سودانايل:
2025-01-27@19:35:57 GMT

السير هارولد ماكمايكل (1882-1969): العبقري الشرير

تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT

(1)
أشتهر السير هارولد ماكمايكل في بوادي السودان بـ "مكميك، وهذا التحريف مرتبط بحادثة صدامية وقعت بينه وبين ناظر الكواهلة الشيخ عبد الله علي جاد الله، الذي كسر قلم السير ماكمايكل، عندما حاول هذا الأخير أن يمهر حكماً إدارياً يقضي بملكية عِدّ كجمر الواقع في شمال كردفان لصالح الكبابيش، وبذلك أضحى الناظر ود جاد الله يُعرف بـ "كسّار قلم مكميك"، كناية عن شجاعته وجُرأته السياسية.

وقد أتخذ الدكتور عبد الله علي إبراهيم هذا الحادث عنواناً رئيساً لسلسلة مقالات كتبها عن "هُوية الجعليين الكبرى"، أنتقد فيها أدبيات الموروث الإثنوغرافي الاستعماري-التبشيري، الذي أصَّل له ماكمايكل في كتابه عن "تاريخ العرب في السودان"، وأعطاه القس الأنجليكاني أسبنر ترمنقهام بُعداً دينياً في سفره المشهور بـ "الإسلام في السودان"، وبموجب ذلك وُصف إسلام أهل السودان بأنه "تأسلم"، وعروبة عربه بأنها "استعراب"، وبتلاقح هذين "الحظين المبخوسين" ولد مصطلح "الإسلاموعربية". ولا أود الخوض في غمار هذا المصطلح ومنعطفاته الفكرية، ولا في موقف الرأي والرأي الآخر منه، بل أود أن أعرض جوانب مهمة من شخصية السير هارولد ماكمايكل حسب اللوحة التي نُسجت لها في مخيلة العقلية السودانية، ومذكرات الإداريين البريطانيين، التي وصفته تارة بـ"الرجل الأبيض العظيم"، وتارة أخرى بـ "العبقري الشرير"، وبين هذه النعوت المتقابلة دلالات رمزية مرتبطة بتاريخ الرجل الإداري في السودان، وبعطائه المنبسط في بناء دولة الحكم الثنائي، وتوابعها من مؤسسات الإدارة الأهلية، التي بخس بعض الباحثين كفايتها الإدارية دون تدقيق وتمحيص، وطعنوا في ولائها الوطني، وعيَّرُوها بأنها صنيعة استعمارية.

(2)
تكمن عظمة هذا "الرجل الأبيض العظيم" في خلفيته الأسرية، وإعداده الأكاديمي في كلية ماجدولين بجامعة كمبردج ذائعة الصيت، وسِجل تأهيله الإداري المتفرد كسباً وعطاءً في السودان، وتنجانيقا (تنـزانيا)، وفلسطين، والملايو، ومالطة. ولد السير هارولد ماكمايكل في أكتوبر 1882م، في أسرة بريطانية عريقة الأصل، ومشهود لها بالكفاية السياسية، ونذكر من أعلامها البارزين خاله اللورد كيرزون، الذي تقلد مناصب عليا في الحكومات البريطانية المتعاقبة في الفترة بين 1885م و1924م، وشملت هذه المناصب السكرتارية الخاصة للورد سالزبري رئيس وزراء بريطانيا آنذاك، ووكالة وزارة شؤون الهند، ووزارة الخارجية البريطانية، وحكمدارية الهند العامة. فلا عجب أن هذا الواقع الأسري المتجذر في عمق العهد الفيكتوري قد مكَّن ماكمايكل من الدراسة في كلية ماجدولين، حيث حصل على درجة الشرف الأولى في التاريخ، ثم أصبح زميل شرف في جامعة كمبردج. وبعد تخرجه من كمبردج بدأ حياته العملية في خدمة السودان السياسية عام 1905م، حيث ترقى في مراتب العمل الإداري إلى أن شغل منصب السكرتير الإداري لحكومة السودان (1926-1934م)، وتنقل بين مديريات السودان المختلفة، حيث عمل في كردفان، ودارفور، والبحر الأحمر، والنيل الأزرق، وأخيراً استقر به المقام في الحاضرة الخرطوم. وبعد أن تقاعد عن خدمة حكومة السودان عام 1934م، عين حاكماً عاماً لتنجانيقا، ثم مندوباً سامياً لفلسطين والأردن، ثم مندوباً خاصاً للحكومة البريطانية في إقليم الملايو، وأخيراً أختتم هذا السجل الإداري الحافل بمفوضية الشؤون الدستورية في مالطة عام 1946م، وبعدها آثر الجلوس على كرسي الحياة المعاشية الآثر، إلى أن توفي عام 1969م.

(3)
وفوق هذا كله اهتماماته الأدبية بتاريخ السودان وتراثه الثقافي، حيث ألف جملة من الكتب المهمة، ونذكر منها: "قبائل شمال ووسط كردفان" (1912م)، و"وسوم الجمال التي تستعملها القبائل الكبرى في كردفان" (1913م)، و"تاريخ العرب في السودان" (1922م)، و"السودان الإنجليزي-المصري" (1934م)، و"السودان" (1945م). ويُعدُّ "تاريخ العرب في السودان" من أكثر كتب المترجم له التي وجدت رواجاً في السودان، لأن مُجلَّده الأول قام على فرضيَّة مفادها أن عرب شمال السودان خليط من العرب والنوبة، والثاني حوى جملة من مخطوطات النسَّابة السودانيين التي تعارض مفردات الفرضيَّة التي ذهب المؤلف نفسه إليها. ونلحظ أن هذه الفرضيَّة قد تبناها بعض الباحثين السودانيين أمثال: البروفسير يوسف فضل حسن، والبروفسير سيد حامد حريز، والدكتور حيدر إبراهيم؛ بيد أن الدكتور عبد الله علي إبراهيم قد شكَّك في صدقيتها، ووصفها بأنها فرضيَّة باخسة لنسب المجموعة الجعلية الكبرى، لأنها تقدح في شرعية أصلها العربي وانتمائها القرشي. إلا أن هذا الموقف الرافض لفرضيَّة السير هارولد ماكمايكل قد صُنِّف في دائرة خطاب الهُوية الأيديولوجي، ولم يحظ بتأييد نفر من دعاة الغابة والصحراء، ومن بينهم الأستاذ كمال الجزولي، الذي يتفق مع ما ذهب إليه ماكمايكل والذين تواضعوا على فرضيَّته في "حقيقة الهجنة العربية النوبية" في شمال السودان، التي يصفها بأنها حقيقة "ماثلة للعيان بقوة لا تحتمل المغالطة".

(4)
أما الجانب الآخر من شخصية السير هارولد ماكمايكل فيرتبط ببعض السياسات الإدارية التي صاغها أو اشترك في صياغتها عندما كان نافذاً في خدمة حكومة السودان، فلا عجب أن هذه السياسات كانت موطن قدْحٍ بالنسبة لبعض الإداريين البريطانيين والموظفين السودانيين، الذين نعتوه بـ "العبقري الشرير". وتأتي في مقدمة هذه السياسات مذكرته الشهيرة لعام 1930م، التي برر فيها قرار حكومة السودان القاضي بإنشاء مناطق مقفولة في الجنوب، "يكون قوام النظام فيها مرتكزاً على العادات المحلية، والتقاليد، والمعتقدات، بقدر ما تسمح به ظروف العدالة المحلية والحكم الصالح". وكانت هذه السياسة الانفصالية بلا شك واحدة من أمات الكبائر، التي عمَّقت جذور الفرقة وفقدان الثقة بين جنوب السودان وشماله. والخطيئة الثانية الكبرى، حسب وجهة نظر معارضيه، تتجسد في مناصرته الثابتة لسياسة الحكم غير المباشر (الإدارة الأهلية)، وتنفيذها على صعيد الواقع، فلا جدال في أن هذه السياسة كانت تهدف في المقام الأول إلى خلق ترياق معادٍ أو غدة واقية ضد "جرثومة الوطنية"، التي بدأت تنتشر في أوساط الطبقة المتعلمة من السودانيين. وقد مهد لتنفيذ هذه السياسة، بتآمره الحاذق والمدروس ضد السير جفري آشر، حاكم عام السودان (1926م)، الذي تم رفعه واستبداله بالسير جون مافي (1926-1934م)، وبذلك تحققت طموحات السير هارولد ماكمايكل وتطلعات تجاه تأسيس إدارة أهلية فاعلة، سُداها زعماء العشائر، وقوامها قلة الكُلفة المالية، وغايتها تحجيم نفوذ القيادات الوطنية المتعلمة من بث "سمومها الوطنية" في ربوع السودان الإنجليزي-المصري، لأن تلك القيادات الوطنية كانت تحمل قيماً معارضة لأجندة حكومة السودان وأتباعها في القيادات التقليدية.

ahmedabushouk62@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: حکومة السودان فی السودان

إقرأ أيضاً:

أمانة عمان تنفي شائعات إعفاء مخالفات السير بمناسبة الإسراء والمعراج

#سواليف

#نفت #أمانة_عمان الكبرى، اليوم الاثنين، صحة الأنباء المتداولة بشأن إصدار إعفاء عن مخالفات السير بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج.

وأكد الناطق الإعلامي باسم الأمانة، الدكتور ناصر الرحامنة، في تصريح صحفي، أن ما يتم تداوله حول هذا الإعفاء مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة، داعياً المواطنين إلى عدم الانسياق وراء الأخبار غير الدقيقة والاعتماد على المصادر الرسمية للحصول على المعلومات الموثوقة.

مقالات ذات صلة حماس ستسلم الاحتلال 8 جثامين مع الأسرى المفرج عنهم 2025/01/27

وأشار الرحامنة إلى أن بعض المواطنين تداولوا بياناً مزوراً منسوباً للأمانة، يزعم صدور عفو عن مخالفات السير المرتكبة حتى تاريخ 25 يناير 2025، وهو أمر غير صحيح تماماً.

وشددت الأمانة على أهمية تحري الدقة وعدم تداول مثل هذه المعلومات المغلوطة التي قد تضلل الجمهور، مؤكدةً التزامها بنشر أي قرارات رسمية عبر قنواتها الإعلامية المعتمدة.

تعطل مؤقت لنظام مخالفات السير

أكد أمين عمّان، الدكتور يوسف الشواربة، أن نظام مخالفات السير في أمانة عمّان الكبرى عاد إلى العمل بعد تعطل مؤقت صباح اليوم الاثنين.

وكان عدد من المواطنين قد اشتكوا من تعطل النظام، ما أدى إلى تعطيل معاملات ترخيص مركباتهم في دوائر ترخيص السائقين والمركبات.

وأفاد المواطنون بأنهم انتظروا منذ ساعات الصباح في مكاتب الترخيص لإنجاز معاملاتهم، إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك بسبب تعطل نظام دفع المخالفات، مشيرين إلى أن استكمال إجراءات الترخيص يتطلب سداد قيمة المخالفات المستحقة أولاً.

وطالب المواطنون الجهات المعنية بحل المشكلة في أسرع وقت ممكن أو النظر في إمكانية تأجيل دفع المخالفات لحين استكمال إجراءات الترخيص.

من جهتها، أكدت أمانة عمّان الكبرى أن الخلل الفني تم تجاوزه، وأن النظام يعمل الآن بكامل كفاءته، داعية المواطنين إلى متابعة معاملاتهم كالمعتاد.

مقالات مشابهة

  • أمانة عمان تنفي شائعات إعفاء مخالفات السير بمناسبة الإسراء والمعراج
  • انهيار الطريق يوقف حركة السير بين الحسيمة والجبهة (صور)
  • التصريح بدفن جثامين ضحايا حادث السير بالواحات
  • عاجل- القضاء الإداري يلغي قرار إضافة مادتي اللغة العربية والتاريخ
  • رئيس جامعة المنوفية: عقد اللقاءات الدورية بالجهاز الإداري لمناقشة المشاكل وحلها
  • وزير التعليم: شيرين حمدي مستشارا للمعاهد القومية.. ومدحت هلال للتطوير الإداري
  • الإداري يلغي قرار إضافة مادتي العربي والتاريخ للمجموع الكلي للشهادات الأمريكية والبريطانية
  • فرع المرور بالسويداء يعود للعمل ‏لتنظيم حركة  السير في المدينة
  • يوم صفينا الجامعة الإسلامية في 1969: هل الحداثة شفاء أم تشفي؟
  • تجمع قوى تحرير السودان: الإنتصارات التي تحققت تؤكد عزيمة القوات المسلحة والقوات المشتركة والمقاومة الشعبية