يشارك فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، في أعمال المؤتمر الدولي للسلام، الذي تنظمه جمعية "سانت إيجيديو" في الفترة من 10 إلى 12 سبتمبر الحالي، في زيارة تضمنت عدة لقاءات بقيادات ألمانية ووفد المسلمين ببرلين. 

الرئيس الألمانيمسافةٍ واحدةٍ من المساس بأي دينٍ من الأديان

وقال شيخ الأزهر خلال لقاء الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، إنَّ الأزهر الشريف حريصٌ على نشر قيم السلام والأخوة الإنسانية محليًّا وعالميًّا، فعلى المستوى العالمي أطلق الأزهر عدة مبادرات يأتي في مقدِّمتها بيت العائلة المصرية، بالتعاون مع الكنائس المصرية، وقدمنا نسيجًا وطنيًّا مترابطًا ومحصنًا ضد الكراهية والتعصب.

وأضاف أن الأزهر خَطَا خطوات كبيرة في تعزيز قيم السلام عالميًّا، وقد كانت درة تاج هذه الجهود والمبادرات توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية التاريخية مع قداسة البابا فرنسيس في أبوظبي عام 2019، في رسالةٍ تحمل الخير للعالم كلِّه، مشيرًا إلى أن الذي يمعنُ النظر في لغة الوثيقة لن يقدِرَ على التفرقة ما إذا كانت كُتبتْ بأقلام مسلمة أو مسيحيَّة، وأنها كانت جهدًا خالصًا توحَّدت فيه رؤية الأزهر والفاتيكان من أجل مصلحة الإنسان وسعيًا وراء سعادته، وتجنب معاناته، وأنَّ الوثيقة تضمنت نصوصًا واضحةً لحماية البيئة وأماكن العبادة، وحقوق الأطفال والنِّساء واللَّاجئين والمهاجرين والفقراء والشعوب الأكثر تهميشًا والأقل حظًّا.

وأشار شيخ الأزهر إلى أنَّ الأزهر يقف على مسافةٍ واحدةٍ من المساس بأي دينٍ من الأديان، ولا يفرق في ذلك بين المقدسات الإسلامية أو مقدسات الأديان الأخرى، فكما وقف الأزهر في وجه حوادث حرق القرآن الكريم -كتاب الله- كان له موقفٌ واضحٌ أيضًا تجاه حرق الكنائس والاعتداء على المسيحيين في باكستان، مؤكدًا أن كِلَا الموقفين نابعين من اعتقاد حقيقي وراسخ بأنَّه لا سبيل للخروج من أزمات الإنسان المعاصر إلا بالحوار وأن تسودَ ثقافة التقارب والتعايش والاندماج، وأن يحلَّ الحوار محل التعصب والكراهية.

كما أعرب شيخ الأزهر عن تقديره لما قدَّمته ألمانيا من دعم كبير للاجئين وترحيبها بهم واستضافتها للملايين لتضرب المثل في الأخوَّة الإنسانية العابرة للقارات في مشهدٍ حضاريٍّ نابعٍ من إيمان كامل وعقيدة واضحة تجاه هؤلاء الذين تركوا أوطانهم وعائلاتهم بسبب الحروب والصراعات.

مكافحة الإسلاموفوبيا وخفض وتيرة العداء للإسلام

من جانبه، أعرب الرئيس الألماني عن شديد ترحابه بشيخ الأزهر في ألمانيا، مؤكدًا اعتزازه بهذه الزيارة التي جاءت في وقت مهم، وتقديره الشخصي ومتابعته لما يقوم به شيخ الأزهر من جهودٍ كبيرةٍ لتعزيز قيم التعايش والأخوة والمساواة بين الجميع، وكذا تقديره للعلاقة الأخوية التي تجمع شيخ الأزهر والبابا فرنسيس، وأنَّ هذه العلاقة رسمَتِ الطريق ومهَّدته للمضي قدمًا في التقارب وفتح قنوات الحوار والتواصل بين مختلف الثقافات والأديان.

كما أكَّد الرئيس الألماني حرصَ بلاده على مكافحة الإسلاموفوبيا وخفض وتيرة العداء للإسلام والمسلمين، ولذا بادرت بإدانة حوادث حرق القرآن في عدة مناسباتٍ، ورفضها لما يقوم به البعض من ممارسات متطرفة تجاه الإسلام والمسلمين، مؤكدًا استعداده الشخصي للعمل سويًّا مع شيخ الأزهر من أجل تعزيز جهود القضاء على كل أوجه التعصب والكراهية وتعزيز الحوار بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة.

وقدَّمَ الرئيس الألماني الشكر للإمام الأكبر علي المبادرات المهمة التي يقودها لنشر التعايش وتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات؛ مثل: وثيقة الأخوة الإنسانية، ونموذج بيت العائلة المصرية، وبيت العائلة الإبراهيمية.

 

لقاء السفير الإيرانيالأزهر الشريف متمسك بوحدة المسلمين

كما التقى شيخ الأزهر بمقر إقامته بالعاصمة الألمانية برلين، محمود فرزندة، سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى جمهورية ألمانيا الاتحادية، حيث قال إن حال المسلمين اليوم من فرقة وتشتت يرجع إلى نزعات لا إسلامية حذر منها القرآن الكريم في قوله تعالى "ولا تنازعوا فتفشلوا"، وقد أدى هذا التنازع إلى تشقق الصف الإسلامي وتفرق المسلمين وافتقارهم للرؤية الإسلامية والهدف الإسلامي الموحد الذي نستطيع الرجوع والاحتكام إليه رغم الاختلاف.

وأضاف شيخ الأزهر أن أخطر التحديات الإسلامية المعاصرة هي كيفية إقناع صناع السياسات ومتخذي القرارات بأن هناك مصلحة إسلامية عليا لا بد أن تكون محلَّ اتفاق بين الجميع مهما اختلفت المصالح الذاتية، مشيرًا إلى أن علماء الإسلام تحدثوا كثيرًا عن أهمية الوحدة الإسلامية، إلا أن القوى السياسية دائمًا ما تحرك الأمور عكس ما ترتضيه لغة المنطق والعقل، وترك المصلحة العليا المشتركة والمقايضة بها في مقابل بعض السياسات الذاتية المتفرقة.

وأكد شيخ الأزهر أن أبرز التحديات العالمية المعاصرة تتمثل في انتزاع القيم الدينية والأخلاقية بل والإنسانية من أي وجه للتقدم العلمي، حتى أصبحنا نعاني من أزمة حقيقية، وهي الاغتراب وإقصاء الدين من حياة الإنسان، مشددًا على أن الخروج من هذا المأزق لن يكون إلا بتبني أصحاب القرارات العالمية العليا لإطار أخلاقي وإنساني ملزم، وتغليب مصلحة الإنسانية على تلك المصالح الذاتية.

وشدد فضيلة الإمام الأكبر على أن الأزهر الشريف متمسك بوحدة المسلمين، وأنه لن يتوانى عن المضي قدمًا في بذل كل ما في وسعه من أجل فرض هذا المشروع على الخريطة الإسلامية مهما كلفه الأمر من الانخراط في كثير من المشقة والتحديات.

وفد المنظمات الإسلاميةالاندماج الايجابي في المجتمع الألماني

وفي لقائه وفدًا من ممثلي المجتمعات المسلمة في ألمانيا، وذلك لبحث أهم القضايا التي تواجه المسلمين في ألمانيا وسبل دعم الأزهر العلمي والدعوي لهم ومساعدتهم على الاندماج الايجابي في المجتمع الألماني وتقديم الصورة الحقيقة للإسلام.

وقال الإمام الأكبر إن الأزهر الشريف يحمل على عاتقه مهمة دعم مسلمي الغرب، وذلك من خلال تكثيف التواصل مع الجاليات المسلمة في أوروبا والدول الغربية، وتقديم الدعم والمشورة في كل ما يحتاجونه في شؤون الدين والدعوة، لافتًا إلى أن الأزهر قد أنشأ مركزا عالميا للرصد والإفتاء يعمل ب ١٣ لغة؛ ليكون بمثابة قناة الأزهر للتواصل مع العالم، خاصة مع المراكز الإسلامية والمساجد الكبرى في أوروبا.

ورحب شيخ الأزهر باستضافة الأئمة الألمان وتدريبهم في أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ، وتصميم منهج وبرنامج خصيصى لهم على يد نخبة من كبار أساتذة الأزهر وعلمائه؛ ليناسب طبيعة المجتمع الألماني، وصقلهم بالمهارات اللازمة للتعامل مع قضايا المرأة والتعايش السلمي وقبول الآخر والاندماج الإيجابي داخل مجتمعاتهم.

كما أكد فضيلة الإمام الأكبر استعداد الأزهر لزيادة عدد المنح الدراسية المقدمة لأبناء المسلمين في ألمانيا للدراسة في المرحلة الجامعية ومرحلة الدراسات العليا بجامعة الأزهر، لا سيما في التخصصات الشرعية والعربية، بالإضافة إلى استعداد الأزهر لإيفاد شباب وعلماء الأزهر إلى مساجد ألمانيا وأوروبا للمساهمة في تصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام في الغرب، فضلًا عن استعداده لإنشاء مركز لتعليم اللغة العربية لدعم أبناء المسلمين في ألمانيا في تعلم وإجادة لغة القرآن الكريم. 
 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الأزهر مجلس حكماء المسلمين الأخوة الإنسانية مكافحة الإسلاموفوبيا بيت العائلة المصرية الرئیس الألمانی الأزهر الشریف الإمام الأکبر شیخ الأزهر فی ألمانیا إلى أن

إقرأ أيضاً:

البحوث الإسلامية: أسبوع الدعوة يستهدف تحصين عقول الشباب وتعزيز الفكر الوسطي

اختتم مجمع البحوث الإسلامية فعاليات الأسبوع السادس للدعوة، الذي جاء تحت عنوان «الوعي الفكري والشباب.. تحديات وآمال»، بمشاركة نخبة من علماء الأزهر الشريف. وشهد الأسبوع خمس ندوات علمية عقدت بكليات جامعة الأزهر، ناقشت قضايا فكرية ومجتمعية تمس الشباب، مثل الهوية والقيم والأخلاق، وأهمية استلهام الدروس من التاريخ.

أكد الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أن الهدف من هذه الفعاليات هو تحصين عقول الشباب من الأفكار المتطرفة وتعزيز الفكر الوسطي. 

كما أوضح الدكتور حسن يحيى، الأمين المساعد للجنة العليا لشؤون الدعوة، أن التفاعل الإيجابي من الشباب يعكس أهمية استمرار مثل هذه المبادرات في المؤسسات التعليمية.

يُذكر أن هذه السلسلة من الأسابيع الدعوية نُظّمت في عدد من الجامعات المصرية، بهدف تصحيح المفاهيم المغلوطة، وترسيخ القيم والأخلاق، ومجابهة الفكر المتطرف.

مقالات مشابهة

  • شيخ الأزهر في خطاب بالأمم المتحدة: الإسلاموفوبيا نتاج للجهل بحقيقة الإسلام
  • شيخ الأزهر يدعو في خطاب بالأمم المتحدة إلى إنشاء قواعد بيانات توثق الجرائم ضد المسلمين
  • في اليوم الدولي لمكافحة الإسلاموفوبيا: الأمم المتحدة تحذر من تصاعد التمييز ضد المسلمين عالمياً
  • ارتفاع مقلق في التعصب ضد المسلمين.. الأمم المتحدة تدعو لـ«مكافحة كراهية الإسلام»
  • ليبيا تدعو إلى تعزيز جهود مكافحة “الإسلاموفوبيا”
  • هيئة كبار العلماء: التوكل على الله أساس نهضة الأمة الإسلامية
  • في 15 نقطة .. تعرف على أهم أحكام زكاة المال في الشريعة الإسلامية
  • إيقاف عداء كينيا لانتهاك قواعد مكافحة المنشطات
  • من مقر الأمم المتحدة بنيويورك: الرابطة تُسمع العالم صوت الشعوب المسلمة في يوم مكافحة “الإسلاموفوبيا”
  • البحوث الإسلامية: أسبوع الدعوة يستهدف تحصين عقول الشباب وتعزيز الفكر الوسطي