لأول مرة.. اللجوء إلى محكمة دولية لحماية المحيطات من تغير المناخ
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
تنظر محكمة، تابعة للأمم المتحدة مختصة بقانون البحار، اليوم الاثنين، في قضية غير مسبوقة رفعها عدد من الدول الجزرية الصغيرة للمطالبة بحماية محيطات العالم من التداعيات الكارثية للتغير المناخي.
ولجأت تسع دول جزرية صغيرة إلى المحكمة الدولية لقانون البحار للبت في مسألة اعتبار انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تمتصها المحيطات، من الملوثات.
والدول التي رفعت القضية أمام المحكمة الدولية لقانون البحار هي: توفالو، فانواتو، أنتيغوا وباربودا، جزر البهاماس، نيوي، بالا، سانت كيتس ونيفيس، سانت لوسيا، سانت فنسنت وجزر غرينادين.
وستشارك 34 دولة أخرى في جلسات المحكمة المقرر أن تتواصل حتى 25 أيلول/سبتمبر.
وتوّلد النظم البيئية للمحيطات نصف الأكسيجين الذي يتنشقّه البشر، وتحدّ من الاحترار العالمي بامتصاص الكثير من ثاني أكسيد الكربون الناجم عن الأنشطة البشرية.
لكن زيادة الانبعاثات يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة مياه البحر وحموضتها، ما يضرّ بالحياة البحرية.
وتشير تلك الدول إلى "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار" (UNCLOS) التي تلزم الدول بالعمل على منع تلوث المحيطات.
وتعرّف الاتفاقية التلوث على أنه إدخال البشر "مواد أو طاقة إلى البيئة البحرية" تؤدي إلى الإضرار بالحياة البحرية.
لكنها لا تشير إلى انبعاثات الكربون بالتحديد على أنها مادة ملوثة. وتقول الدول، التي رفعت القضية، إن تلك الانبعاثات تدخل في ذلك الاطار.
وقال كاوسي ناتانو، رئيس حكومة جزيرة توفالو إن "نظما بيئية بحرية وساحلية بأكملها تموت في مياه تصبح أكثر دفئا وحمضية. العلم واضح ولا جدال فيه: هذه التداعيات هي نتيجة لتغير المناخ الناجم عن انبعاثات الغازات الدفيئة".
وأضاف "جئنا إلى هنا طلبا لمساعدة عاجلة، مع إيماننا القوي بأن القانون الدولي هو آلية أساسية لتصحيح الظلم الواضح الذي يعاني منه شعبنا نتيجة لتغير المناخ".
- موجة حر بحرية
حصلت الجهود لتحقيق العدالة المناخية على دعم كبير عندما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في مارس قرارا يدعو محكمة العدل الدولية إلى تحديد التزامات الدول بشأن حماية مناخ الأرض والعواقب القانونية التي ستواجهها في حال عدم القيام بذلك.
وقادت فانواتو تلك المساعي في الأمم المتحدة، وهي من بين الدول التي رفعت القضية أمام المحكمة التي تتخذ من مدينة هامبورغ بألمانيا مقرّا.
والجزر الصغيرة مثل فانواتو معرّضة بشكل خاص لظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، إذ يهدد ارتفاع منسوب مياه البحار بغمر دول بأكملها.
وقال غاستون براون رئيس وزراء أنتيغوا وباربودا "من دون اتخاذ إجراءات سريعة وطموحة، قد يحول تغيّر المناخ دون أن يعيش أطفالي وأحفادي في جزيرة أجدادهم، الجزيرة التي نسميها وطننا. ولا يمكننا أن نبقى صامتين في وجه هذا الظلم".
وأضاف "حضرنا أمام هذه المحكمة إيمانا منا بأن على القانون الدولي أن يلعب دورا محوريا في معالجة الكارثة التي نشهدها".
وفي ثلثي كوكب الأرض المغطى بالبحار، شهد ما يقرب من 60 بالمئة من المياه السطحية للمحيطات موجة حرّ بحرية واحدة على الأقل في العام 2022، وفقًا لتقرير حالة المناخ السنوي الذي أشرف عليه علماء من الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي.
وهذا يزيد بنسبة خمسين في المئة عن مستويات ما قبل العصر الصناعي والنسبة "الأعلى في سجل الغلاف الجوي الحديث وفي سجلات المناخ القديم التي يعود تاريخها إلى 800 ألف عام"، حسبما أشار التقرير الذي نشر في وقت سابق هذا الشهر.
كما سجلت محيطات العالم درجات حرارة قياسية في أغسطس. فقد وصل معدل درجات حرارة سطح البحر إلى 21 درجة مئوية بشكل غير مسبوق، واستمرّ لأكثر من أسبوع، وفقًا لمرصد "كوبرنيكوس" لتغير المناخ التابع للاتحاد الأوروبي، بعد أشهر من درجات حرارة مرتفعة بشكل غير عادي. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: المحيطات التغير المناخي تغير المناخ
إقرأ أيضاً:
تغير المناخ يعصف بأولويات الأمن العالمي.. تحذيرات من تداعيات بيئية تهدد جاهزية الجيوش حول العالم.. وخبراء يدعون إلى استراتيجيات جديدة للتعامل مع تحديات البيئة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
حذر خبراء في مجال الأمن من أن تغيّر المناخ يمثل تهديدًا أمنيًا متزايدًا، مشددين على ضرورة ألا يُترك ليُصبح "نقطة ضعف استراتيجية"، وأن على الجيوش في العالم أن تتكيف مع التهديدات المتزايدة الناتجة عن الكوارث المناخية. وتأتي هذه التحذيرات في ظل تصاعد القلق من تراجع الأولويات المناخية، خاصة مع تركيز أوروبا على تعزيز قدراتها الدفاعية، وتراجع الولايات المتحدة عن التزاماتها تجاه حلفائها والملف البيئي. حسب ما أوردته شبكة فرانس 24.
تأثيرات مباشرة على الجيوش
وأشار الخبراء إلى أن الجيوش أصبحت بالفعل معرضة لتداعيات تغيّر المناخ، بدءًا من التعامل مع الكوارث الجوية وصولًا إلى المنافسة المتصاعدة في القطب الشمالي، الذي يشهد ارتفاعًا غير مسبوق في درجات الحرارة. وأكدوا أن هذه التحديات لا يجب أن تتحول إلى "نقطة عمياء" في الاستراتيجيات العسكرية.
احتباس حراري يهدد الأمن القومي
وقد عبّرت عدة جهات دفاعية عن إدراكها المتزايد لهذه التهديدات، معتبرة أن الاحتباس الحراري يشكل تحديًا كبيرًا للأمن القومي، مما يتطلب من القوات المسلحة تكييف استراتيجياتها وعملياتها.
وقالت إيرين سيكورسكي، مديرة مركز المناخ والأمن في واشنطن: "هذا الأمر لا يمكن تجنبه. المناخ لا يعبأ بمن يكون الرئيس أو ما هي أهدافه السياسية الحالية". وأضافت: "التغيرات قادمة لا محالة، ويجب على الجيوش أن تكون جاهزة".
تجاهل أمريكي لقضية المناخ
وفي الوقت الذي تجاهلت فيه إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ظاهرة الاحتباس الحراري بحذفها من المواقع الرسمية، لم يتطرق آخر تقرير استخباراتي إلى التغير المناخي، ما أثار انتقادات حادة من المتخصصين.
وعلقت سيكورسكي على هذا قائلة إن هذه الفجوات الاستراتيجية تزداد خطورة، خاصة في ضوء التنافس مع الصين في مجال الطاقة المتجددة، والسباق نحو السيطرة على القطب الشمالي مع انحسار الجليد وفتح ممرات الشحن الجديدة والوصول إلى الموارد.
وأضافت: "ما يقلقني، بوصفي عملت طويلًا في مجال الأمن القومي، هو أن هذا الإغفال يشكّل تهديدًا فعليًا للولايات المتحدة".
تهديدات مناخية تُقلق الأمن القومي الأوروبي
وفي أوروبا، أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى تجدد المخاوف المتعلقة بأمن الطاقة، مما دفع العديد من الدول إلى تسريع خطواتها نحو مصادر الطاقة المتجددة. إلا أن خفض ميزانيات المساعدات الإنمائية مؤخرًا أثار تساؤلات بشأن قدرة الدول على الاستمرار في تمويل المبادرات المناخية في ظل التوجه نحو زيادة الإنفاق العسكري والتجاري.
وفي ألمانيا، أقرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في وقت سابق من شهر مارس بالوضع الجيوسياسي "بالغ التعقيد"، لكنها شددت على أن العمل المناخي يظل "أولوية عليا في السياسة الأمنية". وأعلنت برلين عن خطط لإنفاق نحو نصف تريليون دولار على التحديث العسكري والبنية التحتية، بالإضافة إلى 100 مليار يورو مخصصة لإجراءات المناخ.
وفي تقييم مشترك صدر في فبراير عن وزارتي الخارجية والدفاع في ألمانيا، ورد أن "أي شخص يفكر في الأمن عليه أن يفكر أيضًا في المناخ، فنحن نعيش بالفعل في أزمة مناخية". وأشار التقييم إلى أن التحديات المناخية بدأت تؤثر على "مجموعة كاملة من المهام العسكرية"، مع تصاعد المخاطر مثل فشل المحاصيل على نطاق واسع، وزيادة احتمالات النزاعات وعدم الاستقرار.
وفي بريطانيا، أوضح تقرير صادر عن وزارة الدفاع البريطانية في سبتمبر أن تأثير النشاط البشري على المناخ لا يزال يُحدث تداعيات واسعة النطاق، ويضغط على المجتمعات والاقتصادات، بل ويهدد بقاء بعض الدول.
استدعاء الجيوش في مواجهة الكوارث المناخية
وتشير بيانات مركز المناخ والأمن إلى أن الجيوش استُدعيت أكثر من 500 مرة منذ عام 2022 للاستجابة لحالات طوارئ مناخية حول العالم، مثل الفيضانات والعواصف وحرائق الغابات، مما يُشكل ضغطًا كبيرًا على قدراتها التشغيلية.
وذكرت سيكورسكي أن هناك محاولات من بعض الدول لـ"تسليح" الكوارث المناخية. فعلى سبيل المثال، تسببت الأمطار الغزيرة الناتجة عن العاصفة "بوريس" في فيضانات هائلة ببولندا العام الماضي، ما أدى إلى تدمير البنية التحتية وإجلاء السكان. ورغم تدخل الجيش، أفادت الحكومة بارتفاع بنسبة 300% في المعلومات المضللة القادمة من روسيا، والتي استهدفت جهود الإغاثة.
وأضافت سيكورسكي أن الصين استخدمت أساليب مشابهة عقب فيضانات قاتلة ضربت فالنسيا في إسبانيا، حيث تدخلت القوات المسلحة للمساعدة.
وفي السياق ذاته، أشارت إلى أن ارتفاع درجات الحرارة الناتج عن الاحترار العالمي يحمل آثارًا مباشرة على العمليات العسكرية، مثل التسبب في مخاطر صحية للجنود أو تقليص القدرة على نقل البضائع بالطائرات نتيجة تغيّر الكثافة الجوية.
غياب الشفافية حول الانبعاثات العسكرية
ولا تُلزم الجيوش حول العالم بالإبلاغ عن انبعاثاتها من الغازات الدفيئة، ما يجعل تقدير تأثيرها الدقيق على التغير المناخي أمرًا صعبًا. ومع ذلك، قدر تقرير للاتحاد الأوروبي في 2024 أن البصمة الكربونية للقوات المسلحة عالميًا قد تصل إلى 5.5% من إجمالي الانبعاثات، في حين أشار التقرير ذاته إلى أن البنتاجون وحده ينتج انبعاثات تفوق تلك الصادرة عن دول بأكملها مثل البرتغال أو الدنمارك.
وأوضح الباحث دونكان ديبليدج من جامعة لوبورو، أن الجيوش كانت مدركة منذ عقود لمخاطر الاعتماد على الوقود الأحفوري، مشيرًا إلى أن تلك المخاوف بدأت منذ أزمة النفط في سبعينيات القرن الماضي. ووفقًا لدراسة تعود لعام 2019، فإن الجندي الأمريكي كان يستهلك خلال الحرب العالمية الثانية نحو جالون وقود يوميًا، فيما ارتفع هذا الرقم إلى 4 جالونات في حرب الخليج، وقفز إلى 16 جالونًا بحلول عام 2006 خلال العمليات الأمريكية في العراق وأفغانستان.
وأكد التقرير الأوروبي أن هذا الاعتماد على الوقود الأحفوري يُمثل "نقاط ضعف كبيرة" أثناء المعارك، حيث تكون قوافل الوقود أهدافًا سهلة للعبوات الناسفة، والتي تسببت في سقوط نحو نصف القتلى الأمريكيين في العراق وقرابة 40% في أفغانستان.
ورغم إمكانية تقليل هذه المخاطر من خلال الطاقة المتجددة، إلا أن التقرير أقر بأنها "لا تزال غير ملائمة تمامًا لظروف القتال".
وختم ديبليدج بالقول إن التحول العالمي السريع في مجال الطاقة لتفادي "كارثة مناخية" سيشكل تحديات كبرى للجيوش، وسيطرح تساؤلات جدية بشأن استمرار استخدامها للوقود الأحفوري. وأضاف: "أيًا كان المسار الذي سنتخذه، لم يعد لدى الجيوش خيار سوى التأقلم مع واقع عالمي يختلف تمامًا عما عهدته حتى اليوم".