رُكام الأنقاض يُعمِّق جراح المغرب اقتصاديًّا
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
الرؤية – سارة العبرية
في أعقاب الزلزال الذي ضرب المغرب، تظهر التداعيات الاقتصادية أمامنا كتحديات جسيمة، ويعكف المغاربة على التكاتف وإعادة بناء ما تضرر، لكن التأثيرات الاقتصادية لا تقتصر فقط على المجتمع المحلي؛ بل تمتد هذه التداعيات إلى مختلف القطاعات.
وفي هذا السياق، يتضح أن الزلزال أضاف عبئًا إضافيًا على اقتصاد المملكة المغربية، الذي كان بالفعل يواجه تحديات كبيرة، وبالرغم أنه من الصعب في هذه المرحلة تحديد الخسائر الدقيقة الناتجة عن هذه الحادثة الكارثية، وتظهر التقديرات الأولية تباينًا في حجم هذه الخسائر، ولا يزال الوقت مبكرًا لتحديدها بشكل دقيق حتى الآن.
وقدّرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية حجم الخسائر الأولية لزلزال المغرب بحوالي 8% من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب، الذي يبلغ حوالي 10.7 مليار دولار، بالإضافة إلى الأضرار البشرية الجسيمة التي لحقت، ووضعت الهيئة الأمريكية، الأضرار الاقتصادية المحتملة للزلزال الذي ضرب المنطقة الواقعة على بعد نحو 72 كيلومترا جنوب غرب مراكش، وهو الأعنف منذ نحو قرن، تحت تصنيف "الإنذار الأحمر"، مشيرة إلى أنه "من المحتمل وقوع أضرار جسيمة، ومن المرجح أن تكون الكارثة واسعة النطاق".
وتتوزع الخسائر الاقتصادية الناجمة عن مثل تلك الكوارث ما بين الخسائر المباشرة المتعلقة بحجم الدمار الذي لحق بالمناطق المتضررة والبنية التحتية (فيما لا تتوافر بيانات رسمية نهائية حول ذلك حتى الآن مع تواصل جهود الإنقاذ والصعوبات المتعلقة بالمناطق الجبلية)، والخسائر غير المباشرة الناجمة عن تأثر قطاعات رئيسية (مثل القطاع السياحي الذي كانت تعول عليه المغرب بشكل كبير في النمو الاقتصادي) وقطاعات أخرى.
وذلك جنبًا إلى جنب والأولويات الجديدة التي ستواجهها ميزانية الدولة للتعامل مع تبعات الزلزال وتوجيه جزء من الموارد للجوانب الاجتماعية والإنسانية في دعم ومساندة متضرري الزلزال وعمليات إعادة الإعمار.
تقدير حجم الخسائر
وفقًا لمصادر اقتصادية في المغرب، تظل تقديرات حجم ونطاق الخسائر الناتجة عن الزلزال مبكرة للغاية، خاصة مع تأثير هذه الخسائر على قطاعات متعددة من خلال الأثر "غير المباشر". وفيما يتعلق بتلك التقديرات التي أوردتها هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، وصفتها بأنها "مبالغ فيها"، وهذا يأتي نظرًا لأن "الزلزال وقع في مناطق جبلية لا تتسم بنشاط اقتصادي واسع، وتتسم بأساليب معيشية بسيطة".
من ناحية أخرى، يُشير الخبير الاقتصادي المغربي عبدالعزيز الرمادي إلى أنه لا يمكن حاليًا تقدير حجم الخسائر بدقة أو تقريبًا، خاصة وأن المنطقة التي وقع فيها الزلزال تشكل مناطق جبلية تضم دواوين متفرقة ومناطق متباعدة. ويقول الرمادي- في تصريحات نشرها موقع "سكاي نيوز عربية"- إن الكوارث الطبيعية عادة ما تترك تأثيرات اقتصادية واسعة، وهذا ينطبق على العالم بأسره، كما رأينا في أوروبا والولايات المتحدة ودول أخرى، ولا تقتصر التأثيرات على الجوانب الاقتصادية فقط؛ بل تمتد أيضًا إلى التأثيرات الاجتماعية والنفسية، إضافة إلى التأثيرات التاريخية على مستوى التوثيق التاريخي.
ويُضيف أنه "من الطبيعي القول إن الزلزال العنيف الذي وقع في منطقة جبال الأطلس الكبير بقوة 7.2 درجة مئوية وعلى عمق يقدر بنحو 30 كيلومترًا، سيسفر عن خسائر هائلة. وهذا يعكس بشكل كبير على الاقتصاد المحلي وميزانية الدولة. وستتطلب هذه الوضعية التعامل مع مجموعة من العوامل المختلفة لتوجيهها في سياقات مختلفة، سواء اجتماعيًا، إنسانيًا أو تنمويًا، كما سيتوجب إجراء عمليات إعادة الإعمار والتشييد للعديد من المرافق مثل المدارس والمنازل وغيرها، لإعادة الحياة لتلك المناطق التي تضررت جراء هذا الزلزال".
ويتابع الرمادي: "من الضروري التدخل بسرعة لتقديم الدعم للمتضررين من الزلزال، وقد وجّه الملك المغرب بشكل عاجل القوات المسلحة لاستخدام كافة الوسائل المتقدمة ووحدات الإنقاذ المتاحة، بالإضافة إلى توفير الدعم البشري واللوجستي الضروري، سواء جويًا أو بريًا، وسيشمل ذلك أيضًا تشكيل وحدات متخصصة تضم فرق بحث وإنقاذ ومستشفى جراحي ميداني."وذكر بيان للقيادة العليا للقوات المسلحة الملكية، أنه تم اتخاذ التدابير الضرورية على مستوى القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية والحاميات العسكرية للمملكة، للتواصل والتنسيق مع السلطات المحلية.
كما تم نشر وحدات للتدخل وطائرات ومروحيات وطائرات بدون طيار ووسائل هندسية ومراكز لوجيستية بعين المكان بهدف تقديم الدعم الضروري لمختلف القطاعات المعنية والساكنة المتضررة.
اقتصاد المغرب
وقد خفضت مؤسسات متعددة، بما في ذلك بنك المغرب وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، توقعاتها لمعدل نمو الاقتصاد في العام الحالي إلى نحو 3 بالمئة، ورُبِط ذلك بتأثير الجفاف على قطاع الزراعة والتضخم على نمط الاستهلاك، ومن المتوقع حاليًا أن تضيف تداعيات الزلزال مزيدًا من التحديات للاقتصاد الوطني.
وخلال الفترة الماضية، ارتفعت معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة في المغرب نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأساس، وترجع الحكومة هذا الارتفاع إلى تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية وما تلاها من جائحة "كوفيد-19"، بالإضافة إلى تأثير أسوأ أزمة جفاف يشهدها المغرب منذ أربعين عاما. وكانت المندوبية السامية للتخطيط في المغرب، قد توقعت ارتفاع معدل النمو الاقتصادي في المملكة إلى 3.6 بالمئة العام المقبل، و3.3 بالمئة هذا العام "على افتراض محصول حبوب متوسط وزيادة الصادرات".
ووفقًا لتقديرات سابقة من مجموعة البنك الدولي، من المتوقع أن يشهد الاقتصاد المغربي نموًا بنسبة 2.5% في عام 2023، وثم نموًا بنسبة 3.3% في عام 2024، و3.5% في عام 2025، مقارنة بنمو نسبته 1.1% في عام 2022. ويُعزى هذا الارتفاع المتوقع في معدلات النمو إلى قطاعي السياحة وصناعة السيارات.
تقديرات "غير مبالغ فيها"
من وجهة نظر المحلل الاقتصادي المغربي، إدريس العيساوي، يعتبر أن الزلزال التي أثرت بشكل خاص على مناطق الجنوب، خاصة ضواحي مدينة مراكش، هو كارثة خطيرة للغاية، وبناءً على ذلك، فإن التقديرات المتداولة حول الخسائر الاقتصادية المحتملة، كما هو مقترح في تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، قد تكون صحيحة دون مبالغة.
وفيما يُلقي الضوء على حجم الأضرار الواسعة التي تكبدتها المناطق المتضررة، ما يعكس جزءًا من الخسائر المتعلقة بالبنية التحتية، يُشير في الوقت نفسه إلى التحديات والتكلفة البالغة لمعالجة هذا الوضع. وينتظر من الحكومة أن تتخذ إجراءات لتنظيم هذه الجوانب والنظر في مصير الأشخاص المتضررين من الزلزال، بما في ذلك الآليات المتعلقة بالتعويض وإعادة الإعمار.
ويشير المحلل الاقتصادي إلى أن المغاربة يظهرون اهتمامًا كبيرًا بتقديم المساعدة لبعضهم البعض من خلال جهود التكافل والتضامن المعتادة في المجتمع المغربي، موضحا أنه سيتم تقييم التأثيرات الاقتصادية لهذا النوع من الكوارث من قبل الخبراء، وسيتم الإعلان عن حجم الخسائر عندما تكون الظروف ملائمة، بعد انتهاء عملية تقدير الخسائر الكاملة، وذلك مع صرف الأموال لأولئك الذين يحتاجون ومساعدة جميع المتضررين من خلال المؤسسات العامة والخاصة لتقديم الدعم للمتضررين في هذه المناطق.
ويعتقد خبراء أن الوقت حاليًا مبكرًا لتحديد مدى وحجم الأثر الاقتصادي لهذا الزلزال، لكن الأمر قد يستغرق المزيد من الوقت لدراسة الكلفة وتقييم الإمكانيات المتاحة لتحديد الانعكاسات الاقتصادية لهذه الكارثة بدقة.
ويقارن المغاربة هذا الزلزال، بالزلزال الأعنف في تاريخ البلاد، وهو زلزال أغادير الذي وقع في عام 1960 وكانت قوته لا تتجاوز 5.8 درجات على مقياس ريختر (أقل من الزلزال الحالي)، لكنه أسفر ذلك الزلزال عن وفاة بين 12 و15 ألف شخص وتشريد عشرات الآلاف، معتمدين على تطور قدرات البلاد في مجالات الإنقاذ والتدخل السريع للحد من الخسائر.
وفي آخر احصائية أعلنت وزارة الداخلية المغربية أن عدد الوفيات بلغ أكثر من ألفي شخص (2497 قتيلًا و2476 مصابًا)، ومن المرجح أن يزيد هذا العدد، كما أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 300 ألف شخص تضرروا من هذه الكارثة.
حجم الخسائر
في حين ما زالت البلاد تُحصي حجم الخسائر؛ سواء في ما يتعلق بالضرر الذي لحق بالبنية التحتية أو الخسائر في عدة قطاعات اقتصادية متأثرة، تظهر المشاهد التي يتم تداولها حجم الضرر والانهيار الواسع في العديد من القرى، بما في ذلك قرى اختفت تمامًا وتحولت إلى ركام، إن هذه المشاهد المأساوية تُبرز حجم الكارثة التي تواجهها البلاد.
وأعلن البنك الدولي عن دعمه الكامل للمغرب بعد الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في الليلة السابقة، مما أسفر عن مقتل وإصابة المئات، بحسب ما أفادته تقارير شبكة "سي إن إن" الأمريكية.
وأصدر صندوق النقد الدولي بيانًا، أعرب فيه عن دعمه للشعب المغربي والسلطات في البلاد بعد الزلزال المدمر الذي تسبب في وفاة وإصابة الآلاف. وأضاف الصندوق في بيان نشر على موقعه الإلكتروني: "قلوبنا مع الشعب المغربي في أعقاب هذا الزلزال المدمر. نعزي جميع الذين فقدوا أحباءهم. وفي هذه الظروف الصعبة، نقف إلى جانب الشعب المغربي والسلطات الملكية في مواجهة هذه الكارثة. لقد تواصلنا مع السلطات المغربية وأعربنا عن مشاعر الحزن والدعم نيابة عن موظفي وإدارة ومجلس صندوق النقد الدولي".
من جهة أخرى، ونظرًا لأن الكثير من المنازل في تلك المنطقة تم بناؤها من الطوب اللبن والأخشاب، فإنها انهارت بسهولة. وذكرت وسائل الإعلام المغربية أن مسجدًا ذا تاريخ يعود إلى القرن الثاني عشر انهار، مما يسلط الضوء على الأضرار التي يمكن أن يتعرض لها التراث الثقافي للبلاد جراء هذا الزلزال، كما ألحق الزلزال أضرارا أيضا بأجزاء من مدينة مراكش القديمة وهي ضمن مواقع التراث العالمي لمنظمة التربية والعلم والثقافة (يونسكو).
150 مليار دولار
وذكر أبوبكر الديب مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث، ورئيس منتدى تطوير الفكر العربي للأبحاث أنه "يمكن أن تبلغ الكُلفة الاقتصادية "الأولية" للزلزال المدمر الذي ضرب البلاد حوالي 150 مليار دولار، ويتم احتساب هذا الرقم على أساس حجم الخسائر في البنية التحتية والمرافق التي تضررت جراء الكارثة، بالإضافة إلى تأثيراتها على القطاعات الاقتصادية الرئيسية، بما في ذلك القطاع السياحي، ومن الممكن أن تشمل هذه التأثيرات أيضًا تداعياتها المحتملة على تدفقات الاستثمار وغيرها".
وفيما يتعلق بالقطاع السياحي في المغرب، فقد وصلت إيراداته إلى حوالي 7.5 مليار دولار (حوالي 77 مليار درهم) خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2023، مسجلة زيادة بنسبة 66 بالمئة مقارنة بالعام السابق.
وتتضمن تقديرات الديب أيضًا الإشارة إلى حجم الدمار الذي طال المباني والمناطق التاريخية والبنى الأساسية، مما يزيد من تكلفة إعادة الإعمار، وتشمل الخسائر أيضًا توقف العمل في العديد من المصانع، مع تأثيراتها الاقتصادية على واحد من أكبر البلدان الأفريقية من حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي.
والمغرب يحتل المرتبة الخامسة في قارة أفريقيا من حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لبيانات البنك الدولي. وبحسب البيانات الصادرة عن البنك المركزي المغربي، سجل اقتصاد البلاد نموًا بنسبة 1.3 بالمئة في عام 2022، بينما كان نموه 8 بالمئة في عام 2021. وبلغ الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بالأسعار الجارية 130 مليار دولار (حوالي 1330 مليار درهم) في العام 2022، مقابل 1274 مليار درهم في العام 2021، و1152 مليار درهم في عام 2020.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
زلزال بقوة 4.3 درجات يضرب شمال تشيلي
ضرب زلزال بقوة 4.3 درجات على مقياس ريختر، اليوم الخميس، إقليم أنتوفاغاستا شمال تشيلي.
وذكرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن مركز الزلزال كان على بعد 32 كيلومترًا من مدينة أولاغوي الواقعة في الإقليم، وعلى عمق 137.4 كيلومترًا.
أخبار متعلقة إغلاق المدارس وتوقف القطارات.. موجة جديدة من العواصف تضرب إسبانيامنعًا للتصعيد.. شولتس يجدد رفضه تزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدىولم ترد تقارير على الفور عن وقوع خسائر بشرية أو أضرار مادية جراء الزلزال.