شكل الزلزال العنيف الذي هز المغرب فجر الجمعة، دليلاً جديداً على عجز البشرية عن مواجهة كارثة الزلازل، أخطر الظواهر الطبيعية مع البراكين وأخطرها على الإطلاق، والتي يفشل العلماء في توقعها، أو التنبؤ بها لتفادي تداعياتها الكارثية، ولكن يبدو أن الذكاء الاصطناعي يمثل اليوم الأمل الوحيد لمواجهتها.

وبعد الزلزال المدمر، عاد دور العلماء والباحثين إلى الواجهة مع اتهامات بالتقصير ، وتشكيك في جدوى دراساتهم المسبقة أو اللاحقة للكارثة وأسبابها، ما يمنع الدول المتضررة من الإعداد والتحوط، واتخاذ التدابير التي تسمح بالحد من الخسائر البشرية والمادية الهائلة التي تخلفها الزلازل، والبراكين، والمد البحري العالي، تسونامي، وغيرها.


وفي هذا السياق نقلت مجلة لوبوان الفرنسية اليوم الإثنين، عن خبير فرنسي، أن العلماء والباحثين في مركز متخصص، يعملون على إدماج الذكاء الاصطناعي في دراساتهم لوضع نموذج علمي جديد للتنبيه من الزلازل بالاعتماد على الإشارات، والتحذيرات الجيولوجية والجيوفيزيائية التي تسبقها، والتي لم يكن ممكناً الاعتماد عليها في السابق قبل ظهور الجيل الجديد من برامج الذكاء الاصطناعي.
ونقلت لوبوان عن الباحث كانتان بليتري، المكلف بالدراسات في مختبر جيو آزور، بمعهد البحوث من أجل التنمية في فرنسا، أن الخبراء يعملون على وضع خوارزمية جديدة تقوم على الذكاء الاصطناعي، لالتقاط موجات الجاذبية، لتقدير خطر وحجم وتوقيت الزلزال التقريبي.
وحسب العالم الفرنسي، فإن مراكز الأبحاث الجيولوجية لدراسة الزلازل في العالم، تعمل أساساً بالاعتماد على نوع آخر من الموجات الصادرة من أعماق الأرض، المعروفة بموجات الذبذبات "بي" P، وهي موجات تقيس حجم الضغط داخل الأرض، وهي في العادة الموجات التي يمكن قياسها بشكل شائع بين مراكز الرصد والمتابعة، ولكن الموجات الأكثر تدميراً والأكثر خطراً، هي الموجات التي تُسبب تصدعات في عُمق الأرض، المعروفة بالموجات "إس"، S، ولكن مشكلة هذا الصنف من الموجات، أنها أبطأ من الموجات الأخرى، إذ لا تتجاوز سرعتها 3.5 كيلومترات في الثانية، ما يعني أنها تصل إلى مجسات مراكز الرصد متأخرة في العادة.
ومن جهة أخرى يُضيف الخبير، أن رصد الموجات بنوعيها، لا يعني توقع حجم الزلزال، أو مداه، أو وقته، أو مركزه.
وعليه عمل العلماء حسب هذا الباحث، على وضع طرق أخرى للتعامل مع الظاهرة، بالاعتماد على دراسات وضعت في الأساس للتحذير من موجات المد العالي، تسونامي، بقياس موجات أبطأ كثيراً، ولكنها أكثر دقة من الموجات إس، أو بي، هي الموجات دبل يو، W، التي اعتمدها علماء التسونامي منذ 2017.
ووفق العالم الفرنسي، تتميز هذه الموجات بدقتها في متابعة الزلازل البحرية التي تتسبب عادة في موجات المد العالي، إذ تخلف انهيارات لكتل صخرية هائلة فجأة، تتسبب في اضطراب نظام الجاذبية الأرضية، ولكنه اضطراب لا يكاد يُلمس أو يُقاس، وينتشر بسرعة الضوء عبر كامل الكرة الأرضية فوراً، وهي موجة يمكن أيضاً قياسها بأنظمة رصد الزلازل التقليدية، ولكنها لم تكن تدخل ضمن بروتوكولات متابعة الزلازل أو الإنذار منها، مثل الموجات الأخرى.
ولتجاوز هذا العائق، أوضح الباحث، أن الحل الأفضل هو الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، لرصد كل الإشارات الضعيفة التي يمكن أن تكون مفتاحاً للإنذار والتحذير، وأضاف قائلاً: "تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فعالة جداً في الرصد السريع لكل الإشارات الضعيفة، وكشفها من بين عدد هائل من الإشارات والموجات الأخرى، ولذلك يتركز العمل اليوم على وضع خوارزمية قادرة على اكتشاف، وتوقع حجم أي هزة أرضية، في كل ثانية، اعتماداً على الموجات P، وللتأكد من جدوى هذه التقنية، اعتمدنا على محاكاة عشرات آلاف الهزات العنيفة التي يمكن أن تضرب سواحل اليابان، فوق الصدع الياباني، وفي كل مرة احتسبنا وبنجاح طول الموجة P، التي يمكن أن تصل إلى كل أجهزة الرصد في المنطقة، ودربنا الذكاء الاصطناعي، على توقع حجم الهزة وموقعها بالضبط، بالاعتماد على المعطيات المسجلة أثناء زلزال فوكوشيما المدمر في اليابان في 2011".

وحسب الباحث، أمكن بفضل هذه الطريقة "معرفة حجم وقوة الزلزال بعد دقيقتين من الانهيار الأرضي، والحصول سريعاً على معطيات أكثر دقة عن حجم موجة المد البحري".
وأضاف الباحث، أن النتائج المشجعة في هذه التجارب، دفعت العلماء في المركز إلى توسيعها لتشمل الزلازل معتدلة القوة "وفي نسخته الحالية يعمل البرنامج على رصد الزلازل التي تفوق 8.3 درجات" ما يعزز الآمال في وضع نظام عالمي جديد لرصد الزلازل الكبرى، والتحذير منها، خاصةً في المناطق أو الدول التي تفتقر إلى المعدات والتجهيزات المتطورة لرصدها بدقة، أو لرصد المؤشرات الأولى التي تسبقها".

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني زلزال المغرب الذکاء الاصطناعی بالاعتماد على من الموجات التی یمکن

إقرأ أيضاً:

عندما يلتقي الذكاء الاصطناعي والعاطفي

 

 

 

د. سعيد الدرمكي

الذكاء الاصطناعي (AI) هو قدرة الأنظمة الحاسوبية على محاكاة الذكاء البشري، مثل التعلم واتخاذ القرار، ويُستخدم في مجالات عدة كالصحة، والصناعة، والتكنولوجيا، مما يعزز الكفاءة والإنتاجية. في المقابل، يشير الذكاء العاطفي (EI) إلى القدرة على فهم وإدارة العواطف، مما يسهم في تحسين التواصل، والقيادة، واتخاذ القرارات الفاعلة. ورغم اختلاف مجاليهما، فإن تكاملهما أصبح ضروريًا لتعزيز الفاعلية في مختلف المجالات.

كان يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي على أنهما كيانان منفصلان، إذ ارتبط الذكاء الاصطناعي بالقدرات الحسابية والمنطقية، حيث يركز على تحليل البيانات واتخاذ القرارات بناءً على الخوارزميات، دون أي بُعد عاطفي. في المقابل، اعتُبر الذكاء العاطفي مهارة بشرية بحتة، تتمحور حول إدارة المشاعر والتفاعل الاجتماعي، مما جعله وثيق الصلة بالقيادة والتواصل. الفرق الأساسي أن الذكاء الاصطناعي يُعامل كأداة تقنية، بينما يُنظر إلى الذكاء العاطفي كجزء من الذكاء البشري يصعب محاكاته بالتقنيات.

يُعد كل من الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي مكملًا للآخر، حيث يواجه كل منهما تحديات دون الآخر؛ فالذكاء الاصطناعي، دون الذكاء العاطفي، يعاني من ضعف في فهم المشاعر البشرية واتخاذ قرارات تتسم بالتعاطف، مما قد يؤثر على جودة التفاعل مع البشر. في المقابل، يواجه الذكاء العاطفي صعوبات في تحليل البيانات الضخمة، والتنبؤ بالاتجاهات، وتحسين الإنتاجية، واتخاذ القرارات المعقدة دون الاستعانة بقدرات الذكاء الاصطناعي. لذلك، أصبح التكامل بينهما ضروريًا لتعزيز الكفاءة البشرية والتقنية معًا.

ويمكن تحقيق هذا التكامل من خلال توظيف الذكاء الاصطناعي في تحليل المشاعر عبر النصوص، والصوت، وتعبيرات الوجه، مما يتيح فهمًا أعمق للتفاعل البشري. في المقابل، يسهم الذكاء العاطفي في تحسين الذكاء الاصطناعي من خلال تطوير برمجيات تجعله أكثر استجابة للمشاعر البشرية، مما يساعد في إنشاء واجهات مستخدم أكثر إنسانية وتفاعلية، تعزز تجربة المستخدم وتجعل التقنيات الذكية أكثر توافقًا مع الاحتياجات الاجتماعية.

ويسهم تكامل الذكاءين في تحسين العديد من المجالات. ففي قطاع الأعمال، يُستخدم الذكاء الاصطناعي العاطفي لتعزيز تجربة العملاء من خلال تحليل مشاعرهم والاستجابة لها بذكاء. وفي مجال الطب، تُوظَّف الروبوتات لدعم المرضى نفسيًا وعاطفيًا، مما يسهم في تحسين رفاهيتهم. أما في الموارد البشرية، فتعتمد الشركات على أدوات متطورة لتحليل رضا الموظفين وتعزيز تفاعلهم، مما يساعد في خلق بيئات عمل أكثر استجابة ومرونة.

ورغم الفوائد الكبيرة لهذا التكامل، فإنه يواجه تحديات تتعلق بالخصوصية والانحياز الخوارزمي وتأثيره على التفاعل البشري. فالذكاء الاصطناعي لا يمتلك وعيًا حقيقيًا، بل يعتمد على تحليل الأنماط والاستجابات المبرمجة، مما يجعله غير قادر على الإحساس الحقيقي. كما إن هناك مخاوف بشأن جمع البيانات الشخصية دون إذن، والانحياز في تحليل المشاعر، ومخاطر التلاعب النفسي بالمستخدمين. ويبقى التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين التكنولوجيا والعنصر البشري، بحيث لا يحل الذكاء الاصطناعي محل الذكاء العاطفي، بل يكمله لتعزيز الفاعلية دون المساس بجوهر التفاعل الإنساني.

أما فيما يتعلق بدور الأبحاث والتكنولوجيا في تحقيق التكامل، فيجب تطوير أنظمة قادرة على فهم المشاعر البشرية باستخدام تقنيات التعلم العميق وتحليل اللغة الطبيعية. كما ينبغي تعزيز الذكاء العاطفي الاصطناعي ليكون أداة داعمة للتجارب البشرية، بحيث يساعد في تحسين التفاعل والتواصل دون أن يحل محل المشاعر الإنسانية.

المستقبل يعتمد على التكامل بين الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي، مما يؤدي إلى ثورة في مجالات العمل والتعليم والتفاعل الاجتماعي، مع ضرورة وضع ضوابط أخلاقية تضمن التوازن البشري. يسهم هذا التكامل في تحسين بيئات العمل من خلال تحليل مشاعر الموظفين وتعزيز الإنتاجية، كما يتيح التعليم التكيفي الذي يستجيب لعواطف الدارسين، مما يعزز تجربة التعلم. وفيما يتعلق بالعلاقات البشرية، فإنه يدعم التواصل الفاعل، لكنه قد يؤدي إلى تراجع المهارات الاجتماعية إذا أُسيء استخدامه، مما يستدعي توجيه هذا التطور بما يحقق أقصى فائدة دون الإضرار بالجوانب الإنسانية.

من هنا، يمكن الاستنتاج أن التكامل بين الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي ضروري لتحقيق توازن فاعل بين الكفاءة التقنية والبعد الإنساني. فالذكاء الاصطناعي يُسهم في تعزيز الإنتاجية والدقة، بينما يضمن الذكاء العاطفي اتخاذ قرارات تتماشى مع القيم الإنسانية. وعلى الرغم من أن التكنولوجيا لا تستطيع محاكاة المشاعر البشرية بشكل كامل، إلا أنها قادرة على دعم الفهم العاطفي وتعزيز التفاعل البشري.

لذا.. فإنَّ تحقيق أقصى استفادة من هذا التكامل يتطلب توجيه التطور التكنولوجي نحو تعزيز القيم الإنسانية، وضمان الاستخدام الأخلاقي للابتكارات التقنية، بما يسهم في رفاهية المجتمعات واستدامة التطور ودعم مستقبل أكثر ذكاءً وإنسانيةً.

مقالات مشابهة

  • زلزال بقوة 4 درجات يضرب خليج العقبة
  • ذبح الخنازير.. كيف يحوّل الذكاء الاصطناعي الاحتيال المالي إلى كارثة عالمية؟
  • بقوة 4.7 درجة.. زلزال يضرب ولاية غيريرو جنوب المكسيك
  • الذكاء الاصطناعي تكلفة عالية على البيئة
  • مفتي الجمهورية: الإفتاء عملية بشرية بامتياز لا يمكن إدراك الذكاء الاصطناعي لها
  • الخبرات النادرة والمعادلة الجديدة في الذكاء الاصطناعي
  • عندما يلتقي الذكاء الاصطناعي والعاطفي
  • الخوارزمية الأولى: أساطير الذكاء الاصطناعي
  • دون وقوع خسائر.. زلزال بقوة 5 درجات يضرب جنوبي الفلبين
  • حَوكمة الذكاء الاصطناعي: بين الابتكار والمسؤولية