كيف تحيا بالوحدانية سعيداً، وتموت بالانفصال شقياً!!
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
ولدت في قرية صغيرة وادعة، ترعرعت وانا مقيد بتقاليد وعادات تجري فينا جريان الدم في الشرايين، فأصبت بداء الانفصال في مرحلة مبكرة من عمري، فكنت ضحية لقدر محتوم يحدد لي ما يجوز قبوله وما لا يجوز، قد ينطبق على الكثير، وعندما بلغت من العمر عتياً وجدت نفسي محملاً بالكثير من القيود التي تسجن المشاريع الوطنية في سجن العيب كأي مجتمع قبلي يحرض على رفض الآخر، تصفه تارة بالجلابي، حدادي، انباوى، غرباوي، دنيكاوي أو حلبي وخاصة اذا كان من اهل الديانات السماوية الاخرى، يشاركنا استاذ التربية الاسلامية في ذلك، بدافع انهم اصحاب النار, منصباً نفسه قاضياً له حق التوزيع هذا في الجنة وذاك في النار.
الانفصال لا يعرف الحدود، فأصبح طاغياً ومهيمناً على مفاصل الحياة كلها، فارتد على الجميع، هذا اخواني، ختمي، انصاري، قادري أو سماني، قسمنا المسلمين الي ثلاثة وسبعون فرقة كلهم في النار إلا واحدة، فأصبح الرفض ينمو حتى تلاشى قيمة العقد الاجتماعي كقانون مبني على التراضي والتنازل من أجل العيش المشترك، وضاع قيمة الإنسان، وهذا ما لا يتناغم مع الرسالة الالهية، الا وهي الحب والاخاء ووحدة الاصل. كسر قوانين القرية مدعاة للعيب، ويبقى ما نقشه الاباء والاجداد حجر الاساس للمعرفة.
القدرة على التغيير تأتي من الوعي الصادق بالوطنية، ندعيها، ولكن قليلٌ منا يطبقها، فهي العاطفة التي تتطلب دوماً من العقل اللا واعي أن يحول المعني لفعل واقعي، ولا يتحقق ذلك إلا بالولاء للوطن واحترام الدستور والقوانين والحريات وممارسة أدب الحوار الواعي، وتعزيز احساس الفرد والمجتمع بمسؤولياته، لا بالكذب واقنعة الزيف وما يقبع خلف الستار، الانانية تتجلى بوضوح خاصة في البعثات الخارجية لنيل الدرجات العليا، متى ما يلوح في الافق فرصة للعمل براتب مغري، تغيب قيمة الوفاء بالالتزام وصيانة العهد، محدثاً نفسه فقط سنة أو سنتين ونعود، وعود جميلة ولكن اقرب الي خداع الذات بالامال الزائفة فكم منهم قضى نحبه في بلاد الغربة، وايضا في المنح إلى الدول الاوروبية من اجل التدريب والتأهيل، في أول سانحة يفكر في اللجوء دون تأنيب للضمير.
قررت العودة، وتحدثت مع صديقي لي لاشاركه الرأى، فكان الرد الصادم، لا ترجع انا نفسي باحث عن مخرج، خلي البلد يتصّلح أولاً، السؤال البديهي من الذي يقوم بالاصلاح؟؟؟ وكيف ينصلح حال البلد اذا المتعلمين الذين صرفت عليهم الدولة من اموال الشعب يهربون وقت الشدة. عند الازمات اشد ما تكون حوجة الوطن لأبنائه المفكرين والغيورين للإصلاح، اذا انعدل الحال بدونهم، يبقى حوجة البلد ليهم في شنو؟؟ ما في قوة يستطيع ان يمنع الوطني من الرجوع للمساهمة في البناء والتعمير، فالوطنية تختلف اختلاف جذري من ادعاءها، لكن يبدو المعيار مقلوب، فمتى تتفتح ازهار المعرفة التي نلناها وتقودنا لآفاق جديدة لفهم أبعادها العميقة، وحمايتها من تسلل الأفكار التي تؤذيها، وكيف ننقل وعينا من فهم الظاهر إلى الغوص في عمق الباطن وننظر إلى الاصل لا إلى القشور، لنرى جمال الحياة في التعايش مع الاخر، كلنا من نفس واحدة، الانسانية ضد الانفصال الذي يقود الى الظلام، فيطفىء شعلة الحب فينا، وقتها لا نعرف نحتفي بغروب النور أم بقدوم الظلام.
دعونا نفكر فيها بعمق من غير تعقيد، نؤسسها بعيداً عن خصوم الاباء، وننظر لها كسيمفونية متناغمة، كل منا يعزف آلته باحتراف، فتتشكل عالم من الجمال تقودنا إلى الوحدانية (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ)، يختلف شكلاً ونوعاً مما وجدنا عليه الاباء، الوطنية هي الأصالة التي نهدف إلى وضع اعمدتها سوياً، ونحتفل بالمولود الجديد، ونغذيه بأفكار التحرر من قيود الخوف إلى سعة الحب ومن التقليد إلى الإبداع، فادخال الافكار النتنة سيخرج لنا عشرات الأطنان من منتوجات الصرف الصحي، ويقود إلى الانفصال عن الذات، بدل أن نكون متساوين تحت مظلة الوطن الواحد، تجدنا منقسمين على حسب الأقاليم، والولايات ثم إلي قبائل وبطون وهكذا دواليك، دوماً في الانفصال يكمن الظلام، فكيف ننقاد له، وفينا القوة الابتكارية التي ترسم صور للجمال من الالوان المختلفة، بياض رمز السلام والسواد لون الحداد والاخضرار لون الطبيعة وبهجتة والاحمرار رمز الدماء ومرات بيرمز للخجل والوان كثيرة مهجنة، دعونا نرسم لوحة فنية بألواننا واشكالنا وقبائلنا وادياننا، ونرجع للنفس الواحدة التي تختبىء فيها خفايا الحكمة الانسانية بالوانها واشكالها المتعددة، حيث تلتقي كلها في متسع الرحمة الالهية، الرجل والمراة الكبير والصغير الابيض والاسود كلها ابداعات الهية، لا للتمييز بل تعبير صادق للكود الكوني لا يمكن تشفيره، وذلك لا يتأتى إلا بقدر وعينا بالوحدانية أو نمضي قدماً في الطريق المعاكس الذي لا ندري إلى اين يتجه، مهما كان قدرة الفنان اذا لم يستخدم الالوان المختلفة فالصورة قد لا تعجب الكثير، تقبل الاخر ليس بالامر الساهل، إلا اذا توفرت الرغبة الاكيدة للتخلي عن الزيف والاعيبه.
تعزيز قيمة الوطنية تحتاج أن نعطيها حجمها الطبيعي، لو فكرت بأنك قادر على عزف آلة البيانو من المحاولة الاولي أو الثانية، وبالجهد البسيط، وبذلك تكون عازف محترف، ليس إلا خداع للذات، لانك لم تقدر الوقت و الجهد الكافي للعزف تقدير صحيح، كذلك الوطنية لا تولد معنا وإنما نكتسبها بالتدريب والتأهيل وافراد الوقت الكافي لها، فالخلل في عدم اعطاءها الحجم الطبيعي لها، وعدم ضبط التوقعات المتناسقة مع حدودها، فهي تحتاج إلى الجهد التي تناسب زرع بذرتها في دواخلنا، لكل قيمه عليا جهد موازي ومتناغم لها، فاذا تعليم العزف على آلة البيانو محتاج زمن وجهد. فما بالك بالوطنية كقيمة عليا، تحتاج لجهد وتدريب، ومنهج متكامل، وحماية من الهجمات والاحباطات وان تكون واعي بحجمها، الي ان تصبح صرح لا يهتز من حجم المؤامرات.
تماسكها يعتمد على الوعى العمري بها، فالاعمار ثلاثة، عمر الجسد ويبدأ لحظة الميلاد وعمر العقل، قد تجد شخصاً عمره الجسدي ستون عام ولكن عمره العقلي لم يتجاوز مرحلة الطفولة والعكس صحيح، ولكن الاكثر اهمية عمر الوعي، وتتجسد بصفة خاصة في العمل العام، والمسؤوليات العظام قد تكون مسؤول ولكن عمر وعيك صفر كبير فيما انت مسؤول عنه، قد تكون مهندس ولكن عمر وعيك بالطب ضئيل، لذلك لا يمكن ان تجري عمليه جراحية، أو تكون عازف وعمر وعيك الموسيقى قليل، فاقل ما توصف رموز النوتة الموسوقية بالشخبطة، حجم الوعي بالوطنية تعزز فينا قيمة الوحدانيه كلنا اخوان، وتلك القيمة لا تكتسب إلا بالتربية الوطنية التي تبعدنا عن عقلية الانفصال والتي اصبحت الصوت العالي في ربوع الوطن الغالي. الوطنية ليست مجرد اسم نطلقه على مولود جديد، إنما تستدعي تغييراً جذرياً في الأفكار.
abudafair@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
هذه أسباب استقرار سعر الصرف رغم الحرب... ولكن هل هو ثابت؟
"كم بلغ سعر صرف الدولار؟". سؤال شغل اللبنانيين يومياً على مدار الأعوام الخمسة الماضية. فبعدما بات الإقتصاد مدولراً ولو بشكل غير رسميّ، أصبحت العملة الخضراء تحكم اللبنانيين لتسيير أعمالهم اليومية، حتى أزاحت الليرة اللبنانية عن الساحة بصورة شبه كليّة. ومع الحرب الدائرة منذ أيلول المنصرم، وفيما اعتدنا أن يغتنم المتلاعبون بالأسعار الفرصة لتحقيق مكاسب أكبر، من المستغرب بقاء سعر الصرف مستقراً عند حدود الـ90 ألف ليرة للدولار الواحد منذ نهاية العام الماضي.
منذ ربيع عام 2023، شهد لبنان استقرارًا ملحوظًا في سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي، على الرغم من التداعيات الاقتصادية والسياسية الكبرى التي هزّت المنطقة، بما في ذلك الحرب في غزة، وتصاعد التوترات في جنوب لبنان بعد إعلان حزب الله خوضه الحرب لإسناد غزة.
كما خلفت الحرب الإسرائيلية آثارًا كارثية من الدمار والتعطل الاقتصادي، مما زاد من الضغوط على الاقتصاد اللبناني الهش أصلًا.
وبحسب البروفسور بيار الخوري، تمكّن مصرف لبنان المركزي بعد تغيير الحاكمية والتوافق الذي حصل بين الحاكم بالتكليف د. وسيم منصوري والمؤسسات الدولية، من ضمان هذا الاستقرار النقدي نتيجة لاعتماد سياسات حذرة واستراتيجية مالية متميزة.
وأشار الخوري لـ"لبنان 24" إلى أن الخطوات تمثّلت بـ"وقف تمويل عجز الموازنة، فقد توقف المصرف عن تمويل العجز الحكومي، وتبنت الحكومة موازنات متوازنة تعتمد على الإيرادات الذاتية بدلًا من الاستدانة".
كما تمّ الحد من التدخل في سوق القطع، وفق الخوري "إذ قلّل المصرف تدخله المباشر في سوق صرف العملات، مع التركيز على ضخ السيولة بالليرة اللبنانية فقط ضمن حدود تضمن توفير المتطلبات الأساسية للاقتصاد".
إلى ذلك، جرى ضبط السيولة من خلال اعتماد المصرف سياسة تقنين السيولة بالليرة اللبنانية، بحيث لا تتجاوز الكتلة النقدية بمعناها الضيق (النقد في التداول) ما يعادل 600 مليون دولار. تم تحقيق ذلك من خلال اعتماد الحكومة على زيادة الضرائب والرسوم بما ساهم في سحب الفائض النقدي من السوق.
ووفق الخوري، استطاعت هذه السياسات الحد من الضغوط التضخمية وتحسين استقرار النظام النقدي، رغم الظروف القاسية والحوار وظيفة الليرة ودور البنوك في الاقتصاد، ما أدى إلى استعادة الثقة بالسلطة النقدية.
واعتبر الخوري أن مصرف لبنان يواجه اليوم تحديات سياسية واقتصادية تهدد استمرارية هذا الاستقرار النقدي، أبرزها "تعرض الحاكم بالتكليف وسيم منصوري، لضغوط سياسية بهدف دفع المصرف إلى تمويل مشاريع مثل أعمال الإغاثة، مما قد يؤدي إلى زيادة الكتلة النقدية وبالتالي ارتفاع التضخم وانهيار قيمة العملة".
كما أن الآثار الاقتصادية للحرب المستمرة في لبنان والتداعيات الإقليمية تضع الاقتصاد اللبناني تحت ضغط إضافي، خاصةً مع تعطّل شرايين التجارة والصناعة والخدمات بسبب خروج ثلث الأراضي اللبنانية من الدورة الاقتصادية.
واعتبر الخوري أن الاقتصاد اللبناني يظل معتمدًا بشكل كبير على التحويلات من الخارج والقطاع المصرفي، مما يعرضه لمخاطر متزايدة في ظل انعدام النمو الإنتاجي.
من هنا، أشار إلى أن "أي خطوة لاستئناف تمويل الحكومة من قِبل مصرف لبنان قد تعيد البلاد إلى دوامة التضخم الجامح وفقدان الثقة في النظام المالي. هذا التمويل، وإن كان يستهدف أهدافًا إنسانية وإغاثية، يمثل تهديدًا للاستقرار النقدي الذي تحقق بشق الأنفس، خاصةً في ظل هشاشة الوضع السياسي والاقتصادي وسيأتي بنتائج عكس المرتضى خاصة من حيث التأثير على الفئات الأكثر تعرضاً للازمة".
ورأى الخوري أن الحفاظ على الاستقرار النقدي في لبنان يحتاج إلى استمرار السياسات المالية والنقدية الصارمة التي تبناها مصرف لبنان. وبالتالي، يجب إيجاد مصادر تمويل في الوطن مثل المساعدات الدولية وزيادة الإيرادات من القطاعات الإنتاجية، بدلًا من الاعتماد على طباعة المزيد من النقود. المصدر: خاص "لبنان 24"