مؤتمر حركة النهضة ومسارب الذئاب
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
ما زالت حركة النهضة وستظل إلى أمد غير قصير تمثل مدار السياسة في تونس، سواء كانت في المعارضة أو في الحكم وسواء كانت تنعم بالحرية أو تتعرض للمحاكمات والتضييق.
وعلى خلاف مؤتمرات كل الأحزاب التونسية، فإن مؤتمرات حركة النهضة منذ 2011 ظلت تمثل حدثا مهما يحظى بمتابعة وطنية وإقليمية ودولية، نظرا لحداثة اقتحام "الإسلام السياسي" تجربة الحكم ومشاركته في بناء المسار الديمقراطي، ونظرا أيضا لرمزية الأستاذ راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، فهو الشخصية الأبرز في العالم الإسلامي باعتباره شخصية فكرية وسياسية لها إشعاعها إقليميا وعالميا.
مؤتمر حركة النهضة الحادي عشر الذي تأجل مرات عديدة منذ أربعة أعوام، كان محل تجاذب داخلي وتدخل خارجي نتجت عنهما تصدعات واختراقات داخل الحركة عانت وما زالت تعاني تداعياتها، بل ستظل تك التداعيات تفعل فعلها إلى أجل غير معلوم خاصة في ظل المشهد السياسي الحالي.
بعد سجن زعيم الحركة راشد الغنوشي ونائبيه علي لعريض ونور الدين البحيري، أصبح الحديث عن المؤتمر في اتجاهين، ولكل منهما مبرراته.
1- مبررات دعاة الإنجاز
المؤتمر تأخر أكثر مما يجب ولا بد من إنجازه، وتجديد القيادات ضروري، وإحداث "التشبيب" سُنّة في حياة الظواهر كلها، ومراجعة الخطاب والمضامين شرط من شروط التعافي والتقدم
ما يبرر به دعاة الإنجاز دعوتهم، ليس فيه -نظريا- ما يعاب، فالمؤتمر تأخر أكثر مما يجب ولا بد من إنجازه، وتجديد القيادات ضروري، وإحداث "التشبيب" سُنّة في حياة الظواهر كلها، ومراجعة الخطاب والمضامين شرط من شروط التعافي والتقدم.
مبرر آخر لا يقل وجاهة عما سبق، وهو أن إنجاز المؤتمر سيخرج الحركة من حالة الانتظارية ليجعلها في حالة فعل ويلقي بها في زحمة الواقع بقيادة ميدانية ذات "شرعية كاملة".
هذه المبررات مبدئية وضرورية وحاجية وليست ترفا ولا عبثا، ومن يدعون إلى إنجاز المؤتمر هم أبناء الحركة وهم مناضلوها وليس لأحد حق مناقشة النوايا التي هي في علم الغيب، ومناقشة النوايا في عالم السياسة لا تخلف دائما إلا توترا في العلاقات بل وحتى تبادلا لـ"الأذى".
2- مبررات دعاة التأجيل
الذهاب الجماعي إلى أي هدف يقتضي وجود قدر عال من الانسجام في الرؤى والأهداف، أيضا قدر محترم من الهدوء النفسي والصفاء الذهني، وقبل ذلك، يحتاج مناخا عاما مساعدا على الذهاب الآمن نحو ذاك الهدف الواضح.
ما يقوله معارضو إنجاز المؤتمر الآن هو قول في المعوّقات وليس قولا في الهدف، فهم يرون الطقس السياسي والأمني عاصفا لا يسمح بتحرك آمن نحو هدف كبير يحتاج مشاركة مختلف مناضلي الحركة من المحليات إلى الجهات إلى الزعامات التاريخية، كما يحتاج نقاشات مكثفة وعميقة ومباشرة وليس عن بعد، ولا أيضا من خلال تواصل مشفّر مع قيادات تاريخية سجينة، قد يحصل "تشويش" في نقل مواقفها الحقيقية من الإنجاز أو عدمه.
ما يقوله معارضو إنجاز المؤتمر الآن هو قول في المعوّقات وليس قولا في الهدف، فهم يرون الطقس السياسي والأمني عاصفا لا يسمح بتحرك آمن نحو هدف كبير يحتاج مشاركة مختلف مناضلي الحركة من المحليات إلى الجهات إلى الزعامات التاريخية، كما يحتاج نقاشات مكثفة وعميقة ومباشرة وليس عن بعد
3- السياسي والأخلاقي
ثمة قراءة أخلاقية للمسألة عبّر عنها متابعون، مفادها عدم لياقة إنجاز حدث تاريخي في أجواء "المحنة" حيث يتعرض قادة تاريخيون إلى التنكيل، وحيث ترزح البلاد تحت وطأة انقلاب عطل رحلة التدرب على الديمقراطية داخل البلاد وزاد من الصعوبات الاقتصادية ومن تنامي الاحتقان الاجتماعي بسبب نقص المواد الاستهلاكية الأساسية وبسبب التضييق على الحريات.
أصحاب هذا الرأي يعتبرون إنجاز المؤتمر هو عملية تخلّ عن عدد من الزعماء التاريخيين للحركة لكونهم مسجونين، ولا يمكن تثبيت استمرارية الغنوشي دون مراجعة الفصل 31 من القانون الداخلي للحركة، وهم يرون الأولوية القصوى هي للعمل على إيقاف المسار الانقلابي وتوفير شروط استئناف المسار الديمقراطي، عندها تتوفر شروط معالجة الخلافات الداخلية وإنجاز الاستحقاقات المتأخرة.
كان ثمة تخوف لدى دعاة التأجيل، من أن تفتح "الصراعات" الداخلية فجوة للسلطة القائمة كي تتسرب إلى جسم حركة منهكة لمزيد من إنهاكها وتعميق خلافاتها وتأجيج "صراعاتها" بهدف "السيطرة" على "غرفة العمليات" لممارسة "التوجيه" الخفي، أيضا -وهو الأخطر- لإزاحة الأسماء التي يمثل حضورها قوة إسناد لمعارضة الانقلاب وخيط وصل في جبهة الخلاص الوطني التي يتزعمها الأستاذ أحمد نجيب الشابي، وهي الحاضنة المأمولة لتشكل وحدة وطنية تكون بديلا مقنعا تسهل معه "إجراءات" متوقعة لفرملة قطار 25 تموز/ يوليو 2021.
4- منذر الونيسي: الوداعة المهلكة
من يعرفون منذر الونيسي، يلحظون أنه شخصية اجتماعية على درجة عالية من اللطف والإنسانية والهدوء، لا يبخل بنصيحة أو خدمة ولا يُبدي كراهية أو حقدا أو تكبرا، وهو مسكون بالشأن الوطني ولا يُخفي تخوفه مما قد تؤول إليه الأوضاع بسبب انفلات المشهد السياسي.
حين تم تكليفه برئاسة الحركة بالنيابة أشفق كثيرون ممن يعرفونه عليه، ورأوا الأمر أكبر مما يقدر عليه الرجل، لا لنقص كفاءة، فهو أستاذ جامعي في الطب وطبيب جراح، وإنما لثِقل الأمانة وتعقّد الأوضاع ووداعة الرجل في غابة موحشة.
أغلب تدويناته على صفحته الافتراضية كانت ترسم خط توجه عام (لا يُعرَف إن كان توجهه هو كفرد أو إن كان هو يمثل خطا داخل حركة النهضة)، لقد وجد من يدعمه في تلك التدوينات بما يخدم فكرة "الحوار مع كل التونسيين" كما نادى بذلك مرارا. علاقاته المتنوعة والممتدة هي من طبيعة شخصيته المنفتحة والمرنة، فهو ليس شخصية حديّة ولا يقول باستحالة التواصل مع أي شخصية على قاعدة المشتركات الكبرى.
لم يُفاجئ "التسريبُ" من يفهمون طبيعة "اللعبة" السياسية، فعالم الناس هو عالم الأخطاء والخطايا، وأن عالم السياسة هو عالم "الأفاعي" و"الذئاب"، ولئن كانت الذئاب تخوض عراكها على سطح الأرض ليلا أو نهارا، فإن الأفاعي تمارس اللدغ في الخفاء، وهذا ما يجعل عالم السياسة عالما للحذر والتوجس وليس عالما للودّ والصداقات والرفاقية والإخوانية.
هل أساء التسريب للدكتور منذر الونيسي أم خدمه؟ هل أساء للحركة أم خدمها؟ هل استفادت السلطة القائمة من الحادثة؟ هل للسلطة يد في ما حدث؟
في عالم السياسة يمكن أن يخرج صاحب الخطيئة بطلا، ويمكن أن يخرج صاحب الخطأ خائنا، وهذا بحسب لعبة التوازنات والتحالفات وأذرع الضّرب أو الذّبّ. البيئة الثقافية والأخلاقية محددة أيضا لمآلات الملفات الصغرى أو الكبرى.
التناول الإعلامي للمسألة وكذلك التعاطي الأمني والقضائي مع محتوى التسريب؛ كلها عوامل أساسية في تكييف نتائج "الملف" على الشهد السياسي عموما وعلى حركة النهضة خصوصا.
هل أساء التسريب للدكتور منذر الونيسي أم خدمه؟ هل أساء للحركة أم خدمها؟ هل استفادت السلطة القائمة من الحادثة؟ هل للسلطة يد في ما حدث؟ الأجوبة لن تكون إلا في الواقع وهي في علاقة بحكمة كل المتعاطين مع "الملف".
twitter.com/bahriarfaoui1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تونس مؤتمرات الغنوشي الونيسي تونس مؤتمر الغنوشي الونيسي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة صحة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة منذر الونیسی حرکة النهضة
إقرأ أيضاً:
مؤتمر علمي بجامعة حلوان يناقش الجوانب القانونية لاستخدام الروبوت الذكي في المؤسسات الحكومية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
نظمت كلية الحقوق بجامعة حلوان المؤتمر الطلابي مؤتمر علمي بجامعة حلوان يناقش الجوانب القانونية لاستخدام الروبوت الذكي في المؤسسات الحكومية بعنوان "الجوانب القانونية لاستخدام الروبوت الذكي في المؤسسات الحكومية"، بمشاركة واسعة من طلاب الجامعات المصرية وأعضاء هيئة التدريس والمتخصصين.
جاء المؤتمر تحت رعاية الدكتور السيد قنديل، رئيس جامعة حلوان، الدكتور أمل لطفي، عميد كلية الحقوق، وإشراف الدكتور أسامة حمزة، وكيل الكلية لشؤون البيئة وخدمة المجتمع، الدكتور احمد عبد اللاه وكيل الكلية لشئون التعليم والطلاب،ليكون منصة علمية تجمع بين القانون والتكنولوجيا، وتهدف إلى تسليط الضوء على التحديات القانونية المصاحبة لاستخدام الروبوتات الذكية في المؤسسات الحكومية، مع تقديم حلول وآليات تضمن الاستخدام الأمثل لهذه التقنيات.
شهدت فعاليات المؤتمر حضورًا كبيرًا من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، إلى جانب مشاركة الدكتور أسامة إمام، عميد كلية الحاسبات والمعلومات، الذي أكد في كلمته على أهمية التعاون بين التخصصات المختلفة لمواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة، مشيرًا إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح عنصرًا أساسيًا في بيئات العمل الحديثة، مما يستدعي وجود تنظيم قانوني دقيق لضمان تكامله مع القوانين الحالية.
تخلل المؤتمر عدد من الفعاليات المتميزة، حيث افتتح بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم قدم طلاب كلية الحقوق فقرات فنية متنوعة، تضمنت عروضًا غنائية وشعرية قدمها فريق كورال المسرح، مما أضفى أجواءً ثقافية وفنية مميزة على الحدث.
في الجانب العلمي، تم مناقشة الأبحاث المقدمة من الطلاب، والتي بلغ عددها 21 بحثًا علميًا، تناولت مختلف الجوانب القانونية المتعلقة باستخدام الروبوتات الذكية في المؤسسات الحكومية. وبعد تقييم الأبحاث، تم اختيار أفضل خمسة أبحاث للفوز بجوائز المؤتمر، حيث أشادت اللجنة بجودة الطرح العلمي ومستوى الأبحاث المقدمة.
أكد الدكتور السيد قنديل، رئيس جامعة حلوان، أن الجامعة تدعم البحث العلمي الذي يواكب المتغيرات التكنولوجية، مشيرًا إلى أن الذكاء الاصطناعي يمثل تحديًا قانونيًا يستدعي دراسة مستفيضة لضمان تحقيق أقصى استفادة منه دون الإخلال بالإطار التشريعي القائم.
أعربت الدكتورة أمل لطفي، عميد كلية الحقوق، عن فخرها بالمستوى المتميز للأبحاث المشاركة في المؤتمر، مؤكدة أن الكلية تسعى دائمًا إلى تنمية الوعي القانوني لدى الطلاب، وتعزيز قدرتهم على تحليل القضايا القانونية المرتبطة بالتطورات الحديثة، ومنها تنظيم استخدام الروبوتات الذكية في المؤسسات الحكومية.