لا يختلف اثنان حول حقيقة أن لا قادة سياسيين -عسكريين كانوا أو مدنيين- مؤهلين حاليًا لحكم السودان.
إذ أثبتت التجارب أن اللاعبين في الحلبة السياسية السودانية الذين عادة ما تنتفخ أوداجهم بالشعارات الوطنية الرنانة، هم أبعد ما يكونون عن الوطنية والوطن، باستثناء القليل الذين لا يتجاوز عددهم شعر الرموش .
فالوطن في عرفهم مجرد منجم لمعادن ثمينة، والسياسة بالنسبة لهم عبارة عن مِعول حفرٍ و آلة تكسير لاستخراجها، بينما المواطن في عقليتهم لا يعدو كونه حيواناً أليفاً ساذجاً يسهل تسخيره لنقل وطحن وغسيل تلك المعادن، حتى إذا ما أصبحت جاهزه، اكتنزوها وركلوا الجميع!
*يتضح ذلك جليّاً من خلال مراجعة محطات ومواقف أيٍّ من القادة السياسيين والعسكريين على اختلاف أجسامهم وأكوامهم، منذ فترة ما قبل سقوط الديكتاتور عمر البشير، حينما صمتوا على بشاعة أفعاله وشاركه بعضهم في الفتك بأبناء الشعب السوداني قتلاً ونهباً وحرقاً واغتصاباً.

.. وراقصه معظمهم على إيقاع القاذفات التي كانت تهطل بسخاء على رؤوس أجزاء واسعة من أبناء الشعب السوداني... ثم ما ان تحركت المحكمة الجنائية الدولية لملاحقته في العام 2009 حتى استنفرت تلكم الاجسام عضويتها وجماهيرها للاصطفاف خلف راقصهم ضد قرارات المحكمة الجنائية الدولية, فحُرقت على الساحات صورٌ وأعلامٌ وعلى الهواء الطلق كلمات، وصدرت فتاوى دينية ووطنية تحرم المساس ب"شعرة من كديسة سودانية"...
والغريب أننا لم نشهد أية وقفة أو فتوى مماثلة للمناداة بوقف تلك المجازر في السودان، لا من الأحزاب المعارضة وقتها، ولا الاحزاب الموالية، ولا الطوائف الدينية ولا حتى المواطن العادي.
*وقد جاءت ثورةُ ديسمبر الشجاعة لتفضح الساسةَ والعسكر وحتى أجهزتنا القضائية بصورة أكثر وضوحاً بعد أن تواطئوا مع مجرمي الحزب الساقط، مرورًا بفضيحة جريمة فض اعتصام القيادة العامة التي يعلم حتى الوِلدان مخططيها ومنفذيها وحدوث ما حدث فيها، ومن ثم صمت الجميع عن ملف تلك الجثث التي تجاوزت ال3000، والتي ما فتئت مسجاة بتكدسٍ في مشارح الخرطوم منذ يونيو 2019 وحتى اللحظة منتظرة عدالة السماء لتقتص لها من قاتليها... فلم يفتح لأحدهم طوال تلك الفترة بكلمة سوى تلك التى نادت بضرورة تقسيم السلطة والثروة حفاظاً على المناصب الدستورية الشكلية، إلى أن جاء انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر٢٠٢١, الذي أعاد النظام السابق بمباركة العسكر وجنجويده و حلفاءهم ، وهي في اعتقادي نقطة الانطلاقة الأولى لإشعال جذوة هذه الحرب الجارية!
*اليوم وبعد أن حمي الوطيسُ واحترق اللين واليابس, بدأ أمراءُ هذه الحرب من الجيش وجنجويده وحلفاءهما يتسللون منها لواذاً باحثين عن بلادٍ آمنة, بعد أن أحرقوا بلادهم بكامل إرادتهم وقواهم العقلية...
ويقيني أنهم إذا ما قُدرت لهم المشاركة في حكم تلك البلاد التي هربوا إليها لأحرقوها مثل ما أحرقوا السودان.
والمحزن حقاً أن كل تلك المناظر البشعة لم تمنعهم من المواصلة في التحريض لمزيد من التقتيل و التدمير والتخريب!
فأي عار وأي نذالة أن تخربوا بلادكم ثم تتسولون الأمان في بلاد الآخرين!
وأي عار أن ترموا بأبناء الغلابة والمواطنين الأبرياء في أتون الحرب ليصطلون بسعيرها، بينما أنتم على أسِرّة الفنادق الفاخرة بدول الأمان نائمين ملئ الاجفان دونما خوف من قصف السخوي أو اقتحام غرفكم من قبل مسلحين لاتنزاع زوجاتكم من احضانكم بعد قتلكم في انصاف الليالي!

أحمد كانم

11 سبتمبر 2023

amom1834@gmail.com
///////////////////  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

دعاة الحرب والقتلة- سخرية الأقدار في زمن الخراب السوداني

في خضم الحرب الأهلية التي تعصف بالسودان، تطفو على السطح مفارقة مأساوية لا يمكن تجاهلها: أولئك الذين يتشدقون بالوطنية ويلوكون كلمة "العمالة" بأفواههم هم أنفسهم من أشعلوا نيران الفتنة، وسكبوا دماء الأبرياء، وحوّلوا البلاد إلى ساحة مفتوحة للقتل والدمار. إنها سخرية الأقدار أن يتحول القتلة إلى دعاة للوطنية، وأن يرفعوا أصواتهم بالحديث عن الخيانة بينما هم من جلبوا الخراب إلى أرض السودان.

في ظل هذه الحرب الضروس، تحولت منصات البث المباشر ووسائل التواصل الاجتماعي من أدوات لنشر الوعي إلى منابر للتحريض على العنف. ما كان يُفترض أن يكون وسيلة لإظهار الحقائق وتحقيق العدالة، أصبح أداة لتأجيج الكراهية وتمزيق النسيج الاجتماعي. يتنافس المتحدثون على هذه المنصات في إطلاق الاتهامات والتخوين، بل إن بعضهم لا يتورع عن الدعوة الصريحة للعنف، وكأن الدم السوداني قد أصبح رخيصًا في عيونهم.

الأمر الأكثر إيلامًا هو أن العديد من هؤلاء المحرضين لا يمتلكون أي مشروع سياسي أو فكري حقيقي. هم مجرد أدوات تُستخدم لخدمة أجندات خارجية أو مصالح شخصية ضيقة. لا فرق بين من يدعمون المليشيات أو الجيش النظامي؛ فكلاهما يساهم في إطالة أمد الحرب من خلال خطاب الكراهية والتحريض. هم وقود الصراع، وليسوا حلًا له.

القتلة يرفعون شعار الوطنية!

المفارقة الأكثر إثارة للاشمئزاز هي أن أولئك الذين سفكوا دماء السودانيين باتوا اليوم يتحدثون عن "الوطنية" و"الشرف". كيف لمن قتل الأبرياء ودمر المدن أن يدعي الدفاع عن الوطن؟ كيف لمن يتلقى الدعم من جهات خارجية أن يتحدث عن السيادة الوطنية؟ إن خطاب "العمالة" الذي يروجون له ليس سوى محاولة يائسة لتبرئة أنفسهم من الجرائم التي ارتكبوها، ولإقناع الشعب السوداني بأنهم الضحايا وليسوا الجلادين.

الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن هؤلاء المحرضين هم جزء لا يتجزأ من المشكلة. هم من ساهموا في تحويل السودان إلى ساحة حرب بالوكالة، حيث تُستخدم البلاد كمسرح لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية. لا يمكن لمن يقف وراءه دعم خارجي، ويمارس القتل والنهب، أن يدعي أنه يحمي سيادة الوطن.

ما الحل في زمن الحرب؟

في ظل هذه الأوضاع المأساوية، يبقى الحل الوحيد هو فضح زيف هذه الخطابات وكشف تناقضات أصحابها. يجب على الشعب السوداني أن يرفض الانجرار وراء خطابات الكراهية والاستقطاب، وأن يعمل على إيقاف نزيف الدم الذي يستنزف البلاد. السودان بحاجة إلى أصوات العقل والحكمة، لا إلى أمراء الحرب ودعاة الفتنة.

لن يتحقق السلام إلا بمحاسبة كل من تورط في سفك الدماء، ورفض كل الأصوات التي تحرض على العنف. يجب أن يُحاكم كل من استخدم السلاح ضد شعبه، وأن تُحاسب كل جهة ساهمت في تأجيج الصراع. فقط عندها يمكن أن يعود السودان وطنًا آمنًا لكل أبنائه، بعيدًا عن لغة التخوين والتحريض التي أوصلته إلى حافة الهاوية.

السودان يستحق أن يعيش بسلام، وأن يبنى من جديد على أسس العدل والمساواة. أما دعاة الحرب والقتلة، فليعلموا أن التاريخ لن يرحمهم، وسيحكم عليهم بما يستحقون.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • ???? عبد الرحمن عمسيب ، الرائدُ الذي لا يكذبُ أهلَه
  • كيكل: الوحدة التي حدثت بسبب هذه الحرب لن تندثر – فيديو
  • هل دخل السودان عصر الميليشيات؟
  • السلاح والغذاء في حرب السودان
  • الحرب ستشتعل في الضعين؛ قراءة في المشهد القادم!
  • الدول التي تدرس إدارة ترامب فرض حظر سفر عليها
  • المرحلة الأخيرة.. هل نحن على أعتاب نهاية الحرب في السودان؟
  • "سر المحوجة" .. كيف انتقلت من بلاد الشام إلى المطبخ المصري ؟
  • قدرة ناشطي/ناشطات الحركات على مجاراة الآخرين ضعيفة
  • دعاة الحرب والقتلة- سخرية الأقدار في زمن الخراب السوداني