جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-17@05:36:45 GMT

أهمية توطين الدبلوماسية وأعرافها

تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT

أهمية توطين الدبلوماسية وأعرافها

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

من القواعد العامة في علم القانون قاعدة تنص على أنَّ "العقوبة بقدر استنكار المجتمع للجُرم"، وهذه القاعدة تحمل تبيانًا صريحًا وجليًا بأهمية تناغم القوانين مع عادات وتقاليد المجتمعات، واحترام موروثها القيمي، وأهمية أن يكون التشريع من نسيج تلك القيم وليس استثناءً.

وتحمل تلك القاعدة القانونية العامة كذلك تأكيد أهمية توطين العلوم؛ بما يتناغم وينسجم مع ثقافات وموروث المجتمعات الروحية والقيمية والتاريخية والحضارية، فلكل علمٍ- كما هو معروف- قواعد عامة لا يُمكن الحياد عنها، ولكنها في المقابل تختلف في تفاصيل التطبيق من بلد لآخر بقدر الحاجة وبما يتواءم مع الموروث الأخلاقي والقيمي لكل مُجتمع، وبدون ذلك يُصبح العِلم مستوردًا وناسخًا لقيم وثقافات أخرى قد تتنافى تمامًا مع حاجات وقيم المجتمع المتلقي، وتُسبب له الكثير من الاستلاب والمسخ والانبهار بوعي وبلا وعي كذلك.

علم الدبلوماسية وقواعدها وأعرافها من العلوم التي استنسخناها وطبقناها بحذافيرها الغربية في الوطن العربي دون تمحيص أو غربلة أو توطين، فكانت النتيجة ضربًا من ضروب السادية في التعامل بين الأشقاء العرب والذين تربطهم ببعضهم وشائج وعلاقات ومصالح تفوق القواعد والأعراف الدبلوماسية في العمق والقدم والأهداف.

شخصيًا- وبوعي اليوم- يُصيبني الدوار والغثاء والشلل الذهني عندما أسمع بقُطر عربي يقطع علاقته الدبلوماسية بقُطرٍ عربي آخر، أو يطرد سفيرًا أو دبلوماسيًا، أو يُقلِّل التمثيل الدبلوماسي إلى درجات أدنى؛ فهذا كله نهج مستورد من نصوص "اتفاقية فيينا 1961". ونحن العرب، ورغم مرور عقود على استقلال أقطارنا العربية وتمتعنا بجزء مهم من السيادة والاستقلالية، ما زلنا عاجزين عن إنتاج ميثاق شرف عربي سياسي ودبلوماسي وإعلامي، لرسم حدود الاختلاف وهامش القطيعة وتقنينهما؛ بما ينسجم مع ثوابت الأمة والقواسم المشتركة بين الأقطار والشعوب العربية ويقدم المصالح على القطيعة والضرر.

الأقطار العربية من الأساس لا تحتاج إلى وجود تمثيل دبلوماسي بينها، على اعتبار أن الدبلوماسية هي فن تأسيس العلاقات وتطويرها بين البلدان والشعوب، وما يربط الأقطار العربية وشعوبها من وشائج ومصالح تاريخية وجغرافية وحضارية واجتماعية واقتصادية ومصير، أكبر وأقوى بكثير من طبقة أي تمثيل أو جهود طواقم دبلوماسية بينها؛ فالتمثيل الدبلوماسي بين الأقطار العربية، يجب أن يكون ويُفهم على أن وجوده رمزي وشكلي، وأن دوره الحقيقي هو إدارة تلك الثوابت والمسلمات بين الأقطار العربية.

الغريب أنَّنا لم نتوقف عند سلبية الدبلوماسية المستنسخة وأعراضها السلبية علينا؛ بل تفننا وتسلحنا بكل سلبياتها فأنتجنا دبلوماسية القمة، وهي دبلوماسية عقيمة ومليئة بالمجاملات والتورية والأنماط البروتوكولية والاحتفالية؛ حيث التواصل بين المسؤولين، وعشرات اللجان المشتركة، والزيارات الرسمية المكُّوكيَّة، وتبادل الرسائل والبرقيات في كل مناسبة، وتجاهلنا الدبلوماسية الحقيقية وهي الدبلوماسية الشعبية على الأرض، هذه الدبلوماسية العميقة والمُثمرة والتي تربط بين الشعوب بمختلف شرائحها وفئاتها، وتفتح العقول والقلوب بين الأشقاء، وتحقق المصالح المباشرة بين الشعوب، وبالنتيجة تشابك المصالح بين الشعوب والأقطار وتعميق السياسات وترسيخ المواقف.

قبل اللقاء.. المشكلة الكبرى أن الغرب والشرق ينظرون إلينا ويتعاملون معنا في سياساتهم ومخططاتهم ككيان سياسي عربي واحد لا يتجزأ، بينما نحن نواجه الشرق والغرب ككيانات سياسية منفردة ومنسلخة في الهويات والمصالح، وحين تحل بنا المحن والمصائب الكبرى، فقط نبحث عن العروبة والأشقاء العرب، ونتسلح بالتاريخ، ونُذكِّر بعضنا بالمصير المشترك وأهمية الوحدة العربية والتضامن العربي!!

وبالشكر تدوم النعم.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

دبلوماسية الصمت

لفت نظري في اللقاء الذي جمع بين رئيس المجلس السيادي الانتقالي .القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان والرئيس التركي رجب طيب أوردغان على هامش أعمال ملتقى أنطاليا ـ النسخة الرابعة ـ ما لفت نظري وبعيدا عن ملخص التصريحات الواضحة والقطعية للرئيس التركي بشأن تطورات الأحداث بالسودان والثوابت التي أقرها .لفت نظري التشكيل الكامل بما يمكن إعتباره (الكابنيت) القيادي للحكومة التركية إذ حضر مع الرئيس التركي هاكان فيدان وزير الخارجية ( المنتقل للوزارة من رئاسة جهاز المخابرات ورجل الشفرة عند اوردغان خاصة في الملفات الخارجية ) وشارك يشار غولار وزير الدفاع ( رئيس الأركان السابق) . وبينهما بروف خلوق جورقون رئيس الصناعات الدفاعية وحضر البارسلان بايركتار وزير الطاقة والموارد . ثم ابراهيم كالن مدير المخابرات (مستشار الرئيس ) وجاء فخرالدين ألتن مدير دائرة الاتصالات ثم عاكف شاتاي وزير الشباب و سفر توران كبير مستشاري الرئيس التركي (خلفيته صحفية وهو عراب التمدد التركي بالإعلام الناطق بالعربية)
2
وحسب ما تابعت وتقصيت بشأن برامج اللقاءات الأخرى للزعيم التركي فقد تميز اللقاء مع البرهان بالتمثيل التركي النوعي وبتشكيلة مسؤولين يتوزعون بين القبعات العسكرية و الاقتصادية ـ وهي مترابطة في النظام التركي ـ مع وجود رمزية التمثيل السياسي لحزب العدالة .وهذا جملة يعني أن اللقاء مع السودان شمل دائرة القرار الأول والفوري فضلا عن كافة المراجع في جلسة واحدة وهي إشارة مهمة للتوقف عندها لأن حتى بقية اللقاءات الأخرى مع الوفود اقتصرت على تمثيل وجهه دبلوماسية وحتى هذه تمت في لقاءات أخرى مع وفود أخرى بمستوى حضور الرئيس التركي في غياب وزير خارجيته . أو التقاء وزير الخارجية منفصلا مع بعض الرؤوساء .
3
تركيبة النظام التركي الصارمة والضابطة للمؤسسات لا يمكن أن تنتج مثل هذا اللقاء مع السودان بهذا التمثيل ثقيل الوزن
لتقديرات المجاملة في بلد يدير مصالحه وفق نهج الواقعية والحسابات الدقيقة الخالية من الكسور والبواقي وهو ما يعزز عندي أن تركيا حزمت أمرها تجاه السودان ضمن مشروع بالضرورة يتعلق بملف أفريقيا ككل والسودان كنقطة مهمة وهو ما يتكامل بالضرورة وتقديرات مماثلة من القيادة السودانية بشأن مصالح السودان على المديين القصير والطويل وأفضلية الخيارات المتاحة من فرص بناء التحالفات على قاعدة Win-win . خاصة أن السودان جملة كروت بحكم موارده ووضعه الجغرافي ووقوعه في نطاق إقليم ومنفتح مياه حيث تمتد تطلعات الأتراك لمشروع خاص لأفريقيا اتجهت له منذ العام 2005
4
قطعا ومؤكد أن جلوس اوردغان إلى البرهان بكامل كروته و(جواكره) وبحملة الأختام وأوراق الإستراتجيات وبجمع يضم أصحاب القرار السياسي والعسكري تم بناء على نقاشات عميقة ومرتبة و(بصبر) وعلى نسق إدارة البرهان لملفاته بالصمت وطولة البال وأهداف الدقيقة 90 . دبلوماسية الصمت ووضع السكون . فما حدث فيما أظن لم يكن لقاء صنعه برتكول لقاء على هامش محفل
محمد حامد جمعة نوار

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • القانون الدولي: الشعوب الواقعة تحت الاحتلال لها الحق في مقاومة المحتل بشتى الوسائل بما في ذلك الكفاح المسلح
  • إيلام تقترح على العراق تفعيل دبلوماسية المحافظات
  • الفنلنديون مع نظام الأب القائد أكثر الشعوب سعادة
  • العالم يقاوم | الفلسطينيون يرفضون وضع السلاح أسوة بشعوب تحررت بالقوة (تفاعلي)
  • فريق اليمن يحقق لقب بطل العرب ويحصد 8 جوائز في البطولة العربية الـ 16 للروبوت
  • الدبيبة يطالب أوروبا بموقف حازم ضد “الإنفاق الموازي” وينفي نيته توطين المهاجرين
  • نزلاء الإصلاحية المركزية في الضالع ينظمون وقفة تضامنية لنزلاء
  • لبحث التعاون المشترك.. وزير البترول يستقبل الأمين العام لمنظمة الأقطار العربية أوابك
  • دبلوماسية الصمت
  • الهيمنة الأحادية لا تحظى بقبول الشعوب