أمزميزـ في ظلام تام بعد انقطاع الكهرباء إثر الزلزال المدمر، يسمع صوت أنين امرأة وصراخ رضيع تحت الأنقاض، يتسارع نبض قلب المواطن عبد الرحيم أوحدوش، وبمساعدة بعض أقاربه بنبش بيديه العاريتين في اتجاه منبع الصوتين، فهما أمله الوحيد في إنقاذ ما تبقى من أسرته.

يعلو صوت الأنين مرة وينخفض أخرى، وعندما انقطع صراخ الطفل في لحظة ما، أحس أوحدوش بالدم يتجمد في عروقه وألم كبير يسيطر على منطقة الرأس والرقبة، فيما هو يجاهد نفسه ويواصل الحفر والنبش.

بعد دقائق من النبش وإزالة الحجارة الصغيرة منها والكبيرة، ظهرت خديجة زوجة أخيه لكنها جثة هامدة، فيما توارى ابنها الرضيع بلال (13 يوما) عن نظره لوهلة كأن سحابة كثيفة غشيت عينيه.

عند اقترابه من المرأة التي كانت في وضعية احتضان لشيء ما، حتى رأى الولد بين ذراعيها، اختلطت مشاعره، كما يحكي للجزيرة نت، ولم يدر هل يحزن لفراق زوجة أخيه وأيضا أمه عائشة، أم يفرح لنجاه ابنها البكر، لم يعد يتحمل، فسقط مغشيا عليه.

كان ذلك مشهدا مرعبا ومحزنا عاشه أوحدوش بقريته "تفكاغت الجبلية"  القريبة من منطفة أمزميز في مراكش.

محمد إكودال (يمين) طالب بحماية الرضيع وأسرته وتقديم المساعدة لهما (الجزيرة) الجدة تحكي

بدورها تحكي أم خديجة (جدة بلال) بلهجة أمازيغية خالصة عن تلك اللحظات التي عاشتها، وهي تغالب دموعها "ماذا عساني أن أقول، فقدت ابنتيّ وحفيدتي وأم صهري في الزلزال المدمر، وبالأمس كنا أسرة واحدة، واليوم أصبحنا منقوصي العدد والعدة".

وتقول للجزيرة نت "كنا على مائدة العشاء، لما سمعنا دويا عظيما، حرك كل جنبات المنزل، كانت الأم النفساء ممدة على السرير ترضع صغيرها، فباغتها سقوط سارية على رأسها، قبل أن يتتابع سقوط الحجارة والتراب حتى غطاها، لم أتمالك نفسي وبدأت بالصراخ وأنا أنظر لهذا المشهد المرعب الذي حجبه بعد ثوان انقطاع الكهرباء".

وتضيف "جاء ابني وعم حفيدي بعدما سمعا صراخي، وأخرجاني ثم بدآ في الحفر للبحث عن المفقودين، حيث وجدت الأم ميتة، والطفل يتصبب عرقا لا يتكلم".

وتابعت وهي تطبع قبلة حنان على جبين حفيدها "الحمد لله على كل حال، الدنيا فانية، وهذا الولد الذي نجا وكتب له عمر جديد، هو عزائي الوحيد فيما فقدت من أبناء وحفدة".

من تحت الأنقاض والركام وجدت العائلة المنكوبة الرضيع بلال بين أحضان أمه وكانت قد فارقت الحياة (الجزيرة) مغالبة الدموع

غير الجدة والعم، لم يستطع باقي أفراد الأسرة الحديث، فالأثر البالغ بفقدان الأهل بدا واضحا على الجميع.

لكن السيد محمد إكودال (زوج أخت الأم) قال وهو يتمالك مدافعا دموعه إنه لم يستوعب ما حدث، إذ فقد زوجته واثنين من أولاده، لم يستطع رؤية جثثهم قبل الدفن.

وعن الرضيع بلال، قال محمد في حديث متقطع للجزيرة نت "تلك إرادة الله الذي حماه من الموت تحت الأنقاض، لكن من واجب الجميع أن يحميه وأسرته، ويقدم لهم المساعدة ما بعد النجاة من الموت، لأن كل يوم يمر هو صعب على الجميع".

الجدة لا تفارق حفيدها وما زالت تنتظر تدخل السلطات لتوفير الدعم (الجزيرة) أمومة

لا أحد من الأسرة استطاع أن يفسر ما حدث، لكنهم أجمعوا أن حب الأم لابنها دفعها لفعل ذلك، وأن قدرة الله سبحانه وتعالى تدخلت في هذا الأمر الذي هو بمثابة معجزة بالنسبة لهم.

في هذا السياق، يقول خبير الطب النفسي الدكتور أحمد الكرعاني إن "غريزة البقاء متجذرة في وعي الإنسان وفي شعوره، ولا يمكن أن نفسر سلوك الأم إلا بعاطفة الأمومة التي تملكتها في حالة ضعف، ففكرت أن تحمي رضيعها ليبقى حيا يحمل اسمها ويتابع نسلها".

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف الكرعاني "في حالات الشدة، لا يفكر المرء بعقله، وإنما بعاطفته، ولو فعل ذلك لتصرف ربما بشكل آخر يميل فيه إلى حماية نفسه أولا".

وأكد أن الدعم النفسي للرضيع ضروري في هذه الحالات، وربما يكون احتضانه من قبل جدته وبقائه في حضنها طيلة الوقت شفاء لما عاشه من لحظات صعبة لم يدركها عقليا، لكنه تأثر بها وجدانيا.

لا تفارق الجدة حفيدها طيلة النهار وطول الليل، تبيت في العراء وتقتات بما يجود به المحسنون، ومازالت تنظر تدخل السلطات المعنية من أجل توفير الغذاء والغطاء في ليال خريفية جبلية تزداد برودة يوما بعد يوم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

محمد غورماز: الكعبة خط أحمر وليست منسوبة لأي عائلة أو دولة.. وفجعنا ما يحدث في موسم الرياض

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- أصدر محمد غورماز، الرئيس السابق لرئاسة الشؤون الدينية التركية، بيانًا، حول ما وصفها بـ"الإساءة" للرموز والشعائر الإسلامية في أرض الحرمين الشريفين، وذلك وسط الجدل المثار حول بعض فعاليات "موسم الرياض" بالمملكة العربية السعودية.

وقال غورماز: "هالنا وأفزعنا وفجعنا ما حصل ويحصل في موسم الرياض لهذا العام من تعدٍ على حرمات الله وحدوده، واستخدام مجسم لأقدس مقدساتنا الكعبة الشريفة مسرحاً للممثلين وديكورًا تطوف حوله الراقصات والعارضات العاريات، في مشهد لو حصل في أي من بلاد العالم لقام العالم الإسلامي قومة رجل واحد ليمنع حصولها، فكيف بها تحصل في ديار الحرمين، وفي أرض عاش فيها النبي الكريم والصحابة الأبرار؟!".

وأضاف: "الكعبة هي بيت الله وليست منسوبة لأي عائلة أو دولة أو عشيرة أو جماعة، والدفاع عنها وحفظ حرمتها واجب على كل مسلم ومسلمة، ويزداد الواجب في حق العلماء فهم ورثة الأنبياء، ومن المحزن والمفجع أن نرى العلماء في بلاد الحرمين صامتين عن هذا التعدي الصارخ على الحرمات".

مقالات مشابهة

  • من هو الصحابي الذي جبر الله خاطره من فوق سبع سماوات؟.. تعرف عليه
  • فردوس عبد الحميد تروي تفاصيل موقف إنساني جمعها بـ سعاد حسني
  • لبنان يرفع علمه على جراحه.. ويبحث عن نفسه بين أنقاض الحلم
  • نجم الجزيرة يدعم مبادرة مساند عائلة لاعب كفر الشيخ
  • بلال صبري يعلن موعد عرض "أوراق التاروت"
  • مصر.. لفتة إنسانية من النني تجاه عائلة اللاعب الراحل محمد شوقي
  • طفلة تسائل الحكومة عن تسول الأطفال الذي يمس بسمعة المغرب قبل تنظيم المونديال
  • محمد غورماز: الكعبة خط أحمر وليست منسوبة لأي عائلة أو دولة.. وفجعنا ما يحدث في موسم الرياض
  • «بلال»: ربيعة مدافع مُجتهد وإضافة للمنتخب.. ولديّ تحفظات على مشاركة عمر كمال
  • بلال: لدي تحفظات على مشاركة عمر كمال كظهير أيمن