أدب الكوارث بين التأريخ والسلوى
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
لم يكن هوميروس بمخطئ حينما أشار فى أوديسته، لذلك الارتباط المربك بين الإبداع والآلام، فقد قال:
«تحيك الآلهةُ فجائعَ للبشر كى يكونَ للأجيال القادمة ما تُنْشِدُهُ”.
لتتضح تلك العلاقة الأزلية بين الكوارث–كمسبب طبيعى للآلام- والإبداع، فتسطع روائع يكتب لها الخلود، هكذا ولدت “الحب فى زمن الكوليرا” لماركيز، و “الطاعون” لكامو.
لكن.. ماذا عساه إبداع الكوارث والأزمات يكون، أيكون سلوى ومرثية للقلوب المكلومة، أم محاولة للنسيان وطى الآلام، أم أملا فى تعاضد البشر وترابطهم وقت المحن؟ وأيا كانت غايته، فلا يمكننا إنكار كونه توثيقا تاريخيا واجتماعيا ونفسيا لمجتمع رزح فى حقبة ما تحت نير كارثة طبيعية أو أزمة، زلزالا كان أو إعصارا أو بركانا، أو حربا، أو غيرها من نوازل الدهر وصروف الأقدار.
وإن كان العالم العربى قد فجع أمس الأول لكارثة زلزال المغرب الشقيق، فهل يمكن أن ينتج من تلك الكارثة أمل لحياة أفضل؟ نراه متجسدًا ذات يوم قريب فى إبداع بالقلم أو الريشة أو غيرها من فنون السلوى، بل وبدراسات جادة لاستنتاج التحولات التى تطرأ على المجتمعات بعد كل كارثة، طبقا لقانون الانتخاب الطبيعي، فتمحى مرحلة، وتتولد أخرى؟
إذن فإن الأزمات والكوارث كانت وستظل ملهمًا للكثير من الإبداعات والفنون، وما وصل للبشرية من تراث شفهى ومكتوب عبر العصور ما هو إلا تناقل لأهوال وكوارث مرت بها، بدءًا من قصة الطوفان وما تلاها من قصص أخرى.
ولأن له من التكرار ما برز بقوة على مدار التاريخ، فإننا يمكننا التركيز فى مبحثنا هذا على «أدب الزلازل»، هكذا يبدو المصطلح قاتما مقبضا، لكنه يخفى تحت وطأته الكثير والكثير، وفيما يلى نسوق نماذج لتلك الإبداعات:
- فى كتابه «المنازل والديار» الذى ألفه أسامة بن منقذ بعد حدوث زلزال قوى سنة 652، فدمر حصن شيْزَر بسوريا، بمن فيه من أبناء عمومته وأقاربه، ضم منقذ فى خمسمائة صفحة مرثيات وأشعارًا لمن فقدهم، ومن ذلك نذكر قوله:
ماتوا جميعا كرجع الطرف وانقرضوا … هل ما ترى تارك للعين إنسانا
لم يترك الدّهر لى من بعد فقدهم … قلبا أجشّمه صبرا وسلوانا
هكذا عد ذلك الكتاب وثيقة تاريخية مهمة تروى تاريخ الحصن.
- وفى عام 1755 أصاب زلزال قوى مدينة لشبونة البرتغالية، فمات جرّاء تلك الهزة ثلاثون ألف شخص، فكتب فولتير قصيدته الشهيرة «قصيدة حول كارثة لشبونة».
- فيما تأثر شاعر النيل حافظ إبراهيم تأثر كبيرا بالزلزال الذى ضرب مسينا الإيطالية عام 1908 فكتب قصيدة من تسعة وخمسين بيتا، ومنها قوله:
ما لمسين عوجلت فى صباها … ودعاها من الردى داعيان
خسفت، ثم أغرقت، ثم بادت … قضى الأمر كله فى ثواني
وأتى أمرها فأضحت كأن لم … تكُ بالأمس زينة البلدان.
- وتلك مسرحية (الزلزال) لمصطفى محمود، التى كتبها مستخدما الزلزال كواقع يتعرض له الأبطال كأداة رمزية لواقع التحولات المجتمعية والسياسية التى شهدتها مصر إبان عصر جمال عبد الناصر.
- بينما قدم الروائى الجزائرى الطاهر وطار أهم رواية عربية عن الزلزال تحت عنوان (الزلزال) التى ترصد عبر زلزال متخيل أثر الاستعمار الفرنسى على الروح الجزائرية وتفاصيل الحياة فيها، وكأن الزلزال الحقيقى الذى ضرب الجزائر هو الاحتلال الفرنسى الذى مسخ روحها.
- ومن أشهر الروايات التى تتعرض للزلزال، نجد رواية (10 ريختر) 1997، لرائد أدب الخيال العلمى الروائى الإنجليزى آرثر سى كلارك، الذى شاركه كتابة الرواية الروائى الأمريكى مايك ماكواى، التى تدور فى المستقبل بعد تعرض بطل الرواية لويس كرين لتأثيرات زلزال نورثريدج الذى ضرب ولاية لوس أنجلوس الأمريكية عام 1994، فدمر منزله وقتل والديه.
- ويرصد الروائى اليابانى هاروكى موراكامى فى كتابه (بعد الزلزال) 2000، الزلزال الذى ضرب كوبى فى اليابان عام 1995، بالتوازى مع هجمات الغاز السام فى مترو أنفاق طوكيو، ليرصد فى ست قصص تاريخ اليابان المعاصر ويفكك المجتمع اليابانى ويغوص فى أعماقه.
- اعتمد الروائى الأمريكى جيمس داليساندرو على التاريخ والواقع فى كتابة روايته (1906) الصادرة عام 2005، التى ترصد تبعات الزلزال المدمر الذى ضرب مدينة سان فرانسيسكو فى ذات العام الذى يحمل عنوان الرواية، وترك المدينة خلفه شبه مدمرة وفى حالة فوضى شاملة، وهو يرصد النفس الإنسانية فى مشاهد مختلفة وشخصيات متباينة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: زلزال المغرب حافظ إبراهيم مصطفى محمود هاروكي موراكامي اليابان
إقرأ أيضاً:
زلزال يضرب ولاية ملاطيا وسط تركيا
ضرب زلزال بقوة 4.9 درجات على مقياس ريختر، اليوم الجمعة، ولاية ملاطيا وسط تركيا.
وذكرت إدارة الكوارث والطوارئ التركية «آفاد» عبر موقعها الإلكتروني، أن الزلزال وقع الساعة 46:10 بالتوقيت المحل،بحسب وكالة الأناضول التركية للأنباء.
وأشارت إلى أن مركز الزلزال بمنطقة «دوغان شهير» في ملاطيا، ووقع على عمق 7 كيلومترات. بدوره، أكد والي ملاطيا، سدار ياوز، في حسابه على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، عدم تلقي أي بلاغات فورية عن خسائر بشرية أو مادية جراء الزلزال.
أخبار ذات صلة زلزال بقوة 4.9 درجة يضرب تركيا زلزال قوي يضرب إندونيسيا المصدر: د ب أ