكل مشترك على استقرار سلاسل الصناعة والإمداد، وأن تكون دول المجموعة شركاء في تعزيز تعاون عالمي مفتوح؛ إذ إن هناك مشاكل حقيقية تواجه العالم في مسألة سلاسل الإمداد وتعطُّل الكثير من المشاريع الاقتصادية، ويجب إيجاد حلول جذرية لكل هذا، ولهذا فإنَّ الدفع بالعولمة الاقتصادية والانفتاح تجاريًا وصناعيًا، سيفتح المجال لإيجاد أرضية عمل مشتركة وإيجابية بين دول العالم.
مجموعة العشرين يجب أن تبحث عن أرضية مشتركة للعمل فيما بينها وتنحية الخلافات؛ فالتحديات والأزمات الكبرى تواجه العالم أجمع، ولا يُمكن تحصين دولة من تأثير هذه التحديات، ولا سبيل لمواجهة هذه الصعوبات والأزمات إلا بالعمل المشترك، وهذا ما تؤمن به الصين من خلال تواجدها في مجموعة العشرين، وهذا ما تريده لدول هذه المجموعة في المرحلة المقبلة.
لقد أعلن قادة مجموعة العشرين أنهم سيدعمون الجهود المبذولة لزيادة القدرة العالمية للطاقة المتجددة 3 مرات بحلول العام 2030، مُتعهّدين بتسريع العمل لمكافحة تغير المناخ، وقد قال رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ إنه يتعين على أعضاء مجموعة الـ20 أيضًا العمل معًا لحماية الموطن الأخضر للأرض، وتعزيز التنمية الخضراء ومنخفضة الكربون، وحماية البيئة الإيكولوجية البحرية، وأن يكونوا شركاء في تعزيز التنمية المستدامة العالمية. هنا نجد أن الصين ملتزمة بوعودها البيئية تجاه العالم، وتسارع بشكل حازم وفعّال في تقليل الانبعاثات الكربونية والدفع بالاقتصاد الأخضر داخل وخارج الصين، وجهود الصين في هذا الجانب كالشمس ساطعة في كل مكان ولا يمكن نكرانها أو تجاهلها.
من جانب آخر، فإن الصين فتحت أيديها للتعاون المثمر مع الدول الإفريقية ووجَّهت ببناء بنية تحتية وتحسين حياة شعوب القارة السمراء، وأجدُ أن انضمام الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة الـ20 سيكون مثمرًا، لو فتحت دول المجموعة أذرعها للتعاون مع أفريقيا وفتح فرص حقيقية لتمكين سكان الدول الأفريقية وتحسين ظروف حياتهم، وبنفس الوقت التوقف عن استنزاف هذه الدول ونهب مقدراتها والتحكم بمصيرها.
إنَّ الصين من خلال مجموعة العشرين ومن خلال غيرها من التكتلات العالمية، لا تدعو سوى للانفتاح وللعمل المشترك، وتحث على وجوب التعاون المثمر والبناء بين دول العالم، وتؤمن بأن الدول مهما كان حجمها وحجم تأثيرها فيجب أن يكون لها نصيب عادل من التعاون، وأن على الدول الكبرى احترام الدول الصغيرة، وأن يُبنى النظام العالمي على المزيد من العولمة الاقتصادية الفعّالة؛ بعيدًا عن الشعارات الفارغة، ولهذا وجدنا أن الصين تحُث بكامل طاقتها نحو توحيد الصف بعيدًا عن جميع الخلافات، وتدفع بشكل حازم العولمة الاقتصادية لإيمانها بتأثير الاقتصاد على جميع مناحي الحياة.
** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
هل تنجح دول الخليج في تحقيق التوازن في علاقاتها الاقتصادية بين الصين والغرب؟
تسعى دول الخليج لتحقيق توازن في علاقاتها مع كل من الصين والغرب؛ حيث تحاول تعزيز خططها الاقتصادية والتكنولوجية عبر شراكات مع الغرب، فيما أصبحت الصين أكبر شريك تجاري للخليج. ولكن هل تنجح دول الخليج بالفعل في الحفاظ على هذا التوازن؟
بحسب تقرير نشرته مجلة "إيكونوميست" وترجمته "عربي21"، فإن حكام دول الخليج الثرية أمضوا سنة 2024 في القيام بأمرين: أولا وضع بصمتهم على خريطة التكنولوجيا العالمية في محاولة للارتقاء في الترتيب الرقمي، وثانيا المضي قدما في خططهم الطموحة للتنويع الاقتصادي، وقد انطوى ذلك على شراكات مع الغرب والصين، لكن مع اقتراب 2025 تتعرض دول الخليج لضغوط متزايدة لاختيار أحدهما.
واعتبرت المجلة أن دول الخليج تميل نحو الغرب عندما يتعلق الأمر بتعزيز طموحاتها التكنولوجية، فقد استقطبت الإمارات العربية المتحدة، شركة مايكروسوفت كشريك لشركة "جي 42"، وهي شركة محلية رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي. كما تنشئ مايكروسوفت حاليًا مركزًا هندسيًا في أبوظبي، وتستثمر في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، إلى جانب شركة بلاك روك، أكبر شركة تدير الأصول في العالم، وصندوق "إم جي إكس"، وهو صندوق إماراتي للتكنولوجيا.
ويصف براد سميث، رئيس شركة مايكروسوفت، هذا الأمر بأنه "نموذج جديد للتعاون الجيوسياسي والاقتصادي" بين الشرق الأوسط والغرب، ويشير إلى أنها في المقام الأول "علاقة بين الحكومات، مدعومة من القطاع الخاص".
من جانبها، تعمل المملكة العربية السعودية على إنشاء صندوق للذكاء الاصطناعي بقيمة 40 مليار دولار بالشراكة مع مستثمرين أمريكيين، وتخطط جوجل لإنشاء مركز للذكاء الاصطناعي في المملكة، حسب التقرير.
وأشارت المجلة إلى أن اعتماد الدول الخليجية على الغرب لم يمنع من أن تصبح الصين أكبر شريك تجاري للخليج؛ حيث تعمل بكين على زيادة استثماراتها في المنطقة بشكل سريع، وقد اتجهت هذه الدول شرقًا فيما يتعلق بالمخططات الوطنية الطموحة لإصلاح اقتصاداتها وقامت ببناء روابط تجارية ومالية أكثر إحكامًا مع الشركات والمستثمرين الصينيين، الذين يقومون بتعزيز البنية التحتية في دول الخليج وجلب التكنولوجيا الصناعية.
وتردّ الشركات الخليجية الغنية بضخ مليارات الدولارات في شركات التكنولوجيا ومشاريع الطاقة في الصين وأماكن أخرى في آسيا، وضمن هذه العملية تفتح الشركات الخليجية أسواقًا جديدة وتجد فرصًا للنمو.
ووفقا للتقرير، فإن المشكلة تكمن في معارضة أمريكا للروابط التكنولوجية مع الصين، وفي هذا الإطار أُجبرت شركة "جي 24" على قطع علاقاتها مع شركة هواوي، عملاق الاتصالات الصيني، قبل إبرام الصفقة مع مايكروسوفت، كما كانت أمريكا مترددة في السماح بتصدير رقائق الذكاء الاصطناعي من إنفيديا إلى الشرق الأوسط، خوفًا من أن ينتهي الأمر بإرسال بعضها إلى الصين.
وفي شباط/ فبراير الماضي، وقعت شركة "دو"، وهي شركة اتصالات إماراتية، اتفاقية مع شركة هواوي لبناء شبكات الجيل الخامس، وقد هددت أمريكا بوقف مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع الأطراف التي تستخدم معدات هواوي خوفا من استخدامها في التجسس.
وأضافت المجلة أن دول الخليج ترى رغم ذلك في الصين شريكًا موثوقًا به وجذابًا لتحقيق أهدافها الحالية، فقد ساعدت الصين الإمارات على أن تصبح مركزًا تجاريًا عالميًا؛ حيث أنشأت مستودعات ضخمة وعمليات تجارية وبنى تحتية مفيدة.
كما أن الصين تدعم التحول نحو الطاقة المتجددة في دول الخليج من خلال توريد الألواح الشمسية وتوربينات الرياح، وقد لعبت الشركات الصينية أيضًا دورًا محوريًا في أنشطة البناء والنقل وغيرها من الأنشطة الصناعية في جميع أنحاء الخليج، كما تعمل الجامعات الصينية على تعزيز التعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا مع نظيراتها في الخليج.
إلا أن العمل مع أمريكا، وفقا للمجلة، يساعد على تأمين الطموحات التكنولوجية للخليج، والتي تعتبر أساسية في خطط التنويع الاقتصادي والنمو المستقبلي، كما يتطلع حكام الخليج إلى الاستثمار في الفضاء والدفاع والأمن السيبراني كمجالات واعدة في منطقة تزداد توترا.
وأكدت المجلة أن الولايات المتحدة أظهرت في بعض الأحيان أنها شريك يخدم مصالحه فقط؛ حيث خنقت طموحات دول الخليج وشركاتها، وتعاملت مع المنطقة كأداة في جهودها لبناء نفوذ في جنوب العالم، وسيستمر ذلك في عهد دونالد ترامب.
وختمت بأن دول الخليج قد تتطلع إلى دول آسيوية أخرى كبديل للصين إذا زادت الضغوط الغربية، وقد تحوّطت السعودية في رهاناتها حيث تعاونت مع شركات بناء من الهند وكوريا الجنوبية في بعض المشاريع، لكن هذه الشركات تكافح لمنافسة سرعة وكفاءة وقوة التصنيع التي تتمتع بها شركات البناء والهندسة الصينية.