بقلم: ماهر المهدي
(زمان التركية)- الحياة تدور في دوائر كثيرة لا نهائية متداخلة، والقدرة على الحياة تتعلق بالقدرة الفردية -على مستوى الفرد- والجماعية – على مستوى الجماعة – على الدوران والانتظام في دوائر الحياة المختلفة واستمرار تحسين القدرة الفردية والقدرة الجماعية على هذا التحرك الواعي المرتبط بالبقاء والاستمرار الإنساني الفردي والجماعي.
فالحياة مقر اختبار دائم ومتصل -وللإنسان ولكل شيء وعلى كافة المستويات- حتى يشاء الله، فالإيمان وكل إنسان وكل مهارة وكل مهنة وكل وسيلة وكل هدف وكل إنجاز خاضع للفحص والتقييم والحكم كل ساعة وكل يوم. وعلى الإنسان وكل شيء مختبر أن يثبت جدارته بالوجود والتقدير والاستمرار، وإلا سقطت ورقته في لحظة حاسمة وصار تاريخًا أو ذكرى. فإذا كانت الأشياء لا تجادل، فإن الإنسان أكثر شيء جدلًا. كل الإنسان كثير الجدل، وليس فقط الكبير ذو المقام أو الشهير ذو السمعة أو الثرى صاحب المال، بل كثير من الناس يجادلون. الكثير من الناس يجادلون في كل شيء وفي أوقات كثيرة ، وقد يسمحون لمشاعر الكبر والأنفة والتعالى الخاوي من المضمون والعند الأحمق أن تقودهم إلى حيث تنتهي بهم. والواقع أن الكل أمين حتى يثبت العكس أو حتى يصدر عن الإنسان ما ينزع عنه صفة الأمانة. والدقيق يستحق التقدير لدقته ما بقى دقيقًا وفيًّا لطبعه الذي عرفه عنه الناس. والماهر بالشيء يتلقى المدح ما دام على مهارته أو زاد عليها وعلا فوقها، فإن سقطت عنه مهارته أو نزع بعضها عنه تراجعت مكانة الشخص وخفت نوره وجلاله، ولو كان الشخص مهما كان. وأول من يدرك التغير هو صاحب التغير ومحل التغير، فلا ظلم ولا غبن لأحد في سنة الله في خلقه. ومن ينكر فإنما ينكر على نفسه ويعاقب نقسه ويحرم نفسه ويسيء إلى نفسه قبل الجميع. بل إن المرء قد يذهب -رغم التعب والإرهاق في لحظة ما- إلى فضل حالة الاختبار المتصل في الحياة على حركة الحياة وعلى تحقيق العدل الأبدي في الحياة
لا شيء ينتهي -خلاف الحياة- مرة واحدة، فالظروف تتغير والناس عرضة للوجود وللغياب ولعدم الوجود وللتقلب تقلب البحر، فاحتط لنفسك -على الأقل فيما لا يخصك ما أمكن- فالثقة جيدة ولكن الوضوح أمام الجميع وتقديم الأدلة البينة أفضل كثيرًا. وأدلة آنية من طرفك وأنت موجود وتستطيع الدفاع عن نفسك ولصالح الحق ولصالحك، أفضل قطعًا من أدلة لاحقة تنكر حقك أو تشكك فيما قدمت وأنت غائب أو غير موجود ولا تستطيع دفاعًا.
Tags: الإنسانالحياةالعيشالمصدر: جريدة زمان التركية
كلمات دلالية: الإنسان الحياة العيش
إقرأ أيضاً:
عندما تُصبح الكلمات جروحًا لا تُنسى
جُمان المنتصر بابكر الجزولي
الكلمات أداةٌ قويةٌ للتواصل، ولكنها في الوقت نفسه تحمل تأثيراتٍ عميقة على مشاعر الآخرين. فأحيانًا قد لا ندرك كيف يمكن لعبارة بسيطة أن تترك أثرًا كبيرًا على الآخرين.
الإنسان عبارة عن جسد وعقل وروح، وقد تؤثر كلمة بسيطة على مدى سير يومه بالكامل. فكلمات الآخرين لها تأثير مباشر على نشاط دماغك وأنشطة جسمك، كما أن كلماتك لها التأثير نفسه على الآخرين.
الكلمات سلاح ذو حدين؛ قد ترفع من عزيمة شخص وتمنحه الأمل، وقد تحطم شخصًا آخر بشكلٍ لا يُنسى. لذا علينا التفكير مرتين قبل التفوه بما قد يجرح غيرنا من الناس، فقد تخرج كلمة جارحة منا في حالة غضب دون إدراكنا لمدى التأثير النفسي الذي قد تحمله على غيرنا. نعم، ستبدو بسيطةً في نظرنا وسننسى عنها مع مرور الأيام، لكن ماذا عن الذي قيلت له تلك الكلمة؟ هل سينساها مثلما نسيها قائلها؟ بالطبع لن يفعل، فالعقل الباطن يلتقط هذه الكلمات ويخزنها، مما يجعل الشخص المتلقي يعيد التفكير بها مرارًا وتكرارًا، وهذا سيؤثر على حياة ذلك الشخص في جوانب متعددة. فعندما يتعرض الإنسان لانتقاد قاسٍ، ولو كان بناءً، أو للفظٍ جارح، سيبدأ بالتشكيك في نفسه وقدراته، وسيتراجع مستوى ثقته بنفسه. فقد بيّن لنا القرآن الكريم أهمية الكلمة الطيبة وعظيم أثرها واستمرار خيرها، كما بيّن خطورة الكلمة الخبيثة وجسيم ضررها وضرورة اجتنابها، إذ يقول جل جلاله: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ" (إبراهيم: 24).
وفي الختام.. يجب علينا أن نتذكر دائمًا بأن الكلمات ليست مجرد أصوات تخرج من أفواهنا؛ بل إنها أدوات ذات تأثير كبير على الآخرين؛ يمكن أن تبني أو تهدم. لذلك، علينا أن نتوقف للحظة وأن نفكر في مدى تأثير أي كلمة قد تخرج من أفواهنا في لحظة غضب أو توتُر؛ فنحن مساءلون ومحاسبون أمام الله- عز وجل- على أي كلمة تخرج من أفواهنا لقوله تعالى: "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" (ق: 18).