نابلس- يبدو أن "اتفاق المبادئ" (أوسلو) ظل على مبادئه حتى الآن، لكن فلسطينيا فقط، إذ لا شيء يلوح في الأفق بعد ثلث قرن من الاتفاق يلبي آمال الفلسطينيين. أما إسرائيليا فلا ثابت بقي على حاله وفرضت الوقائع على الأرض، ولم تشر المعطيات إلا لتنام كبير في سيطرة دولة الاحتلال على حساب جغرافيا الفلسطينيين وديموغرافيتهم أيضا.

ويوم 13 سبتمبر/أيلول 1993 حين ذهب الفلسطينيون والإسرائيليون لاتفاق أوسلو، كانت الأنظار تصب نحو إنهاء شامل للصراع بينهم (وفق قرارات مجلس الأمن رقمي 242 و338) بما يضمن حقوقهم المشروعة. وأفضى الاتفاق لحل مرحلي انتقالي مدته 5 سنوات تقوم على أساسه سلطة حكم ذاتي تنتهي لدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران، في اعتقاد الفلسطينيين.

وعلى الأرض واصلت إسرائيل فرض متغيراتها عبر الاستيطان، وعزل وتقسيم الضفة، وتهويد القدس والتقسيم الزماني للأقصى، والتي تعامل معها الفلسطيني كسياسة أمر واقع حالت دون دولته المرجوة.

وتمادت إسرائيل، فلم تعد ترفض حلا للدولتين بل أغلقت الباب على "دولة ثنائية القومية" كما رآها ساسة فلسطينيون وجعلوها طرحا في ظل تنكر إسرائيلي لكل شيء.

تنكّر حقوق الفلسطينيين

يقول واصل أبو يوسف عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير إن "اتفاق المبادئ" كان يخلص لدولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس، إضافة لعودة اللاجئين والحق بتقرير المصير.

وتابع أن رفض الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) لكامب ديفيد-2 عام 2002، والذي يمس بتلك الحقوق المشروعة، عرَّضه للمحاصرة والاستشهاد، حسب قوله.

لكن حكومات الاحتلال المتعاقبة وآخرها حكومة اليمين "الفاشية" -يقول أبو واصل- تنكرت لحقوق الشعب الفلسطيني، وفرضت وقائعها على الأرض لا سيما الاستيطان والعزل وقطع التواصل الجغرافي، مما حال دون قيام دولة مستقلة متواصلة.


"يهودية الدولة"

وأضاف أبو واصل أنها بدعواتها المتكررة لـ "يهودية الدولة" لم تعد إسرائيل متنكرة فحسب لدولة فلسطينية أو حتى "دولة بقوميتين" بل أصبحت ترسخ لذلك بإجراءاتها المختلفة.

وفسر تناقض إسرائيل برفضها دولة فلسطينية وذهابها بالوقت نفسه إلى أوسلو لنيتها المضي قدما بتثبيت الوقائع على الأرض، مستندة إلى عدم رد الفعل الموازي والمكافئ لغطرسة الاحتلال، وصمت دولي ودعم أميركي غير محدود يفلتها من العقاب على جرائمها.

وقسمت أوسلو الضفة الغربية (5800 كيلومتر مربع) من فلسطين التاريخية (27 ألف كيلومتر مربع) إلى 3 مناطق: أ، ب (21% و18% منها)، ج، تقدر بـ 61% من الضفة وتخضع أمنيا وإداريا للاحتلال، وعبرها تعمل إسرائيل لتهويد الضفة.

ورغم ذلك لم يعدم الفلسطينيون، برأي أبو واصل، السبل والأمل لإقامة دولتهم بثوابتها المعهودة من عودة اللاجئين والقدس عاصمة، والحق بتقرير المصير وتحرير الأسرى.

وأكد أن الرهان قائم على كفاح وتضحيات الفلسطينيين منذ عقود، وأن المطلوب معاقبة إسرائيل ومقاضاتها دوليا، وإلا ستمضي بالتعايش مع بيانات الشجب والاستنكار والتهرب من استحقاقات دولية تضمن حقوق الفلسطينيين.

بيع الوهم

وقال المحلل السياسي والمختص الفلسطيني بالشأن الإسرائيلي عادل شديد إن اتفاق أوسلو لم يتطرق أصلا للدولة الفلسطينية، بل على العكس فقد منع قيامها، واكتفى بإعلان مبادئ تقام بموجبه سلطة حكم ذاتي تنقل إليها مجموعة من الصلاحيات الأمنية والمدنية على جزء من الأرض وجزء من الشعب موجود بالضفة وغزة، على حد قوله.

ورأي شديد -في حديثه مع الجزيرة نت- أن الإيجابية الوحيدة لأوسلو تتمثل في أنه تعاطى مع الضفة والقطاع كوحدة جغرافية وسكانية واحدة، لكنه لم يتطرق لمستقبلها، ولهذا أرجأت أبرز القضايا المرتبطة بجوهر الصراع وهي القدس واللاجئين والماء والحدود، إلى المرحلة النهائية التي لا أفق للوصول إلى نهايتها.

وأضاف "هكذا بيع الوهم للعرب والفلسطينيين، وأصبح الحديث عن الاستقلال وانسحاب الاحتلال وعن كيان للفلسطينيين أبعد مما كان عليه قبل أوسلو".

وأكد شديد أنه لا يوجد في العقل الإسرائيلي دولة سوى إسرائيل مستقلة وذات سيادة على أجوائها وحدودها وثرواتها ما بين النهر والبحر، وأن إسرائيل لم تفكر يوما بغير "يهودية الدولة" وليس وصول اليمين الإسرائيلي للحكم وتسارع الاستيطان وتقسيم الضفة إلا مؤشرات للدولة اليهودية الواحدة، حسب شديد.

والأخطر -يضيف شديد- أنه وبعد تمرير مشروع قانون القومية للشعب اليهودي، جرى تمرير رزمة أخرى من القوانين لاسيما المتعلقة بالبناء واللغة والمناهج والقضاء، والتي تؤكد حالة التمييز والتمتع بكافة الحقوق السياسية والمدنية "وأن غير الإسرائيليين ليس لهم سوى حقوق فردية".

أمل مفقود

عمليا، لا أمل بدولة فلسطينية أمام المعطيات الإسرائيلية على الأرض، فالاستيطان يشكل 9.6% من الضفة، إذ يستعمر أكثر من 750 ألف مستوطن حوالي 360 مستوطنة وبؤرة استيطانية بالضفة وشرقي القدس.

كما تشكل الشوارع الالتفافية الاستيطانية 3% منها، و3% أيضا معسكرات لجيش الاحتلال، فضلا أكثر من 760 حاجزا إسرائيليا تتنوع بين (حاجز عسكري وترابي وإسمنتي وبوابات حديدية) وغيرها، وكلها تقطع أواصر الضفة لـ 7 كنتونات ومعازل رئيسية ضخمة.

وإضافة لسيطرتها الكاملة على الأغوار الفلسطينية، وهي الحدود الشرقية للضفة، تبلع إسرائيل أكثر من 83% من مياه الفلسطينيين.

ويخلص وزير هيئة الجدار والاستيطان السابق وليد عساف لكون قيام الدولة الفلسطينية ذات وحدة جغرافية تتلاشى لصالح الحكم الذاتي المقطع والمجزأ (حكم الكنتونات) ورغم ذلك تخطط إسرائيل للسيطرة عليها لتفتتيها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دولة فلسطینیة على الأرض

إقرأ أيضاً:

"العين.. وادي السمَّان.. جنوب الخليل".. كيف ينجح الاحتلال بالاقتحامات المتتالية أن يزيد اشتعال الوضع داخل غزَّة؟

خلال هذه اليلة الفائتة، ورد بيان عاجل حول قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مخيم العين بمدينة نابلس في الضفة الغربية، حاصر بناية سكنية، بعدما اقتحمت واد السمن جنوب الخليل وبلدة بيت أمر شمالها، وذالك كلَّه في غضون ساعات قلائل، لكنَّها الجحيم  في كلٍّ ثانية وكل حِسبة زمنية على المواطنين والعجائز والأطفال داخل هذه المناطق وأخرى في قطاع غزَّة.

تتابع بوابة الفجر على مدار الساعة، لا سيَّما في باب "العدو الصهيوني" كافة التطورات داخل غزَّة، إذ أنَّ معاناة القطاع لم تلبث أن تهدأ لحظة، داخل هذا الأمر الجنوني، الذي يراه شرفاء العالم إبادة، دون تزيين أو تجميل في الفقرات والعبارات.

توتر وتصعيد في الضفة الغربية

شهدت مدينة نابلس في الضفة الغربية تصعيدًا جديدًا عندما اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيم العين، مما أدى إلى زيادة التوتر والأزمة في المنطقة. تعد هذه الاقتحامات المتكررة جزءًا من استراتيجية الاحتلال لإحكام السيطرة على المناطق الفلسطينية، وتثير هذه العمليات القلق الدولي وتزيد من معاناة السكان الفلسطينيين. 

توتر وتصعيد في الضفة الغربية

تتزامن هذه التحركات العسكرية مع توترات سياسية متصاعدة، مما يزيد من تعقيد الوضع في الضفة الغربية ويجعل من الصعب تحقيق أي استقرار أو تقدم نحو حل سياسي.

 رفض نتنياهو وعرقلته للاتفاقات مع حماس

يلعب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، دورًا حاسمًا في تأجيج الأزمة الحالية بسبب رفضه المستمر وعرقلته لأي محاولات للوصول إلى اتفاق مع حركة حماس. هذا العناد السياسي يعكس سياسة الاحتلال القائمة على القوة العسكرية والضغط المتزايد على الفلسطينيين، مما يعزز الشعور بعدم الأمان واليأس بين السكان الفلسطينيين. إن موقف نتنياهو المتشدد يعقد الجهود الدولية والمحلية لتحقيق هدنة دائمة أو بدء محادثات سلام فعالة، ويزيد من احتمالية حدوث تصعيدات مستقبلية قد تكون أكثر دموية وخطورة.

تفاقم الأزمة واستمرار المقاومة

مع استمرار الاقتحامات المتتالية ورفض نتنياهو لأي اتفاقيات مع حماس، تتفاقم الأزمة في الضفة الغربية، مما يدفع الفلسطينيين إلى مزيد من المقاومة والصمود. يعتبر الاقتحام الأخير لمخيم العين في نابلس مثالًا صارخًا على الوضع المتدهور، حيث تؤدي هذه العمليات إلى تدمير الممتلكات واعتقال السكان وزيادة العنف. في هذا السياق، يشعر الفلسطينيون بأنهم محاصرون بين قوة الاحتلال وغياب الحلول السياسية، مما يعزز الروح المقاومة ويزيد من احتمالات الانتفاضة الشعبية. إن تحقيق السلام والاستقرار يتطلب تغييرًا جذريًا في السياسات الحالية وتبني نهج جديد يقوم على الحوار والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني.

كيف يرى الأمر نتنياهو والذين معه؟كيف يرى الأمر نتنياهو والذين معه؟

حماس الضغط على المجتمع الدولي لتوسيع رقعة الضغط على الحكومة الإسرائيلية، إلَّا أنَّ رئيس حكومة الاحتلال يرى الامر بتعجرف شديد، لا سيما بعد تأييد أمريكي، تمثَّلت في موافقة الولايات المتحدة الأمريكية على أفادت قناة "14" العبرية، منذ يومين،  بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد حصل على موافقة أمريكية لشن عملية عسكرية ضد لبنان، وذلك قبل وقوع الهجوم على بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل. إذا أنَّ ما يراه نتنياهو بعيون أمريكا أنَّه يحارب معتدين، ما يضع القضية في مصاف الهيِّن أمام أعين المجتمع الدولي، أو على وجه أدق أمام مؤيِّدي الكيان الصهيوني.

وبذلك ترتبط الاقتحامات المتتالية بأن تجعل من مسار الوضع في غزة مثارًا للأزمة التي لا تنتهي، ولا يتسنَّى لها حلّ، مهما كانت براعة المحاولات وقوَّة الوساطات، فتظل غزَّة إلْف مشهدٍ معتاد بين قصف واقتحامات وانتهاكات تتباين وتتوالي دون توقُّف. 

مقالات مشابهة

  • إنه غوانتانامو.. واشنطن بوست تتناول الانتهاكات الفظيعة ضد الفلسطينيين بسجون إسرائيل
  • "العين.. وادي السمَّان.. جنوب الخليل".. كيف ينجح الاحتلال بالاقتحامات المتتالية أن يزيد اشتعال الوضع داخل غزَّة؟
  • إذاعة العدو: الاحتلال يسحب قواته من الضفة الغربية لهذا السبب.. وحماس: نتنياهو يماطل لمنع اتفاق
  • إصابات في الضفة عقب اعتداءات ومواجهات مع قوات الاحتلال
  • صورة.. ثلاثة مختطفين قررت سلطات الحوثيين إعدامهم وسط استنكار شديد وادانة
  • تحالف أميركا وأستراليا والهند واليابان يعلن التزامه بإقامة دولة فلسطينية
  • ‏أمريكا وأستراليا والهند واليابان: ملتزمون بدولة فلسطينية تأخذ في الحسبان المخاوف الأمنية المشروعة لإسرائيل
  • حسام بدراوي: إقامة دولة فلسطينية يجب أن تكون نابعة من الشعب وليس حماس
  • نائبة روسية للجزيرة نت: لهذه الأسباب أدان الدوما الكنيست بشأن قيام دولة فلسطينية
  • يزور الأرض كل 71 عاما.. ماذا تعرف عن “مذنب الشيطان”؟