الأجانب ومخاطر تجاوز حدود السرعة في قطاع التعليم العالي التركي
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
في تركيا، يتجاوز التطور في مجال إنشاء الجامعات حدود السرعة المعتادة. وقد أدت هذه "السرعة الزائدة" إلى أن تحتل تركيا المرتبة الأولى عالميا في مجال التعليم العالي في وقت قصير غير متوقع. فهي الدولة التي تضم أكبر عدد من طلاب الجامعات مقارنة بعدد سكانها، إن لم يكن البلد الذي يضم أكبر عدد من الجامعات.
في عالم يحتل فيه قطاع الخدمات موقعا مركزيا مقارنة بقطاعات الزراعة والصناعة، يمكن القول إن تركيا اتخذت موقفا سريعا ومناسبا.
اليوم في تركيا، هناك هيئة تعليم عال تمتلك نهجا يستجيب للمتطلبات التي تفرض على الجامعة تنويع التخصصات، ولأداء هذه الإدارة مميزاته وعيوبه، وقد حققت الجامعات ذاتها، في هذه الأثناء، قدرا كبيرا من التنوع داخلها.
بالطبع، يمكن تفسير زيادة عدد الطلاب في تركيا مقارنة بالسكان من منظور آخر، إذ لا يزال عدد السكان الشباب أكبر مقارنة بالدول المتقدمة. ومع ذلك، لم تبلغ نسبة الطلاب الجامعيين في تلك البلدان أبدًا هذا المستوى حتى عندما كان لديها مزيد من السكان الشباب، وذلك لأن قطاع الخدمات لم يكتسب وزنًا كبيرًا في هذه الدول.
اليوم، هناك طلب عالمي متزايد على تدريب مزيد من الموظفين ذوي الياقات البيضاء. وهذا يتطلب مزيدا من الشباب للدراسة في الجامعات. ولا تزال تركيا قادرة على توفير هؤلاء الشباب.
ولكن هناك عائقًا، وهو أن التوسع في التعليم العالي له تأثير خطير على النسيج الاجتماعي؛ فمعه، يتغير نمط الحياة، ويتقدم سن الزواج كثيرا، لدرجة أن هذا المسار في مراحله المتقدمة يقلل من نسبة الشباب إلى عدد السكان الكلي بشكل كبير، ويضع البلاد في الحلقة المفرغة التي تعاني منها الدول الغربية حاليا؛ فالجامعات هناك يتناقص عددها اليوم، بدل أن يتزايد، وبدأت قضية الجامعات التي تغلق أبوابها في الولايات المتحدة وأوروبا تظهر على جدول أعمال تلك الدول. وسبب المشكلة أنه لا يوجد عدد كافٍ من الطلاب، لأن متوسط عمر السكان يرتفع، وتقل نسبة السكان في سن الدراسة.
"السرعة الزائدة" ترتبط بالخوف من خطر الحوادث والمضاعفات، وينطبق هذا على النمو الذي شهده قطاع التعليم العام التركي في مدة قصيرة، ومضاعفات هذه السرعة نعيشها بالفعل
الجامعات التي لديها رؤية أوسع تعتمد على الطلاب الأجانب لدعمها. ولكن هذا يقتضي أن يقبل المجتمع بأكمله الطلاب الأجانب ويعاملهم بحسن نية. وقد حدثت زيادة كبيرة في عدد الطلاب الأجانب في تركيا بالتوازي مع التوسع في التعليم العالي -وهو أمر يستحق تقييمًا منفصلًا- وأسهمت هذه الزيادة في وضع الجامعات التركية على الخريطة العالمية، وفي ربط الثقافة والاقتصاد والسياسة التركية بالعالم. ويبلغ عدد الطلاب الأجانب حاليًا أكثر من 300 ألف، والمخطط هو زيادتهم إلى 500 ألف ثم إلى مليون.
هيئة التعليم العالي تستعد لهذه الزيادة في عدد الطلاب الأجانب في الجامعات التركية، ولكن الاستعداد ينبغي ألا يقتصر على رفع تصنيفات الجامعات. فلسوء الحظ، لدينا مشكلة معاداة الأجانب التي تهدد تحقيق هذه الأهداف. إذ إن هناك نهجا "سطحيا، غبيا، جاهلا"، يرى الطلاب الأجانب الذين يدرسون في جامعاتنا عبئا على الاقتصاد الوطني أو البلاد ككل. وهذا في الواقع تخريب كامل لأهداف تركيا في النمو والقوة والتأثير في العالم. ووصف أصحاب هذا النهج بذلك إنما افتراض لحسن نيتهم، لأنه إن لم يكن "غباء" فهو خيانة واضحة.
يجب على هيئة التعليم العالي، بالتعاون مع مؤسسات أخرى، كوزارة الداخلية، وإدارة الهجرة، ووزارة العدل، ومنظمات حقوق الإنسان، ووزارة السياحة، ودائرة الاتصال التابعة لرئاسة الجمهورية، العمل معا على حل هذه المشكلة لخلق التوافق الاجتماعي الضروري لتحقيق هذا الهدف ولخلق بيئة مواتية للطلاب الذين يدرسون في تركيا. ينبغي ألا يتعرض طالب أجنبي -أقنعناه بالدراسة في تركيا- لنظرات تمييزية ومتشككة أو غير راضية، من قبل الموظفين، أو من زملائه في الصف، أو عند دخول البلاد في طابور جوازات السفر، أو في الشارع، أو في السكن الذي يقيم فيه، أو في المتجر الذي يتسوق فيه.
وصفنا التوسع الذي حدث في مجال التعليم العالي في تركيا بأنه يتسم بـ"السرعة الزائدة". وعندما نستخدم مثل هذا المصطلح، فإن الخوف من أخطار الحوادث والمضاعفات يقفز إلى أذهاننا قبل تصور الإيجابيات. واليوم، من المستحيل ألا يكون للتوسع فائق السرعة في التعليم العالي في وقت قصير مشاكل أو مضاعفات. ونحن نعيش هذه المضاعفات بالفعل.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: التعلیم العالی الطلاب الأجانب عدد الطلاب فی ترکیا
إقرأ أيضاً:
مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم – الحلقة 2
يناير 31, 2025آخر تحديث: يناير 31, 2025
محمد الربيعي
بروفسور ومستشار دولي، جامعة دبلن
تعتبر جامعة كامبردج، بتاريخها العريق الذي يمتد لاكثر من ثمانية قرون منذ تاسيسها عام 1209، منارة للعلم والمعرفة، وصرحا اكاديميا شامخا يلهم الاجيال المتعاقبة. تعد كمبردج رابع اقدم جامعة في العالم، وثاني اقدم جامعة في العالم الناطق باللغة الانجليزية، حاملة على عاتقها مسؤولية نشر العلم والمعرفة وخدمة الانسانية. لم تكن كمبردج مجرد مؤسسة تعليمية عابرة، بل كانت ولا تزال محركا رئيسيا للتطور الفكري والعلمي على مستوى العالم، وشاهدة على تحولات تاريخية هامة، ومخرجة لقادة ومفكرين وعلماء غيروا مجرى التاريخ، امثال اسحاق نيوتن، الذي وضع قوانين الحركة والجاذبية، وتشارلز داروين، الذي وضع نظرية التطور، والان تورينج، رائد علوم الحاسوب.
تتميز جامعة كمبردج بمكانة علمية رفيعة المستوى، حيث تصنف باستمرار ضمن افضل الجامعات في العالم في جميع التصنيفات العالمية المرموقة، مثل تصنيف شنغهاي. هذا التميز هو نتاج جهود مضنية وابحاث علمية رائدة في مختلف المجالات، من العلوم الطبيعية الدقيقة كالفيزياء والكيمياء والاحياء، مرورا بفروع الهندسة المختلفة كالهندسة المدنية والميكانيكية والكهربائية، وصولا الى العلوم الانسانية والاجتماعية التي تعنى بدراسة التاريخ والفلسفة والاقتصاد والعلوم السياسية. تضم الجامعة بين جنباتها العديد من المراكز والمعاهد البحثية المتطورة التي تساهم في دفع عجلة التقدم العلمي والتكنولوجي، مثل معهد كافنديش الشهير للفيزياء. تعرف كمبردج باسهاماتها القيمة في جوائز نوبل، حيث حاز خريجوها على اكثر من 120 جائزة نوبل في مختلف المجالات، مما يعكس المستوى العالي للتعليم والبحث العلمي فيها. من بين الاسهامات الخالدة لجامعة كامبريدج، يبرز اكتشاف التركيب الحلزوني المزدوج للحامض النووي (DNA) على يد جيمس واتسون وفرانسيس كريك عام 1953. هذا الاكتشاف، الذي حاز على جائزة نوبل في الطب عام 1962، غيّر مسار علم الاحياء والطب، وأرسى الاساس لفهم أعمق للوراثة والأمراض، ويعد علامة فارقة في تاريخ العلم.
اضافة الى مكانتها العلمية المرموقة، تتميز جامعة كمبردج ببيئة تعليمية فريدة من نوعها، حيث تتكون من 31 كلية تتمتع باستقلال ذاتي، ولكل منها تاريخها وتقاليدها الخاصة، وهويتها المعمارية المميزة. هذه الكليات توفر بيئة تعليمية متنوعة وغنية، تجمع بين الطلاب من مختلف الخلفيات والثقافات من جميع انحاء العالم، مما يثري تجربة التعلم ويساهم في تكوين شخصية الطالب وتوسيع افاقه. توفر الجامعة ايضا مكتبات ضخمة ومتاحف عالمية المستوى، تعتبر كنوزا حقيقية للطلاب والباحثين، حيث تمكنهم من الوصول الى مصادر غنية للمعرفة والالهام. من بين هذه المكتبات، مكتبة جامعة كمبردج، وهي واحدة من اكبر المكتبات في العالم، وتحتوي على ملايين الكتب والمخطوطات النادرة، بالاضافة الى متاحف مثل متحف فيتزويليام، الذي يضم مجموعات فنية واثرية قيمة، ومتحف علم الاثار والانثروبولوجيا.
يعود تاريخ جامعة كمبردج العريق الى عام 1209، عندما تجمع مجموعة من العلماء في مدينة كمبردج. لم يكن تاسيس كمبردج وليد الصدفة، بل جاء نتيجة لهجرة مجموعة من العلماء والاكاديميين من جامعة اكسفورد، بحثا عن بيئة اكاديمية جديدة. هذا الاصل المشترك بين كمبردج واكسفورد يفسر التشابه الكبير بينهما في العديد من الجوانب، مثل النظام التعليمي والهيكل التنظيمي، والتنافس الودي بينهما، الذي يعرف بـ “سباق القوارب” السنوي الشهير. على مر القرون، شهدت جامعة كمبردج تطورات وتحولات كبيرة، حيث ازدهرت فيها مختلف العلوم والفنون، واصبحت مركزا مرموقا للبحث العلمي والتفكير النقدي، ولعبت دورا محوريا في تشكيل تاريخ الفكر الاوروبي والعالمي.
كليات الجامعة هي وحدات اكاديمية وادارية مستقلة، تشرف على تعليم طلابها وتوفر لهم بيئة تعليمية فريدة من نوعها، تساهم في خلق مجتمع طلابي متنوع وغني، حيث يتفاعل الطلاب من خلفيات وثقافات مختلفة، مما يثري تجربتهم التعليمية ويساهم في تكوين شخصياتهم وهي ايضا مراكز اقامة للطلاب. هذا النظام الفريد للكليات يعتبر من اهم العوامل التي تميز جامعة كمبردج، ويساهم في الحفاظ على مستوى عال من التعليم والبحث العلمي.
تقدم جامعة كمبردج تعليما متميزا عالي الجودة يعتمد على اساليب تدريس متقدمة تجمع بين المحاضرات النظرية والندوات النقاشية وورش العمل العملية، مما يتيح للطلاب فرصة التعمق في دراسة مواضيعهم والتفاعل المباشر مع الاساتذة والخبراء في مختلف المجالات. يشجع نظام التدريس في كمبردج على التفكير النقدي والتحليل العميق، وينمي لدى الطلاب مهارات البحث والاستقصاء وحل المشكلات. هذا التنوع يثري تجربة التعلم بشكل كبير، حيث يتيح للطلاب فرصة التعرف على وجهات نظر مختلفة وتبادل الافكار والمعرفة، مما يساهم في توسيع افاقهم وتكوين صداقات وعلاقات مثمرة. كما توفر الكليات ايضا انشطة اجتماعية وثقافية متنوعة تساهم في خلق جو من التفاعل والتواصل بين الطلاب، مثل النوادي والجمعيات الطلابية والفعاليات الرياضية والفنية.
تخرج من جامعة كمبردج عبر تاريخها الطويل العديد من الشخصيات المؤثرة والبارزة في مختلف المجالات، الذين ساهموا في تغيير مجرى التاريخ وخدمة الانسانية، من بينهم رؤساء وزراء وملوك وفلاسفة وعلماء وادباء وفنانين.
باختصار، تعتبر جامعة كمبردج منارة للعلم والمعرفة، وتجمع بين التاريخ العريق والمكانة العلمية المرموقة والتميز في مجالات متعددة، مما يجعلها وجهة مرموقة للطلاب والباحثين من جميع انحاء العالم.