عبد السلام فاروق يكتب: رسائل ملغومة وأهداف مفضوحة !
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
بينما يستعد المصريون للاحتفال بنصر أكتوبر المجيد بعد نحو شهر من اليوم، إذا بالإعلام العبرى يفاجئهم بما لم يكن يخطر على بال..فقد كشف إعلامهم الخداع أن السلطات الإسرائيلية أفرجت عن مئات الوثائق السرية الخاصة بحرب أكتوبر بدون سابق إنذار! فلماذا الآن؟!
الغريب فى الأمر أنه برغم الحجم المعلن الهائل لتلك الوثائق، فإننا لم نعلم مما تحويه شيئاً، اللهم إلا فقرات مجتزأة مما أرادوا هم أن تختطفه وسائل الإعلام وتدور به الألسنة.
التوقيت المغرِض
لاريب أن توقيت الإعلان عن تلك الوثائق مرسوم ومقصود وله مغزى..
وكالات الأنباء تناولت الخبر بشئ من الدهشة والتشفى، فقالوا إن إسرائيل تعترف بالفشل الاستخباراتى الذريع، ثم أنها بررت لهذا الفشل..قالوا أيضاً إن إسرائيل قررت رفع السرية عن جميع ملفات حرب أكتوبر بعد مرور خمسين عاماً عليها، وأن تلك الوثائق أبرزت حالة كبيرة من التخبط لدى صناع القرار قبل أيام من بدء الهجوم المصري، وأن من بين الوثائق المنشورة ما يتعلق باللحظات الأخيرة ما قبل الحرب، ومن بينها صورة لجنود إسرائيليين يحملون قاربا يقل زميلهم وفتاة للاحتفال بزواجهما قبل لحظات من بدء الهجوم المصري! أى أن الجيش الإسرائيلى كله كان فى حالة استرخاء تام!
الدكتورمحمد عبود أستاذ اللغة العبرية بجامعة عين شمس أوضح لموقع RT الروسي : أن إسرائيل ما زالت تحجب الكثير من الوثائق الهامة والخطيرة بشأن حرب أكتوبر ولم تفرج عنها حتى اللحظة برغم أن القانون الإسرائيلي لا يسمح بمد فترة الحظر للوثائق السرية أكثر من خمسين عاماً ..لكن الذى يبدو أن الوثائق المنشورة ليست إلا قليلاً من كثير، وأن أغلب تلك الوثائق المنشورة كانت تتعلق بتقرير أجرانات الذى تم إعداده بعد حرب أكتوبر تحت ضغط من الشعب الصهيونى للتحقيق فى أسباب الهزيمة الإسرائيلية..أكثر من هذا أن هناك عمليات حذف لمقاطع معينة بالوثائق،وحتى عمليات الترجمة للمقاطع المعلنة جاءت مزيفة وغير معبرة عن فحوى المقاطع الأصلية..ما يعنى أننا أمام عملية ممنهجة لبث رسائل محددة ولها أهداف..
ومهما كانت تلك الوثائق تؤكد على الفشل الإسرائيلي الذريع، وأن هناك مجموعة محددة من القادة الصهاينة أخطأوا التقدير..إلا أننا يجب ألا نغفل ضرورة فهم مسألة توقيت نشر الوثائق لأنها مسألة جوهرية ومثيرة للقلق..ولكى ندرك مدى أهمية تلك المسألة علينا أن نعود بالأحداث إلى ما قبل حرب أكتوبر..هناك فى إسرائيل حيث كان الإعلام العبري يحرص على تصوير الجيش الإسرائيلي أنه الجيش الذى لا يُقهر، وأن العرب قد استسلموا للواقع المرير، وأن الحرب المزعومة ضدهم لن تأتى أبداً!! هكذا تم عمل غسيل مخ مركز للشعب الإسرائيلى. لهذا فإن هذا الشعب المغرر به كان أول المصدومين بما حدث فى الحرب، وتحت الضغط الكبير على قادة إسرائيل تم تشكيل لجنة للتحقيق فى أحداث الحرب وأسباب الهزيمة اشتهر باسم تقرير أجرانات..
معنى هذا أن الإعلام العبري كان يعمل دائماً لخدمة مصالح الجيش الإسرائيلى، وهذا لم يتوقف حتى الآن..وهو ما يعنى أن الوثائق المسربة اليوم لها رسالة محددة يبثها قادة إسرائيليون.حتى وإن كانت وسيلتهم لهذا دس السم فى العسل، وتمرير رسائل ملغومة داخل رسالة شكلية لا تضيف جديداً..فما هى الرسائل التى تريد إسرائيل بثها اليوم؟ ولماذا علينا أن نقلق ونتخذ حذرنا؟
خطة خداع إعلامية
اللواء سمير فرج تعليقا على ما تم نشره من وثائق بثتها وسائل الإعلام العبرية، قال: "للأسف لم يصدر حتى الآن التقرير النهائي، وكل ما صدر عبارة عن عناوين لم تخرج فيها إدانه لأي أحد، وكل ما صدر هو عزل رئيس الأركان الإسرائيلي خلال حرب أكتوبر".
أى أن كل الذى يصدر عن الإعلام العبري مجرد تحصيل حاصل، وتبريرات للهزيمة الفادحة للجيش الإسرائيلي،وهو ما يؤكد أن اللجنة أثبتت خطأ رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي لعدم توقعه أو إعطائه لرأي يجزم بأن هناك حربا قادمة من مصر وسوريا ضد إسرائيل.ولهذا السبب لم تعلن لجنة اجرانات تقريرها النهائي حول الحرب حتى الآن، لأنه يؤكد خطأ جولدا مائير وموشيه ديان لاقتناعهما بعدم شن مصر وسوريا أي هجوم، ولم يقوما بإعلان التعبئة العام.
وفى محاولة لفهم دوافع الإعلام العبري لنشر هذه الوثائق التى وصفت بأنها سرية، تعالوا أولاً نتذكر ما حدث بإسرائيل خلال الشهور القليلة الماضية، بسبب ضغط نتنياهو لتمرير تعديلات قوانين لتحقيق مصالح شخصية من خلال البرلمان ، وهو ما تسبب فى مظاهرات عارمة وصلت إلى أبواب منزل نتنياهو نفسه..ثم هدأت الأمور قليلاً أو بدا أنها هدأت بينما السخط الشعبي ضد السلطة الإسرائيلية ما زال مشتعلاً كالنار تحت الرماد..ثم هناك العمليات الفدائية المتتالية فى حى جنين والتى كبدت الإسرائيليين خسائر بشرية، وأهم منها ما حدث من هزيمة نفسية على المستويين الشعبي والقيادى..
هكذا وجدت السلطة الإسرائيلية نفسها بين شقى رحى..وأن الأمر يستدعى إعادة تهيئة الرأى العام الإسرئيلي، وإعادة توجيه بوصلة الرأى العام العربي..والرسالة الكامنة فى تقرير أجرانات المفرج عنه، وفى الرسائل الصغرى المزروعة فى ثناياه، أن أخطاء إسرائيل كانت فى الأصل بسبب فئة محدودة من القادة أخطأوا أو أهملوا أو تهاونوا بعض الشئ. لا بسبب أن الإعداد المستمر للجيش المصرى خلال حرب الاستنزاف وصولاً إلى حرب أكتوبر، وخطة الخداع الاستراتيجى المصرية..كانتا من أسباب انتصار مصر على إسرائيل..إن التقرير يعود ليدور فى فلك التبرير والبحث عن الذرائع..
لكن الخطير فى نشر تلك الوثائق الآن، ليس فى فحواها، ولا فى تلك الرسائل السامة المدسوسة فى طواياها.. لكن أخشى ما أخشاه أن تكون إسرائيل لها أهداف أبعد من مجرد نشر تقارير وأوراق وصور ومقاطع فيديو..وأنها تعد العدة لخطوة قادمة أشد خطورة؛ لأن الإعلام العبري ليس إلا فرقة من فرق الاستطلاع لجيش الاحتلال الإسرائيلى.
ساعات ما قبل الحرب
لقد أكد موقع"تايمز أوف إسرائيل" أن أرشيف إسرائيل الرسمى نشر ملفات زعم أنها تشمل مجموعة من آلاف الوثائق والصور والتسجيلات ومقاطع الفيديو توفر نظرة شاملة حول الطريقة التى تعامل بها الكيان الصهيونى خلال فترة حرب أكتوبر، وهى مزاعم خادعة أو ناقصة فى أفضل الأحوال..وقالت المسئولة عن الأرشيف روتى أبراموفيتش: "هذه نظرة شاملة على قصة الحرب، التي أثرت على جميع مناحي الحياة في إسرائيل.. هذا هو أكبر كشف قام به أرشيف الدولة على الإطلاق"..والذى يؤكد كذب هذه المزاعم، أن التقرير ذاته يشير إلى أن كل الوثائق الصادرة خاصة فقط بسويعات ما قبل الحرب! أى أن أحداث الحرب ذاتها تظل سراً يحتفظ به الكيان لنفسه ولا يعلن من فحواها شيئاً!
الموقع الذى قيل إنه بث الوثائق السرية اكتفى بنشرها باللغة العبرية فقط، وشملت حوالى 3500 ملف أرشيف تحتوي على مئات الآلاف من الصفحات، و1400 وثيقة ورقية أصلية، و1000 صورة، و750 تسجيلا، و150 دقيقة من المداولات الحكومية، وثمانية مقاطع فيديو، باستثناء عدد قليل من الملفات التي لا تزال سرية، وقد استغرق تحميل المواد عامين ونصف العام من العمل..أغلب تلك الوثائق هى سجلات للمداولات بين القادة الإسرائيلين فيما يخص الاستعداد للحرب، وأكثرها من باب تحصيل الحاصل ولا تضيف جديداً لمشهد الهزيمة الإسرائيلية..
لكن أخطر ما فى تلك الوثائق أنها تدس السم فى العسل ، وتبث خلالها رسائل مطوية فى ثناياها تخلط الحق بالباطل..فعلينا أن ننتبه ونحذر مما تنطوى عليه تلك الوثائق..نقرأها نعم، لكن نقارنها بما لدينا من حقائق دامغة، حتى نعلم على وجه اليقين ما تريده إسرائيل من نشر تلك الوثائق ونحتاط لما تدبره.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الإعلام العبری حرب أکتوبر وهو ما ما قبل
إقرأ أيضاً:
البركان المصري.. وثائقي يكشف تخوفات إسرائيل من عودة الربيع العربي (شاهد)
واصل الإعلام العبري في تسليط الضوء على العلاقة المعقدة بين النظام المصري وإسرائيل، حيث يشير إلى ما يُسمى بـ"البركان المصري"، كناية عن حالة الغضب الشعبي والسياسي تجاه دولة الاحتلال، والتي يُزعم أنها تتنامى داخل مصر.
من خلال وثائقي بثته قناة "i24news" الإسرائيلية، تم تناول هذا الملف عبر تسليط الضوء على ما يصفونه بـ"خطاب الكراهية" ضد "تل أبيب"، مع التركيز على التحركات المصرية الإقليمية والعسكرية.
الجيش المصري في قلب المخاوف الإسرائيلية
وأبرز التقرير الإسرائيلي القوة المتزايدة للجيش المصري، مشيرا إلى أن هذه القوة قد تعاظمت في السنوات الأخيرة، رغم الأزمات الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
وأضاف أن تعزيز الجيش يتم تحت مظلة اتفاقيات السلام، إلا أن خطاب رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، وفق التحليل الإسرائيلي، يُرسل رسائل موجهة تجاه إسرائيل، خصوصا خلال تفقده القوات المسلحة في سيناء.
الإخوان الربيع العربي
وأكد المحلل السياسي الإسرائيلي المتخصص في الشؤون العربية والمصرية، في فيلم i24NEWS ، أنه رغم أن مصر لا تبحث عن مغامرات خطيرة وغير ضرورية، إلا أن البلاد وقعت بالفعل تحت حكم "الإخوان المسلمين" الذين كانوا على بعد لحظة من السيطرة على الجيش، مضيفا أن "الجيش المصري يتجه بشكل رئيسي نحو الشرق، مصطفا أمامنا ونحن أمامه، في هذه الأثناء، يختار رئيس النظام عبد الفتاح السيسي بث رسائل حول إسرائيل على وجه التحديد أمام الجيوش في سيناء، ومع ذلك، من المهم أن نتذكر أن هذا هو نفس الجنرال الذي واجه الإخوان المسلمين".
وأضاف المحلل السياسي الإسرائيلي، "لا تزال تجارب الربيع العربي والرئيس المصري السابق محمد مرسي واضحة جداً في الرأي العام في البلاد، لكن لا يمكن لأحد أن يضمن عدم تكرار مثل هذه الأحداث.
السلام البارد: هل يتلاشى؟
وتناول الفيلم الوثائقي تحليلا للعلاقات المصرية-الإسرائيلية، مشيرا إلى أن السلام بين الطرفين، الذي دام لعقود، يتسم بالبرود والشك، كما لفت إلى أن الأحداث الإقليمية الأخيرة، وخاصة بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، زادت من حالة التوتر في العلاقات، ووصف المحللون الإسرائيليون الخطاب الإعلامي المصري بأنه معادٍ ومتحيز ضد إسرائيل، مشيرين إلى أن وسائل الإعلام المصرية تصور إسرائيل على أنها تهديد محتمل لمصر.
سيناء في الحسابات الإسرائيلية
أشار الفيلم إلى أن الأحاديث المصرية عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي تتناول سيناء كمحور استراتيجي، مع اتهامات بأن "إسرائيل" لديها مخططات تجاه هذه المنطقة الحيوية.
ويُزعم أن هذا النوع من الخطاب يعزز الكراهية ضد إسرائيل، ما يجعلها في موقف حرج على صعيد العلاقات الإقليمية.
رسائل التحذير الإسرائيلية
ويشير المحللون الإسرائيليون إلى أن الوضع الحالي يتطلب من دولة الاحتلال دراسة التحولات المصرية بحذر. ورغم أن السلام بين البلدين صمد على مدى 45 عامًا، فإن "خطاب الكراهية"، حسب وصفهم، قد يُشكل تهديدا للعلاقات في المستقبل.