بوابة الوفد:
2024-10-02@04:27:33 GMT

رحيل كريم العراقى يفتح ملف: شاعرية الأوطان

تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT

ودع الشارع العربى وجمهور القصيدة الشعرية، الشاعر كريم العراقى، وداعا أعاد إلى الأذهان تردد صدى الكلمات لقصيدته «أنا وليلى»، حيث تربى عليها جيل كامل قبل شيوع زمن الانترنت والعالم الصغير، ومثلت ليلى المحبوبة تجليات عدة رآها كل من هم فى جيلى بحسب رياح روحه، فمنهم من شاهدها ليلى المحبوبة، ومنهم من شاهدها ليلى الوطن، ومنهم من تذوقها أحلام مؤجلة باعدت بين تحقيقها صخور عدة متواجدة فى الواقع.

فكان رحيل كريم العراقى فاتحا لتساؤلات عدة، مباشرة أو غير مباشرة، تساؤلات حول شاعرية الأوطان والكتابة عن الحنين للوطن والتتيم به، فيصبح كلا الوطن والمحبوبة وجهين لعملة واحدة، ولا أدرى هل قدر للعراق أن تكون مكتبة شعرية لكل من كتبوا عن الوطن ورحلوا متعذبين بألمه...لعل رحيل كريم العراقى يطرح ذلك التساؤل، مسترجعًا معنا الذاكرة العشرية لما دونه الشاعر سعدى يوسف الذى كتب عن الوطن ثم مات مغتربًا عنه.

سعدي يوسف

يقول الشاعر العباسى حيث كانت بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية – أبو تمام -: «نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ** ما الحب إلا للحبيب الأول.. كم منزل فى الأرض يألفه الفتى ** وحنينه أبدا لأول منزل». ومن ثم كانت شاعرية الأوطان هى المحرك الأكبر للعديد من الشعراء الذين خضبوا الأوراق بالكتابة عن الوطن والحنين له.

ولا يعنى الحنين للوطن أن يكون الشاعر الذى يكتب بدافع الحنين للوطن منفيا أو مغتربا عنه أو بعيدا عنه مثلما نبأنا الشاعر العراقى سعدى يوسف أو مثلما غرد أمير الشعراء فى المنفى «وطنى لو شغلت بالخلد عنه لنازعتنى إليه فى الخلد نفسى «،بل أن شاعرا قد يكون بين أفراد وطنه وداخل حدود قطره لكنه يستشعر الغياب والاغتراب والنفى، ولا أجد أفضل استشهاد أتيكم به أفضل من كلمات شاعرنا العراقى أيضا أحمد مطر :

«كل ما فى بلدتي

يملأ قلبى بالكمد.

بلدتى غربة روح وجسد

غربة من غير حد

غربة فيها الملايين

وما فيها أحد

غربة موصولة

تبدأ فى المهد

ولا عودة منها.. للأبد»

هذا الاغتراب المكانى، وذلك المصطلح الأكاديمى الأكثر وعورة، نوضحه من خلال ما ذكره إيريك فروم حيث إنه «ظاهرة إنسانية حظيت باهتمام كبير من الفلاسفة وعلماء علم النفس والتربية والاجتماع وقد استخدموا مصطلح الاغتراب للتعبير عما يشعر به الانسان الحديث من غربة وما يحسه من زيف الحياة وعمقها وما يلاحظه من سطحية فى علاقات الأفراد بعضهم البعض فى صورة تكاد تهدد وجود الإنسان وصحته النفسية. هذه الظاهرة سمة من سمات العصر وأعرافه وتقاليده، انها من اعقد قضايا الانسان المعاصر بسبب ازدياد نموها واتساعها وخطورتها وقد اصطلح الباحثون على تسمية هذه الظاهرة بالاغتراب».

نزار قباني

ومازلنا فى أجواء ديار الشام نقتطف من بستان نزار قبانى مفهوما جديدا لشاعرية الوطن، لكنه هذه المرة يتخطى الحيز الجغرافى للوطن الصغير الذى يحمل هوية واحدة لبنى بلدته، ليتسع فيشمل الوطن الأكبر والحلم القومى والعروبى، حيث وطن يجمع الرجال من المحيط للخليج، لكنه يصدمنا بكلماته وآماله التى بددها الواقع:

«حاولُ منذ الطُفولةِ رسْم بلاد»

تُسمّى – مجازا – بلادَ العَرَب

تُسامحُنى إن كسرتُ زُجاجَ القمر

وتشكرُنى إن كتبتُ قصيدةَ حب

وتسمحُ لى أن أمارسَ فعْلَ الهوى

ككلّ العصافير فوق الشجر

أحاول رسم بلاد

تُعلّمنى أن أكونَ على مستوى العشْقِ دوما

فأفرشَ تحتكِ، صيفا، عباءةَ حبى

وأعصرَ ثوبكِ عند هُطول المطر»

التاريخ النقدى يحفل بالعديد من الشعراء الذين تكبدوا مشقة فى حب الوطن، يحفل أيضا بأنماط من الاغتراب المكانى والزمانى والنفسى لهؤلاء القوم من أصاحب ربة الشعر، ولعل تجربة أدباء المهجر كانت المحرك الأكثر وجعا فى ذاكرتنا الشاعرية، تغزلا فى حب الوطن والحنينن إليه والتوق إلى ترابه وجنته نستحضر هنا أبيات من أحد شعرائهم خليل مطران: «بلادى لا يزال هواك منى ** كما كان الهوى قبل الفطام

أقبل منك حيث رمى الأعادى ** رغامًا طاهرًا دون الرغام».

حرك رحيل الشاعر كريم العراقى مفهوم شاعرية الوطن، بما يشمله من شاعرية للمكان وحنين إليه، ومن ثم نتساءل :هل المكان عند هؤلاء الشعراء يحمل مفهوما مغايرا للتعريف الخاص بالمكان الذى نعرفه نحن العوام؟ تعرف آن شكمان المكان بقولها :» مساحة ذات أبعاد هندسية أو طبوغرافية تحكمها المقاييس والحجوم» وهى الأمكنة بطبيعتها الطبوغرافية وحيزها بلغة الأرقام، غير أن المكان وفق الرؤية الأدبية بمفهوم سيزا قسام :»الإطار الذى تقع فيه الأحداث « هذا المكان الذى يصطبغ بالروح الشاعرية للشاعر فيكتب بمداده واقعا فى أسره وعشقه.

فى دراسة نقدية بعنوان «فاعلية المكان فى الصورة « يرى الباحث على جاسم والباحثة منى شفيق أن: «إن أهم ما يميز شعرية المكان أو توظيف المكان شعريًا. أنه يقع بين زاويتين هما زاوية التشكيل الشعرى وزاوية التأويل. فى ضمن الزاوية الأولى تتشكل وفقًا لرؤية شعرية غالبًا ما يتحكم فيها الخيال ليمنحها بعدًا تأثيريًا جماليًا، وضمن الزاوية الثانية يكون لأحاسيس المتلقى ورؤيته الذوقية وأسسه النقدية أثر فى صياغة تجربة الشاعر، وبهذا يكون المكان المدمج فى بنية القصيدة منفتحًا على عالم التخيل عند المتلقى « ومن هنا يكتسى المكان صفة أخرى عند الشعراء صفة ولونًا ورائحة غير التى نتعرف نحن بها على الأمكنة.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الشاعر كريم العراقي الخلافة الإسلامية أمير الشعراء

إقرأ أيضاً:

رحيل هرم شعري ناطق، ومفعم بالتجاوز

وجدي كامل

لم يكونا شاعرين كبيرين فقط، بل صديقين عزيزين جمعت بينهما صداقة ستينية، قديمة، عميقة أقام فيها ود المكي قسطا من الزمن، وسكن أحيانا بدار العوض الجزولي.

ما بين كمال، ومحمد، كانت أكثر من توأمة، ورباط من صداقة متينة، وذكريات مشتركة، ومحبة مشتركة جمعتهما وآمالا عراضا لمستقبل يستحقه هذا الشعب الأبي. كانت، وحين يغيب محمد المكي في مهاجره المتعددة حسب الوظيفة الديبلوماسية والهجرة الأخيرة لبلاد العم سام تشتعل المراسلات، والاتصالات الهاتفية، وينتظر صديقه كمال قدومه على أحر من الجمر. ما أن يحط الرحال، حتى يقوم كمال بتعطيره على المجالس، والجلسات، وينتقلان بعسل المؤانسة من مكان إلى مكان، وتتألق الخرطوم، وبيوت المثقفين والفنانين.

سعدت بأن كنت شاهدا على ذلك، وواحدا من أولئك ممن تشرفت بيوتهم بزيارتهما معا، بعد مشاهدة فيلمية مشتركة لفيلمي (جراح الحرية). كانت تلك واحدة من مرات عديدة، استطعت التعرف فيها على الرجل السهل الممتنع، اللطيف، المبتسم، الهادئ، الدمث الخلق، والمعجون بالتواضع الجم، وحب الآخرين.

حزن محمد المكي أيما حزن وفاة صديق عمره كمال الجزولي، وكانت زيارته للتعزية بالقاهرة بمجرد وصوله لها. ولكن وحسبما كان قد أسر لي الدكتور أبي كمال الجزولي قبل أيام، وكان العلم قد نما إلى أن شاعرنا قد توفي سريريا منذ دخوله مستشفى الفؤاد، بأن ود المكي كان، وفي حزنه العميق على غياب صديقه بدا مشغولا في تلك الزيارة بالتعرف من أبي على تفاصيل تحضير جثمان الميت، ودفنه، والإجراءات المتبعة بالقاهرة لتلك الطقوس، وكأنه قد اختار الموت، وكأنه قد عاد ليموت في مكان أقرب لموطنه الذي أحب وعشق.

عاد ليموت ويشيعه من عرف أفضاله الثقافية والإنسانية علينا بعد أن امتنع الوطن الممزق، المحترق هذه المرة عن الاستقبال، وحيث لم تكن هناك (أمته) التي تشتت في بقاع الأرض ونزحت، ولكن يحمد إلى أن احتفظت بكثافة من وجود بقاهرة المعز.

كم كنت أتمنى أن أكون أحد المودعين لولا العوائق. ها ذا أني أشاهد الوجوه، وقد تبللت بالدموع، واسمع العويل، وبكاء من عرفوك. ها ذا إني أرى وداعا جليلا، ضخما يليق بمقامك، وقامتك يا محمد المكي، يا من أسعدتنا بحياتك، ومساهماتك الشعرية المتميزة، المتفردة.

أقول باسمك وباسم صديقك، وكل من رحل عنا في هذه الظروف القاهرة، العصيبة سوف تتوقف الحرب، سينتصر الشعب، وسينكسر حائط السجن الرمزي الكبير الذي شيدته مؤسسات القهر والقمع التاريخية والمستحدثة، وستشتعل الحقول قمحا ووعدا وتمني ومدنية.

ستبقى ذكراك خالدة فينا، وفي الأجيال القادمة، ولن تنقطع سقياك لقلوبنا ولذاكرتنا أبدا. الوداع، ولا أجد في هذه اللحظات الحزينة أبلغ من مرثيتك لشيخك، وشيخ شعرائنا المحدثين محمد المهدي المجذوب في وداعك المهيب له شعرا عند الرحيل: من جمالك في الموت

يتخذ الورد زينته

والمواسم حناؤها

والعصافير تترك توقيعها في رمالك

برحيلك

ﺃﻇﻠﻤﺖ ﺑﻮﺍﺑﺔ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﻔﺮﺍﺩﻳﺲ ﺃﺿﺄﻥ

ﺑﺮﺣﻴﻠﻚ ﻳﻨﻔﺼﻞ ﺍﻟﺠﻤﺮ ﻋﻦ ﺻﻨﺪﻝ ﺍﻟﺸﻌﺮ

ﻳﻘﺘﺮﺏ ﺍﻟﻤﻮﺕ

ﻳﺴﻤﻊ ﺻﻮﺕ ﺍﻟﻜﻬﻮﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺑﻊ

ﺗﻔﺘﻘﺪ ﺍﻷﺑﺠﺪﻳﺔ ﺃﻇﻔﺎﺭﻫﺎ

ﺗﺴﺘﺮﺩ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺩﻳﻌﺘﻬﺎ ( ﻟﺆﻟﺆ ﺍﻟﺸﻌﺮ ) ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ

ﻛﺎﻓﺮ ﺑﺎﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺃﺷﻌﺎﺭﻫﺎ

ﺗﺴﺘﻌﻴﺪ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻃﻔﻮﻟﺘﻬﺎ

ﻭﺗﻌﻮﺩ إﻟﻴﻚ ﻃﻔﻮﻟﺘﻚ ﺍﻟﺬﺍﻫﺒﺔ.

الوسوموجدي كامل

مقالات مشابهة

  • فاروق: الأهلي يؤجل رحيل خالد عبد الفتاح إلى يناير
  • جوميز يوافق على رحيل نجم الزمالك
  • رحل الشاعر محمد المكي إبراهيم (1939-2024) الموت في زمن الشتات
  • رحيلٌ في ذروة التشبُّث
  • وطنك لا يخذلك
  • الظلم ظُلمات
  • وفاة الشاعر السوداني محمد المكي إبراهيم.. الموت في زمن الشتات ورحيل هرم شعري ناطق
  • رحيل هرم شعري ناطق، ومفعم بالتجاوز
  • محافظ جنوب سيناء يتفقد مدرسة للتربية الخاصة بطور سيناء
  • كيفية تحسين سرعة الإنترنت عبر وضع الراوتر الشبكي في المكان المثالي