صور.. جهود استثنائية مستمرة في دوائر المرور
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
بغداد اليوم - بغداد
تواصل دوائر مديرية المرور العامة تقديم الخدمات بانسيابية عالية للمواطنين.
ورصدت كاميرا "بغداد اليوم" استمرار دوائر تسجيل المركبات بتقديم جهود استثنائية للمواطنين للتخلص على الروتين في دوائرها، ولاسيما فيما يخص طباعة وتسليم اللوحات المرورية واجازات السوق.
المصدر: وكالة بغداد اليوم
إقرأ أيضاً:
في ذكرى الاستقلال: وطن تلاشت ملامحه، وتاريخ يدور في دوائر العبث والفشل
إبراهيم برسي
1 يناير 2025
لا مؤاخذة: كل عام وأنتم بخير في وطنٍ لم يذق طعم الخير.
كل عام ونحن نحتفل بسؤالٍ يطاردنا كاللعنة: هل نعيش الاستقلال أم أننا أسياد عبودية جديدة؟
في ذكرى استقلال السودان التاسعة والستين، يبدو التاريخ وكأنه يمد يده ليصفعنا بسؤالٍ لا يهدأ.
سؤال ينغرس عميقًا في قلب أجيالٍ لم تذق طعم الحرية الحقيقية: هل تحررنا فعلاً؟
أم أن التحرر كان وهماً زُرع في أذهاننا، بينما بقيت السلاسل نفسها، لكن بألوانٍ وطنية؟
كيف لوطنٍ أن يحتفل باستقلاله، وهو يقف مترنحًا بين أحلامٍ لم تتحقق وكوابيسٍ تتكرر في دوراتٍ عبثية؟
إن كان الاستقلال وعدًا بالانعتاق، فقد بدا وكأنه ثوبٌ مهترئ زُين بزخارف زائفة ليخفي قيدًا يطوّق أعناق الكادحين بلون الوطن.
هؤلاء الفلاحون الذين حملوا الأرض على أكتافهم، والعرق يخطّ قصائد بؤسٍ على جباههم، كانوا أول من دفع الثمن.
أو كما قال حِميد:
“طوريتك في الطين مرمية وكوريتك يابسة ومجدوعة…”
لم يكن هؤلاء الفلاحون وحدهم فحسب، بل كان المواطن البسيط، “محمد أحمد”، ذلك الوجه الذي يمثل السودان في صبره وبؤسه، جزءًا من الحكاية.
وهنا نتساءل: كيف لأرضٍ تسكنها معاناة كهذه أن تثمر غير أشواك؟
في مشروع الجزيرة، حيث يُفترض أن تزهر الحقول قمحًا وأملًا، كانت الحقيقة أشبه بكابوس.
الفلاح الذي حرث الأرض وسقاها بعرقه، لم يحصد سوى شقاءٍ يتجدد.
كان القطن الذي زرعه رمزًا لاستنزافه، وكأن الأرض خُلقت لتُسلب، والفلاح خُلق ليُستعبد.
إنني اليوم، في هذه الذكرى، أقف بكل الانحياز والتضامن مع هؤلاء الكادحين.
أرى في عرقهم ملامح الوطن الحقيقية، وفي صمتهم عمق الألم.
وكما قال إدوارد سعيد: “إننا حينما نروي حكايات المظلومين، لا نسرد تاريخهم فقط، بل ننحاز إلى إنسانيتنا.”
وإنني هنا، أنحاز إلى إنسانية هؤلاء، أولئك الذين حرثوا الأرض ليغتني الآخرون، وظلوا أسرى العوز في وطنٍ لم يعترف بعرقهم.
قال علي عبد اللطيف فيما معناه: “الحرية حق، لكنها تُنتزع بالوعي والنضال.”
وهذا ما لم يتحقق بعد في السودان.
لم يكن استقلالنا أبدًا منجلًا يقطع أغلال الهيمنة، بل كان تبديلًا في شكل الطغيان.
عندما غادر المستعمر، ترك وراءه نخبةً تربت في كنفه، تُعيد إنتاج نفس أدوات القهر.
وكما قال د. خالد الكد: “لقد ترك الاستعمار جذوره في العقول، فصار الوطن يُدار بعقلية السيد والعبد.”
وأضاف د. منصور خالد: “السياسة في السودان ليست فن الممكن، بل مهزلة تديرها الطوائف والامتيازات.”
الحكومات والأحزاب التي أعقبت الاستقلال، مثل الأمة والاتحاديون، لم تكن سوى واجهاتٍ لنظامٍ يرى في الشعب وسيلةً لتحقيق المصالح، لا غايةً لبناء وطنٍ يستحق الحياة.
بقاعدتهما الجماهيرية الواسعة، استغلتا بساطة المواطن البسيط، الذي لطالما استجاب بعفويةٍ صادقة لخطاب ديني زُرع في وجدانه كأداةٍ لتمدد نفوذهما.
لم يكن ذلك الخطاب ليبني وعيًا جماهيريًا حقيقيًا، بل وسّع القاعدة الجماهيرية بالتبعية فقط، ليكرّس التبعية بدلًا من الاستنارة، والانقسام بدلًا من الوحدة.
لكن مشهد الفشل لم يكن حكرًا عليهما.
الحزب الشيوعي السوداني، رغم شعاراته التقدمية التي بشّرت بالمساواة والعدالة، أخفق في كسب قلوب الجماهير البسيطة.
كان خطابه نخبويًا، بعيدًا عن هموم الفلاحين والمزارعين، ولم ينفذ إلى قلب الشارع العريض الذي كان عطِشًا للغةٍ تحاكي معاناته اليومية.
لم يكن الفقر والتهميش نظرياتٍ تُقرأ على الورق، بل واقعًا مُعاشًا، عجز الحزب عن الوصول إليه بروحٍ تنبض بحقيقة الناس وآلامهم.
أما الحركة الإسلامية، فقد جاءت بخطابٍ يدّعي التجديد والعودة إلى الجذور الروحية، لكنه سرعان ما انكشف كستارٍ لمشروع ظلامي أودى بالبلاد إلى هاوية الاستبداد.
كان مشروعها قائمًا على احتكار الدين كأداة للهيمنة، يُخفي وراءه قمعًا ممنهجًا وسياسةً تستهدف تكميم الأصوات المعارضة وإضعاف أي بُنية مجتمعية مستقلة.
جعلت من الدين سلاحًا لإحكام السيطرة على العقول، وحوّلت المؤسسات الوطنية إلى أدوات في خدمة مشروعها السلطوي.
أما حزب البعث والناصريون، فقد تغنوا بأحلام القومية العربية الكبرى، لكنهم رأوا في السودان امتدادًا لخطابات إقليمية مستوردة، غريبة عن عمق مشكلاته.
كان السودان بالنسبة لهم ساحةً لتجربة شعارات الوحدة العربية، دون الالتفات إلى خصوصياته الثقافية والاجتماعية المتنوعة.
لم تكن تلك الأحزاب معنيةً بحل أزمة الهوية التي مزقت البلاد، بل أغرقتها في جدلٍ نظري عن مشاريع قومية بعيدة، لا تمت بصلةٍ لمعاناة المواطن السوداني الذي يئن تحت وطأة الجوع، والحرب، والجهل.
لقد بدا المشهد السياسي في السودان وكأنه سلسلة من الأوهام المتراكمة.
تتبدل الوجوه، لكن الأدوات تبقى هي ذاتها: استغلال، تهميش، وعجزٌ عن ملامسة روح الوطن الحقيقية.
وحينما وقف العسكر على المسرح، لم يكن ذلك لحماية الوطن، بل لاستغلاله باسم الإنقاذ.
إبراهيم عبود، الذي قاد أول انقلابٍ في 1958، جسّد بداية عسكرة السياسة في السودان.
كانت تلك اللحظة إيذانًا بأن السلاح سيصبح اللغة الوحيدة للتواصل بين السلطة والشعب إلى يومنا هذا.
الشعارات التي رُفعت آنذاك عن “إنقاذ البلاد من الفوضى” كانت قناعًا يُخفي قمعًا لا ينتهي.
لكن، كيف يمكن لوطنٍ أن يُشفى وهو غارق في جراح الهوية؟
الهوية، التي كان يفترض أن تكون جسراً نحو الوحدة، أصبحت سيفًا يُمزق الجسد.
وفي خضم ذلك، انقسم المثقفون بين من يرى في السودان امتدادًا للعروبة ومن يرى فيه هوية إفريقية.
كان الصراع الفكري بين عبد الله الطيب ومحمد عبد الحي من جهة، وعلي المزروعي وأبو القاسم حاج حمد من جهة أخرى، انعكاسًا لهذا التشظي.
الجنوب، ذاك الجزء الذي بدا وكأنه يئن تحت وطأة الإقصاء، كان سؤالًا وجوديًا أكثر منه أزمة سياسية.
من الحرب الأولى التي بدأت عام 1955، إلى اندلاعها من جديد في 1983، كانت تلك الحروب كأنها لعنة تُعيد نفسها.
وعندما جاء جعفر نميري بانقلابه في 1969، جاء معه الوعد بالاشتراكية والتغيير.
لكن، كمن سبقه، سرعان ما استبدل الشعارات بالمصالح.
في يوليو 1971، شهدنا انقلاب هاشم العطا، الذي أُجهض سريعًا، لكنه كان بداية لمرحلة جديدة.
مرحلة أظهرت أن الديمقراطية لا تُفرض بالقوة، ولا تأتي على أكتاف الانقلابات، بل تحتاج إلى وعي جماهيري عميق، وإرادة حقيقية تعكس نبض الشارع لا مصالح النخب.
كانت تلك اللحظة درسًا مؤلمًا في أن الحريات لا تُزرع في تربةٍ تُحرث بالسلاح، بل في أرضٍ تُسقى بالعدالة والتفاهم.
هنا تدخل حسن الترابي، الذي استغل جهل النميري ليحوّل مسار السودان نحو الظلام.
في عام 1989، انحدر الليل بأشد ألوانه ظلامًا وحِلكة.
عمر البشير، الذي جاء بدعم الجبهة الإسلامية القومية، حوّل السودان إلى مختبرٍ للتجربة الظلامية.
مشروع “التمكين” الذي رفعته الجبهة كان أشبه بآلة تلتهم مؤسسات الدولة، وتحوّل البلاد إلى ساحة مفتوحة للصراعات.
دارفور، التي كانت أرضًا للسلام، أصبحت رمزًا للإبادة الجماعية.
الجنوب، الذي كان جزءًا من هوية السودان، انفصل عام 2011، تاركًا خلفه ذاكرة من الخسائر والانكسارات.
وفي ظل هذه الفوضى، أين كان المثقفون؟
هل كانوا مناراتٍ تُضيء الطريق؟ أم أنهم اكتفوا بمشاهدة الوطن وهو يتهاوى؟
المثقفون، بدلًا من أن يكونوا صوت الشعب، انقسموا بين موالٍ للسلطة ومنعزلٍ في برجه العاجي.
قال عبد الخالق محجوب: “الثورة تبدأ من الوعي، لكن الوعي يحتاج شجاعة مواجهة الحقيقة.”
فهل واجه مثقفونا الحقيقة؟ أم أنهم اكتفوا بتأريخ المأساة دون محاولة تغييرها؟
وفي ظل هذا الخراب، كانت الأطماع الخارجية تحوم حول السودان كذئبٍ جائع.
الذهب في دارفور، النفط في الجنوب، والموانئ على البحر الأحمر، كلها تحولت إلى أدوات لاستغلال جديد، تُغذيه أيادٍ من الداخل.
إن القوى الخارجية لم تكن لتنجح لولا وجود من فتح لها الأبواب من الداخل، من النخب السياسية التي باعت الوطن مقابل مكاسب زائلة.
اليوم، ونحن في عام 2025، نرى الخرطوم تحترق تحت أقدام الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع.
الجبهة الإسلامية، التي كان يفترض أن تُحاسب بعد ثورة ديسمبر، عادت لتغذي الحرب، وكأنها تريد أن تمحو كل أثر للثورة.
الأطماع الخارجية التي طالما غذّت الانقسامات، وجدت في هذا الصراع فرصةً لتعميق جراح الوطن.
قال جان بول سارتر: “الحرية عبءٌ ثقيل، لا يستحقها إلا من يقاتل لأجلها.”
فهل قاتلنا بما يكفي؟
أم أننا اكتفينا بالشعارات والأهازيج، بينما الوطن ينزف من كل شبرٍ فيه؟
السودان، ذلك الحلم الذي لم يُولد أبدًا، ما زال يبحث عن ذاته في مرآة مشروخة.
في كل ذكرى للاستقلال، نتوقف ونتساءل: هل هذا يومٌ للاحتفال أم للتأمل؟
هل نحن حقًا أسياد حريتنا، أم أننا فقط نبدّل سلاسل الاستغلال بأخرى جديدة في كل حقبة؟
إن بدء هذا المقال بمقولة “لا مؤاخذة: كل عام وأنتم بخير” لم يكن صدفة، بل دعوة للتفكر في حالنا.
لا أحد ينكر أن ما قبل الاستقلال كان زمنًا من القهر والهيمنة، لكن السؤال الفلسفي العميق الذي يطاردنا الآن هو:
هل خرجنا من ذلك الزمن لنحقق الاستقلال حقًا؟
أم أننا عالقون في دورة لا تنتهي من التبعية والاستغلال، ولكن بأيدٍ تشبهنا هذه المرة؟
إنه ليس إنكارًا للحظة الاستقلال، بل هو رفض للاكتفاء بها كغاية.
لأن الحرية ليست يومًا في الروزنامة، ولا استقلالًا يُحتفل به بالخطابات.
الحرية مشروع يتطلب شجاعة مواجهة أنفسنا، شجاعة الاعتراف أننا فشلنا في حماية ما نلناه.
فهل سنملك يومًا الشجاعة لإعادة بناء الحلم؟
أم أن التاريخ سيكتبنا كشعبٍ ضاع بين الأطماع الداخلية والخارجية، ولم يترك خلفه سوى أطلال وطن؟
zoolsaay@yahoo.com