بعد غياب د جون قرنق من المشهد السياسي بالوفاة المفاجئة لم تستطع قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان الأم والتي آلت إليها مقاليد الأمور بالحركة الشعبية وشراكة السلطة مع المؤتمر الوطني بقيادة القائد سلفاكير من الحفاظ على جاذبية الحركة الشعبية لتحرير السودان بعد فقدها لرمزها وزعيمها المؤسس د.قرنق، كما ولم تجهد القيادة الجديدة للحركة نفسها كثيرا من أجل الحفاظ على وحدة الدولة وشعبها واكتفت بجنوب السودان وشعبه وشعارات السودان الجديد لجنوب السودان، وبانفصال جنوب السودان ذهب مع دولة الجنوب الوليدة أسماء وقيادات بارزة مثل باقان اموم ورياك مشار وادورد لينو ودينق الور وغيرهم وآلت الأمور في دولة السودان الأم لشقيقتها الصغرى التي تبقت بالشمال بإسم الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال بقيادة الثلاثي (عقار والحلو وعرمان) قيادات الحركة بشقيها بالشمال والجنوب تعرضت لإختبار في فترة شراكة حكم الحركة الشعبية لتحرير السودان الأم مع حزب المؤتمر الوطني وبات الشارع يعرف عنها وعن مواقفها بالتجربة، بعد إنفصال الجنوب عاد الثلاثي لخيار السلاح وبعد العودة لخيار السلاح إنقسمت قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال إلى كتلتين ، كتلة بقيادة الحلو الذي لا يزال متمسكا بمواقفه وكتلة أخرى بقيادة عقار وعرمان وتحالفت كتلة عقار عرمان مع شراكة قوى الحرية والتغيير بموجب إتفاق سلام جوبا ثم انقسمت هي نفسها إلى كتلتين ، كتلة بقيادة عقار وأخرى بقيادة عرمان ، الكتلتان تحملان ذات الشعارات المرفوعة في الوسائط والتي ضاعت مضامينها في دهاليز السلطة أو في دروب البحث عنها.

بخلاف الحركات الثلاث بقيادة الحلو وعقار وعرمان هنالك العديد من رفقاهم السابقين ممن يحملون ذات إسم الحركة الشعبية لتحرير السودان مع التعديل في الإسم مثل تلفون كوكو أبو جلحة وخميس جلاب ودانيال كودي وغيرهم، وظل الحال هكذا ، يذهب هؤلاء ويأتي اولئك في ظروف وأوضاع مغايرة كل مرة ، بالنسبة لحركات المسلحة التي انطلقت من دارفور أيضا ضربتها الإنقسامات ، حركة العدل والمساواة التي تأسست بقيادة د خليل إبراهيم هنالك عدة حركات تحمل ذلك الإسم مع التعديل ،ولم تتوقف الإنقسامات حتى في ظروف الحرب الدائرة حاليا ومؤخرا اعلنت مجموعة منها عن تسمية نفسها قيادة جديدة لحركة العدل والمساواة بقيادة سليمان صندل، ظروف الحرب واحباط المواطنين من تجارب الحركات لم تجعل للإعلانات عن حركات مسلحة جديدة أو انقساماتها أصداء أو زخم كما كان في السابق ، لم يعد الرأي العام يعطي الإعلان عن تكوين حركة مسلحة أو عزل قيادة حركة أو إنقسامها اي قيمة أو اعتبار، فقد صار الإعتبار لأمور أخرى وعلى راسها مستقبل وجوده في بلاده والآلاف تدافعوا للخروج إلى أي جهة أو دولة بلا خطط معينة ، لقد تجاوز الشارع والرأي العام فعليا التكوينات المسلحة ولم يعد يراهن عليها والمتبقي من المواطنين صار يأمل في ظهور تنظيمات مدنية لديها اهداف وبرامج تبدأ باستعادة الدولة في اذهان المواطنين اولا ، فالدولة الآن غير موجودة في اذهان المواطنين، كما وبعد نهاية هذه الحرب العبثية من تبقى بالسودان من شعبه ، قطعا سيعبر عن نفسه بوسائله التي يحددها ولن يكون منها البندقية أو التهديد بها ، كما ولن يكون من بينها الجأر بالشكاوي أو الظلامات الجهوية والمناطقية . صحيح ،قد تمتد سطوة البندقية لفترة طويلة ، ولكن الأجيال القادمة ستحدد وسائلها ومستقبلها بذات نفسها وهذه من المحاسن وسط ركام مخلفات الحرب العبثية .
من نتائج هذه الحرب العبثية وايجابياتها ايضا بالرغم من الكوارث والخراب والدمار فقد تيقنت غالبية الشعب السوداني وبصورة جلية بان حزب المؤتمر الوطني وشعاراته لأهداف السلطة ، وان هذا الحزب يمكنه ان يفعل اي شئ من أجل السلطة كما ولم يستفد من دروس تجاربه السابقة وصنعته لربيبته الدعم السريع كما وبانتهاء الحرب ستنتهي مرحلة البرهان واعوانه وقد اكتشف الشعب السوداني اهمية وجود جيش سوداني مهني ودوره في القيام بمهام حماية البلاد والمحافظة عليها بعيدا عن الحزبية والسياسة ، كذلك كشفت الحرب عدم وجود قوى حزبية أو تنظيمات سياسية حقيقية والمثال الأوضح في ذلك قوى الحرية والتغيير
* موقف مستر نو وحركة جيش تحرير السودان .
ظروف الحرب الدائرة وملابساتها ايضا كشفت ان الموقف الذي تميز به الأستاذ عبد الواحد محمد النور الرئيس المؤسس لحركة جيش تحرير السودان من المواقف الصحيحة ، لقد رفض الأستاذ عبد الواحد الحلول الجزئية وتمسك بالحلول الشاملة المستدامة واوجزها في مبادرة يشارك الشعب السوداني في إطلاقها وإنتاج الحلول منها من خلال منصة مشتركة تعبر عنه تعبيرا حقيقيا ، لقد خرجت وتكونت عدة مجموعات تحت غطاء حركة جيش تحرير السودان التي اسسها الأستاذ عبد الواحد النور بعضها التحقت بالسلطة في مراحل مختلفة من عهد المخلوع وحتى الآن ،وتم استخدامها واجهات رمزية في السلطة تحت غطاء عدة أسماء تم تعديلها او تحويرها ولكن ظل للأستاذ عبد الواحد وحركته التميز بالموقف الواضح حتى صار وكأنه يعبر بموقفه المتميز المعروف عن كل شعارات الحركات المسلحة بما في ذلك الحركة الشعبية لتحرير السودان، ومن كثرة الحركات المسلحة التي شاركت كلها في ظروف وأزمنة سابقة ولم تنتج سوى المزيد من الخيبات وفقد الشارع ثقته فيها ولكن ظلت حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد النور(مستر نو) تحتفظ بوضعها المحترم ومطالبها الواضحة من دون الدخول في اي مساومات ، كاتب هذا المقال لا صلة له بالعمل المسلح ويدعم في وسائل التعبير الخيار السلمي المدني دون غيره ولكنه في ظل مسيرات المقاومة في عهد حكومة د. حمدوك وما بعد قرارات البرهان في ٢١/ ١٠ / ٢٠٢١ رصد ان العديد من شباب لجان المقاومة وقوى الثورة كانوا يرفعون الشعارات التي ينادي بها عبد الواحد ويثمنون مواقفه وفي تمسكه بشعارات حرية وسلام وعدالة ،كما ظل الأستاذ محمد عبد الرحمن الناير المشهور ببوتشر الناطق الرسمي بإسم حركة جيش تحرير السودان يشارك بصورة راتبة في نشر خطاب حركة جيش تحرير السودان، ذلك الخطاب الذي يدعو كل مكونات الشعب السوداني لتشارك في تولي شأن إدارة الدولة وتحمل مسؤولية بنائها بأسس عامة ومجردة مكفولة باحكام الدستور الذي يعبر عن إرادة الشعب ..
إن مبادرة حركة جيش تحرير السودان التي ظل يتحدث عنها الأستاذ عبد الواحد قد تكون ظروف الحرب الإستثنائية الحالية جعلتها مواتية لإطلاقها بأكثر من اي وقت آخر وذلك لتضميد جراح النفوس التي تشبعت بالضغائن والأحقاد من جراء كافة اصناف الإنتهاكات الجسيمة التي ارتكبت على المواطنين واحتلال منازلهم وتشريدهم داخليا وخارجيا حتى صار هنالك ستارا نفسيا بين المتحدرين من أبناء السودان من المناطق الأخرى والمتحدرين من أبناء السودان من غربه خاصة دارفور وبين مكونات أبناء دارفور انفسهم .
قد تكون مبادرة حركة جيش تحرير السودان بقيادة الأستاذ عبد الواحد من الفرص القليلة المتبقية لاستدعاء الدولة اولا في اذهان المواطنين ومن بعد للملمة الجراح وإزالة الشوائب والمرارات التي تكرست في الوجدان اجتماعيا وجهويا وتنقيتها من أجل الإتجاه السليم في مسار إستعادة الدولة اولا في اذهان مواطنيها والتأسيس لدولة تحترم فيها الحقوق بين كل مكوناتها وإنهاء عهد شعارات الظلامات الجهوية والمناطقية والشروع في ذلك قبل فوات الأوان، وحتى لا تطول فترة الخراب والدمار وتنتهي بالبلاد إلى اشلاء متناحرة .  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحرکة الشعبیة لتحریر السودان الشعب السودانی السودان من

إقرأ أيضاً:

السودان بعد الحرب.. هل تستمر لعبة العسكر؟

ظلّ النظام السياسي في السودان ومنذ الاستقلال قبل نحو سبعة عقود يراوح ما بين الحكم العسكري، والحكم الديمقراطي بنمط تبادلي، نظام ديمقراطي يعقبه نظام عسكري، فيما يمكن تسميته بـ "لعبة عسكر وديمقراطية"!

ونتج عن هذا النمط التبادلي فكر سياسي في أوساط النخبة السودانية قوامه جدل بيزنطي استمر طوال العقود السبعة ما بين دعاة الحكم الديمقراطي بصيغته الليبرالية، وأولئك الذين يرون وجوب تطوير نظام للتداول السلمي للسلطة يتناسب مع البيئة السودانية بما تتضمنه من تنوع إثني وعقدي وثقافي وما يسود فيه من تقاليد مرتبطة بالتركيبة المجتمعية المحلية السائدة.

بعبارة مختصرة ظل الصراع محتدمًا بين دعاة الأخذ بالصيغة الليبرالية للنظام الديمقراطي، وبين دعاة (سَودَنَة) نظام يضمن تداولًا سلميًا للسلطة يراعي خصوصية المجتمع السوداني، بمعنى أن كل القوى السياسية السودانية متفقة على مبدأ التداول السلمي للسلطة، ولكنها مختلفة حول ماهية الصيغة الأنسب التي ينبغي الأخذ بها .

صراع اليمين واليسار

دعاة الأخذ بالصيغة الليبرالية هم أولئك الذين تأثروا بشكل أو بآخر بالثقافة الأوروبية عمومًا، والإنجليزية بالخصوص، بسبب وقوع السودان تحت طائلة الاستعمار البريطاني، وبالتالي كان لديهم انبهار بالنظام الديمقراطي في صيغته الليبرالية التي كانت مطبقة في بريطانيا وفي العديد من الدول الأوروبية.

إعلان

هذه الفئة نجحت في فرض رؤيتها لأسباب عديدة، لكن أهمها وأبرزها أنها كانت لها علاقات وطيدة ووثيقة بدوائر الحكم في بريطانيا، وتركيا، ومصر، كما أن رموز هذه الفئة وجدوا حاضنة قوية جدًا في طائفتي الأنصار والختمية اللتين كان لزعيميهما علاقة عضوية بالمستعمر البريطاني، يضاف إلى ذلك نجاح هذه الفئة في الإعلان عن استقلال السودان من داخل البرلمان في 19 ديسمبر/ كانون الأول من العام 1955.

وبالتالي فقد كان الطريق ممهدًا لهذه القوى لوراثة الحكم بعد الاستقلال، فتبنت النظام البرلماني على غرار النظام في بريطانيا، وبالطبع لم يكن هناك مَلِك، ولكن تم تشكيل مجلس سيادة بصلاحيات محددة هي شرفية أكثر منها حُكْمية..

هذه الفئة تضم في داخلها القوى السياسية اليمينية، مع بعض المستقلين وقليلٍ جدًا من القوى الإسلامية الحديثة التي كانت لها رؤى مغايرة لكنها لم يكن لها ثقل جماهيري كبير، فارتضت أن تكون ضمن هذه الفئة تجنبًا للانضمام إلى الفئة الأخرى التي كان يقودها اليسار بكل تشكيلاته الحزبية.

وكان التيار اليساري بقيادة الحزب الشيوعي في أوج افتتانه بالتجربة الستالينية، ومنخرطًا في الحرب الباردة إلى جانب المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي ضد المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، وكان يرى في النظام الديمقراطي الليبرالي نظامًا غربيًا رأسماليًا وامتدادًا للاستعمار البريطاني.

وانعكس هذا الموقف اليساري المناوئ لموقف القوى اليمينية سلبًا على الحياة السياسية غداة الاستقلال، واحتدم الخلاف بينهما مما كانت نتيجته تسليم رئيس الوزراء المنتخب عبدالله خليل السلطة لقائد الجيش الفريق إبراهيم عبود لتبدأ أول دورة للحكم العسكري في السودان.

نتائج الممارسات الشائهة

وقد ألقى هذا الخلاف بين اليمين واليسار بظلال سالبة على الحياة السياسية في السودان، وشكل فيما بعد وحتى اليوم عقبات ظلت تعرقل مسار الحياة السياسية ووسمتها بالاضطراب المستمر والمتكرر مما كانت نتيجته حالة عدم الاستقرار وتعثُّر عملية انتقال وتداول السلطة.

إعلان

تمظهرت هذه الحالة في تكرار عمليات سحب الثقة من الحكومات، ووقوع عدد من المحاولات الانقلابية الفاشلة في فترات الحكم الديمقراطي الثلاث التي شهدها السودان، هذا فضلًا عن طول فترات الحكم العسكري: (إبراهيم عبود 6 أعوام – جعفر نميري 16 عامًا – عمر البشير 30 عامًا)، وقصر فترات الحكم الديمقراطي: (الفترة الأولى عامان – الفترة الثانية 5 أعوام – الفترة الثالثة 3 أعوام).

وفوق هذا وذاك، كانت لحرب الجنوب الأثر الأكبر في اضطراب الحياة السياسية والتي بدأت في العام 1955، وانتهت في العام 2005، وتلتها في التأثير الحرب في دارفور التي اندلعت في العام 2003.

لكن الحقيقة أن الأثر الأكبر الذي أدى إلى اضطراب الحياة السياسية في السودان، كان يتمثل في سلوك الأحزاب والقوى السياسية نفسها بممارساتها الشائهة للعمل السياسي إبان فترات الحكم الديمقراطي.

وكانت هذه الممارسات الشائهة السبب المباشر وراء انهيار الحكم الديمقراطي في التجارب الثلاث، فكل الانقلابات العسكرية التي أطاحت بالحكومات الديمقراطية المنتخبة كانت بتدبير من أحزاب سياسية؛ (انقلاب إبراهيم عبود كان وراءه حزب الأمة القومي، وانقلاب جعفر نميري كان وراءه الحزب الشيوعي السوداني، وانقلاب عمر البشير كان وراءه حزب الجبهة الإسلامية القومية).

أيضًا، يضاف إلى ذلك أن فترات الحكم الديمقراطي كانت السمة المشتركة فيها هو فشل حكوماتها في مجالين مهمين هما؛ الاقتصاد والأمن، إضافة إلى مشكلات أخرى متعلقة بالسياسة الخارجية.

في مقابل ذلك، شهدت فترات الحكم العسكري تطورًا ملموسًا في هذين المجالين، فمعظم مشروعات التنمية الاقتصادية ذات الأثر الإيجابي على الاقتصاد الكلي أنشأتها حكومات تحت مظلة الحكم العسكري، كذلك شهدت فترات الحكم العسكري استقرارًا نسبيًا في الجانب الأمني، ومزيدًا من الانفتاح في السياسة الخارجية للسودان.

إعلان

وألقى هذا الواقع بأثره على تفضيلات الغالبية العظمى للشعب السوداني الذي أظهر ميلًا واضحًا نحو تأييد الحكم العسكري لشعوره باستقرار الحياة المعيشية، واستتباب الأمن وتزايد هيبة الدولة داخليًا وخارجيًا في ظل هذه الأنظمة، ومن ثم وقر في العقل والضمير الجمعي الشعبي أن الحكم العسكري أفضل وأنسب للسودان من الحكم الديمقراطي.

وهي حقيقة يصعب إنكارها، وبعض الشواهد تدلل عليها، فطول مدة الحكم العسكري شاهد على ذلك، فالفترة الأولى كانت مدتها ست سنوات، زادت في الفترة الثانية وبلغت 16 عامًا، ثم زادت في الفترة الثالثة فبلغت 30 عامًا، وهو مؤشر لا يمكن تجاهله بالنظر إلى ولع السودانيين بالتغيير وصنع الثورات.

وتعتبر فترتا الحكم العسكري؛ الثانية والثالثة أكثر الفترات التي شهدت طفرات اقتصادية واستغلالًا كبيرًا للموارد الاقتصادية، وطفرات كبرى في البنى التحتية والتطور العمراني، وفي المستوى المعيشي، خاصة في فترة حكم الرئيس البشير، رغم الضوائق التي كانت تطل بين فترة وأخرى؛ بسبب العقوبات الأميركية، لكن حدثت في هذه الفترة نقلات نوعية في قطاعي النفط والتعدين، تمكنت فيها الدولة من إحداث نهضة صناعية وعمرانية وإرساء بنية تحتية معتبرة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الثورة التي أطاحت بحكم البشير كانت مختلفة تمامًا عن ثورتي أكتوبر/ تشرين الأول 1964، وثورة أبريل/ نيسان 1985، فكلتا الثورتين كانتا وطنيتين خالصتين غير مدعومتين من الخارج، بينما كانت ثورة أبريل/ نيسان 2019 مصنوعة ومدعومة من الخارج، وكان داعموها الأجانب يهدفون من ورائها استبدال حكم البشير بآخر يدين لهم بالولاء: (تحالف مكون من عدد من القوى السياسية ومنظمات مجتمع مدني ومليشيا الدعم السريع)، والهدف هو استغلال الثروات المعدنية والزراعية والحيوانية الهائلة، والسيطرة على ساحل بطول 750 كيلو مترًا على البحر الأحمر. وهو ذات التحالف الذي أشعل الحرب الدائرة الآن بمحاولته الاستيلاء على السلطة في 15 أبريل/ نيسان 2023.

إعلان البرهان والمستقبل

ومع طول أمد الحرب وما حدث فيها من فظائع وجرائم غير مسبوقة في تاريخ السودان القديم والحديث ارتكبتها مليشيا الدعم السريع والتي كانت كلها منصبة بشكل أساسي على المواطنين وعلى المنشآت والمؤسسات والأعيان المدنية، وخطاب الكراهية العنصري الصادر من قيادات مليشيا الدعم السريع تجاه الشعب السوداني، والكشف عن مشاركة مقاتلين مرتزِقة مع المليشيا، ووضوح مصادر الدعم اللوجيستي للمليشيا، ترسخ لدى الشعب السوداني اعتقاد جازم بأن الدولة السودانية بشعبها وأرضها ومواردها وسيادتها هي المستهدفة، وهذا نتج عنه التفاف شعبي كبير غير مسبوق حول الجيش والحكومة القائمة ضد هذا المشروع الأجنبي.

ووجد البرهان تأييدًا واسعًا وشعبية كبيرة ودعمًا غير مسبوق من جل قطاعات الشعب السوداني، وهو يقود الدولة سياسيًا وعسكريًا في أخطر مرحلة تمر بها، محققًا انتصارات باهرة في جبهة الحرب، وفي جبهة الدبلوماسية، وإدارة علاقات السودان الخارجية بحنكة، ورسم أولويات السياسة الخارجية، وفوق هذا وذاك تسيير أعمال الدولة السيادية والتنفيذية دون حدوث اختلالات مما تحدث عادة إبان الأزمات والحروب.

أصبح البرهان أسطورة ومحط إعجاب السودانيين، ينظر إليه كقائد (ملهم) شجاع مقدام ذكي صبور، قاد جيشه إلى نصر كبير وصد عدوانًا كبيرًا مباغتًا مدعومًا من قوى داخلية وإقليمية ودولية بعدد كبير وعتاد ضخم حديث ما كان أحد من المراقبين الأكثر تفاؤلًا يتوقعه.

وهذا الوضع الذي تبوَّأه البرهان ومن معه في كابينة القيادة من العسكريين والمدنيين ومن شركاء الجيش في حركات الكفاح المسلح ربما أماط اللثام بشكل كلي عن مستقبل الحكم في سودان ما بعد الحرب.

فالوضع الحالي يعطي صورة هي الأكثر قربًا من الحقيقة لما ستؤول إليه الأوضاع السياسية في السودان، ومقياس رسم للمشهد السياسي القادم.

إعلان

فمما هو مؤكد أن مليشيا الدعم السريع والقوى السياسية التي تحالفت معها وخططت معها للاستيلاء على السلطة لن يكون لهما موطئ قدم في الحكم والساحة السياسية بعد الحرب.

فهذه القوى والمليشيا فقدتا كل مظان التأييد والمساندة من قطاعات الشعب السوداني في كل أقاليم البلاد. بل أصبح هؤلاء مطلوبين للعدالة مما يغلق الباب في وجه أي احتمال لعودتهم للبلاد من منافيهم الاختيارية.

يضاف إلى ذلك أن هذا التحالف الذي أشعل الحرب وقع في خطأ قاتل بادعائه أنه فعل ذلك من أجل جلب الديمقراطية والحكم المدني، وإنهاء ما سماه سيطرة الجيش والإسلاميين على الحكم، حيث لم يعد أحد يصدق هذا الادعاء بالنظر إلى الممارسات الفظيعة المنافية للإنسانية وأبسط قواعد الحقوق المدنية وحقوق الإنسان التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع بمناصرة ودعم من القوى الحليفة لها.

وساعد على ترسيخ هذا اليقين بزيف هذا الادعاء تذبذب المليشيا وحليفها المدني في تبرير إشعالهما للحرب، فمرة من أجل الديمقراطية، وتارة من أجل نصرة (المهمشين)، ومرة من أجل إنهاء سيطرة سكان شمال السودان على السلطة والثروة، ووصل الحد إلى أن أعلنت مليشيا الدعم السريع على لسان قائدها حميدتي أنهم يستهدفون القضاء على قبيلة بعينها في شمال السودان!

ومن كل ذلك مضافًا إليه موقف الأحزاب السياسية السالب من الحرب وانقسامها ما بين منخرط في صف المليشيا، وما بين منزوٍ متلحف بثوب الحياد، ويستثنى في ذلك التيار الإسلامي الذي انخرط كلية في صف الجيش ضد المليشيا بكتيبة مقاتلة وبثقله السياسي والإعلامي، فإن مستقبل الحكم الديمقراطي في السودان يبدو ضبابيًا ويكتنفه الغموض، وتتضاءل احتمالات التوجه نحو الأخذ به بعد الحرب.

وبالمقابل تتزايد اتجاهات واحتمالات أن يبرز إجماع شعبي يضع ثقته في كابينة القيادة الحالية بالدولة بكل طيفها الوطني لتستمر في قيادة الدولة في وقت السلام بعد أن قادته إلى بر الأمان في وقت الحرب.

إعلان

وينظر السودانيون إلى مرحلة ما بعد الحرب باعتبارها الأكثر صعوبة وتحتاج إلى وحدة الكلمة والصف لا فرقة وخلاف الأحزاب السياسية، وأنها معركة بناء وإعمار لا تقل أهمية عن معركة صد العدوان وحفظ سيادة الدولة، وأنها ستأخذ وقتًا أطول مما أخذته الحرب، وأنه بعد الإعمار يحتاج الأمر أوقاتًا أطول للحفاظ على ما تم إعماره، وأنه من غير المرجح أن تتم المخاطرة به ليكون في عُهْدة الأحزاب السياسية مرة أخرى.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • مجلس الدولة: لا يجوز وضع اسم المواطن بالسجلات الجنائية لمجرد تحرير محضر ضده
  • مجلس الدولة: لا يجوز تسجيل اسم الشخص بالسجلات الجنائية لمجرد تحرير محضر ضده
  • حرب الجريمة والعقاب في السودان
  • السودان بعد الحرب.. هل تستمر لعبة العسكر؟
  • مديرة تموين الإسماعيلية: تخفيضات 40% ضمن مبادرة سوق اليوم الواحد
  • خطر الألغام في السودان.. الموت المختبئ تحت الأقدام
  • ماذا يعني تحرير الخرطوم؟
  • (FAA): نتابع إجراءات المطارات التي تشهد حركة مكثفة بعد حادث تصادم الطائرتين في واشنطن
  • ضياء الدين بلال يكتب: القوة الخفية التي هزمت حميدتي (2-2)
  • وزير الدفاع الأمريكي: سنجهز إسرائيل بالذخائر التي لم تُمنح لها سابقًا