ليس ببعيد عنَّا ولا عن قلوبنا ما واجَه بعض مناطق المملكة المغربيَّة، وأرض الرافدين من صدمتهم الخاصَّة والتي تأتي من مشاهدة سكَّانه لعالَمهم الصغير وهو ينهار من حَوْلهم في لحظات. كيف لا؟ وأرض المغرب ـ العزيز ـ أصيبت بزلزال بقوَّة ٦,٨ درجة عَبْرَ جبالها الكبيرة، فشعر سكَّانها بأنَّ الكوكب يهتز ويتشقق ويتفكك، قَبل أن يستقبلَ ذلك الغضب التكتونيَّ الآلاف من الأشخاص الأكثر تعاسة.
وللأسف كُلُّ مأساة تترك وراءها ندوبها الخاصَّة، الجسديَّة مِنْها والنَّفْسيَّة. ولكنَّ هناك شيئًا مرعبًا بشكلٍ فريد فيما يتعلق بالزلازل الكبرى التي تضرب القُرى والبلدات والمُدُن، إنَّها بالفعل كمائن قاتلة تعمل على نطاقات هائلة، تبدأ وتنتهي بشكلٍ مخيف، وهكذا يكُونُ الابتلاء ـ أعانهم الله وحفظهم ـ كتلك المآسي الناتجة عن القوى الجيولوجيَّة تكُونُ مرعبة وسريعة في نَفْسِ الوقت. وهكذا يبدو، فالزلازل لا تظهر في مكان ما، بل في كُلِّ مكان، في اتِّحاد كمجموع القوَّة الكاملة لعاصفة مدوِّية تندلع دفعة واحدة. فسبحان الله، كُلُّ شيء يرتجف، وتتمايل المباني المقاوِمة للزلازل لبضع لحظات قَبل أن تتصدَّعَ أو ما هو أسوأ من ذلك، فترى المباني الأُخر تنهار بسرعة! وكأنَّما هذا الابتلاء ـ الزلزالي ـ بدا وكأنَّ شيئًا ما عظيمًا، كان مسجونًا لفترة طويلة في أعماق الأرض، وجاءه الأمْرُ بالهرب لِيطمسَ عالمَ السَّطح، فلا حَوْلَ ولا قوَّة إلَّا بالله!
وهكذا وفي لحظات معدودة، تختفي أحياء بأكملها. وحقيقة ـ عِنْدما نتفكر بعُمق أكثر لهذا الابتلاء ـ سندرك كيف أنَّه يتمُّ دفن البعض تحت أنقاض المكان الذي نشأوا فيه أو ربَّوا أطفالهم فيه أو لَمَّ شملهم مع الأصدقاء القدامى. وبَيْنَ هذه الكلمات الآن، لعلَّ النَّاس المحاصرين تحت تلك الأنقاض ينتظرون، ويتساءلون: أيٌّ من أحبَّائهم ربَّما لا يزال يتنفَّس؟ وبكُلِّ أسفٍ وحزنٍ يموت الكثير داخل هذه التجاويف المصنوعة من الخرسانة والطين والطوب. بل إنَّ أولئك الذين لَمْ يكُونُوا محاصرين جسديًّا، والذين تصادف أنَّهم بعيدون عن أيِّ مبانٍ معرَّضة للخطر، ما زالوا عالقين في خوف يائس، ويتساءلون عن الواقع الذي بدا ثابتًا قَبل لحظة واحدة فقط. ماذا حدث في تلكم اللحظة؟ هل ابنتي بخير؟ هل أبي أو أُمِّي بخير؟ أين زوجتي؟ لقَدْ تحدَّثنا قَبل دقائق مضت عَبْرَ الهاتف، لقَدْ كانت هناك!
وحقيقةً، إنَّ هذه الاستفسارات المدمِّرة للنَّفْس تنشأ في العديد من الكوارث. لكنَّ السرعة الهائلة التي يُمكِن أن يسرقَ بها الزلزال ما نحبُّه قَدْ يبدو من المستحيل معالجته في بعض الأحيان، وكأنَّه يتحدَّى التنبُّؤ والوقاية مِنْه!
بطبيعة الحال، تلك الزلازل التي قَدْ تُسبِّب القليل من الضَّرر والدَّمار ـ على سبيل المثال ـ يُمكِن أن تُسبِّبَ معاناة للنَّاس، فتؤدِّي إلى اضطرابات عاطفيَّة ونَفْسيَّة (خصوصًا في المناطق غير المعتادة على هذه الأحداث). فمجرَّد توقُّع احتماليَّة فقدان أو تدمير ما يُمكِن أن يحدُثَ أثناء الكارثة يُمكِن أن يتسبَّبَ في شعور الأشخاص بالقلق الشديد أو فقدان النَّوم. ناهيك عن علامات أخرى للاضطراب العاطفي المرتبط بالزلازل؛ كالشعور بالذهول، أو مواجهة صعوبة في النَّوم أو النَّوم أكثر من اللازم أحيانًا، حتَّى أنَّ بعض الأفراد قَدْ تظلُّ لدَيْه أفكار وذكريات تتعلق بالزلزال لا يُمكِنك إخراجها من رأسه!
ختامًا، يُمكِن للنَّاس تجربة مجموعة واسعة من المشاعر قَبل وبعد وقوع كارثة أو حدَثٍ مؤلِم. ومع ذلك، من المُهمِّ إيجاد طُرق صحيَّة للتعامل بها عِنْد حدوث هذه الأحداث، خصوصًا وأنَّه في لحظة واحدة، كانت الحياة هناك، قَبل ذلك الكابوس ـ الزلزال ـ، ثمَّ لَمْ تكُنْ كذلك!… اللهُمَّ احفظ المغرب والعراق وأهلهما.
د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
dryusufalmulla@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
أونرو: هناك أكثر من 61 مليون طن من الأنقاض تغطي قطاع غزة
أفادت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «أونروا» بأن هناك أكثر من 61 مليون طن من الأنقاض تغطي قطاع غزة.
وأوضحت الأونروا، وفقا لقناة القاهرة الإخبارية، أن هناك أحياء بأكملها في قطاع غزة تم محوها، وأن المساعدات التي تقدمها الوكالة في قطاع غزة متوقفة، والعائلات في غزة تبحث بين الأنقاض عن الماء والمأوى.
وفي سياق متصل بدأت في غزة عمليات إزالة الأنقاض، تمهيداً لإطلاق جهود إعادة الإعمار، وطالبت المنظمات الدولية بتسريع وتيرة الإجلاء الطبي للخارج، وتكثيف دخول المساعدات إلى مختلف مدن القطاع.
وقال ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بغزة أمس، إنهم بدأوا جهود التعافي المبكر بإزالة الأنقاض كي تنطلق جهود إعادة الإعمار، موضحاً أن كمية الأنقاض تعادل 14 هرماً من أهرامات الجيزة، وتقدر بنحو 55 مليون طن.
وشددت منظمة أطباء بلا حدود على أن وقف إطلاق النار، وفتح المزيد من المعابر في غزة يقدم فرصة عاجلة لإنقاذ الأرواح، داعية لزيادة عمليات الإجلاء الطبي عاجلاً للأشخاص الذين لا يمكنهم الحصول على الرعاية في غزة.
أما المتحدثة باسم «يونيسيف» تيس إنجرام، فقالت إن «الوضع فعلاً في قطاع غزة مروع جداً، ويجب أن نرى تدفقاً للمساعدات»، مؤكدة، أنه لا وجود لمواد إغاثية لإنقاذ الناس ولا حاضنات، وكثير من المعدات الطبية لا يسمح بدخولها.
ولفتت إلى أن كثيرًا من الأطفال بحاجة إلى علاج كامل من سوء التغذية لإبقائهم على قيد الحياة.
وأكد فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ضرورة السماح بدخول كمية أكبر بكثير من مواد الإيواء إلى غزة قبل حلول فصل الشتاء، داعيًا إسرائيل إلى منح المزيد من تصاريح إدخال المواد الإغاثية للمنظمات الإنسانية.
الهلال الأحمر المصري: 6 آلاف طن مساعدات إنسانية تدخل إلى قطاع غزة بقافلة «زاد العزة» الـ 57
«غزة جديدة».. مصادر: مشروع أمريكي لتقسيم القطاع يثير خلافات في تل أبيب
الرئيس السيسي يدعو الدول الأوروبية للمشاركة في إعادة إعمار غزة