أشاعرة وسلفيون يتنازعون نسبة علماء إليهم انتصارا لمذاهبهم
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
من اللافت في الجدل السلفي الأشعري تنازع الطرفين على نسبة أئمة وعلماء سابقين إلى عقائدهم، كتنازعهم في عقيدة شيخ المفسرين ابن جرير الطبري، والإمام ابن خزيمة، وأبو عثمان الصابوني، وابن كثير، والبغوي وعشرات غيرهم، وهو ما يأتي في سياق ادّعاء كل طرف أن عقائد أولئك الأئمة والعلماء في المسائل المختلف عليها يوافق تماما اختياراتهم العقائدية.
ذلك المسلك في النزاع بين السلفية والأشاعرة يقود إلى التشكيك في فهم كلام أولئك العلماء على وجهه الصحيح، كما يجري الطعن في صحة نسبة كتب ورسائل إلى أصحابها، أو الزيادة والنقصان فيها، ويجعل كل طرف منهم يتمحل لإثبات ما يريد، أو أخذ بعض العبارات الواردة، والتغافل عن جمل وتقريرات أخرى.
ووفقا لباحثين فإن العلماء المحققين عادة ما يؤكدون أهمية حمل المتشابه من كلام الأئمة والعلماء على المحكم من كلامهم، وعدم التعلق بعبارات جاءت هنا وهناك، أو قيلت في مقام مناظرة الخصوم ومجادلتهم، ما يفضي إلى ذلك اللون من النزاع، واستماتة كل طرف لجر أولئك العلماء إليهم انتصارا لمذاهبهم.
ما يثير التساؤل في هذا الإطار: هل تقرير العقائد الدينية المختلف عليها لا يكون إلا بمثل هذا التنازع بمقدماته وتداعياته المؤسفة؟ إذ من الطبيعي أن ينعكس ذلك بصورة سلبية على مسالك تقرير العقائد الدينية والانتصار لها بين المتجادلين وأتباعهم، وما يتبعه من جدل حول إثبات عقائد أولئك العلماء.
من المعروف أن أدلة الشريعة الأصلية في تقرير العقائد والأحكام الشرعية، هي القرآن الكريم والسنة النبوية، "وفي تلك الأدلة ما هو قطعي الدلالة، ومنها ما هو ظني الدلالة، فما كان منها قطعيا فلا خلاف فيه على الإطلاق، ومن خالف في القطعي فلا عبرة بخلافه، لأنه بخلافه هذا عارض البدهي والمعروف والمتفق عليه" وفق الأكاديمي الشرعي الأردني، المتخصص في العقيدة والفلسفة، الدكتور عبد الحميد راجح الكردي.
عبد الحميد راجح الكردي، أكاديمي أردني متخصص في العقيدة والفلسفة.
وأضاف "أما الظني وهو ما يقبل الخلاف، فالناس فيه مذاهب، منهم من قبل هذا الخلاف ورضيه، فقال برأي واحترم مخالفه، ومنهم من عدَّ رأيه في الظني صوابا فقط ورأي غيره خطأ ومخالف، ولا بد من تنبيهه لأنه قد يصل في خلافه هذا إلى أن يُحكم عليه بأنه خارج دائرة الدين، والعياذ مما يقولونه".
وواصل الكردي حديثه لـ "عربي21" بالقول "أما الأمر الأكثر غرابة في هذا الباب، فهو أننا قبلنا الخلاف في الظني في كل ما يتعلق بالشرائع والمشاعر، ورفضناه فيما يتعلق بالعقائد، علما أن موضوع الشرائع في بعض أحواله يصل إلى كونه أصولا لا خلاف فيها، بينما توجد في العقائد كثير من الفروع التي لو اختلف العلماء فيها لجاز خلافهم دون اعتراض".
وأردف "ونتيجة الاختلاف في فهم دلالات الألفاظ، لا سيما ما كان منها ظنيا، نشأت فرق ومذاهب اعتبرت كل واحدة منها نفسها الفرقة الناجية، وأنها أهل السنة والجماعة وغيرها ليس كذلك، ومن هنا بدأ ظهور الغلو والانحراف إفراطا وتفريطا؛ فكل جهة إن جاز التعبير مسلمة مؤمنة صالحة طائعة وغيرها منحرفة فاجرة بعيدة عن الصواب" على حد قوله.
وانتقد الكردي مسلك تنازع أتباع الاتجاهات العقائدية على نسبة أئمة وعلماء سابقين إلى مذاهبهم، داعيا الجميع إلى "وقفة حق يقرروا من خلالها أن استدعاء واستحضار ونبش الآراء عند العالم الأشعري الفلاني التي قال فيها برأي مدرسة عقدية أخرى، وأنه تراجع عن قوله الأول، أو العالم السلفي الفلاني الذي قال برأي الأشاعرة فهو إذا أشعري، وقد تاب عن القول برأيه السابق، وكأنهما قد نطقا كفرا ليتوبا عنه ويتراجعا عن القول به".
وحثّ الجميع على ضرورة "التوفيق بين آراء العالم الواحد، أو العلماء في المدارس المختلفة تحت راية أهل السنة والجماعة من السلفية والأشاعرة والماتريدية، فكلهم على حق في باب فهم الظنيات، وأكبر دليل على ذلك أنهم لم يختلفوا في القطعيات، كما ينبغي على أصحاب الحكمة من مختلف المدارس العقدية تنبيه أتباع المدارس إلى أن الصراع لا يكون بين من مرجعيتهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بل الصراع مع من يخالف عقيدتنا وديننا وأمتنا ووحدتنا".
من جهته رأى الباحث والداعية الأردني، هيثم قويسم أن تنازع السلفيين والأشاعرة على جر أئمة وعلماء إلى عقائدهم ونسبتهم إليهم، "سينعكس على تقرير العقائد من خلال الأخذ من كلامهم ما يوافق ما عليه الناقل عنهم، أما من جهة إثبات عقائدهم، فمن الطبيعي إذا نقل الناقل كلاما يراه موافقا لما هو عليه سيعطيه قرينة على نسبته لما هو عليه".
هيثم قويسم، باحث وداعية أردني.
وردا على سؤال "عربي21" بشأن التعامل مع كلام العلماء المحتمل أو المتشابه في المسائل العقدية، قال قويسم "إذا كانت نصوص الكتاب والسنة المتشابهة أو المحتملة أو ظنية الدلالة لن نجد من ينهي النزاع فيها، فكيف بكلام البشر من أهل العلم.. لا يمكن ذلك إلا أن يشاء الله، فكلام العالم المحتمل الأصل أن نحمله على كلامه المفصل فإذا لم يوجد، فمن الصعب فك النزاع في الفهم الواقع لمقالة قالها عالم ما".
وتابع: "وأما بالنسبة لثبوت كتاب ما أو جملة منه لعالم ما، فمما يسعفنا فيه ما ذكر في كتب التراجم لأن من يترجم لشخص ما سيذكر ـ في الغالب ـ كتبه ضمنا، وكذلك من خلال كتب أخرى تكون محل ثقة واتفاق بين الطرفين، فإذا وجدنا تلك الجملة المتنازع عليها فهذا من شأنه أن يثبتها وينهي النزاع".
ولفت إلى وجود بعض العبارات والجمل المشتبهة في كلام الأئمة والعلماء المتنازع على إثبات عقائدهم، لذا فإن المسلك الصحيح في التعامل مع كلامهم يكون "بحمل ما اشتبه من كلامهم على ما وضح منه، بحمل المجمل على المفصل إن وُجد، وإلا فإن كلام العلماء يُستدل له ولا يُستدل به، والأصل في ذلك إجماعات السلف، وما سواها من مسائل ينبغي أن تتسع لها الصدور مع بقاء خط المذاكرة بعلم وحلم".
في ذات الإطار أوضح الباحث اليمني، المدرس للعلوم للشرعية، الدكتور عبد الفتاح اليافعي أن تحديد المراد من كلام العلماء "يُرجع فيه إلى اللغة العربية، وسيكون حال الناس فيه إما باتفاقهم على تحديد المراد من كلام العلماء، أو الاختلاف على تحديد المراد منه، فالمختلف في فهم المراد منه كلام العلماء يرجع فيه إلى اللغة العربية، وإلى أصول أولئك العلماء الأخرى، وكلامهم في مواضع أخرى".
عبد الفتاح اليافعي، باحث يمني ومدرس للعلوم الشرعية.
وأكمل تفصيل كلامه لـ"عربي21" بالقول "هناك بالفعل كتب يوجد اختلافات في طبعاتها المختلفة، فنرجع المختلف فيه إلى الأصول والقواعد العامة ونصوص الأئمة في غير ذلك الكتاب الذي وقع فيه الاختلاف في فهم النصوص، كذلك ليست نصوص السلف كلها على وتيرة واحدة، بل وقع في كلام بعضهم أخطاء، فالعصمة ليست للأفراد، بل للإجماع، فما أجمع عليه السلف يكون مقبولا، وما اختلفوا فيه فيكون اختلاف رحمة، فيقع بعضهم في الخطأ، ويخطئ بعضهم بعضا".
وعن الحوار والبحث في تفاصيل مسائل الاعتقاد، قال اليافعي "أول ما ينبغي في هذا المقام هو حصرها بين أهل الاختصاص، وعدم إقحام عوام المسلمين فيها، وفي الوقت نفسه إعطاؤها حجمها، والابتعاد عن مسالك الغلو والتطرف في تناولها، كتكفير المخالف، وما ينبغي أن تكون تفاصيل الاعتقاد المختلف عليها سببا في التباغض والتشاحن وسوء الأخلاق بين المسلمين".
ودعا في نهاية حديثه إلى "ضرورة التزام آداب البحث والحوار في مناقشة تلك المسائل، وتحري الموضوعية والإنصاف في فهم ما نقل فيها عن الأئمة والعلماء، والبعد عن الأخلاق السيئة، والألفاظ البذيئة، وعدم الدخول في النيات، لافتا أنه فصل الكلام في ذلك في كتاب له بعنوان (الطريق إلى الألفة الإسلامية) نبه فيه على جملة من الأمور والمسالك التي يجب مراعاتها بين الاتجاهات الدينية المختلفة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير الآراء مسلمون خلافات آراء تيارات تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من کلام فی فهم
إقرأ أيضاً:
حكم إزالة الأضرحة من المساجد والصلاة فيها
أوضحت دار الإفتاء المصرية حكم إزالة الأضرحة من المساجد، مؤكدو أنها لا تجوز شرعًا ولو تحت دعوى توسعة المسجد وتجديده؛ لما فيها من الاعتداء السافر على حرمة الأموات، وسوء الأدب مع أولياء الله الصالحين.
وقالت الإفتاء أن تعدي الأشخاص على أضرحة أولياء الله الصالحين، يعتبر من سوء الأخلاق والأدب، وتوعد اللهُ سبحانه وتعالى لمَن آذاهم بأنه قد آذنهم بالحرب؛ فجاء في الحديث القدسي: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ» رواه البخاري.
وأضافت الإفتاء أنه يجوز التوصل إلى فعل الخير بالباطل، ومن أراد توسعة مسجد أو تجديده يجب عليه شرعًا أن يُبْقِيَ الضريح الذي فيه في مكانه ولو أصبح وسط المسجد، أو يُتْرَك المسجد كما هو.
وأكدت الإفتاء أن الصلاة في المسجد مع وجود الضريح فيه صحيحةٌ ومشروعةٌ؛ حيث تواترت على ذلك الأدلة من الكتاب، والسُّنَّة، وفعل الصحابة، وإجماع الأمة الفعلي، والقولُ بتحريمها أو بطلانها قولٌ باطل لا يُلتَفَتُ إليه ولا يُعَوَّلُ عليه.
حكم الصلاة في المساجد التي يوجد بها أضرحة الأولياء والصالحين
أما عن حكم الصلاة في المساجد التي يوجد بها أضرحة الأولياء والصالحين، قالت الإفتاء إنها صحيحةٌ ومشروعةٌ، بل إنها تصل إلى درجة الاستحباب، وذلك بالكتاب، والسُّنَّة، وفعل الصحابة، وإجماع الأمة الفعلي.
-فمن القرآن الكريم: قوله تعالى: ﴿فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ [الكهف: 21].
قال الإمام الرازي في "تفسيره": [﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾: نعبد الله فيه، ونستبقي آثار أصحاب الكهف بسبب ذلك المسجد] اهـ.
وقال الشهاب الخفاجي في "حاشيته على تفسير البيضاوي": [في هذه دليل على اتخاذ المساجد على قبور الصالحين] اهـ.
ومن السُّنَّة: حديث أبي بصير رضي الله عنه الذي رواه عبد الرزاق عن مَعمَر رضي الله عنه، وابن إسحاق في "السيرة"، وموسى بن عُقبة في "مغازيه" -وهي أصح المغازي كما يقول الإمام مالك- ثلاثتهم عن الزُّهرِي عن عُروة بن الزُّبَير رضي الله عنه عن المِسوَر بن مَخرَمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهم: أن أبا جَندَلِ بن سُهَيل بن عمرو رضي الله عنه دفن أبا بَصِير رضي الله عنه لَمَّا مات وبنى على قبره مسجدًا بسِيف البحر، وذلك بمحضر ثلاثمائة من الصحابة. وهذا إسناد صحيح؛ كله أئمة ثقات، ومثل هذا الفعل لا يخفى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومع ذلك فلم يَرِد أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر بإخراج القبر من المسجد أو نبشه.
كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «في مسجد الخَيفِ قَبرُ سبعين نبيًّا» أخرجه البزار والطبراني في "المعجم الكبير"، وقال الحافظ ابن حجر في "مختصر زوائد البزار": [هو إسناد صحيح] اهـ.
وقد ثبت في الآثار أن سيدنا إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر رضي الله عنها قد دُفِنا في الحِجر من البيت الحرام، وهذا هو الذي ذكره ثقات المؤرخين واعتمده علماء السِّيَر؛ كابن إسحاق في "السيرة"، وابن جرير الطبري في "تاريخه"، والسهيلي في "الروض الأنف"، وابن الجوزي في "المنتظم"، وابن الأثير في "الكامل"، والذهبي في "تاريخ الإسلام"، وابن كثير في "البداية والنهاية"، وغيرهم من مؤرخي الإسلام.
وأقرَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك ولم يأمر بنبش هذه القبور وإخراجها من مسجد الخيف أو من المسجد الحرام.