طرابلس: وصف رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبد الحميد الدبيبة، الاثنين11سبتمبر2023، السيول التي ضربت مدنا شرقي ليبيا بأنها "لم يسبق لها مثيل".

وأعلن الدبيبة، خلال كلمة له، الحداد الوطني وتنكيس الأعلام لمدة 3 أيام على أرواح قتلى الفيضانات التي شهدتها البلاد، مشيرا إلى أنه "أعطى تعليمات واضحة لكل أجهزة الدولة ومؤسساتها بتسخير كل الإمكانيات لإغاثة المتضررين من السيول".

وأضاف أن "ليبيا تسعى إلى الاعتماد على نفسها لإغاثة المتضررين جراء السيول وتقيم مدى الحاجة إلى مساعدات خارجية"، متابعا: "الظروف والانقسامات المرسومة من الخارج لن تمنع أيدينا من مساعدة المتضررين جراء السيول ولن نقصر في أداء مهامنا".

وطالب الدبيبة وزارة الحكم المحلي بتوفير مبالغ مادية للبلديات بشكل عاجل تخصص لعمليات الطوارئ، مؤكدا أن "الدولة ستتكفل بعلاج أي متضرر جراء السيول سواء في داخل البلاد أو خارجها إذا تطلب الأمر ذلك".

وأصدرت حكومة الوحدة الوطنية الليبية، في وقت سابق اليوم، قرارا باعتبار جميع البلديات التي تعرضت للفياضات والسيول إثر العاصفة دانيال مناطق منكوبة.

ووجهت الحكومة في بيان، "كافة الجهات العامة والمختصة باتخاذ تدابير عاجلة واستثنائية وتسخير كامل إمكاناتها لمواجهة ما لحق بالملكيات العامة والخاصة من أضرار"، واختتم بيان الحكومة الليبية بالتوصية بالعمل بالقرار من تاريخ صدوره.

وأعلنت السلطات الليبية، أمس الأحد، مدينة سوسة الواقعة شرقي البلاد، مدينة منكوبة، عقب تعرضها لفيضانات وسيول عارمة جراء العاصفة دانيال المتوسطية التي ضربت منطقة شرق ليبيا.

من جانبه، صرح رئيس بلدية مدينة سوسة الليبية، عبد الحكيم الحاسي، بأن "مدينة سوسة أصبحت مدينة منكوبة والفيضانات والسيول اجتاحت المنازل والمقار والمؤسسات"، مشيرا إلى أن "السيول داهمت البلدية بسبب وقوعها في منخفض في الجبل الأخضر.. الوضع كارثي وخارج السيطرة لكننا نعمل بالإمكانيات المتاحة لدينا".

كما أعلنت السلطات الليبية في وقت سابق، فرض حظر التجوال، وإعلان حالة الطوارئ القصوى في شرق ليبيا لمدة يومين، على خلفية العاصفة دانيال، التي تسببت كذلك في إغلاق مطارات ومرافق خدمية وتعليمية في البلاد.

واجتاحت مياه الأمطار عدة مدن ليبية بسبب قوة غزارتها، ما تسبب في فيضانات وسيول، وكانت قرية تاكنس الجبلية والبيضاء وشحات وبطه في منطقة الجبل الأخضر في ليبيا الأكثر تضررا جراء العاصفة "دانيال".

المصدر: شبكة الأمة برس

إقرأ أيضاً:

وادي محرم.. البلاد التي نُغادرها ولا تُغـادرنا

في أحضان ولاية سمائل العريقة، حيث يمتزج عبق التاريخ بسحر الطبيعة، يحتضن وادي محرم أسراره بين ثنايا الجبال الشامخة والنخيل الوارفة. هذا الوادي، الذي كأنه قصيدة نسجتها الرياح بين الصخور، يروي حكايات من الماضي العريق، حيث تتدفق مياهه رقراقة بين البساتين، ناشرةً الحياة في كل زاوية من زواياه.

هنا، في وادي محرم، يعانق الضباب قمم الجبال في الصباح الباكر، وتُطرّز الشمس الأفق بخيوطها الذهبية عند المغيب، فتتحول السماء إلى لوحة من الألوان الزاهية، تعكس سحر هذا المكان الأخّاذ. أما في الليالي القمرية، فتهمس النخيل بأسرارها للنسيم العليل، وتتحول الأزقة الضيقة إلى مسارات للحكايات التي تتوارثها الأجيال جيلًا بعد جيل.

أما البيوت الطينية العتيقة، فتبقى شاهدة على أصالة الحياة وجمال التقاليد التي لا تزال تنبض في قلب وادي محرم، حيث الألفة تجمع القلوب، والكرم العماني الأصيل يفيض من كل بيت ودار. إنه المكان الذي تنحني له الكلمات احترامًا، وتستسلم له الأرواح عشقًا، ليبقى وادي محرم درةً تتلألأ في سماء سمائل، وملاذًا للروح الباحثة عن الصفاء والجمال.

في قلب وادي محرم، حيث تنساب الحياة بهدوء بين الجبال والسهول والمسطحات الخضراء، يتربع منزل الشاعر أبو مسلم البهلاني كقطعةٍ من الجنة تحتضنها الطبيعة. هذا المنزل، الذي يمتد كحكايةٍ قديمةٍ بين ضفتي الزمن، يقف شامخًا على حافة جبل يُطل مباشرةً على تدفق الوادي، وتحيط به، وبالمنازل التي تُجاوره في حجرة الحصن، نخيلٌ باسقة من ثلاث جهات، مُشكِّلةً بدورها سورًا، كأنها تظلله بأوراقها وتحرس إرثه الشعري من غبار السنين.

حين ينبض الماضي بالحاضر، تنبض الصورة بالحياة. فالتقاء حجرة الحصن ببيوتها العتيقة وأزقتها الضيقة بحلة العوامر التي تزهو بمنازلها الحديثة قد شكّل لوحة بانوراميةً مذهلةً، كأن الزمن قد جمع بين صفحتيه قصتين متناقضتين في الشكل، متكاملتين في الروح. هناك، تتعانق الجدران الطينية التي تحكي تاريخ الأجداد مع الواجهات الحديثة التي تعكس تطلعات الأبناء. تجاور الأزقة الضيقة، التي خطتها الأقدام منذ عقود، الشوارع المتسعة التي تفتح أبوابها للمستقبل، في مشهد يروي حكاية التطور دون أن يطمس ملامح الأصالة. في هذا التلاحم الفريد، تتراءى روح وادي محرم، حيث لا يغيب القديم عن ملامح المكان، ولا ينفصل الحديث عن جذوره، بل يمضي كلاهما في نسيجٍ متناغم، كأن الأرض قد اختارت أن تجمع بين عبق الماضي وحداثة الحاضر في مشهد لا تمله العين، ولا يمله القلب.

لطالما تساءلت منذ طفولتي عن سر جريان الماء في الوادي أسفل منزل أبي مسلم، رغم أن منبعه في وادي العيينة وحلي ولتام قد جف منذ زمن، أهي معجزةٌ ما؟ أم أن هناك سرًا دفينًا يحمله هذا المكان؟! ربما هي دعوات الشيخ الجليل، ناصر بن سالم البهلاني، التي رفعها ذات ليلة عندما كان يخط أبياته تحت ضوء القمر، فاستجابت لها الأقدار، وظل أثرها ممتدًا حتى يومنا هذا. كأن صوته، الذي تردد في جنبات هذا الوادي، قد أرسل صداه لأبواب السماء، ليعودَ لنا على هيئة ماءٍ يتجدد، يسقي الأرض ويحيي القلوب، كما كان شعره يروي الأرواح العطشى للأدب والجمال، وما زال.

في هذا الوادي، لا يمكن للزائر أن يعبر دون أن يشعر بعبق الماضي، حيث لا تزال البيوت الطينية القديمة تنبض بروح الأجداد، وتستظلّ تلك البيوت تحت سماءٍ من الأسقف الخشبية، تُسمى «المربع»، حيث تزينها نقوشٌ من آياتٍ قرآنية تفيض بالبركة، مثل قوله تعالى: (أدخلوها بسلامٍ آمنين)، ليبدأ أهلها رحلتهم إلى هذه المنازل بدعوةٍ من كتاب الله. وفي أرجائها، تظلّ الأسماء والتواريخ محفورة كذكرى، كأنها شاهدٌ على كل لحظةٍ مرت في تلك الأمكنة المباركة، وتقف النوافذ الخشبية المزخرفة بالنقوش العمانية كشهود على تاريخ من الأصالة والعراقة.

في الأزقة الضيقة، تسير النسائم محملة برائحة القهوة العمانية واللبان، تليها رائحة الرخال بالعسلِ والسمن.. الرخال الذي لا تجيده سوى أمُّ العُمانيّ، كأنها تدعو العابرين للجلوس في أحد المجالس المفتوحة، حيث الدفء والأحاديث التي لا تنتهي مع كبار السن.

ما زلتُ أستطيع أن أرى تلك المشاهد، حيّةً كأنها وميضُ حلمٍ لم يبهت بعد. ونحنُ صغارٌ، نركضُ حفاةً على ترابِ وحصوات الوادي، عائدين من حلقة القرآن التي كان يُقيمها جدي تحت ظلالِ الصبارة، هناك عند مدخلِ المحضر، حيث ترسو الحكمةُ في صوته، ويعانقنا دفءُ الكلماتِ السماوية. كانت الريحُ تداعبُ ثيابَنا، ونحن نتسابق، من يصل أولًا إلى بيتنا العتيق، ذلك البيت الذي تتجمعُ فيه نساء الحارة كل عصر، تُملأ جنباته برائحةِ القهوة المُرّة، وصوتِ الملاعقِ وهي تُشكّل اللقيمات والقروص بحبٍ لا مثيل له.

في ذلك المطبخ الضيق جدًا، الذي بالكاد يتسع لخطوات قليلة، كانت قلوبهنّ الواسعة تملأه رحابة. يتراصصن كتفًا بكتف، يضحكن ويتهامسن، كأن المساحة تضيق بجدرانها، لكنها تتسع بألفتهنّ، حيث الحب ينعجن مع الطحين، والدفء يتسرب مع نكهة الزعفران في القهوة.

وفي الزاويةِ، حيث الموقدُ الصغير، كنا ننتظرُ لحظةَ الظفر، نتبادل النظراتِ بترقب، من مِنّا سيحظى بأجملِ الغنائم؟ لعق ما تبقى من قدر الكاسترد، ذلك الذهبِ الحلو الذي يشعلُ صخبَ الفرح في قلوبنا الصغيرة، كأنّه جائزةٌ لمن يفوزُ بسباقِ الذكريات. يا لها من أيامٍ، بقيت عالقةً في زوايا الذاكرة، كأنّها نقشٌ على جدارِ الزمن، لا تمحوه السنين.

في طفولتي، كنتُ كلما غادرنا قريتنا متجهين إلى مسقط، نحو المتنزهات الفسيحة والأسواق الصاخبة والشواطئ الممتدة بلا نهاية، أعود ممتعضة، يملؤني التساؤل: لماذا لا ننتقل إلى المدينة؟ لمَ يُغادر الجميع بينما نبقى عالقين بين أزقة هذه القرية، البعيدة كل البعد عن الخدمات والأماكن الرائعة؟

كنتُ أراقب بيوت الطين العتيقة، التي ظل آباؤنا وأجدادنا متمسكين بها، كأنها كنزٌ ثمين، متجاهلين بريق الحداثة في المدينة، غير عابئين بصخب الحياة التي تملؤها. لكنني، وعندما غادرتُ البلاد لأول مرة، متجهة نحو سكن الجامعة، أدركتُ السر. أدركتُ أن ما كنتُ أظنه قيدًا كان جذورًا، وأن تلك البيوت العتيقة لم تكن مجرد حجارة، بل ذاكرةٌ وحنين. حينها فقط، فهمتُ لماذا بقي آباؤنا هناك، ولماذا يرفضون الانسلاخ عن أرضهم، عن طرقاتها الضيقة التي تحفظ خطواتهم، عن النخيل التي كانت شاهدةً على أعمارهم، عن جدران البيوت التي خبأت أصوات ضحكاتهم وأحاديثهم الطويلة. عرفت أنها وادي محرم، ببساطة، هي البلاد التي نغادرها ولا تغادرنا.

مقالات مشابهة

  • البيض: إنتشال جثتي شخصين مفقودين جراء السيول
  • البعثة الأممية: تيتيه ناقشت مع الحداد التطورات الراهنة في ليبيا
  • ارتفاع حصيلة ضحايا الهجوم الانتحاري في باكستان إلى 13 قتيلاً وعشرات الجرحى
  • «الحداد» يبحث مع «تيته» دور الأمم المتحدة في دعم ليبيا
  • بوروسيا دورتموند يعلن إصابة لاعبه دانيال سفينسون في الركبة
  • عاصفة ترابية قادمة من سوريا تؤثر على تركيا
  • قشوط: لدي قناعة كاملة أن الدبيبة لن يتوانى عن بيع ليبيا وشعبها مقابل البقاء في السلطة
  • وادي محرم.. البلاد التي نُغادرها ولا تُغـادرنا
  • الدبيبة: ليبيا مستعدة للانفتاح على الشركات العالمية في قطاع النفط لإستثمار خيرات بلادنا
  • الدبيبة: حكومتي عملت على إزالة العقبات التي واجهت قطاع النفط